بينما رحبت بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، السبت، بتشكيل المجلس الرئاسي للجنتين لمعالجة الشواغل الأمنية وحقوق الإنسان، أمر رئيس حكومة الوحدة المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، بالتحقيق في الاشتباكات الدامية التي شهدتها مدينة صبراتة الواقعة غرب العاصمة طرابلس، فيما أعلن الجيش الوطني خوضه قتالاً ضد مسلحين سودانيين على حدود الكفرة بجنوب البلاد، وسط مساعٍ لتبادل الأسرى واحتواء التوتر.
وأوضحت البعثة في بيان لها أن لجنتي الرئاسي، المؤلفتين من الأطراف الرئيسة، تستهدفان تعزيز الترتيبات الأمنية لمنع اندلاع القتال، وضمان حماية المدنيين، بالإضافة إلى معالجة الشواغل المتعلقة بحقوق الإنسان في مراكز الاحتجاز، إضافة إلى انتشار حالات الاحتجاز التعسفي.
وبعدما أعلنت التزامها تقديم الدعم الفني للجنتين، بما يتماشى مع المعايير الدولية وولايتها، قالت البعثة إن اللجنتين «تأتيان في لحظة حرجة يطالب فيها الليبيون بإصلاحات جادة، ومؤسسات دولة خاضعة للمساءلة، وديمقراطية».

وشكل المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي، الأربعاء الماضي، لجنة حقوقية مؤقتة برئاسة قاضٍ، وعضوية ممثلين عن وزارتي العدل والداخلية، ومكتب النائب العام، ونقابة المحامين، وممثل للبعثة الأممية، لمتابعة أوضاع السجون وأماكن الاحتجاز، وإجراء زيارات تفتيش دورية، ورصد التوقيفات خارج نطاق القضاء.
كما ناقش المجلس، الأسبوع الماضي، بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، مع رئيسة البعثة الأممية هانا تيتيه، سُبل التعامل مع تداعيات التطورات الأخيرة التي شهدتها طرابلس، من خلال إطلاق آلية لتثبيت الهدنة، ودعم ترتيبات أمنية تفضي لتهدئة دائمة وتعزز الاستقرار، في إطار مسؤوليات المجلس بصفته سلطة عليا للقيادة العسكرية في البلاد.

بدوره، أمر الدبيبة بالتحقيق في الاشتباكات الدامية التي شهدتها مدينة صبراتة، وقال مساء الجمعة، إنه كلف صلاح النمروش، آمر منطقة الساحل الغربي العسكرية، بفتح تحقيق فوري وشامل في ملابسات الاشتباكات، التي شهدتها المدينة الواقعة على بُعد 75 كيلومتراً غرب طرابلس، خلال الساعات الأولى من أول أيام عيد الأضحى المبارك.
وأدرج بيان حكومي هذا التكليف في إطار استكمال تعليمات سابقة، تضمنت التدخل الفوري لوقف النزاع وتأمين المدينة. فيما أعلن الدبيبة، أنه يتابع هذه الأحداث عن كثب، وتعهد بعدم السماح لأي جهة أو مجموعة بتهديد الأمن، أو زعزعة الاستقرار في أي مدينة ليبية، مؤكداً تطبيق القانون دون استثناء.
وأغلق بعض الشبان في صبراتة الطريق الساحلي ومداخل المدينة، احتجاجاً على الانفلات الأمني الذي شهدته، رغم إعلان مجلس حكماء وأعيان بلدية صبراتة توقف الاشتباكات بعد جهود وساطة محلية، وأثنى المجلس على جهود جميع من أسهم في إيقاف القتال وحقن الدماء، مؤكداً أهمية دور الوجهاء والمجتمع المدني في رأب الصدع ونبذ الفتنة.

وبحسب وسائل إعلام محلية، فقد قتل 8 أشخاص وأصيب ما يزيد على 10 آخرين في الأحداث التي شهدتها منطقتا زواغة والدبابشية بالمدينة خلال اليومين الماضيين، باستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والمدرعات، ما استدعى تدخل البلدية التي ناشدت الأهالي بتجنب الخروج للشارع إلا للضرورة، حتى تستقر الأمور.
وعقب هذه الاشتباكات، هدد أحمد الدباشي، الشهير بـ«العمو» الموصوف بأمير تهريب البشر والوقود بالمنطقة الغربية، في فيديو متداول عبر وسائل للتواصل الاجتماعي، بفضح المتورطين في عمليات تهريب المهاجرين غير الشرعيين في المدينة.
وورد اسم «العمو» في قائمة عقوبات فرضها مجلس الأمن الدولي عام 2018 بحق ستة أشخاص في ليبيا على رأس شبكات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، في إطار نظام للعقوبات أنشئ في 2011.
من جهة أخرى، استمرت المناوشات الأمنية بين جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة المناوئ لحكومة الوحدة، وجهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية، الداعم لها، بعدما نعى الأخير أحد عناصره الذي توفي فجر اليوم السبت، إثر تعرضه لما وصفه بعملية غدر آثمة نفذتها ميليشيات خارجة عن القانون، أثناء أدائه لمهامه الأمنية المكلف بها في سبيل حفظ الأمن والاستقرار.
وتوعد الجهاز بأن هذه الأفعال الإجرامية الجبانة لن تثني عناصره عن أداء مهامها الوطنية: «بل ستزيدها عزيمة وإصراراً على المضي قدماً في أداء الواجب، تحت راية الدولة وأجهزتها الشرعية».
في المقابل، وفي محاولة لتأكيد استقرار الأوضاع الأمنية في طرابلس، أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة انتشار دوريات إدارة إنفاذ القانون داخل المدينة، وفي مناطق التماس، بهدف فرض النظام العام، ورصد وضبط أي تجاوزات أمنية والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة.

إلى ذلك، وبينما أعلنت شعبة الإعلام بالجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، مواصلة «قوة العمليات الخاصة 87 تأمين الحدود الجنوبية»، قالت مصادر محلية إن «كتيبة سبل السلام»، التابعة لرئاسة أركان القوات البرية بالجيش، تصدت لمجموعة سودانية مسلحة هاجمت دورية تابعة لنقطة العوينات، الواقعة جنوب شرقي مدينة الكفرة بجنوب البلاد، ونجحت في فرض السيطرة الأمنية في المنطقة.
لكن الشيخ عبد الرحمن هاشم، آمر الكتيبة، تحدث في المقابل عما وصفه بسوء تفاهم بين القوتين على الحدود السودانية الليبية، بسبب اعتقاد الطرفين أن الموقع في نطاق حدوده، مشيراً إلى وقوع اشتباك أسفر عن مقتل اثنين من الجانب السوداني وأسر أحد عناصره، مقابل أسر ثلاث جنود للكتيبة. وأوضح أنه تم التواصل بين الطرفين والتفاوض لتبادل الأسرى، وكأنه لا يوجد ما يدعو للقلق.

وأكد مصدر مسؤول في الكتيبة لـ«الشرق الأوسط» أن المجموعات السودانية لا تنتمى إلى فصيل معين، وإنما مارست ما وصفه بـ«الارتزاق العشوائي» على الحدود. كما نفى المصدر، ما تردد عن احتجازها مهاجرين غير قانونيين، بينهم نساء وأطفال من الصومال، في مخازن قرب مطار الكفرة.
وأوضح المصدر في المقابل أن الكتيبة قامت، بتعليمات المشير حفتر، بذبح وتوزيع 100 رأس من الإبل و50 رأساً من الأبقار هدية مقدمة للنازحين من السودان.



