يمثّل إدي مسعد واحدة من أجمل قصص النجاح اللبنانية التي طالت العالمية. جدّي بخطواته ومتمسك بالـنظام، كقاعدة أساسية في عمله، استطاع أن يحرز الفرق.
إدي يملك اليوم سلسلة فروع لمطعم أطلقه من بيروت باسم «سويس باتر» (swiss butter)، وصل عددها إلى 18 مطعماً تتوزع على بلدان عربية وأجنبية، من بينها السعودية ودبي وإسبانيا ولندن وغيرها.
يقول إن الإنجاز كان هدفه منذ الصغر. فهو يعشق التحدّي ولكن ضمن خطة محكمة. يضع حساباته على الطاولة لينطلق بأي مشروع ينوي تنفيذه.

بداية مال إلى التخصص الجامعي العلمي في الكيمياء البيولوجية: «كنت أرغب في أن أصبح طبيباً. وكانت عائلتي تشجعني على ذلك. وفي الاختصاص الكيميائي الذي درسته في الجامعة اكتشفت أني لست في المكان الذي أرغب فيه. وتأكدت من ذلك إثر قيامي بالتدريب العملي في أحد المستشفيات».
اتخذ إدي مسعد قراره وانتقل إلى ضفة عمل أخرى تختلف عن تخصصه.
«بدأت العمل في مجال الضيافة بهدف دفع تكاليف دراستي الجامعية. وبسرعة وجدت نفسي مديراً لأحد المطاعم. ثم عملت لاحقاً مسؤول إدارة التكاليف (Cost Controller) في مجموعة ضيافة أخرى». ويضيف: «تابعت دروساً في هذا الشأن كي أتعرف إلى نقاط ضعفي. وشغلني موضوع الإدارة الفعالة، سيما وأني صرت أتمتع بخلفية غنية في مجال المطاعم».

اطّلع إدي على سوق لبنان وبحث عن نقاط ضعف تعاني منها المطاعم. لاحظ أن معظم المطاعم في لبنان تعاني من ضعف واضح في إدارة العمليات الخلفية (Back office). «هنا ركزت على إدارة الكلفة وأدركت بأني وضعت الإصبع على الجرح».
ثابرَ إدي مسعد على تثقيف نفسه في مجال إدارة المطاعم من خلال دوراتٍ متعدّدة، بعضها حضوريّ والبعض الآخر عبر الإنترنت. وعمل في عدة مطاعم ليطبّق نظريته في الخدمة المثالية بجميع عناصرها. أسّس شركته الخاصة (I Manage) لتوسيع مشاريعه.
يقول إدي إن مجال العمل في المطاعم يصيب صاحبه بقلق دائم. ولذلك يلزمه متابعة مضنية. «تستلزم مني مرات كثيرة 100 ساعة عمل في الأسبوع الواحد. وفي عام 2011 اتخذت قراري بالتفرّغ لشركتي».
في عام 2016 تبلورت الفكرة في ذهنه وراح يفكّر بمشروع «ماركة» خاصة به «كنت تعبت من تقديم الخدمات للآخرين. ورحت أفكر بخطط لتبديل هذه الاستراتيجية».
في لندن وجد إدي مسعد ضالته من خلال مهمة كان عليه تنفيذها هناك، ودائماً في مجال إدارة المطاعم. «السوق البريطانية تمثل نموذجاً كامل المواصفات للوقوف على مدى نجاح مشروع مطعم. هناك ولد معي موديل المطعم الذي أريده. وبالتالي جئت ونفّذته في بيروت. درست كل تفصيل صغير يرتكز عليه المشروع. ووضعت خطة مستقبلية له على مدى عشر سنوات. وكذلك رؤية لكيفية نقله إلى خارج لبنان».

يشير إدي مسعد إلى أن لائحة الطعام في أي مطعم يجب أن تدرس بدقة. «أي تغيير عشوائي فيها قد يتسبب بخسائر لصاحبها. في مطعمي اليوم تغيب مشهدية «المطبخ المركزي» فهي تكبّد صاحبها كلفة إضافية. في «سويس باتر» كل فرع يعمل باستقلالية تامة دون الاعتماد على مطبخ مركزي أو قاعدة رئيسية للإنتاج».
يقدّم «سويس باتر» 3 أطباق رئيسية فقط: فيليه أو إنتركوت لحم البقر، صدر الدجاج، وفيليه السلمون. ويرافقها البطاطا المقلية أو المشوية مع خبز باغيت أبيض أو أسمر، وصلصة Swiss Butter الشهيرة.
تصنع الصلصة في أوروبا ويستورد لحم البقر من المصدر مباشرة إلى جميع فروعه حول العالم.
وعن كيفية ولادة اسم مطعمه يوضح لـ«الشرق الأوسط»: «استوحيته من صلصة مشهورة في سويسرا تعرف عبر التاريخ بـ(زبدة سويسرا). وبدوري قمت بتعديل هذه الصلصة بالتعاون مع أخي الشيف برنار والمتخصص بالطعام».
عندما استحدث شقيقه برنار هذه الصلصة ورغب في بيعها طلب منه إدي الاحتفاظ بها. «قلت له لا تبيعها وأنا من سيشتريها منك، في أقرب وقت».

في عام 2017 ولد إنجاز إدي مسعد على الأرض. وجاءت النتيجة فوق توقعاته، إذ لاقى «سويس باتر» نجاحاً منقطع النظير. إضافة إلى جودة مكونات أطباقه وطعمها اللذيذ أخذ بعين الاعتبار كلفة تناولها. حدّدها بأسعار مدروسة لتكون متاحة لجميع الشرائح الاجتماعية. وبقي محافظاً عليها في ظل جميع الأزمات التي مرّ بها لبنان. فهو استطاع تجاوز الأزمة الاقتصادية التي ألمّت في لبنان، وكذلك جائحة «كورونا» وانفجار بيروت. «لم أعمل يوماً على رفع الأسعار، وكنا نسعى إلى امتصاص التكاليف أو تحسين سلسلة الإمداد حتى لا يتحمل الزبون أي عبء».
أكمل إدي مشواره بصلابة وحارب حتى النفس الأخير كي ينجزه كما يرغب. «بالرغم من 3 ضربات متتالية تلقيتها في بداية مشواري وبظرف سنوات قليلة، قاومت وواصلت الاستمرار». في عام 2018 افتتح الفرع الثاني في جل الديب، وفي 2019 انطلق نحو دبي، وبعدها إلى الرياض ولندن.
يرفض نموذج الــ«فرانشايز» حفاظًا على الجودة الشاملة، تجربة المنتج، ومستوى الخدمة، لذلك يفتتح الفروع بنفسه ويتابعها من كثب.
يحرص مسعد على زيارة أحد فروع مطاعمه مرة في الأسبوع. ليس فقط من باب متابعة التفاصيل وضمان الجودة، بل لنقل الثقافة التي بناها داخل المطعم ومشاركتها مع فريق العمل أينما وجد.
والأهم هو أن الزبون أينما كان وقصد «سويس باتر»، فهو يستمتع بالنكهة والجلسة ذاتها. ففي بيروت كما في مدريد والسعودية ودبي العنوان والأجواء والطعام واحد.
لا يطمح إلى بناء أمبراطورية أخرى ويقول: «أركّز على مشروعي هذا وأملك رؤية مستقبلية له لـ10 سنوات. يشمل التوسّع أوروبا وأميركا الشمالية ودول الخليج».
أما لبنان فيعدّه الحاضر الدائم في فكره وروحه وعلى خريطة عمله. «لا شك بأني تأثرت بلبنان من نواحٍ مختلفة. فهو موطئ إبداع لي ولغيري من اللبنانيين الذين حققوا نجاحات عالمية».
وعن رأيه بمن يحاول تقليده، يردّ: «بالعكس الأمر لا يزعجني بتاتاً. وهو يؤكد لي بأننا لا نزال في الصدارة. فطبق الـ(ستيك) والبطاطا مع الصلصة تحوّل إلى فئة طعام قائمة بحدّ ذاتها في لبنان وخارجه. ويعود ذلك جزئياً إلى تأثير (swiss butter) وإعادة إحيائه لهذا الطبق».










