لم يكن موسم الحج هذا العام عادياً بالنسبة إلى 28 طاهياً سعودياً، فقد تحولت أحلام الطفولة ومواهب المطبخ إلى واقع ملموس، حين تسلّم هؤلاء الشباب والفتيات مهمتهم الأسمى في إعداد وجبات الإعاشة لحجاج بيت الله الحرام، بلمسة سعودية أصيلة.
ففي خيام الحجيج، وعلى موائدهم الممتدة في المشاعر المقدسة، لم تكن الروائح تعبّر فقط عن الطعام، بل عن حكايات وثقافات لمجموعة من الشباب بدأت من شغف، وكبرت حتى صارت خدمة.

تلك هي مبادرة «طاهي الحج»، التي أطلقتها مؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية «أشرقت»، لتمنح الطهاة السعوديين فرصة للمشاركة في إعداد وتقديم الوجبات لضيوف الرحمن، في تجربة تزاوج بين الاحتراف والهوية الوطنية، وتنهض بمستوى تغذية الحشود في موسم الحج، وفق أعلى معايير الجودة وسلامة الغذاء.
يروي الطاهي شعيب العطاس، ذو الأربعة والعشرين ربيعاً، حكايته بابتسامة لا تُخفي فخره قائلاً: «بدأت القصة حين كنت أراقب أمي تطبخ. تحوّل ذلك المشهد اليومي إلى شغف، ثم إلى مهارة، ثم إلى حلم كنت أنتظر تحقيقه... لقد منحتني هذه المبادرة فرصة لأقوم بما أحب». ويقول شعيب الذي تَنافس مع أكثر من 200 متقدم، قبل أن يتم اختياره ضمن النخبة التي نالت شرف الطهو للحجاج: «أنا أتقن إعداد وجبة الكوزي، وحين يأكل الحاج، ويبتسم شاكراً، أشعر أنني قمت بعمل شيء مميز».

في المقابل، تقول أمل راجح التي كانت تتابع لسنوات مشاهد الحجيج: «لقد كنت أتمنى في الماضي لو أنّي بينهم، أخدمهم ولو بكأس ماء»، كل ذلك كان قبل انضمامها إلى المبادرة وتحقيقها المركز الأول في مسابقة اختيار الطهاة، مؤكدةً أن المبادرة لم تحقق شغفها فحسب، بل صقلت مهاراتها، وفتحت لها آفاقاً مهنية لم تكن تتخيلها. تقول أمل: «هذا المشروع لا يمنحك فقط فرصة الطبخ، بل يضعك في قلب أعظم خدمة يمكن أن يقدمها المرء، وهي خدمة ضيوف الرحمن».
إلى ذلك تقول لينه خشيم، نائبة رئيس لجنة فريق «طاهي الحج» بمؤسسة «أشرقت»، إن المبادرة جذبت في عامها الأول مئات المتقدمين، وتم في النهاية اختيار أمهر 28طاهياً وطاهية. وتضيف: «خضع المشاركون لتدريبات مكثفة تحت إشراف نخبة من الطهاة العرب، لضمان تقديم وجبات تليق بالضيافة السعودية، وتلائم احتياجات الحجاج».
وأكدت أن المبادرة لم تُطلق فقط لإعداد الوجبات، بل لتأهيل السعوديين والسعوديات للدخول إلى مجال نادر ومتخصص «تغذية الحشود»، وهو مسار لا يزال في بداياته، لكنه يحمل فرصاً هائلة للشباب الموهوبين.

وتتابع لينه: «لا تقتصر المبادرة على الطهو فقط، بل تتوزع إلى مسارات عدّة تشمل التدريب والتأهيل، والتحدي والابتكار، والدعم والتمكين، وتهدف إلى إطلاق طاقات الطهاة السعوديين في تقديم أطباق تمزج بين الحداثة والأصالة، وتُعرّف الحاج على ثقافة المطبخ السعودي بطريقة إبداعية وآمنة. ففي كل طبق يُقدَّم، وفي كل وجبة تُوزَّع، هناك حكاية. ليس فقط عن مكونات الطعام، بل عن حب وطنٍ يحرص أبناؤه على إكرام ضيوف الرحمن بنكهة خاصة».


