في تطور لافت ضمن مسار العلاقات المعقدة بين الولايات المتحدة والصين، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب التوصل إلى اتفاق جديد مع بكين، يقضي بتزويد بلاده بالمعادن الأرضية النادرة مقابل تسهيل دخول الطلاب الصينيين إلى الجامعات الأميركية.
يأتي هذا الإعلان في وقت تشهد العلاقات التجارية بين القوتين العظميين حالة من الشد والجذب منذ سنوات، وسط تنافس متصاعد يمتد من ميادين الاقتصاد إلى مجالات الأمن القومي والتكنولوجيا.
وكتب ترمب في منشور له على منصة «تروث سوشيال»: «سنحصل على رسوم جمركية إجمالية بنسبة 55 في المائة، والصين ستحصل على 10 في المائة. العلاقة ممتازة!»، مضيفاً أن الاتفاق ما زال بانتظار الموافقة النهائية من كلا الطرفين على مستوى الرئاسة.
Donald J. Trump Truth Social 06.11.25 08:04 AM EST pic.twitter.com/rvtM7xSPSn
— Commentary Donald J. Trump Posts From Truth Social (@TrumpDailyPosts) June 11, 2025
وفي منشور آخر، قال ترمب إنه سيعمل مع الرئيس الصيني شي جيبينغ بشكل وثيق لفتح الصين أمام التجارة الأميركية، معتبراً أن هذا «مكسب كبير لكلا البلدين».
ومن الجانب الآخر، نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن نائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفنغ قوله إنه يتعين على الصين والولايات المتحدة تعزيز التوافق والحفاظ على التواصل، وذلك بعد أن اتفق البلدان على إعادة هدنة تجارية حساسة إلى مسارها الصحيح.

واختتم مسؤولون أميركيون وصينيون، بمن فيهم هي، يومين من المفاوضات في لندن يوم الثلاثاء لحل القضايا التجارية الرئيسية في حرب الرسوم الجمركية الشرسة بين القوتين العظميين، بما في ذلك مجموعة من إجراءات مراقبة الصادرات التي أعاقت سلسلة التوريد العالمية.
ونقلت وكالة «شينخوا» عن هي قوله إنه يتعين على الجانبين استخدام آلية التشاور الخاصة بهما لمواصلة «بناء التوافق، وتقليل سوء الفهم، وتعزيز التعاون»، واصفاً المحادثات بأنها صريحة ومعمقة.
وقال هي إنه يتعيّن على الصين والولايات المتحدة الحفاظ على النتيجة التي تحققت بشق الأنفس من حوارهما، والسعي نحو علاقات تجارية واقتصادية ثنائية مستقرة وطويلة الأمد. وأضاف أن موقف الصين من القضايا التجارية مع الولايات المتحدة واضح ومتسق، مؤكداً أن الصين صادقة في مشاوراتها التجارية والاقتصادية، لكن لديها مبادئها.
وعُقدت محادثات لندن بعد مكالمة هاتفية نادرة بين الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الخميس. وقال وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، الذي مثَّل الولايات المتحدة في لندن، إن الاتفاقية الجديدة سترفع القيود المفروضة على صادرات الصين من المعادن الأرضية النادرة، وبعض قيود التصدير الأميركية الأخيرة «بشكل متوازن»، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
وأضاف لوتنيك أن فريقي التفاوض سيعرضان إطار العمل على رئيسيهما للموافقة عليه. ولطالما شكّلت المعادن الأرضية النادرة واحدة من أهم أوراق الضغط الصينية في صراعها التجاري مع الولايات المتحدة. إذ تُسيطر الصين على ما يقرب من 60 إلى 70 في المائة من إنتاج وتكرير هذه المعادن على المستوى العالمي، والتي تُستخدم في تصنيع مجموعة واسعة من المنتجات التقنية والحيوية، مثل الهواتف الذكية، والمحركات الكهربائية، وأنظمة الدفاع الصاروخي، وأشباه الموصلات.
ومع تصاعد القيود الأميركية على صادرات التكنولوجيا إلى الصين، لا سيما في قطاع الرقائق وأشباه الموصلات، لجأت بكين إلى التلويح بتقييد صادرات المعادن النادرة بوصفها أداة موازنة، نظراً لاعتماد الصناعات الأميركية بشكل كبير على هذه الموارد. لكن الاتفاق الجديد يعكس تحوّلاً في مسار هذه الورقة التفاوضية؛ إذ قد تقبل الصين بتصدير المعادن مقابل الحصول على امتياز أكاديمي مهم يتمثل في السماح لطلابها بمواصلة دراساتهم في الجامعات الأميركية، وهو ما يُمثل مصلحة استراتيجية لبكين في إعداد كوادرها المستقبلية، من خلال مؤسسات التعليم الغربية المرموقة.

ومن الناحية الاقتصادية، يمنح الاتفاق الأسواق جرعة من التفاؤل المؤقت وسط حالة عدم اليقين التي تُحيط بالمحادثات التجارية بين الجانبين. ففي حال تم تنفيذ الاتفاق كما أُعلن، فإنه قد يُسهم في تهدئة مخاوف المستثمرين حيال نقص محتمل في إمدادات المعادن النادرة التي تُعد ضرورية لعدة قطاعات صناعية في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.
كما أن فتح الباب أمام الطلاب الصينيين للدراسة في أميركا يضمن استمرار تدفق مليارات الدولارات إلى الجامعات الأميركية التي تعتمد بدرجة كبيرة على الرسوم الدراسية الدولية، خاصة من الصين، التي تُعد أكبر مصدر للطلاب الأجانب في الولايات المتحدة منذ أكثر من عقد من الزمان.
ويُعزز هذا الاتفاق أيضاً فرص التعاون الأكاديمي والبحثي بين البلدين في مجالات حساسة، مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والهندسة المتقدمة، وهي مجالات يسعى كل طرف إلى تحقيق تفوق استراتيجي على الآخر.
ورغم أن الاتفاق يتخذ طابعاً تجارياً ظاهرياً، فإن أبعاده الاستراتيجية أعمق من ذلك بكثير. فمن جانب، يحاول ترمب تحقيق إنجاز دبلوماسي واقتصادي ملموس، وتصوير الاتفاق نجاحاً شخصياً في إدارة التوازن مع الصين، من دون اللجوء إلى مواجهة شاملة.
أما من الجانب الصيني، فإن بكين تدرك أن السماح لطلابها بالدراسة في الجامعات الأميركية هو استثمار طويل الأمد في رأس المال البشري الذي تحتاج إليه لدفع عجلة الابتكار والنمو الاقتصادي في المستقبل. كما أن استمرار انفتاح القنوات الأكاديمية بين البلدين قد يُخفف من حدة التوترات، ويوفر آلية غير رسمية لبناء جسور تفاهم وسط التصعيد في ملفات أخرى أكثر حساسية، مثل تايوان وأمن سلاسل التوريد التكنولوجية.
ورغم الأثر الإيجابي الأولي للاتفاق على معنويات المستثمرين، فإن الأسواق لا تزال حذرة في تقييم نتائج هذه الهدنة الجزئية. فالتجربة أثبتت أن الاتفاقات الإطارية بين واشنطن وبكين كثيراً ما تواجه عراقيل عند مرحلة التنفيذ. ولا تزال الخلافات قائمة بشأن ملفات معقدة، مثل القيود على شركات التكنولوجيا الصينية، ودعم الصناعات الوطنية، وحماية الملكية الفكرية.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن الاتفاق قد يمنح الاقتصاد العالمي فرصة لالتقاط الأنفاس مؤقتاً، لكنه لن يضع حدّاً للصراع التجاري والجيوسياسي الأعمق بين القوتين، فالحرب التجارية الممتدة منذ عام 2018 أدّت بالفعل إلى تعطيل تجارة بمئات المليارات من الدولارات، وأثرت على سلاسل الإمداد العالمية بشكل لا يزال العالم يُحاول التكيف معه حتى اليوم.
وفي المحصّلة، يُمثل الاتفاق الجديد بين ترمب وبكين خطوة إيجابية، لكنها محفوفة بالتحديات. نجاحه يعتمد بدرجة كبيرة على حسن النية في التنفيذ، وقدرة الجانبين على تجاوز العقبات السياسية الداخلية والخارجية. وإذا ما تمكَّنت واشنطن وبكين من ترجمة هذا الاتفاق إلى خطوات عملية ومستدامة، فقد يُشكل نقطة انعطاف في مسار التوترات التجارية العالمية. لكن مع استمرار التنافس الاستراتيجي في مجالات التكنولوجيا والطاقة والأمن القومي، تبقى الكثير من الملفات الساخنة على طاولة التفاوض، ما يجعل من الضروري مراقبة التطورات المقبلة بعناية فائقة من قبل المستثمرين وصناع القرار على حد سواء.
