أقوى رجل في باكستان يخرج من الظل لمواجهة الهند

الجنرال عاصم منير قال إن «أي مغامرة عسكرية» من جانب نيودلهي «ستُقابل برد سريع وحاسم ومتصاعد»

قائد الجيش الباكستاني يتحدث إلى قواته في منطقة تيلا بإقليم جهلوم الباكستاني يوم الخميس الماضي 1 مايو (مكتب العلاقات العامة في القوات المسلحة الباكستانية - أ.ف.ب)
قائد الجيش الباكستاني يتحدث إلى قواته في منطقة تيلا بإقليم جهلوم الباكستاني يوم الخميس الماضي 1 مايو (مكتب العلاقات العامة في القوات المسلحة الباكستانية - أ.ف.ب)
TT

أقوى رجل في باكستان يخرج من الظل لمواجهة الهند

قائد الجيش الباكستاني يتحدث إلى قواته في منطقة تيلا بإقليم جهلوم الباكستاني يوم الخميس الماضي 1 مايو (مكتب العلاقات العامة في القوات المسلحة الباكستانية - أ.ف.ب)
قائد الجيش الباكستاني يتحدث إلى قواته في منطقة تيلا بإقليم جهلوم الباكستاني يوم الخميس الماضي 1 مايو (مكتب العلاقات العامة في القوات المسلحة الباكستانية - أ.ف.ب)

حتى وقت قريب، كان أقوى رجل في باكستان يفضّل البقاء خلف الكواليس. يتحكّم بشدة في ظهوره العلني ويقتصر في تصريحاته على خطب معدّة مسبقاً خلال مناسبات عسكرية.

لكن بعد الهجوم الإرهابي الدموي قبل نحو أسبوعين في الجزء الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير، أصبح قائد الجيش الباكستاني، الجنرال عاصم منير، في مركز التوتر المتزايد بين باكستان والهند.

ومع تصاعد الضغوط في الهند للرد بقوة على الهجوم الذي أسفر عن مقتل أكثر من عشرين سائحاً هندوسياً قرب بلدة باهالجام، بدأ منير في تحديد نبرة الموقف الباكستاني بخطابه الحاد.

ويوم الخميس الماضي، وأثناء مناورة عسكرية، وقف منير فوق دبابة مخاطباً القوات قائلاً: «لا مجال للغموض. أي مغامرة عسكرية من جانب الهند ستُقابل برد سريع وحاسم ومتصاعد»، في إشارة إلى تعهد باكستان بالرد على أي هجوم هندي بما يساويه أو يفوقه.

فتاة باكستانية خلال احتجاج ضد الهند رُفعت فيه صور الجنرال منير في كراتشي يوم 2 مايو الجاري (إ.ب.أ)

فُسّرت تعليقات منير في الهند وباكستان على أنها محاولة لإظهار القوة وكسب الدعم الشعبي، خاصة في ظل معاناة باكستان من انقسامات سياسية وأزمات اقتصادية أدت إلى تآكل الولاء التقليدي للمؤسسة العسكرية التي لطالما لعبت دوراً خفياً في توجيه السياسة الداخلية.

لكن رد فعل منير يبدو أعمق من مجرد حسابات سياسية. ويصفه محللون بأنه متشدد تجاه الهند، وأن مواقفه قد تشكّلت من خلال قيادته لأهم وكالتين استخباريتين عسكريتين في باكستان، ومن اعتقاده بأن الصراع المستمر مع الهند ذو طابع ديني في جوهره.

وقد استشهد كثيرون في الهند بتصريحات أدلى بها منير قبل ستة أيام من الهجوم الإرهابي، حيث قال أمام جالية باكستانية في إسلام آباد إن كشمير — التي تنقسم بين الهند وباكستان ويطالب بها الطرفان بالكامل — هي «شريان الحياة» لباكستان.

وتُعد هذه العبارة جزءاً راسخاً من الخطاب القومي الباكستاني، حيث تعكس الأهمية الاستراتيجية والرمزية لكشمير في الهوية الوطنية. وقد وصفت وزارة الخارجية الهندية هذا التصريح بالتحريضي، مؤكدة أن كشمير «جزء لا يتجزأ» من الهند.

وسواء تصاعدت الأزمة الحالية أم هدأت، فإن ذلك سيعتمد بقدر كبير على الدبلوماسية الدولية، إلى جانب الديناميات السياسية الداخلية.

وقد دعت الولايات المتحدة والأمم المتحدة كلاً من الهند وباكستان، وهما دولتان تمتلكان أسلحة نووية، إلى العمل على التهدئة. كما صرّح الممثل الدائم لباكستان في الأمم المتحدة، عاصم أحمد، يوم الجمعة، بأن المسؤولين الباكستانيين ناقشوا التوترات مع نظرائهم الصينيين. وتعد الصين حليفاً لباكستان ولها مصالح اقتصادية هناك.

لكن قد لا تكون الدبلوماسية كافية. فقد وعد رئيس الوزراء الهندي القوي، ناريندرا مودي بأن الهند ستلاحق «كل إرهابي وداعميه إلى أقاصي الأرض».

جانب من مناورات عسكرية للجيش الباكستاني في منطقة تيلا بإقليم جهلوم الباكستاني يوم الخميس الماضي 1 مايو (مكتب العلاقات العامة في القوات المسلحة الباكستانية - أ.ب)

وفي أعقاب هجمات على قوات الأمن الهندية في كشمير عامي 2016 و2019، ردت الهند بضرب ما قالت إنها معسكرات إرهابية داخل باكستان. أما هذه المرة، ومع مقتل 26 شخصاً في موقع سياحي — وهو أعنف هجوم من نوعه منذ عقود في المنطقة — قال الكاتب والصحافي الهندي أديتيا سينها إن «ضربة جوية عابرة عبر الحدود على معسكرات مفترضة لن تُرضي عطش الدم لدى مؤيدي اليمين المتطرف» في الهند.

من جهته، تحدث منير بعد هجوم باهالجام بعبارات أيديولوجية صريحة توحي بعدم إيمانه بإمكانية تحقيق سلام دائم مع الهند.

وفي 26 أبريل (نيسان)، خاطب منير طلاب الأكاديمية العسكرية الباكستانية في حفل تخرج، مستشهداً بـ«نظرية الدولتين» — الإطار الفكري الذي تأسست عليه باكستان عام 1947، والذي يفترض أن الهندوس والمسلمين أمتان منفصلتان تستوجبان أوطاناً منفصلة.

وقد ظلت هذه النظرية تشكل حجر الأساس في الهوية القومية والسياسة الخارجية الباكستانية. وفي الماضي، كان الجنرالات الباكستانيون يستخدمون هذا الخطاب الأيديولوجي في أوقات التوتر مع الهند ويقللون منه عندما تسود نغمة دبلوماسية. لكن إحياء منير لهذه النظرية وتكرارها فُسر من قبل كثيرين في الهند على أنه تحول كبير في الموقف الباكستاني تجاه الهند.

وكان لتصويره كشمير على أنها «شريان الحياة» لباكستان وقع خاص في الهند. ففي الخطاب ذاته، قال منير: «لن نتخلى عن إخواننا الكشميريين في كفاحهم البطولي ضد الاحتلال الهندي».

وقال شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برينت» (ThePrint) الهندية الإلكترونية، إن توقيت وتصعيد تلك التصريحات يجعل من الصعب على الهند تجاهلها.

الجنرال منير يتحدث إلى جنوده خلال مناورات عسكرية في منطقة تيلا بإقليم جهلوم الباكستاني يوم الخميس الماضي 1 مايو (مكتب العلاقات العامة في القوات المسلحة الباكستانية - أ.ب)

وقد رفض المسؤولون الباكستانيون أي ربط بين تصريحات منير والهجوم في كشمير. وقال عاصم أحمد، المندوب الباكستاني الدائم في الأمم المتحدة، إن ادعاءات الهند بوجود صلة باكستانية لا أساس لها، وإن «جذر عدم الاستقرار» في جنوب آسيا يبقى النزاع غير المحسوم حول كشمير.

كشمير... حروب وتمردات

لقد كانت منطقة كشمير مركزاً للتنافس الهندي-الباكستاني منذ تقسيم الهند البريطانية عام 1947 الذي أسفر عن إنشاء البلدين. وقد شهدت كشمير حروباً وتمردات وانتشاراً عسكرياً مطولاً، مما جعلها واحدة من أكثر المناطق قابلية للاشتعال في العالم.

وليست هذه المواجهة الحالية أول أزمة إقليمية يتعامل معها منير. ففي عام 2019، عندما تسبب تفجير انتحاري في كشمير في شن الهند ضربات جوية وتصعيد عسكري مؤقت، كان منير يتولى قيادة وكالة الاستخبارات الباكستانية القوية، مديرية الاستخبارات المشتركة (ISI). لكن ولايته انتهت بعد بضعة أشهر عندما أقاله رئيس الوزراء آنذاك عمران خان.

وقد عارض خان لاحقاً ترقية منير إلى منصب قائد الجيش، وظلت علاقتهما متوترة. وبعد أن ساءت علاقة خان بالقيادة العسكرية، تمت الإطاحة به في أبريل 2022، وتولى منير قيادة الجيش بعد ذلك بسبعة أشهر. وقضى خان الذي لا يزال يتمتع بشعبية واسعة (بين مناصريه)، عامين في السجن حتى الآن.

ويحرص منير على السيطرة على صورته العامة، ويتجنب التصريحات العفوية. وتتميز خطاباته بالقوة والوضوح، وغالباً ما تتضمن إشارات دينية.

وقال حسين حقاني، السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة، إن منير «منغمس في التدين»، وإن ذلك ينعكس على نظرته للعلاقات مع الهند. وأضاف: «في أفضل الأحوال، قد يسعى إلى إدارة التوتر — وتحقيق أكبر قدر ممكن من النقاط السياسية في هذه الأثناء».

وبهذا، يبدو منير امتداداً للتوجه الديني المتزايد داخل القوات المسلحة الباكستانية، وهو المسار الذي بدأه الجنرال محمد ضياء الحق في الثمانينات، بالتنسيق مع الولايات المتحدة خلال فترة دعم حركة طالبان لمحاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان.

وقد شهدت فترة قيادة منير تزايداً في سيطرة الجيش على السياسة والمجتمع في باكستان، وسط اتهامات بتضييق الخناق على المعارضة.

وقال حقاني: «يبدو أنه يفضّل السيطرة على أن يكون محبوباً». وأضاف: «هذا هو نهجه في السياسة الداخلية، ويبدو أنه سيكون نهجه في التعامل مع الهند أيضاً».

وقد اتضح أن الجيش بدأ يأخذ دوراً أقوى في العلاقة مع الهند، إذ عمل على ترسيخ السيطرة المؤسسية على أي مفاوضات مستقبلية من خلال تعيين رئيس جهاز الاستخبارات كـ«مستشار الأمن القومي»، وهو دور كان يشغله تقليدياً جنرالات متقاعدون أو مدنيون.

حتى الآن، لا تزال العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مجمّدة. وأصبحت الرسائل العلنية العدائية، بدلاً من الدبلوماسية الهادئة، هي وسيلة التواصل الرئيسية. وفي مناخ كهذا، يزداد خطر سوء التقدير بشكل كبير.

وقال زاهد حسين، وهو محلل سياسي وأمني في إسلام آباد، إن باكستان ستكون مضطرة للرد إذا شنت الهند ضربات عسكرية.

وأضاف: «السؤال هو ما إذا كان السيد مودي سيختار التوقف عند هذا الحد. حتى الضربات الهندية المحدودة يمكن أن تتصاعد إلى صراع أوسع نطاقاً».

* خدمة نيويورك تايمز

«في أفضل الأحوال، قد يسعى (الجنرال منير) إلى إدارة التوتر — وتحقيق أكبر قدر ممكن من النقاط السياسية في هذه الأثناء»

حسين حقاني، السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة


مقالات ذات صلة

تأكيد باكستاني- إيراني على توسيع التعاون الأمني

شؤون إقليمية صورة نشرها حساب لاريجاني الرسمي على منصة «إكس» من لقائه مع رئيس أركان الجيش الباكستاني المشير عاصم منير الأربعاء

تأكيد باكستاني- إيراني على توسيع التعاون الأمني

عقد أمين مجلس الأمن القومي الإيراني اجتماعات مع رئيس أركان الجيش الباكستاني داعياً إلى تفعيل التعاون الثنائي بشكل أكثر ديناميكية

«الشرق الأوسط» (لندن - إسلام آباد)
آسيا أفراد من الجيش يتفقدون موقع الهجوم الانتحاري خارج مقر قوة الحدود في بيشاور حيث قتل ثلاثة أفراد من القوات شبه العسكرية الباكستانية (أ.ف.ب)

3 قتلى في هجوم انتحاري استهدف مقر شرطة الحدود الباكستانية

أسفر تفجير انتحاري عن مقتل ثلاثة عناصر أمن باكستانيين عند مقر شرطة الحدود في مدينة بيشاور بولاية خيبر بختونخوا الحدودية مع أفغانستان.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)

اشتباكات بين قوات باكستان و«طالبان» أفغانستان عند الحدود

خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)
خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)
TT

اشتباكات بين قوات باكستان و«طالبان» أفغانستان عند الحدود

خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)
خلال تشييع أفراد من الشرطة الباكستانية في 3 ديسمبر 2025 قُتلوا في هجمات تعرضت لها منطقة قريبة من الحدود الأفغانية (أ.ف.ب)

أفاد مسؤولون في إسلام آباد وكابل بأن تبادلاً كثيفاً لإطلاق النار اندلع بين القوات الحدودية الباكستانية والأفغانية، الجمعة، بعد نحو شهرين من سقوط عدد كبير من القتلى في أسوأ اشتباكات عابرة للحدود منذ عقود. وتحدثت تقارير غير مؤكدة عن وقوع إصابات على جانبي الحدود.

وقال مسؤول باكستاني لوكالة الأنباء الألمانية إن الأعمال العدائية الأخيرة التي اشتملت على إطلاق قذائف مدفعية وأسلحة أخرى وقعت بين مقاطعة بلوشستان الباكستانية ومنطقة قندهار الأفغانية.

وصرّح مسؤول من قوات حرس الحدود الباكستانية التي تراقب الحدود: «استمر إطلاق النار لمدة ساعتين. وكان مكثفاً وشرساً».

وقال متحدث باسم حكومة «طالبان» الأفغانية إن قواتهم ردّت على إطلاق النار الذي بدأته باكستان. بينما قال مسؤولون باكستانيون إن مقاتلي «طالبان» هم الذين بدأوا إطلاق النار على المدنيين عبر الحدود.

وتأتي الاشتباكات بعد أشهر من مناوشات دامية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي أثارتها غارات جوية باكستانية على أهداف داخل أفغانستان، بينها العاصمة كابل، استهدفت زعيم ميليشيا يُزعم أنها وراء هجمات عابرة للحدود.

وتم التوصل إلى هدنة هشّة توسطت فيها قطر، ولا تزال سارية منذ ذلك الحين.


مودي وبوتين يعلنان اتفاقية تعاون اقتصادي تصل إلى 100 مليار دولار

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
TT

مودي وبوتين يعلنان اتفاقية تعاون اقتصادي تصل إلى 100 مليار دولار

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)

أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته الرسمية إلى الهند، استمرار بلاده في تزويد نيودلهي بالنفط رغم العقوبات الأميركية، بينما أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي اتفاقاً ثنائياً واسعاً لتعزيز التعاون الاقتصادي؛ بهدف رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030.

وأوضح مودي، خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماعه مع بوتين، أن الجانبين يعملان على اتفاقية للتجارة الحرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده موسكو، ويضم كلاً من أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان.

بدوره، قال بوتين، لمودي خلال المؤتمر الصحافي، إن «روسيا مزوّد موثوق للنفط والغاز والفحم وكل ما يلزم لتطوير قطاع الطاقة في الهند»، مضيفاً: «نحن مستعدون لمواصلة توريد النفط دون انقطاع لاقتصاد الهند سريع النمو».

ومن دون الإشارة مباشرة إلى النفط الروسي، شكر مودي ضيفه على «دعمه الراسخ للهند»، مشدداً على أن «أمن الطاقة ركيزة أساسية وقوية» في الشراكة بين البلدين.

وتتعرَّض نيودلهي منذ أشهر لضغوط من الولايات المتحدة التي تتهمها بالمساهمة في تمويل المجهود الحربي الروسي عبر شراء النفط الخام الروسي بأسعار مخفضة. وفي أواخر أغسطس (آب)، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية إضافية بنسبة 50 في المائة على الصادرات الهندية، في وقت كانت تُجرى فيه محادثات ثنائية حول اتفاقية تجارة حرة. وأكد ترمب لاحقاً أنه حصل على تعهّد من مودي بوقف واردات النفط الروسي التي تُشكِّل نحو 36 في المائة من النفط المكرر في الهند.

وبحسب منصة «كبلر» للمعلومات التجارية، تراجعت المشتريات الهندية من الخام الروسي، رغم عدم صدور تأكيد رسمي من نيودلهي، بينما أعلنت مجموعات هندية عدة أنها ستتوقف عن الاعتماد على الواردات المقبلة من موسكو.

وكان مودي قد استقبل بوتين شخصياً، مساء الخميس، في مطار نيودلهي، واستضافه على مأدبة عشاء خاصة. ومنذ بداية الزيارة، تبادل الجانبان عبارات الإطراء وأشادا بمتانة العلاقات التاريخية بين البلدين.

ووصف مودي ضيفه أمام الصحافيين بأنه «صديق حقيقي»، معرباً عن تفاؤله بإمكان إيجاد تسوية للنزاع في أوكرانيا، ومؤكداً أنه «علينا جميعاً العودة إلى طريق السلام».

وردَّ بوتين بشكر جهود مودي «الرامية إلى إيجاد تسوية لهذا الوضع»، مشيداً بالعلاقات «العميقة تاريخياً» بين البلدين وبـ«الثقة الكبرى في التعاون العسكري والتقني» بينهما.

ويسعى البلدان إلى إعادة التوازن في المبادلات التجارية التي بلغت مستوى قياسياً وصل إلى 68.7 مليار دولار خلال عامَي 2024 – 2025، رغم أنها تُظهر حالياً اختلالاً كبيراً لصالح روسيا. وما زالت الهند تمتنع عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا بشكل صريح، مع حفاظها في الوقت ذاته على علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة.

وكان مودي قد عبّر لأول مرة عام 2022 خلال لقاء في أوزبكستان عن موقفه حيال الأزمة، حين دعا إلى وقف الحرب «في أسرع وقت ممكن»، مؤكداً لاحقاً تمسكه بنظام عالمي «متعدد الأقطاب» ومقاومة الضغوط الغربية لقطع العلاقات مع موسكو.

واستغلت روسيا والهند الزيارة لمناقشة التعاون في المجال العسكري. وقال الدبلوماسي الهندي الكبير فيكرام ميسري إن وزيرَي الدفاع في البلدين عقدا اجتماعاً، من دون التوقيع على أي اتفاق جديد. ورغم توجه نيودلهي مؤخراً إلى مورِّدين آخرين مثل فرنسا، وزيادة اعتمادها على التصنيع المحلي، فإن موسكو لا تزال من أبرز مورِّدي السلاح للهند.

وبعد الاشتباكات التي شهدتها الحدود الهندية - الباكستانية في مايو (أيار)، أبدت نيودلهي اهتماماً بالحصول على منظومات دفاع جوي روسية متقدمة من طراز «إس - 400». وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قبل الزيارة: «لا شك أنه سيتم بحث هذا الموضوع خلال الزيارة». كما أشارت تقارير صحافية هندية إلى اهتمام الجيش الهندي بالمقاتلات الروسية من طراز «سوخوي - 57».

ومن المقرر أن يغادر بوتين الهند عائداً إلى موسكو، مساء الجمعة.


خريطة طريق لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو ونيودلهي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
TT

خريطة طريق لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو ونيودلهي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)

عكست نتائج القمة الروسية الهندية إصرار موسكو ونيودلهي على إطلاق مرحلة جديدة لتعزيز التعاون في كل المجالات، بما في ذلك في قطاعي الطاقة والدفاع وفي المجالات النووية والتقنية. وتجنبت الوثائق التي وقَّعها الزعيمان الروسي فلاديمير بوتين والهندي ناريندرا مودي الإشارة إلى الضغوط الأميركية على الهند لتقليص التعاون مع روسيا، لكنها رسمت ملامح «خريطة طريق» لتوسيع الشراكة بين البلدين خلال السنوات المقبلة.

وبعد جولات من المحادثات التي شارك فيها ممثلون عن قطاعات مختلفة في البلدين، شارك الزعيمان في أعمال المنتدى الروسي الهندي للتعاون، ووقَّعا عشرات الوثائق المشتركة.

ووصف بوتين نتائج المحادثات بأنها وضعت أساساً لتوسيع التعاون الاقتصادي التجاري بين البلدين. بينما أعلن رئيس الوزراء الهندي برنامجاً للتعاون الاقتصادي حتى عام 2030، سيساعد على تنويع التجارة والاستثمارات، وتحقيق التوازن بينهما.

جانب من حقل استقبال بوتين في نيودلهي أمس (إ.ب.أ)

وشملت الوثائق الجديدة التي تضاف إلى اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» المبرمة قبل 25 سنة، اتفاقية للتعاون في مجال الصحة والتعليم الطبي والعلوم، واتفاقية لتنظيم حماية المستهلك، وتعزيز الإشراف على حقوق المستهلكين في البلدين.

كما وقَّع الزعيمان اتفاقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتعزيز فرص العمل لمواطني كل دولة لدى الدولة الأخرى، وكان هذا مطلباً هندياً لتوسيع مجالات العمالة الوافدة من الهند. وركزت اتفاقية أخرى على توسيع التعاون في منطقة القطب الشمالي، وتم رفدها بمذكرتي تفاهم للتعاون في مجال الملاحة في المياه القطبية.

ومن ضمن الاتفاقات الأخرى كان هناك بروتوكول بين الهيئة الفيدرالية للجمارك الروسية والهيئة الجمركية الهندية. واتفاق لتعزيز الخدمات البريدية. وبدا أن هذه تشكل الجوانب المعلنة من الاتفاقات الجديدة التي وصل عددها بحسب مصادر الكرملين إلى 29 وثيقة.

مودي لدى استقباله بوتين في نيودلهي أمس (إ.ب.أ)

إجراءات تبسط التنقل بين البلدين

كما أصدر الرئيسان بياناً مشتركاً حدد أولويات التعاون الثنائي. بعد مشاركتهما في منتدى الأعمال الروسي الهندي. وشدد البيان على إطلاق موسكو ونيودلهي إجراءات العمل على تبسيط التنقل لمواطني البلدين من خلال نظام تأشيرات ميسر. وأشار إلى تعزيز التعاون في إمدادات الطاقة، وتوسيع الصادرات الهندية إلى روسيا، وحدد أولويات تطوير التعاون الدفاعي في إعادة تركيز الشراكة العسكرية والانتقال إلى إنتاج منصات دفاعية متقدمة وتطوير أبحاث علمية.

كما نص على تسريع المشاورات بشأن بناء محطة طاقة نووية جديدة بتصميم روسي في الهند. واتفق الزعيمان على تطوير أنظمة دفع بالعملات الوطنية، وناقشا إنشاء شركات للأسمدة.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى وصول الزعيم الروسي إلى قاعدة بالام الجوية في نيودلهي في 4 ديسمبر 2025 وهو اليوم الأول من زيارته الرسمية التي تستغرق يومين إلى الهند (أ.ف.ب)

ووفقاً للبيان المشترك، فقد ناقش الطرفان، وأشادا عالياً بالتعاون الواسع النطاق في مجال الطاقة بوصفه عنصراً أساسياً في الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمتميزة بينهما. وأشار الطرفان إلى التعاون الحالي والمستقبلي بين الشركات الروسية والهندية في مجالات النفط ومنتجاته، والتكنولوجيات المتعلقة بالتكرير والبتروكيماويات، وخدمات الحفر، وتكنولوجيا الاستخراج والبنية التحتية ذات الصلة، والبنية التحتية المرتبطة بالغاز الطبيعي المسال وغاز البترول المسال، والمشاريع المختلفة القائمة في البلدين، وتكنولوجيا الغاز تحت الأرض للفحم، والمشاريع النووية، وما إلى ذلك. كما شدّد الطرفان على ضرورة حلّ القضايا المتعلقة بالمشاريع الاستثمارية في قطاع الطاقة بشكل عاجل، واتفقا على معالجة مختلف التحديات التي يواجهها المستثمرون في هذا القطاع.

تعاون في مجال الطاقة النووية

كما اتفق الطرفان على تعميق التعاون في إنشاء ممرات نقل مستقرة وفعالة، مع التركيز بشكل خاص على توسيع الروابط اللوجيستية لتحسين الترابط، وزيادة قدرة البنية التحتية، دعماً لتطوير «الممر النقل الدولي الشمال – الجنوب»، وممر تشيناي – فلاديفوستوك، والطريق البحري الشمالي. ورحّب الطرفان بتوقيع مذكرة تفاهم بشأن إعداد المتخصصين للعمل على السفن العاملة في المياه القطبية.

أشار الطرفان إلى التعاون المثمر بين إدارات السكك الحديدية في روسيا والهند، الهادف إلى إقامة شراكات في مجال تبادل التكنولوجيا المتبادل المنفعة.

وأكدا استعدادهما لتكثيف التعاون التجاري والاستثماري في منطقة الشرق الأقصى الروسي والمنطقة القطبية الشمالية للاتحاد الروسي. ويشكل «برنامج التعاون الروسي - الهندي في المجالات التجارية - الاقتصادية والاستثمارية في الشرق الأقصى الروسي للفترة 2024–2029»، فضلاً عن «مبادئ التعاون في المنطقة القطبية الشمالية للاتحاد الروسي»، الأساس الضروري لمزيد من التعاون بين الهند والأقاليم الروسية في الشرق الأقصى، خصوصاً في مجالات الزراعة والطاقة واستغلال الثروات المعدنية واستخدام العمالة وتعدين الألماس ومعالجته والصناعات الدوائية والنقل البحري.

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

وأكد الطرفان عزمهما على توسيع التعاون في مجال الطاقة النووية، بما في ذلك دورة الوقود النووي، وضمان دورة حياة تشغيل محطة الطاقة النووية «كودانكولام»، والتطبيقات غير الطاقوية للتكنولوجيا النووية، فضلاً عن بلورة جدول أعمال جديد للتعاون في المجالات المتعلقة بالاستخدام السلمي للطاقة الذرية والتكنولوجيات العالية المرتبطة بها.

وأشار الطرفان إلى أهمية التعاون في استخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية كجزء جوهري من الشراكة الاستراتيجية، خصوصاً مع الأخذ في الحسبان خطط حكومة جمهورية الهند لزيادة توليد الطاقة النووية في البلاد إلى 100 غيغاواط بحلول عام 2047. ورحّب الطرفان بالتقدم المحرز في مشروع محطة «كودانكولام»، بما في ذلك بناء الوحدات المتبقية، واتفقا على الالتزام بجدول تسليم المعدات والوقود.

لاحظ الطرفان أهمية مواصلة النقاش حول تخصيص موقع ثانٍ في الهند لبناء محطة طاقة نووية.

وسوف يبذل الجانب الهندي كل الجهود لتخصيص الموقع رسمياً وفقاً للاتفاقيات الموقعة سابقاً. مع الإشارة إلى أهمية التعاون في الفضاء، رحّب الطرفان بتوسيع التعاون بين مؤسسة «روسكوسموس» الروسية ومنظمة الأبحاث الفضائية الهندية في استخدام الفضاء للأغراض السلمية، بما في ذلك برامج الفضاء المأهولة والملاحة الفضائية واستكشاف الكواكب. وأشار الطرفان إلى التقدم المحرز في التعاون المتبادل المنفعة في مجال تطوير وإنتاج وتشغيل محركات الصواريخ.

منظمة شنغهاي والنظام العالمي

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

في الشق السياسي، أشار الطرفان إلى الدور المتنامي لمنظمة شنغهاي للتعاون في تشكيل النظام العالمي الجديد. وأكد دعم روسيا ترشيح الهند للعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي الموسع. كما تم توقيع حزمة كبيرة من الاتفاقيات الحكومية والوزارية والتجارية. ويهدف العديد منها إلى توسيع التعاون الاقتصادي بين روسيا والهند.

وأعلن بوتين في ختام المحادثات أن روسيا سوف تظل مورداً موثوقاً به للطاقة لنيودلهي، مؤكداً أن الأسعار التفضيلية التي تمنحها روسيا للهند سوف تظل قائمة. من دون أن يتطرق إلى التهديدات الأميركية برفع التعرفقة الجمركية على الهند في حال واصلت مشتريات موارد الطاقة من روسيا.

وقال بوتين إن حجم التجارة الروسية الهندية بلغ هذا العام 64 مليار دولار، مشيراً إلى أن خريطة الطريق الجديدة لتعزيز التعاون سوف تسهم في رفع هذا الرقم إلى 100 مليار حتى حلول عام 2030.

ورأى بوتين أن العلاقات القوية بين قطاع الأعمال في البلدين تشكل أساساً متيناً لتطوير التعاون بين موسكو ونيودلهي. وزاد أن روسيا مستعدة لشراكة واسعة مع الهند في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيراً في الوقت نفسه إلى توجه لتعزيز التعاون الصناعي. وتحدث الرئيس الروسي عن تحديث البنية التحتية لطريق بحر الشمال ومشروع الممر الشمالي الجنوبي.

مؤكداً أن سهولة الوصول إلى وسائل النقل والاتصالات اللوجيستية تحظى بأهمية خاصة، و«يجري العمل بالفعل على قدم وساق في هذا الاتجاه. ويجري العمل على مشروع إنشاء ممر بين الشمال والجنوب - من روسيا وبيلاروسيا إلى ساحل المحيط الهندي».

مودي، بدوره، تحدث عن شراكة مع الشركات الروسية في إنتاج المركبات الكهربائية ومكوناتها. وأعرب عن قناعة بأن التعاون في هذا المجال لن يلبي احتياجات البلدين فحسب، بل سيسهم أيضاً في تنمية دول الجنوب العالمي، كما اقترح تطوير علاجات جديدة للسرطان بشكل مشترك. وتطرق إلى إمدادات الطاقة، مؤكداً الاستعداد لضمان إمدادات الوقود دون انقطاع للاقتصاد الهندي سريع النمو.

وبات معلوماً أن الطرفين ناقشا خلال الزيارة توسيع التعاون في مجال الطاقة الذرية.

وقال مودي إن موسكو ونيودلهي تتجهان للتعاون في مجال بناء المفاعلات المعيارية الصغيرة ومحطات الطاقة النووية العائمة، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا النووية في الطب. وأكد أن محطة كودانكولام للطاقة النووية سوف تقدم مساهمة كبيرة في إمدادات الطاقة الهندية.

وأشاد مودي بالشراكة الاستراتيجية الممتدة على مدى ربع قرن مع روسيا، مؤكداً أنها صمدت وتعمقت رغم جميع التحديات والتغيرات العالمية. ووجَّه مودي الشكر للرئيس الروسي على صداقته وعمله المتفاني، مؤكداً أن «حكمة بوتين وخبرته كانتا حاسمتين في تعزيز هذه العلاقات».

وفي إطار التعاون المستقبلي، أشار مودي إلى أن الشراكة في منطقة القطب الشمالي ستحقق منفعة مشتركة، وستسهم في خلق فرص عمل للشباب الهندي.