طوّق متظاهرون ليبيون غالبية الشوارع المؤدية إلى مقر حكومة عبد الحميد الدبيبة في العاصمة، في فعل بات مألوفاً منذ الاقتتال الذي شهدته طرابلس منتصف مايو (أيار)، بقصد دفعه إلى الاستقالة.
وشهدت سبع مناطق وعدة طرق بالعاصمة، من بينها جزيرة الفرناج، مظاهرات حتى الساعات الأولى من فجر الخميس، أضرم المحتجون خلالها النار في إطارات السيارات، وأغلقوا الشوارع الرئيسة، مرددين هتافات تطالب الدبيبة بالرحيل عن السلطة، كما نددوا بتردي الأوضاع المعيشية لفئات مختلفة من المواطنين.

وتجمهر المحتجون -وغالبيتهم من فئات عمرية شبابية- في مفترق البيفي، ومفترق زناتة، وفشلوم، ومفترق اليرموك جنزور، ما دفع أجهزة الأمن إلى الانتشار لمنع تقدمهم إلى مقر الحكومة بطريق السكة بالعاصمة.
جمعة الغضب
باتت مثل هذه المظاهرات المتكررة، خاصة الليلية، بمحيط مقر حكومة «الوحدة»، تزيد من تضييق الخناق على حكومة الدبيبة، لإجبارها على تقديم استقالتها، بالإضافة إلى دعوات للتظاهر في «ميدان الشهداء» وسط طرابلس (الجمعة).
لكن نشطاء ليبيين وجمعيات حقوقية عبرت عن رفضها إقدام المتظاهرين على إضرام النار، وتخريب الطرق في طرابلس، مؤكدين أن مثل هذه الأفعال لا تخدم هدف الاحتجاجات المطالبة بإقالة الحكومة.
ونفى «حراك أبناء سوق الجمعة»، الذي يقف وراء الحشد للتظاهر منذ بداية الأحداث، أي علاقة له بإغلاق الطرق عبر حرق الإطارات، وقال موضحاً: «نحن ضد الفساد، وضد الحكومة، لكننا لسنا مع التخريب»، مؤكداً تضامنه ودعمه لـ«الشباب الأحرار في التعبير عن غضبهم، ورفضهم لهذا الوضع الفاسد، والمخزي».
وجدد «الحراك» دعوته لليبيين للخروج غداً الجمعة للتظاهر في «ميدان الشهداء»، قائلاً: «نريدها جمعة تُحرق فيها الحكومة، وليس الشوارع والناس».
غضب من الميليشيات
عبر ليبيون من مختلف المكونات الاجتماعية عن غضبهم، ورفضهم لما آلت إليه الأوضاع الأمنية، والمعيشية في طرابلس؛ نتيجة ما أسموه «استباحة الميليشيات المسلحة للأحياء، والطرقات، وإغلاقها»، مشيرين إلى أنهم «حولوا العاصمة إلى ساحة للفوضى، والعصابات الخارجة عن القانون».

ودعا ليبيون، ومن بينهم أكاديميون وأطباء ومهندسون ومحامون، الدبيبة ووزير داخليته خالد الطرابلسي إلى التوقف عن تحويل طرابلس إلى مدينة أشباح، وقالوا إنها تعاني من «ممارسات إجرامية غير مسبوقة، من قطع للطرقات، وحرمان المواطنين من أرزاقهم، وإجبارهم تحت تهديد السلاح على إغلاق محلاتهم بحجة العصيان المدني». مشيرين في بيانهم إلى أنه «في ظل هذا الانهيار الأمني؛ أقدمت هذه الميليشيات عبر عناصرها على إيقاف الدراسة تعسفاً في جامعتي طرابلس وناصر، وهددوا الطلبة بعدم الحضور، في تجاوز صارخ لكل القوانين والأنظمة، وإهانة واضحة لسلطة الدولة، وأجهزتها الشرعية»، ومؤكدين أن «انتهاك حرمة المستشفيات، وتهديد المرضى والطلبة وأصحاب الأعمال، يمثل تحدياً سافراً للدولة، ولشرعيتها، ويتطلب رداً فورياً، وحازماً».
وطالب الموقعون على البيان الدبيبة باستكمال ما أسموه «القرار الجريء» بحل ميليشيات «قوة الردع الخاصة»، وتفكيكها بالكامل دون تهاون، ووضع حد نهائي لعناصر «ميليشيات العمليات والأمن القضائي»، التي يتزعمها المطلوب دولياً أسامة نجيم، والتي تحظى بدعم علني من جماعات «خارجة عن القانون».
في سياق ذلك، قالت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة إن إدارة إنفاذ القانون بالإدارة العامة للعمليات الأمنية «تواصل تنفيذ التزاماتها الأمنية، من خلال نشر وحداتها في مناطق التماس داخل العاصمة طرابلس»، مشيرة إلى أن ذلك يأتي «ضمن جهود تنفيذ الترتيبات الأمنية المرتبطة باتفاق وقف إطلاق النار، وبالتنسيق مع الجهات الأمنية والعسكرية».
وأمام الأوضاع المتوترة في طرابلس، وفي ظل التعاطي -حتى الآن- مع «هدنة» توصف بأنها «هشة»، قالت السفارة الروسية لدى ليبيا (الخميس) إن السفير أيدار أغانين بحث مع الفريق أول ركن محمد الحداد، رئيس أركان القوات الموالية للدبيبة، الحالة الأمنية في طرابلس، بما يضمن عدم العودة إلى الاقتتال.

وقالت السفارة في بيان مقتضب إن اجتماع أغانين والحداد تطرق إلى «مناقشة أعمال لجنة الهدنة المشتركة، والخطوات العملية لخفض التصعيد في غرب ليبيا».
دعم حكومة الوحدة
في إطار جهود احتواء البلديات الليبية، ناقش الدبيبة مع وفد من أعيان ومشايخ ووجهاء قبيلة المشاشية مستجدات الأوضاع الأمنية، والسياسية، والخدمية.
وقال مكتب الدبيبة في بيان، مساء (الأربعاء)، إن اللقاء بحث «الملفات المتعلقة بأوضاع المنطقة بشكل عام؛ وسبل دعم جهود الحكومة في تحقيق الأمن والاستقرار، وتعزيز الخدمات للمواطنين في البلاد كافة».

ونقل مكتب الدبيبة «تأكيد وفد قبيلة المشاشية على دعمه الكامل لحكومة الوحدة الوطنية»، وإشادته بالخطوات التي تتخذها في سبيل بسط الأمن، وتوحيد مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش والشرطة؛ وجدد الوفد دعمه الكامل للحكومة «من أجل إجراء انتخابات شاملة، وحرة، ونزيهة».
وأشاد الدبيبة بدور وجهود وفد قبيلة المشاشية «من أجل وحدة البلاد، ودعم مسار بناء مؤسسات الجيش والشرطة؛ بهدف تعزيز الأمن والاستقرار»، مؤكداً «حرص حكومته على العمل مع مختلف المكونات الاجتماعية من أجل بناء دولة قوية تقوم على التفاهم، والمصالحة، والتنمية الشاملة».



