الهزيمة المنكرة التي ألحقها ليفربول بفريق ساوثهامبتون، وتأهله لقبل نهائي كأس رابطة المحترفين الإنجليزية وانتفاضة الفريق تحت قيادة المدرب يورغن كلوب، واستعادة لاعبيه للثقة في أنفسهم، كلها مؤشرات على أن النادي قادر على تعويض فارق النقاط الذي يفصله عن متصدر جدول الدوري الإنجليزي الممتاز وحصد اللقب الغالي.
وفي خضم مشاعر الزهو بانتصار مدوٍّ، أصبح سيناريو كان يعتبر غريبًا ومستهجنًا حتى وقت قريب فقط معقولاً وقابلاً للتصديق. لقد كان من المفترض أن تكون مسيرة ليفربول هذا الموسم انتقالية، إذ إن الفريق ولاعبيه في مرحلة التأقلم مع الإدارة الفنية الجديدة. لكن بينما تقبل يورغن كلوب بثبات الهرج والمرج المصاحب لانتصار بسداسية، وفي ظل المسيرة القوية للفريق، بات من الصعب تجاهل الحديث عن قدرة ليفربول على أن يصبح منافسًا جادًا على نيل لقب الدوري الممتاز. كلوب حاول بالتأكيد بذل قصارى جهده. وفي استاد سانت ماري، كانت التحذيرات كثيرة من ثقل المهمة الملقاة على عاتقه، التي لا تماثل تلك التي تنظره اليوم أمام نيوكاسل يونايتيد الذي يحتل المركز قبل الأخير واستقبلت شباكه 8 أهداف في المباراتين الماضيتين اللتين لعبهما خارج أرضه، وفي نظر الغالبية، ستستقبل شباكه المزيد منها. لكن المدرب الألماني استغل المؤتمرات الإعلامية عقب المباراة في السعي لدحض فكرة أنه صانع معجزات رغم تكبده خسارة وحيدة في 11 مباراة خاضها منذ تولى القيادة الفنية لفريق ليفربول أوائل أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقال: «ليس لدينا أفكار سحرية.. الأمر يتعلق بالعمل الجاد. هناك بعض الثقة، لكن لا يمكننا أن نكتفي بالأحلام. ينبغي أن نعمل».
مرة واحدة فقط تخلى كلوب عن حذره، ولوهلة قصيرة فحسب. وتطورت إجابة متشعبة على تلميح بأن ليفربول يحتاج إلى «القليل من الحظ فيما يتعلق بالإصابات»، إلى اعتراف صريح بأن «الفريق في واقع الأمر قوي كفاية ليكون متحديًا». كلوب بوسعه أن يدعم هذا التصريح بحجج مقنعة في وجود كريستيان بنتيكي وروبرتو فيرمينو وجيمس ميلنر وناثانيال كلاين غير المستغلين، وغياب فيليب كوتينهو ومامادو ساكو بداعي الإصابة، ووجود جوردن هندرسون ضمن بدلائه.
وترك كلوب الأمر معلقًا فيما يتعلق بالأهداف الواقعية التي ينبغي أن يسعى الفريق في أثر تحقيقها: سيواجه ستوك سيتي في نصف نهائي كأس رابطة الأندية الإنجليزية، وتأهل بسلام إلى دور الـ32 من الدوري الأوروبي. كما أن الفريق، كما صرح كلوب، «ما زال في كأس الاتحاد الإنجليزي». قد تكون حقيقة أن الفجوة ليست شاسعة بين ليفربول وأصحاب المراكز الأربعة الأولى في جدول ترتيب الفرق لنيل اللقب، الذي لم يشهد حتى الآن امتلاك أحد المنافسين التقليديين، الزخم المطلوب للتحليق منفردًا. وحتى الآن، وفي ظل المردود السيئ الذي يقدمه تشيلسي وتذبذب أداء فرق الصفوة المتفوقة على ليفربول في الترتيب، بدأ الفريق يشعر بأن هذا الموسم يمثل فرصة مواتية لاقتناص اللقب. وفي ضوء تحقيق ليفربول أكبر انتصار لفريق زائر لاستاد سانت ماري، معقل ساوثهامبتون، فإن مشاعر التفاؤل مبررة تمامًا بين لاعبي الفريق». وفي هذا الإطار، تحولت الأنظار تلقائيًا إلى لاعبي خط الهجوم، حيث قدم دانييل ستوريدج، في انطلاقته الأولى تحت قيادة كلوب، مردودًا ذكر الجماهير بأدائه الرفيع. ولتتخيل ما قد يحدث إذا تمكن المهاجم الإنجليزي من الاحتفاظ بلياقته البدنية حتى شهر مايو (أيار). وفي ظل إحراز اللاعب 4 أهداف في 5 مباريات خلال موسم تكرر تعرضه فيه للإصابات، فمن المتوقع تضخم هذه الحصيلة من الأهداف إلى 15 على الأقل في حال شارك بانتظام في المباريات المتبقية من عمر المسابقة. إن وجود مثل هذه القوة التهديفية في خط الهجوم، إلى جانب تلك التي يوفرها بنتيكي، تعطي هذا الفريق أحد عناصر التفوق على المنافسين. لقد ناقش ديفوك أوريجي، الذي أحرز هاتريك في مباراة ساوثهامبتون، مباشرة مع المدير الفني فرص مشاركته، ولكن بينما كان ظهوره في سانت ماري استثنائيًا من حيث مسيرته مع ليفربول حتى الآن، فإنه يذكر الجميع بموهبة واضحة يمكن استغلالها في المستقبل.
وقد تؤخر انطلاقة اللاعب البلجيكي الرغبة في ثبات المستوى بينما تتاح فرص مشاركته في المباريات على فترات متقطعة. «لكنه شاب ويريد أن يتعلم وينبغي أن يتحلى بالصبر»، حسبما يقول كلوب. ويضيف: «في غضون 10 أو 15 عامًا، سيتطلع إلى الماضي ولا يتذكر المباريات التي لم يلعبها في هذه الفترة عندما كان في مرحلة التدريب».
وتبشر اللمحات التي قدمها اللاعب بمستقبل كبير في عالم كرة القدم، لا سيما تحركاته الذكية وحسه الغريزي بالكرة، علاوة على ذلك الإنهاء المذهل لهدفه الثاني. إن إقحام الطاقة المتفجرة التي يبثها آدم لالانا في خط الوسط - لاعب ساوثهامتون السابق، الذي لا تنقصه بالطبع الدوافع الشخصية للتفوق - فضلا عن دفاعٍ لم يتلق سوى 8 أهداف خلال 11 مباراة تحت قيادة كلوب، ويحظى بحماية فعالة من جانب خط وسط الفريق، يكفي لتشعر بأن هذه المجموعة من اللاعبين بعثت من جديد. ويقول لالانا: «لقد جاء وبث روحه في الفريق، ومباراة تلو الأخرى، ترى تحسنًا في الأداء.. لكننا ندرك أن المشوار ما زال طويلاً أمامنا».
كلوب اشتكى من الارتباك الذي كلف فريقه التأخر بهدف بعد مرور 41 ثانية من عمر المباراة أمام ساوثهامبتون، لكن ليفربول - من قلب تلك الانتكاسة - حقق الانتفاضة. ولطالما كان هذا الفريق على موعد مع الهزيمة والانكسار عندما يتخلف عن المنافس. ومنذ بداية الموسم الماضي حتى إقالة برندان رودجرز، تخلف الفريق في 29 مباراة ليتمكن من تعديل النتيجة إلى الفوز في 4 مناسبات فقط والتعادل في 5 مباريات. وخسر ليفربول المباريات العشرين الأخرى، بما في ذلك 9 من أصل المباريات العشر الأخيرة تحت قيادة المدير الفني السابق. وخلال ولاية المدرب الألماني الحالي، تخلف ليفربول عن منافسيه في 5 مناسبات خلال 11 مباراة، لكنه تمكن من إلحاق الهزيمة بتشيلسي وبوردو وساوثهامبتون والتعادل مع روبين كازان. وحده كريستال بالاس تمكن من الانتصار على الفريق حتى الآن، حيث تمكن من انتزاع التقدم مرتين في ملعب الإنفيلد. قد تبدو تلك الإحصائية حدثت بالصدفة، لكنها كاشفة. وتقدم مؤشرًا على القدرة على العودة إلى المباراة بالإضافة إلى الثقة التي بثها المدير الفني الجديد في فريق كان في السابق مبتلى عادة بالشك في قدراته الذاتية. إن الطاقة التي يطلبها كلوب من لاعبيه ستجعلهم يواصلون إزعاج ومهاجمة المنافسين حتى النهاية، وتؤشر على رفض كامن في النفوس للاستسلام. إن تلك المجموعة من اللاعبين باتت تدرك أنها قادرة على استدعاء روح التعويض والعودة إلى المباريات. ويمكن للمدير الفني أن يشكو من نوبات الارتباك التي تصيب لاعبيه، لكنه سيبتهج أيضًا بالشخصية التي يبديها فريقه على نحو متكرر.
وسيسفر ذلك من حين لآخر عن انتصارات مؤكدة، كالتي حققها الفريق على حساب ساوثهامبتون، لكن ليفربول بات معروفًا الآن بأنه تلك القوة الهجومية المضادة التي كادت أن تحرز لقب الدوري الممتاز قبل موسمين تحت قيادة رودجرز. قبل عدة أسابيع إبان الاحتفال بالهالويين، وفي أعقاب ذلك الفوز على تشيلسي في المباراة الخامسة التي يقود فيها الفريق، سئل كلوب على نحو شبه استفزازي عما إذا كان ينبغي اعتبار فريقه من المتنافسين على حصد اللقب، فما كان منه إلا أن رد بنبرة فزعة مستهزئة: «هل جننت؟ كنت لأفضل ألا أفهم ذلك السؤال بالأساس.. جئت إلى هنا منذ 3 أسابيع فقط، وتعتقد أنه بعد فوز على تشيلسي، يتعين علينا أن نفكر على هذا النحو؟». لكن بعد مرور ما يزيد قليلا عن شهر واحد، لم يعد مثل هذا الحديث سخيفًا على الإطلاق.
هل يفوز ليفربول بالدوري الإنجليزي؟
بعد تقليص فارق النقاط وانتفاضة لاعبيه
هل يفوز ليفربول بالدوري الإنجليزي؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة