لن تخرج من فيلم «فولوير» للمخرج مارسيل غصن بالحالة النفسية نفسها التي دخلت بها إلى صالة العرض، فمشاعر الانزعاج والعصبية والقلق ستغمرك، وكأنك خرجت للتو من حلبة مصارعة.

من عنوان الفيلم يتضح أنه يتناول موضوعاً يتعلق بـ«السوشيال ميديا»، حيث تحدد أعداد المتابعين (فولويرز) مستوى شهرة الشخص. صُنع الفيلم بهدف توعية المجتمع بخطورة وسائل التواصل الاجتماعي، وسيترك أثراً لا محالة عليك، فتجد نفسك تعد الدقائق حتى تصل إلى خواتيمه. الضغط النفسي الناتج عن كاميرا الهاتف المحمول التي صُوّر بها الفيلم كاملاً، يفرض على المشاهد تجربة ثقيلة لا تُحتمل. ومع طول مدة العرض (86 دقيقة)، يحمل المخرج مارسيل غصن وجهة نظر مغايرة، إذ يقول لـ«الشرق الأوسط»: «رغبت في أن تبلغ جرعة اللااحتمال عند المشاهد أوجها، فأكون بذلك استطعت إيصال الرسالة كاملة».

تدور أحداث الفيلم حول «بلوغر» شهيرة تُدعى لين، تُجسد شخصيتها الممثلة ماريلين نعمان، التي استطاعت جذب عدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع تزايد شهرتها، يحاول أحد المعجبين (بيو شيحان) التقرُّب منها، ليتحوّل لاحقاً إلى شخص مهووس يشكّل تهديداً حقيقياً لحياتها.
في شوارع مدينة جونيه الساحلية، نتابع قصة البلوغر التي يخطفها افتراضياً أحد معجبيها بكاميرا جهازه المحمول، فيلحق بها خطوة بخطوة إلى حدّ يُشعرها بالاختناق.
يستفزّها بأسئلته التي يطرحها عليها، مُدَّعياً أنه يصوِّر فيلماً وثائقياً عنها. يُصوِّب كاميرته عليها عن قرب، وينهال عليها بوابل من الأسئلة، مستفيداً من نفورها منه، إذ تُبرز مشاعرها هذه وجهها الآخر الحقيقي كما يقول، فيسرق منها لطافتها وثقتها بنفسها، فتتحوَّل إلى امرأة مرعوبة وخائفة، لا سيما مع تهديده بتعذيب والدتها المريضة.
الفكرة بحد ذاتها تخرج عن المألوف، وكذلك تقنية التصوير بكاميرا الهاتف المحمول، ما يمنح الفيلم بُعداً واقعياً لمس مشاهده، فيشعر كما لو أنه يُعاني مع بطلته المرهقة.

يتناول الفيلم موضوعات اجتماعية مختلفة في حوارات تحكي عن الإدمان، وهوس الشهرة، وإهمال العلم، فيخرج المشاهد بزوادة سينمائية غنية رغم شعوره بالاستياء.
ويُعلق مارسيل غصن: «قصدت إزعاج المشاهد ليُدرك خطورة الوضع. لا أتضايق من الانتقادات التي وصلتني بهذا الشأن، فليس المطلوب دائماً أن نشاهد فيلماً سينمائياً بهدف التسلية والترفيه. ومن الضروري بين وقت وآخر أن نشعر بوخزة تصيبنا في العظم. لا بأس إذا شعرنا بالألم من جرائها، فتحفظه ذاكرتنا كي لا ننسى الدرس».
في بداية الفيلم ونهايته، تجول كاميرا المخرج على الناس، حيث يطالعونه بآرائهم حول وسائل التواصل الاجتماعي. بعضهم يُعدّها وسيلة للشهرة، وآخرون يرون فيها ضرورة، حتى بدا بعضهم متأثراً بمصير «البلوغر» لين في نهاية الفيلم، ما دفعهم إلى التحدث عن مدى الأذى الذي يمكن أن تُسببه الـ«سوشيال ميديا».
ويُشارك في الفيلم إلى جانب بيو وماريلين، مجموعة مواهب صاعدة من خريجي معاهد التمثيل والمسرح. ويقول غصن: «عمل الجميع بجد ليُثمر الفيلم النتيجة المرجوة. ولا بد من التنويه هنا، ببيو شيحان الذي تكفَّل بمهمة التصوير وتحديد إطارات المشاهد وإيقاع الحوارات».
ويضيف غصن موضحاً مشهداً مركزياً في العمل: «هناك مشهد أساسي أعددته، يجمع أبطال الفيلم في مقهى، ويحمل ثلاث زوايا تختصر موضوع العمل. نرى فيه لين المهدَّدة والخائفة بسبب شهرتها عبر الـ«سوشيال ميديا». كما يُسلَّط الضوء على المحيطين بها الذين لا يأبهون لمعاناتها، فيعكس ذلك استخفاف الناس بمشاعر بعضهم بعضاً لانشغالهم بالقشور. أما العنصر الثالث، فهو صوت المهووس الذي يتسلَّى بجميع الحاضرين من دون أن يُظهر وجهه، في تجسيد لمشهدية العالم الافتراضي الوهمي. كل هذه الحالات ليست خيالية، بل هي انعكاس حيٌّ لمعاناة الضحية وسط هيمنة السخافات والمبالغة في الأذى في مجتمعاتنا. فالرسالة مدوية، وعلينا أن نفهم مغزاها».
يؤكد مارسيل غصن أنه لم يصنع الفيلم للترويج التجاري أو لعرضه في دور السينما، «بل هو عمل توعوي أنوي عرضه في المدارس والجامعات. إنه مرآة لأشخاص تافهين يعيشون بيننا، وإذا تصرّف أحدهم على هذا المنوال، فهو مشارك في ارتكاب الأفعال المسيئة بشكل أو بآخر».

يرى غصن أن الفن رسالة، وعلينا استخدامه في المكان والزمان المناسبين لنقطف العبرة منه. وعن سبب اختياره للممثلة والمغنية ماريلين نعمان لبطولة الفيلم، يقول: «صُوّر الفيلم عام 2019 قبل شهرتها، وتأخر إطلاقه بسبب أوضاع مضطربة وأزمات متلاحقة أصابت البلد. لا أندم على هذا التأخير، فهو رأى النور في الوقت المناسب، لأن الـ(سوشيال ميديا) تعيش عصرها الذهبي. وأتمنى أن يتعلَّم جيل الشباب منه دروساً مهمة، فيُصلحون أخطاء يرتكبونها عن قصد أو عن غير قصد، ويدركون أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى دمار تام، وعندها لا ينفع الندم».
ويؤكد أن الفيلم لا يُشجّع على الامتناع عن وسائل التواصل الاجتماعي، بل على ترشيد استخدامها، فالوعي ضروري.
ويُحضّر غصن لإطلاق فيلم جديد يحكي عن انفجار بيروت، ويوضح: «رسالته ترتكز على علاقة الأهل بأولادهم في تلك الحادثة، وكيف أن غالبية الناس عانوا من انقطاع الاتصال بينهم للاطمئنان. فالأب الذي يبحث عن ابنته في الفيلم يُشكّل نموذجاً لآباء آخرين عاشوا الأمرين، وأُسلط الضوء على موضوع الهاتف المحمول، وكيف ساهم في توسيع حالات القلق لدى الناس حتى حد الانهيار».
يحمل فيلم «فولوير» رسالة اجتماعية وإنسانية بامتياز، تُعبّر عن واقع الجيل الصاعد وتحدياته في زمن العالم الرقمي، فيدق جرس الإنذار معلناً ضرورة أخذ الأمور بجدية أكبر.





