«طويلة»... معسكر جديد لضحايا الحرب في السودان

آلاف النازحين في العراء بلا طعام ولا مأوى بشمال دارفور

TT

«طويلة»... معسكر جديد لضحايا الحرب في السودان

نازحون هاربون بعد هجمات «قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور 15 أبريل (رويترز)
نازحون هاربون بعد هجمات «قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور 15 أبريل (رويترز)

تحوّلت بلدة «طويلة» بشمال دارفور، غرب السودان، إلى معسكر جديد لضحايا الحرب، بعد تدفق الآلاف من النازحين الهاربين من القصف من مدينة الفاشر، ومخيمي زمزم وأبو شوك، عقب المعارك الأخيرة بين الجيش السوداني والقوة المشتركة من جهة و«قوات الدعم السريع» من جهة أخرى.

وتشهد محلية طويلة ضغوطاً شديدة بتكدس النازحين في العراء، في ظروف في غاية السوء، دون غذاء أو مياه شرب أو حتى غطاء، وفقاً للمنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور العاملة في المنطقة.

وقال المتحدث باسم المنسقية آدم رجال: «نحن بصدد إعلان حالة الطوارئ القصوى في المنطقة، نسبة للحاجة الملحة إلى تدخلات عاجلة في الوقت الراهن». وأضاف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التحدي الأكبر يتمثل في نقص الخدمات الأساسية ومقومات الحياة، وتوفير مواد الإيواء مثل الخيام نسبة لوجود الآلاف حالياً في الخلاء». وذكر أن المدنيين الذين استطاعوا مغادرة الفاشر ومخيمي زمزم وأبو شوك في تلك الظروف الصعبة، «خرجوا بملابسهم التي كانوا يرتدونها فقط، بعضهم يملك عربات بدائية تجرها الدواب، وهم بحاجة لكل شيء، في ظل استجابة محلية تطوعية محدودة لمساعدتهم».

مآسٍ في طريق النزوح

وقال رجال إن النازحين أفادوا بأنهم عايشوا ظروفاً مريرة ومروعة في طريق نزوحهم، و«تعرضوا لشتى أنواع الانتهاكات والقتل والسرقات، واغتصاب بعض الفتيات من قبل بعض المسلحين المحسوبين على (قوات الدعم السريع)». وأضاف: «حدثونا في شهاداتهم عن وقوع أعداد كبيرة من الوفيات بسبب الجوع والعطش الشديدين وفقد بعض الأطفال ذويهم خلال رحلة النزوح».

ووفق إحصائيات المنسقية العامة للنازحين واللاجئين (منظمة محلية تطوعية تعنى بشؤون النازحين)، استقبلت طويلة أكثر من 281 ألف نازح منذ تجدد القتال العنيف في الفاشر والمخيمات حولها مطلع أبريل (نيسان) الحالي، وبلغ إجمالي الأعداد، إضافة إلى سكان المنطقة، أكثر من مليون شخص.

تقع طويلة نحو 65 كيلومتراً غربي مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور. وتعد الفاشر آخر مدينة كبرى يسيطر عليها الجيش السوداني في غرب البلاد، وتحاصرها «قوات الدعم السريع»، لأكثر من عام.

وأوضح المتحدث باسم المنسقية آدم رجال أن الوضع الأمني مستقر، لكن الاحتياجات الإنسانية فوق طاقة المجتمع المحلي والمنظمات الإنسانية الوطنية والسلطات هناك، وتخضع طويلة لسلطة مدنية تحت إدارة حركة تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد محمد أحمد النور.

وقال إن قادة المجتمع المحلي شرعوا في إطلاق مبادرات شعبية لإغاثة النازحين، لكنهم لا يستطيعون تلبية الاحتياجات بشكل كافٍ بسبب الأعداد الكبيرة والمتزايدة يوماً بعد يوم.

هروب الآلاف بعد هجمات «قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور 15 أبريل (رويترز)

وأضاف رجال، أن طويلة أصبحت بوابة لاستقبال النازحين من الفاشر والمخيمات حولها، وتواصل أعداد مقدرة منهم النزوح إلى مناطق أخرى مجاورة في فنقا وقولو ونيرتتي بجبل مرة. ويسهم السكان المحليون ومنظمات وطنية إلى جانب غرف الطوارئ التطوعية، بتقديم دقيق الذرة والبقوليات ومياه الشرب والأغطية لإعانة النازحين، لكن هذه المساعدات تبقى محدودة النطاق في تلبية احتياجات النازحين الذين يواصلون التدفق بأعداد كبيرة من الفاشر ومخيمي زمزم وأبو شوك.

الفاشر تعاني

وأفادت مصادر عديدة تحدثت لـ«الشرق الأوسط» بأن نحو 70 في المائة من سكان مخيم زمزم نزحوا إلى محلية طويلة ومناطق أخرى بالولاية، بعد الهجوم الأخير الذي شنته «قوات الدعم السريع»، وأسفر عن مقتل وإصابة المئات من المدنيين. وقالت إن من تبقى في الفاشر ومخيمي زمزم وأبو شوك يواجهون أوضاعاً إنسانية في غاية السوء والبؤس، جراء النقص الكبير في الغذاء ومياه الشرب والدواء. وأشارت المصادر نفسها إلى أن الجيش السوداني والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح المتحالفة معه، تواصل وضع العراقيل أمام الأسر لمنعهم من مغادرة الفاشر، وتجبرهم على البقاء تحت التهديد، على الرغم من تصاعد العمليات العسكرية والقصف المدفعي المتبادل، وصعوبة الحصول على الغذاء ومياه الشرب جراء الحصار المتطاول على المدينة.

وكشفت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، مطلع الأسبوع الحالي، عن تنفيذ الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني والقوة المشتركة، اعتقالات طالت العشرات من القادة والنشطاء المتطوعين بمخيم أبو شوك بتهم التعاون مع «قوات الدعم السريع»، وعدّتها تهماً باطلة بلا سند قانوني.

وتفيد معلومات تحصلت عليها «الشرق الأوسط» بأن معبر أدري الحدودي مع دولة تشاد بات متاحاً لإيصال المساعدات الإنسانية إلى النازحين الجدد في طويلة. وبحسب مصادر عديدة، وصلت خلال الأيام الماضية عدد من الشاحنات محملة بالمواد الغذائية والأدوية ومستلزمات الإيواء إلى أماكن النازحين، لكنها غير كافية نسبة للأعداد الكبيرة.

وأفادت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بأنها على وشك الإعلان عن حالة الطوارئ القصوى في محلية طويلة، لدفع المنظمات الدولية والمحلية للتحرك عاجلاً لإنقاذ حياة آلاف النازحين من شمال دارفور.


مقالات ذات صلة

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

شمال افريقيا مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، اليوم الثلاثاء، من وجود «مستويات غير مسبوقة وخطيرة» من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور في غرب السودان.

«الشرق الأوسط» (دارفور)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

قاضية أميركية توقف إنهاء الحماية من الترحيل للمهاجرين من جنوب السودان

​أوقفت قاضية اتحادية تنفيذ خطط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ‌لإنهاء ‌وضع ‌الحماية ⁠المؤقتة ​من ‌الترحيل الممنوح لمئات من مواطني جنوب السودان.

«الشرق الأوسط» (بوسطن)
شمال افريقيا سودانيون عائدون إلى وطنهم ضمن الرحلة 43 من محطة رمسيس بالقاهرة (مجلس الوزراء المصري)

مصر: قوائم انتظار طويلة لسودانيين يرغبون في العودة

مكّن مشروع «العودة الطوعية للسودان» آلاف السودانيين المقيمين بمصر من العودة المجانية لبلادهم منذ انطلاقه في يوليو الماضي.

رحاب عليوة (القاهرة)
الولايات المتحدة​ طفلة فلسطينية تنتظر الحصول على طعام من مطبخ خيري في خان يونس (رويترز)

«يونيسف»: 2025 كان الأسوأ لملايين الأطفال بسبب الجوع والحروب

أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» أن الجوع والحروب والأمراض شكلت حياة ملايين الأطفال خلال عام 2025.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا  نازحون سودانيون بالعراء بعدما فروا من بلدة هجليج التي سيطر عليها «الدعم السريع» بغرب السودان إلى مدينة القضارف في الشرق 26 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

أكثر من 800 ألف نازح في جنوب كردفان و16 ألفاً دون مأوى في الخرطوم

أعلنت منظمات مدنية نزوح أكثر من 800 ألف سوداني من مدن ولاية جنوب كردفان المحاصرة إلى مناطق سيطرة «الحركة الشعبية لتحرير السودان» وأن 16 ألفاً دون مأوى بالخرطوم.

أحمد يونس (كمبالا)

تمديد حالة الطوارئ في تونس لمدة شهر

علم تونس (رويترز)
علم تونس (رويترز)
TT

تمديد حالة الطوارئ في تونس لمدة شهر

علم تونس (رويترز)
علم تونس (رويترز)

مددت تونس حالة الطوارئ في البلاد لمدة شهر تبدأ مطلع شهر يناير (كانون الثاني) المقبل حتى يوم 30 من الشهر نفسه.

ونشر قرار التمديد من قبل الرئيس قيس سعيد في الجريدة الرسمية. وكان آخر تمديد شمل عام 2025 بأكمله.

ويستمر بذلك سريان حالة الطوارئ في البلاد لأكثر من عشر سنوات، منذ التفجير الإرهابي الذي استهدف حافلة للأمن الرئاسي وسط العاصمة يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، وأدى إلى مقتل 12 عنصراً أمنياً ومنفذ الهجوم الذي تبناه تنظيم «داعش».


«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
TT

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)

حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، اليوم الثلاثاء، من وجود «مستويات غير مسبوقة وخطيرة» من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور في غرب السودان.

وقالت المنظمة، في بيانٍ نشره موقع أخبار الأمم المتحدة، إن مسحاً حديثاً أظهر أن أكثر من نصف الأطفال الذين جرى تقييمهم في محلية أم برو بالولاية يعانون سوء التغذية الحادّ، «في ظل استمرار القتال وقيود شديدة على وصول المساعدات الإنسانية المُنقذة للحياة».

ووفقاً للمسح، الذي أجرته «اليونيسف»، في الفترة بين 19 و23 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يعاني واحد من بين كل ستة أطفال من «سوء التغذية الحاد الوخيم»، وهي حالة تهدد الحياة ويمكن أن تُودي بحياة الطفل في غضون أسابيع إذا لم يجرِ علاجها.

وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة كاثرين راسل إن «كل يوم يمر دون وصول آمن ودون عوائق يزيد خطر ضعف الأطفال ومزيد من الوفيات والمعاناة من أسباب يمكن الوقاية منها تماماً».

ودعت «اليونيسف» كل الأطراف إلى السماح بوصول المساعدات بشكل فوري وآمن ودون عوائق، وحضّت المجتمع الدولي - بما يشمل الدول التي لها نفوذ على أطراف الصراع - على تكثيف الضغط الدبلوماسي والسياسي، بشكل عاجل، لضمان الاتفاق على هدنة إنسانية واحترامها.

وتابعت المنظمة: «دون هدنة إنسانية يمكن التنبؤ بها واحترامها، لن يكون بوسع عمال الإغاثة إيصال الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الطبية وخدمات الحماية بأمان، ويستمر الأطفال في دفع الثمن الأكبر».


«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة استراتيجية في جنوب كردفان

عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة استراتيجية في جنوب كردفان

عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعلنت «قوات الدعم السريع»، الثلاثاء، سيطرتها على منطقة «التقاطع» الاستراتيجية في ولاية جنوب كردفان، ونشر عناصر تابعون لها مقاطع مصورة تُظهر انتشارها هناك.

ولم يصدر أي تعليق من الجيش السوداني بهذا الخصوص، مع استمرار تمدد «الدعم السريع» وحليفتها «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، في مناطق واسعة من الإقليم.

وقالت «الدعم السريع»، في بيان نشر على منصة «تلغرام»، إن «قوات تأسيس» المتحالفة معها بسطت سيطرتها بالكامل على المنطقة الواقعة بين مدينتي كادوقلي والدلنج، وإن هذه الخطوة تأتي «ضمن عمليات الانفتاح العسكري وتأمين الخطوط المتقدمة»، كما أنها تمكنت من «تسلم عدد من المركبات العسكرية والأسلحة والذخائر».

وأوضح البيان أن «هذا الانتصار يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق أهداف استراتيجية في الولاية».

وتخضع مدن ولاية جنوب كردفان، خصوصاً العاصمة كادوقلي ومدينة الدلنج، لحصار خانق تفاقمت حدته عقب استيلاء «الدعم السريع» على مدينة بابنوسة، وبلدة هجليج النفطية، بولاية غرب كردفان، وانسحاب قوات الجيش التي كانت في تلك البلدات إلى دولة جنوب السودان.

من جهة ثانية، أفادت مصادر بأن الجيش السوداني شن هجمات بالطائرات المسيّرة الانتحارية والقتالية، على مواقع عدة لتمركزات «قوات الدعم السريع» حول مدينتي كادوقلي والدلنج، في محاولة لإيقاف تقدمها بالولاية.

نازحون يصطفون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم بشمال كردفان (أ.ف.ب)

وتجدد القتال بضراوة في مناطق واسعة من ولاية جنوب كردفان خلال الأشهر الماضية بعد انضمام «الحركة الشعبية» إلى «قوات الدعم السريع»، وفصائل عسكرية أخرى، ضمن «تحالف السودان التأسيسي (تأسيس)».

بدورها، قالت «الحركة الشعبية»، في بيان الثلاثاء، إنها سيطرت على حامية عسكرية تابعة للجيش السوداني في منطقة تقاطع البلف، على طريق الدلنج - كادوقلي. وأضافت أن قواتها تواصل التقدم الميداني في إطار عمليات تهدف للوصول إلى العاصمة كادوقلي.

والأسبوع الماضي سيطرت «قوات تأسيس» على بلدة برنو، التي تبعد نحو 30 كيلومتراً من مدينة كادوقلي، وبدأت تتوغل في المناطق الجبلية المحيطة بها.

وكانت منصات «الدعم السريع» قد تحدثت في الأيام الماضية عن تحشيد كبير لقواتها في مناطق بالقرب من كادوقلي بهدف تكثيف الضغط على الجيش والقوات المتحالِفة معه، وتعزيز مواقعها في مناطق استراتيجية بهدف تمهيد الطريق لمهاجمة المدينة.

وفي وقت سابق سيطرت «الحركة الشعبية» على منطقتي الكرقل والدشول، الواقعتين على الطريق الرئيسية المؤدية إلى الدلنج؛ ثانية كبرى مدن الولاية، واتهمت الجيش السوداني والقوات المتحالفة بـ«عدم السماح للمدنيين بالمغادرة واستخدامهم دروعاً بشرية».

ومنذ أشهر تفرض «قوات تأسيس» طوقاً محكماً على كل المناطق حول مدن جنوب كردفان، وتقطع طرق وخطوط الإمداد لقوات الجيش السوداني المحاصَرة داخل كادوقلي.