رفع الفائدة الأميركية لن يحرك بالضرورة الأسواق

بعد 7 سنوات من إبقاء معدلاتها «فعليًا» عند الصفر

رفع الفائدة الأميركية لن يحرك بالضرورة الأسواق
TT

رفع الفائدة الأميركية لن يحرك بالضرورة الأسواق

رفع الفائدة الأميركية لن يحرك بالضرورة الأسواق

لا يتصرف الآدميون مثل الكومبيوترات الآلية. ورغم أن ذلك يجعل الحياة مثيرة، فإنه يحمل في طياته جانبًا سلبيًا خطيرًا من وجهة نظر خبراء الاقتصاد؛ حيث يصّعب للغاية التنبؤ بالاتجاهات قصيرة الأجل للأسواق الرئيسية، حتى عندما تبدو الأحداث متوقعة تمامًا.
ويعد القرار المتوقع صدوره قريبًا من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي حول أسعار الفائدة مثالاً متواضعًا على ذلك، فبعد 7 سنوات من إبقاء معدلات الفائدة من الناحية الفعلية عند مستوى صفر، تكاد تجمع التوقعات على أن لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية سوف ترفع معدلات الفائدة على نحو طفيف في اجتماعها المقرر يومي 15 و16 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
ورغم ذلك تظل تبعات القرار المتوقع على الأسواق غير واضحة، كما لا يسعنا أن نعتمد على أي سابقة تاريخية. المرة الأخيرة التي ارتفعت فيها معدلات الفائدة بعدما ظلت عند مستويات شديدة الانخفاض لفترة زمنية طويلة كانت في عام 1941. ويعود ذلك إلى حقبة غابرة، وعندما يكون هناك نموذج سابق واحد فقط، وفي ظروف مختلفة للغاية، تصبح الإحصائيات التاريخية عديمة الفائدة.
ورغم وجود وسائل أخرى لتحليل الآثار المحتملة لقرارات المجلس الفيدرالي، فإن لجميعها حدودًا شديدة.
أولاً، يخبرنا المنطق بأنه في حال ارتفعت معدلات الفائدة قصيرة الأجل، فإن أذون الخزانة منخفضة المخاطرة قد تصبح أكثر جاذبية من البدائل الأعلى مخاطرة مثل الأسهم. ويوحي ذلك بأن البورصة ينبغي أن تتراجع؛ لأن الناس سيزيد إحساسهم بالقلق أكثر مما قد يشعرون به في الوقت الراهن إزاء أسعار الأسهم، والتي تضاعفت 3 مرات منذ 2009. كما أن أسعار المنازل ينبغي أن تتراجع أيضًا؛ لأنه يتوقع مع زيادة معدلات الفائدة أن ترتفع كلفة الرهون العقارية. ويعني هذا أن ذلك النهج في التفكير سلبي تمامًا في ما يتعلق بالأثر العام لزيادة معدلات الفائدة على أسعار السوق.
إلا أن هناك منظورًا مغايرًا لتلك المسألة، فإذا رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة في ديسمبر الحالي، فقد يمكن اعتبار ذلك أنباء طيبة؛ لأن المجلس لن يتخذ هذا القرار ما لم يكن يرى الاقتصاد قويًا ولو نسبيًا، ومن شأن ذلك أن يعزز أسعار السوق.
وتقود هذه المقاربة على الفور إلى تعقيدات إضافية، فإن الأنباء الطيبة بشأن الاقتصاد قد تكون أخبارا سيئة في ما يتعلق بالتضخم، التي تميل معدلاته نحو الارتفاع عندما يزيد النمو الاقتصادي. على الجانب الآخر، في حال ارتفع التضخم، حتى لو زاد المجلس الفيدرالي معدلات الفائدة بشكل طفيف، فإن معدل الفائدة الحقيقي، أو المصحح بعد حساب التضخم، قد يكون في واقع الأمر أدنى وليس أعلى. هل أصابتك الحيرة، هذا أمر مفهوم.. هذا النهج في التفكير قد يقودنا سريعا جدًا إلى حالة من الارتباك، لكن لا تشعر بالدهشة إذا ما سمعت مثل هذا النوع من التعليقات التي تدور في دائرة مفرغة خلال الأسابيع المقبلة.
ومرة أخرى، قد تنعكس الحكمة الغالبة في مقاربة شائعة أخرى، والتي يمكن تلخيصها في كلمة واحدة: ممل. فالأسواق تعرف مسبقًا كل المعلومات المتاحة عن معدلات الفائدة، أو هكذا يذهب هذا النهج في التفكير، ولأن زيادة معدلات الفائدة أمر معروف سلفًا، فلا بد أنها أصبحت «مخصومة» بالفعل من أسعار الأسهم الحالية. إن هذه نسخة مبسطة للغاية من نظرية الأسواق الكفوءة التي تزعم أن جميع المعلومات المتاحة تنعكس بالكامل فعليًا على أسعار السوق، ووحدها المفاجآت الحقيقية هي المؤثرة بحق.
ويمكن المجادلة بأن المجلس الفيدرالي سوف يفاجئ الناس بألا يرفع معدلات الفائدة بعد تقرير الوظائف القوي يوم الجمعة الماضي، أو يرفعها بنسبة أقل مما هو متوقع أو يصدر بيانًا أضعف مما هو متوقع. أمر كهذا ربما كان قد حدث يوم الخميس الماضي بعدما اتضح أن الإجراءات التحفيزية التي أصدرها البنك المركزي الأوروبي أصابت الأسواق بخيبة الأمل.
ويعني كل ذلك أننا لا نعرف ما الذي سيحدث في حال أو عندما يرفع المجلس الفيدرالي معدلات الفائدة. وتصبح المشكلة أكثر تعقيدًا عندما تدمج علم النفس البشري في تحليلك الاقتصادي، كما نحاول أن نفعل في علم التمويل السلوكي. في الواقع، ومن منظور نفسي، تعتبر فكرة الأسواق الكفوءة القائلة بأن المفاجآت الحقيقية هي وحدها المؤثرة في الأسواق، وأنه لا ينبغي أن تكون هناك ردة فعل إزاء «الأنباء» المعروفة سلفًا خاطئة تمامًا. وعادة لا يعرف الناس مسبقًا كيف سيتصرفون حتى تصبح الأنباء واقعًا ملموسًا.
وأطلق عالما النفس إلدار شافير وأموس تفيرسكي على هذه الظاهرة عام 1992 مصطلح «التفكير اللاعواقبي»، الذي قصدا به أننا عادة ما نعجز عن إلزام أنفسنا بالتفكير في العواقب المحتملة لأحداث ممكنة، وبدلا عن ذلك نترك أنفسنا تلطمنا الأحداث عند وقوعها. ويعني ذلك أن رفع معدلات الفائدة ربما لا يكون مملاً على الإطلاق: لا يتعين علينا سوى أن ننتظر لنرى.
وفي النهاية، في ظل معدلات فائدة بهذا التدني، قد ينخرط بعض الناس في سلوكيات غير منطقية بالمرة وتعتمد على التفكير الرغبي (التمني) جيد التوثيق. وكما قالت جانيت يلين، رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي في تقريرها نصف السنوي عن السياسة النقدية الذي رفعته إلى الكونغرس في يوليو (تموز) الماضي: «تعترف اللجنة بأن معدلات الفائدة المنخفضة قد تحفز بعض المستثمرين على (التركيز على العائد)، وأن تلك الأفعال من شأنها أن تعزز جوانب الضعف في النظام المالي أمام الأحداث السلبية».
وقد يكون التركيز على العائد، إتيان أفعال من دون النظر بالكامل إلى حجم المخاطر المترتبة عليها، في محاولة للحصول على عوائد أعلى من التي يتحصل عليها الفرد من الاستثمارات التقليدية الآمنة، شكلاً من أشكال التفكير الرغبي والمعروف بالمبالغة في التوقعات والتي تجري دراستها في كثير من مناحي الحياة. على سبيل المثال، بين عالم النفس إليشا باباد أن مشجعي الألعاب الرياضية عادة ما يبالغون في توقعاتهم للفرق التي يدعمونها، مثلما يبالغ الناخبون في احتمالية فوز مرشحهم المفضل.
وفي ظل أسعار الفائدة التي تكاد تقارب الصفر في السنوات الأخيرة، لجأ الناس على نحو طبيعي إلى البحث عن استثمارات بديلة، وربما قادهم ذلك إلى التفكير الرغبي. قد يرى الناس في ارتفاع أسعار الأسهم والعقارات دليلاً على القيمة المتأصلة في تلك الأصول، متغافلين عن الدور الذي لعبته معدلات الفائدة المنخفضة في دعم تلك الأسعار. البعض وجد بالتأكيد متعة شخصية في نجاحه الاستثماري، وفسره على أنه مؤشر على قيمته الذاتية. وقد تمثل الهوية والأنا مشكلة لها تداعيات خطيرة جدًا.
ويميل الناس إلى إبداء ردود أفعال قوية عندما ترتبط هويتهم بأشياء يتضح بعد ذلك أنها مخيبة للآمال، وبعدما يزول السبب المبدئي لشعورهم بالإثارة والحماس. على سبيل المثال، بعد الأزمة المالية في 2008، وجد كثير من المستثمرين الناجحين أن هوياتهم كمنتقين أذكياء للأسهم أو مشترين بارعين للعقارات تزعزعت بشدة. ويمكن أن يتكرر ذلك، لكنني أخشى أنه سيتعين علينا أن ننتظر لنرى فحسب.

*خدمة «نيويورك تايمز»



صربيا تحذر من عقوبات أميركية على شركة تمدها بالغاز مدعومة من روسيا

مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
TT

صربيا تحذر من عقوبات أميركية على شركة تمدها بالغاز مدعومة من روسيا

مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)

كشف الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش أن الولايات المتحدة تخطط لفرض عقوبات على المورد الرئيسي للغاز لصربيا الذي تسيطر عليه روسيا.

وقال الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش لهيئة الإذاعة والتلفزيون الصربية إن صربيا أُبلغت رسمياً بأن قرار العقوبات سيدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير (كانون الثاني)، لكنه لم يتلقَّ حتى الآن أي وثائق ذات صلة من الولايات المتحدة، وفق «رويترز».

تعتمد صربيا بشكل شبه كامل على الغاز الروسي الذي تتلقاه عبر خطوط الأنابيب في الدول المجاورة، ثم يتم توزيع الغاز من قبل شركة صناعة البترول الصربية (NIS)، المملوكة بحصة أغلبية لشركة احتكار النفط الحكومية الروسية «غازبروم نفت».

وقال فوسيتش إنه بعد تلقي الوثائق الرسمية، «سنتحدث إلى الأميركيين أولاً، ثم نذهب للتحدث إلى الروس» لمحاولة عكس القرار. وأضاف: «في الوقت نفسه، سنحاول الحفاظ على علاقاتنا الودية مع الروس، وعدم إفساد العلاقات مع أولئك الذين يفرضون العقوبات».

ورغم سعي صربيا رسمياً إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، فقد رفضت الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا بسبب غزوها أوكرانيا، ويرجع ذلك جزئياً إلى شحنات الغاز الروسية الحاسمة.

وقال فوسيتش إنه على الرغم من التهديد بالحظر، «لست مستعداً في هذه اللحظة لمناقشة العقوبات المحتملة ضد موسكو».

وعندما سئل عما إذا كان التهديد بفرض عقوبات أميركية على صربيا قد يتغير مع وصول إدارة دونالد ترمب في يناير، قال فوسيتش: «يجب علينا أولاً الحصول على الوثائق (الرسمية)، ثم التحدث إلى الإدارة الحالية، لأننا في عجلة من أمرنا».

ويواجه الرئيس الصربي أحد أكبر التهديدات لأكثر من عقد من حكمه الاستبدادي. وقد انتشرت الاحتجاجات بين طلاب الجامعات وغيرهم في أعقاب انهيار مظلة خرسانية في محطة للسكك الحديدية في شمال البلاد الشهر الماضي، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني). ويعتقد كثيرون في صربيا أن الفساد المستشري والمحسوبية بين المسؤولين الحكوميين أديا إلى العمل غير الدقيق في إعادة بناء المبنى، الذي كان جزءاً من مشروع سكة ​​حديدية أوسع نطاقاً مع شركات حكومية صينية.