مصممة تتبع الخيط النيجيري لاكتشاف مجال أفريقي جديد

تحمل لاني أديوي تراثها ومنظورها العالمي إلى معرض «حرف غرب أفريقيا»

أول مصمِّمة أفريقية تحصل على الجائزة الأولى في فعالية «سالون ستالايت» («إنستغرام» المصمّمة)
أول مصمِّمة أفريقية تحصل على الجائزة الأولى في فعالية «سالون ستالايت» («إنستغرام» المصمّمة)
TT

مصممة تتبع الخيط النيجيري لاكتشاف مجال أفريقي جديد

أول مصمِّمة أفريقية تحصل على الجائزة الأولى في فعالية «سالون ستالايت» («إنستغرام» المصمّمة)
أول مصمِّمة أفريقية تحصل على الجائزة الأولى في فعالية «سالون ستالايت» («إنستغرام» المصمّمة)

تنتقل المصممة لاني أديوي، بين تدريس التصميم في جامعتها الأم، بكلية «بارسونز» للتصميم في مدينة نيويورك، وبين إدارة المشروعات في شركتها المعروفة باسم «ستوديو لاني»، في مسقط رأسها، بمدينة لاغوس النيجيرية.

خلال الأسبوع الحالي، ستكون السيدة أديوي، (35 عاماً)، في مكان ما بين هذا وذاك، بعد أن أشرفت على معرض «حرف غرب أفريقيا»، في فعالية «سالون ساتلايت»، أي المعرض السنوي للمصمِّمين الناشئين في معرض «سالون دل موبايل» في ميلانو، وموضوعه العام الحالي يدور حول «الحرفية الجديدة: عالم جديد».

المصممة النيجيرية لاني أديوي («إنستغرام» المصمّمة)

تقول السيدة أديوي، عن الأشياء المصنوعة يدوياً: «أؤمن بشدَّة بهذا المجال الغني من التصميم، الذي لا يأخذ حقَّه من التقدير».

وتقول مارفا غريفين ويلشاير، المؤسسة والمشرفة على فعالية «سالون ساتلايت»، إنها حين استقرت على أفريقيا لتكون محوراً لنسخة عام 2025، طلبت من أديوي المشاركة فيها. وتابعت: «من خلال صِلاتها القوية في المنطقة، أردتُ أن تكون أديوي جزءاً من المشروع، وإجراء الأبحاث وتقديم الأفكار إلى المعرض».

وبدورها التزمت السيدة أديوي بقائمة من الحرفيين من السنغال، وغانا، وبوركينا فاسو، والكاميرون، ونيجيريا، الذين سيعرضون قطعاً معاصرة مصنوعة بأساليب تقليدية، بما في ذلك المقاعد والطاولات. فالمنتجات المقبلة من بوركينا فاسو، على سبيل المثال، هي برونزيات تُصنع من خلال صبِّ الشَّمع المهدور، وهي تقنية تعتمد على صبِّ المعدن المصهور في قالب، في حين أن القطع المقبلة من الكاميرون تُنحَت يدوياً من الخشب. وقد صمَّمت السيدة أديوي بنفسها، قطعاً مُغطاة بمادة منسوجة مصنوعة من سيقان نباتية مجففة ومصبوغة، وهي مادة تُستخدم عادة في نيجيريا لصناعة الحصائر.

مشَّاية حازت على جوائز صمَّمتها تحت اسم «ريم إكس» («إنستغرام» المصمّمة)

وفي فبراير (شباط)، عادت السيدة أديوي إلى نيجيريا لتُكمل تحضيرات العرض. وأثناء وجودها هناك، زارت جدَّها، ريمي أودوبانغو، البالغ من العمر 88 عاماً، الذي ألهمها تصميم مشَّاية حازت على جوائز، صمَّمتها تحت اسم «ريم إكس»، نسبة إلى اسم جدها. وقالت عن ذلك: «إن جدي لم يكن يحبُّ المشَّايات التي اشتريناه له؛ فقد بدت أشبه بمشايات عيادات الأطباء، وكان يخفيها دائماً».

غلّفت لاني أديوي المعدن بقطعة من نسيج «آسو أوكي» النيجيري التقليدي المنسوج يدوياً، والمستخدم في الملابس الاحتفالية، وغطَّت الإطار بزهرة الياقوت المائية، التي تنمو بكثرة في نيجيريا وتُشبه نبتة الرافية، مع منحنياتها الحادة وألوانها القشِّية والأرجوانية، تبدو مشاية «ريم إكس» أكثر فخامة، وأشبه ما تكون بعصي المشي المزخرفة المتقنة التي يستخدمها الزعماء المحليون وكبار الشخصيات. وقد ساعدها ذلك على أن تُصبح أول مصمِّمة أفريقية تحصل على الجائزة الأولى في فعالية «سالون ستالايت» المقامة في عام 2022، وكانت حينها واحدة من بين 600 مشارك تناولوا موضوع «التصميم من أجل أنفسنا في المستقبل».

أول مصمِّمة أفريقية تحصل على الجائزة الأولى في فعالية «سالون ستالايت» («إنستغرام» المصمّمة)

تتذكر باولا أنتونيلي، كبيرة أمناء الهندسة المعمارية والتصميم في «متحف الفن الحديث» بمدينة نيويورك، التي ترأست لجنة تحكيم الجوائز: «حينها تأثرت كثيراً بهذه المشاية التقليدية. لقد كانت متينة وعملية للغاية، وفي الوقت نفسه أنيقة وتسترعي الاهتمام». مضيفة: «لطالما أيقنت أنه لا يوجد سبب يمنع أن تكون الأشياء النفعية غاية في الأناقة بصورة مؤثرة أيضاً».

كثيرون يعتمدون من عمل السيدة أديوي على الممارسات العريقة والمواد الطبيعية. و«المقاعد الناطقة» التي تُقدمها أديوي في «حِرف غرب أفريقيا»، المغطاة بحصائر منسوجة بأيدي نساء من ولاية إيكيتي في جنوب غربي نيجيريا، تُردِّد صدى الطبلة الناطقة، وهي الآلة الموسيقية التي تُستخدم تقليدياً في الاحتفالات والتواصل عبر مسافات شاسعة.

لاني في الاستوديو الخاص بها («إنستغرام» المصمّمة)

ومن خلال تحويل هذه الحصائر إلى تنجيد للأثاث، تأمل أديوي في توسيع نطاق تطبيقاتها وأسواقها المحتملة. كما استمدَّت الإلهام أيضاً من «إيرون كيكو»، وهي تقنية ربط الخيط الأسود بإحكام حول أجزاء صغيرة من الشَّعر لإنتاج تسريحات شعر هيكلية وصلبة. وتتذكر قائلة: «لقد نشأت على حياكة شعر الناس وتصفيفه بهذه الطريقة، لأنني كنت الشخص الأكثر إبداعاً الذي يلجأ إليه أفراد عائلتي وأصدقائي». ومن ثمَّ تُتابع: «كانوا يقولون: اسألوا لاني، إنها ماهرة بيديها. ولكنني لم أفكر أبداً في هواياتي الحرفية على أنها مهارات حقيقية».

والآن، كثيراً ما تلف أغراضها بالقماش أو الألياف، في انعكاس حرفي لما تدعوه اليوم، الخيط الأحمر، الذي يربط مواهبها واهتماماتها. استغرق الأمر بعض الوقت. وبتشجيع من عائلتها على السَّعي وراء «مسار مهني مستقر»، درست إدارة الأعمال في جامعة ماكجيل في مونتريال، كندا. وبعد تخرُّجها، عملت في تورونتو محلِّلة استشارية في شركة «أكسنتشر»، وهي شركة للخدمات المهنية متعدِّدة الجنسيات. وتتذكر قائلة: «في أحد الأيام، حضرتُ معرضاً تجارياً للتصميم خلال استراحة الغداء، حيث رأيت كُرسياً يبدو وكأنه قطعة فنية عملية، وحتى تلك اللحظة، لم أكن أعرف حقاً أن الأثاث يمكن أن يكون أشياء متعددة». والتحقت السيدة أديوي ببرنامج دراسات التصميم الداخلي في كلية «بارسونز»، وحصلت على شهادة جامعية في العلوم التطبيقية في عام 2014. وبعد ذلك فتحت في عام 2015 «استوديو لاني»، وفي عام 2017 حصلت على الجائزة الأولى في معرضٍ رئيسي بمدينة نيويورك للمصممين الدوليين الناشئين يسمى «لانش پاد»، الذي تديره شركة «وانتد ديزاين».

بدورها، قالت كلير بيجولات، مؤسّسة شركة «وانتد ديزاين» رفقة أوديل هينو: «تتميز السيدة أديوي بأنها جعلت أسلوبها في متناول الجميع وملهماً للآخرين». وأضافت: «إن قدرتها على التعبير بوضوح عن رؤيتها، والقصة وراء عملها، تُضيف طبقة شخصية ومشوِّقة إلى تصميماتها، ومن المؤكد أنها تُحدث تأثيراً كبيراً».

وتعتقد السيدة أديوي أن القوة التحويلية للتصميم ترتبط بالحِرف اليدوية المستخدمة في إنتاجه، وتريد من المجتمع العالمي أن يُدرك أن الأفارقة وأعضاء الجالية الأفريقية في الشَّتات يساهمون أيضاً في هذه الرواية بصورة هادفة. وقالت إنها تشعر «بالإحباط الشديد إزاء الطريقة التي تُضخِّم بها وسائل الإعلام القصص السلبية أو قصص المعاناة والتي لا تضع الناس في موضع تسوده الكرامة. وهذا يؤثر في نهاية المطاف على الطريقة التي تُرى بها ثقافتهم». وهدفها من مبادرة «حرف غرب أفريقيا» هو إبراز التقاليد الغنيَّة في المنطقة وإمكاناتها. وختمت كلامها: «من خلال الفن والحِرفة والتصميم، يمكننا تقديم نظرة أكثر توازناً تتجاوز السَّرد الأحادي البُعد الذي اعتدنا على رؤيته».

*خدمة: نيويورك تايمز


مقالات ذات صلة

عمل فني صادم: رؤوس مشاهير التكنولوجيا على كلاب روبوتية (فيديو)

يوميات الشرق روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)

عمل فني صادم: رؤوس مشاهير التكنولوجيا على كلاب روبوتية (فيديو)

انتشر عمل فني من معرض «آرت بازل» يضم كلاباً آلية تحمل رؤوساً شمعية لوجوه شخصيات بارزة من رواد التكنولوجيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

لا يشكّل معرض «ديفا» (رحلة في بريق المجوهرات الإيطالية) قصة عادية لفنانين مصمّمين، بل يروي حكاية شيّقة عن تاريخ هذا الفنّ اليدوي في إيطاليا.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)

«عيد الكاريكاتير المصري» يحتفي بـ«المتحف الكبير» وطوغان

المعرض يهدف إلى تعزيز الوعي بالهوية المصرية وبقيمة المتاحف، ويقدّم أعمالاً متنوعة تمزج بين السخرية والطرح الإنساني لإيصال رسائل ثقافية وفنية قريبة من الجمهور.

حمدي عابدين (القاهرة)
يوميات الشرق تدور موضوعات لوحات بو فرح بين الخيال والواقع (الشرق الأوسط)

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

تستعير الفنانة التشكيلية جولي بو فرح في معرضها «آي كلاود» من الغيوم صورة شاعرية لأعمالها، فترسمها بريشة تتأرجح بين الواقع والخيال.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق إحدى لوحات المعرض (المتحف المصري بالتحرير)

المتحف المصري يحتضن لوحات «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»

تحت عنوان «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»، استضاف المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) معرضاً فنياً يضم لوحات وأعمالاً تستلهم الحضارة المصرية.

محمد الكفراوي (القاهرة )

3 مخرجات في لحظة سينمائية نادرة... «البحر الأحمر» يجمع بينوش وأمين ودعيبس

جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)
جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)
TT

3 مخرجات في لحظة سينمائية نادرة... «البحر الأحمر» يجمع بينوش وأمين ودعيبس

جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)
جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)

في لحظة نادرة، تجمع بين التجربة العالمية ونهضة السينما العربية، التقت في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» 3 سينمائيات، لكل منهن علاقة مباشرة مع «الأوسكار»، وهن: الممثلة الفرنسية الحائزة «الأوسكار» جولييت بينوش، التي تُعدّ من أبرز الوجوه في السينما الأوروبية، والمخرجة السعودية شهد أمين التي يُمثّل فيلمها «هجرة» السعودية في سباق «الأوسكار»، والمخرجة الفلسطينية - الأميركية شيرين دعيبس التي يُنافس فيلمها «اللي باقي منك» باسم الأردن في «الأوسكار».

جاء ذلك ضمن الجلسة الحوارية لبرنامج «نساء في الحركة»، الذي وُلد من مهرجان «كان» عام 2015 بكونه نافذة تطلّ منها النساء على النقاش العالمي حول الصورة، وصولاً إلى مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، إذ يحضر البرنامج للمرّة الأولى، ويحتفي بمرور عقد عليه، في جلسة حوارية جمعت النجمات الثلاث اللواتي ينتمين إلى خلفيات وثقافات وتجارب متباينة، لكن جمعتهن الأسئلة: كيف تُكتب الذاكرة؟ وكيف تتشكّل هوية المرأة في السينما؟ وكيف تستعيد السينما صوتها الإنساني وسط عالم يتغيَّر بسرعة؟

من التمثيل إلى الإخراج

وشكَّل انتقال الممثلة الفرنسية جولييت بينوش من التمثيل إلى الإخراج محوراً أساسياً في حديثها، خصوصاً عن الصعوبة الكامنة في «إخراج نفسها» داخل الفيلم.

تقول جولييت بينوش: «الممثل لا يستطيع أن يفصل نفسه عن الإخراج. العالمان متداخلان بشكل طبيعي»، مضيفة أنّ أداءها لم يكن خاضعاً لعملية توجيه ذاتي بقدر ما كان «محاولة لترك الحقيقة تمر عبر الجسد».

وتوقَّفت عند سؤال «الحقيقة في الصورة»، مشيرةً إلى أنّ لحظة نسيان المُتفرّج بأنّ ما يشاهده مجرّد صورة هي قلب التجربة السينمائية، وتتابع: «الحقيقة تنتمي إلى الإنسان. عندما تدخل الصورة في داخلك وتنسى أنها مصنوعة، عندها فقط تبدأ السينما».

المخرجة السعودية شهد أمين خلال الجلسة (المهرجان)

شهد أمين... الغرابة السينمائية

من ناحيتها، تناولت المخرجة السعودية شهد أمين فيلمها «هجرة» بإسهاب، وهو فيلم ينسج علاقته بين 3 أجيال نسائية. وقدَّمت مداخلة صريحة وحيوية، بدأت بسرد علاقتها بـ«غرابة أعمالها». قائلةً: «كل مرة أكتب فيلماً أقول إنّ الجميع سيحبه، ثم أصنعه، ويخرج غريباً جداً!».

وأضافت بابتسامة لا تخفي صدقها: «أقول لنفسي: (أرجوكِ اصنعي فيلماً طبيعياً)، لكن النهاية تكون دائماً لفيلم لا يُشبه أي فيلم آخر». وترى أمين أنّ هذا الاختلاف ليس هدفاً، بل نتيجة طبيعية لخياراتها الشخصية.

وبسؤالها عن دورها في إخراج المرأة السعودية من القوالب النمطية، تُجيب: «أنا لا أصنع أفلاماً لإثبات شيء عن المرأة السعودية أو لتغيير صورة ما، هذا ليس هدفي. أكبر خطأ يمكن أن أرتكبه هو أن أفرض أفكاري على الفيلم».

وعند سؤالها عن حضور الأجيال الثلاثة في فيلم «هجرة»، أجابت بتأمّل عميق: «كلّ ما نحن عليه اليوم صنعته أمّهاتنا وجداتنا. لا يمكن فَهْم الحاضر من دون العودة إلى الخلف».

أما عن المشهد السينمائي في السعودية اليوم، فرأت أنه يشهد واحدة من أسرع المراحل تطوراً على مستوى العالم، مضيفةً: «السعودية مكان ممتع لصناعة الأفلام. كلّ شيء جديد، وكلّ شيء يبدأ من الصفر. هناك مساحة لكلّ صوت».

كما حذّرت المخرجين الجدد من محاولة تقليد النموذج الأميركي: «لا حاجة لتكرار أحد... كن نفسك... كن غريباً إن أردت... ربما يجد أحدهم نفسه في هذا الغريب».

المخرجة شيرين دعيبس وتقاطعات الذاكرة والهوية (المهرجان)

شيرين دعيبس... صناعة الذاكرة

المحطة الثالثة حملت صوت المخرجة الفلسطينية - الأميركية شيرين دعيبس، التي تُشارك في المهرجان بفيلم «اللي باقي منك»، الذي يتناول أحداث فلسطين ما بعد النكبة. وهي المخرجة المعروفة باشتغالها على هوية المرأة العربية في سياقات الشتات. تطرَّقت دعيبس لفيلمها، بالقول: «وجدنا أنفسنا نصنع فيلماً عن النكبة بينما نشاهد نكبة أخرى تتكشَّف أمام عيوننا... نكبة بلا حدود».

ورأت أن البحث عن «فلسطين خارج فلسطين» كان عملية قاسية، لكنها ضرورة لصنع الفيلم، مضيفةً: «كان علينا أن نُعيد تشكيل الذاكرة بصرياً، ونبحث عن جذورنا في أماكن لا تمتلك الأرض نفسها».

وعن جذورها الشخصية، قالت بوضوح: «نشأت في عائلة فلسطينية - أردنية. أحمل الفرح والألم معاً. مشاركة هذا الإرث ليست خياراً، إنها واجب».

وفي تحليلها لتطوّر الدعم العالمي للسينما العربية، قالت شيرين دعيبس إنّ أوروبا والعالم العربي كانا أكثر دعماً من الولايات المتحدة، مضيفةً: «بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) أدركنا أن صورتنا تُروى من دوننا. وكان علينا أن نستعيد قصصنا». وأثنت على التحوّل السينمائي في السعودية، قائلة: «ما يحدث هنا استثنائي. الدعم الذي نراه في المنطقة خلال السنوات الأخيرة غير مسبوق».

ورغم اختلاف اللغات والخلفيات، تقاطعت مداخلات المخرجات الثلاث عند 3 محاور عميقة: الذاكرة بكونها منظوراً سردياً، والغرابة بوصفها توقيعاً، ورؤية الإنسان من الداخل. ويمكن القول إنّ جلسة «نساء في الحركة» في «البحر الأحمر» لم تكن مجرّد لقاء حول حضور المرأة في السينما، بل كانت مساحة لقراءة العالم من خلال العين النسائية؛ عين تتأمل الحقيقة، وتستعيد الذاكرة، وتتجاوز الخطاب التقليدي.


شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
TT

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)

تزداد في بريطانيا تسمية الشوارع بأسماء طيور مثل القُبرات والزقزاق والزرازير، في وقت تشهد فيه أعداد هذه الأنواع تراجعاً مقلقاً.

فقد كشف تقرير لجمعية حماية الطيور الملكية، نقلته «الغارديان»، عن أنّ أسماء شوارع من قبيل «ممر القُبرة» و«جادة السمامة» باتت أكثر شيوعاً خلال العقدين الماضيين. وبالاستناد إلى بيانات «أو إس أوبن نيمز» بين عامَي 2004 و2024، تبيَّن أن الشوارع التي تحمل أسماء طائر القُبرة ارتفعت بنسبة 350 في المائة، وتلك التي تحمل اسم الزرزور بنسبة 156 في المائة، فيما ارتفعت أسماء الشوارع المرتبطة بطيور الزقزاق بنسبة 104 في المائة، رغم الانخفاض الكبير في أعداد هذه الطيور في البرّية.

ويشير التقرير إلى أنّ بريطانيا فقدت بين عامَي 1970 و2022 نحو 53 في المائة من القُبرات المتكاثرة، و62 في المائة من الزقزاق، و89 في المائة من العندليب.

وقالت المديرة التنفيذية للجمعية، بيكي سبيت، إنّ التحليل «يكشف عن أن البلديات والمطوّرين العقاريين لا يجدون غضاضة في تسمية الشوارع بأسماء الطبيعة التي نحبّها، بينما تبقى الجهود الرامية إلى منع اختفاء هذه الطيور من سمائنا بعيدة تماماً عن المستوى المطلوب».

ووصف تقرير «حالة الطبيعة 2023» المملكة المتحدة بأنها «واحدة من أكثر الدول استنزافاً للطبيعة على وجه الأرض»، مشيراً إلى الانهيار الحاد في أعداد الطيور البرية منذ سبعينات القرن الماضي.

كما أظهر تحليل الجمعية أنّ استخدام كلمة «مرج» في أسماء الشوارع زاد بنسبة 34 في المائة، في حين اختفت 97 في المائة من المروج البرّية منذ الثلاثينات. ودعت الجمعية الحكومة إلى تعزيز جهود حماية الطبيعة، مع دخول مشروع قانون التخطيط والبنية التحتية في إنجلترا مراحله النهائية.

كانت الحكومة قد تراجعت في أكتوبر (تشرين الأول) عن دعم تعديل يُلزم بتركيب «طوب السمامات» في كلّ منزل جديد، رغم أنّ أسماء الشوارع المرتبطة بالسمامات ارتفعت بنسبة 58 في المائة.

وأكدت الجمعية أنه من «الممكن والضروري» تبنّي نظام تخطيط عمراني يُسهم في استعادة البيئة الطبيعية، مستشهدةً ببحث صادر عن مؤسّسة «مور إن كومون» يفيد بأنّ 20 في المائة فقط من البريطانيين يرون أنه ينبغي خفض المعايير البيئية لتشييد مزيد من المنازل.

من جانبه، قال مؤلّف كتاب «ليا الوقواق» عن تاريخ الطيور في أسماء الأماكن البريطانية، مايكل وارن، إنّ البريطانيين «يعشقون أسماء الطبيعة، ويعرف المطوّرون ذلك جيداً». لكنه أوضح أنّ رواج أسماء الطيور في المشروعات السكنية الجديدة «يخفي انفصالاً عميقاً يعانيه كثيرون عن الطبيعة، ويعطي انطباعاً مضلّلاً بأنّ كلّ شيء على ما يرام».

وأشار وارن إلى أنّ أسماء الأماكن كانت سابقاً تعكس الواقع البيئي، أما الأسماء الحديثة فهي «في أفضل الأحوال جميلة المظهر، لكنها في الحقيقة وسيلة خادعة ورخيصة وسهلة لخلق إيحاء بمعالجة تدهور الطبيعة من دون القيام بأيّ تحرّك فعلي».

وختمت سبيت: «يستحق الناس أن يستمتعوا بصوت العندليب في ذروة غنائه، أو بصيحات السمامات وهي تحلّق فوق رؤوسهم، بدلاً من العيش في شوارع صامتة تحمل أسماء ساخرة».


علي الكلثمي... المخرج السعودي الذي صاغ من السخرية رؤية سينمائية

علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
TT

علي الكلثمي... المخرج السعودي الذي صاغ من السخرية رؤية سينمائية

علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)

للمخرج السعودي علي الكلثمي أسلوب ساخر لا ينفصل عن شخصيته، ولا عن أعماله، ولا حتى عن طريقته في مقاربة أكثر الأسئلة الفنّية جدّية. بدا ذلك واضحاً في حديثه على المسرح خلال الجلسة الحوارية التي تناولت تجربته في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، في مزيج بين الخفّة والعمق، وبين اللعب والملاحظة الحادّة، ما يجعله قادراً على قول أكثر الأفكار تعقيداً بأبسط المفردات وأكثرها تلقائية.

الجلسة، التي بيعت تذاكرها بالكامل، وشهدت حضوراً كثيفاً من المهتمّين، لم تكن مجرّد لقاء عابر؛ إذ بدا واضحاً أنّ تجربة الكلثمي باتت اليوم محطَّ متابعة عربية وخليجية، مع حضور لافت لجمهور من الكويت وعُمان ودول أخرى. فهو يُعد أحد أبرز الأصوات التي خرجت من فضاء «يوتيوب» في السعودية، وبدأ رحلته السينمائية عبر الفيلم القصير «وسطي» عام 2016، كما يُعد أحد المساهمين في نقل السينما المحلّية إلى مرحلة جديدة من خلال فيلمه الطويل «مندوب الليل» الذي حصد جوائز عدّة.

من السخرية إلى المنهج

وحملت الجلسة كثيراً من الجدّية في التفاصيل التي قدَّمها الكلثمي عن عمله مع الممثلين. وكان لافتاً أنه بدأ إحدى إجاباته بنصيحة غير معتادة: «أنصح كلّ الخرّيجين أن يُجرّبوا التمثيل ولو في ورشة قصيرة. التجربة تُغيّر فهمك للممثل تماماً!». هذه الجملة وحدها كانت كافية لفتح باب واسع حول علاقته بالممثلين، وكيف أسهمت تجربته القصيرة في التمثيل، التي وصفها بـ«الكراش كورس»، في تغيير طريقته في التعامل مع الممثل أمام الكاميرا.

يرى الكلثمي أنّ الممثل لحظة وصوله إلى موقع التصوير يكون «مكشوفاً بالكامل». هذه النظرة العميقة لطبيعة الوقوف أمام الكاميرا جعلته يؤمن بأنّ المخرج لا يمكنه قيادة الأداء من دون أن يكون قادراً على الشعور بذلك الخوف الإنساني الخام. لذلك، فإنّ أول ما يمنحه للممثل ليس التوجيه، بل الثقة. يضيف: «أول ما يحتاج إليه هو أن يشعر أنك لن تحاكمه. أنك شبكة الأمان التي تحميه حين يُغامر».

علي الكلثمي على السجادة الحمراء في المهرجان (البحر الأحمر)

يُصرّ الكلثمي على أنّ العمل الجوهري لا يتم في موقع التصوير، بل قبله. وهي فكرة تُشكّل أحد أعمدة منهجه الإخراجي. وقدَّم مثالاً على ذلك من خلال علاقته المهنية الطويلة مع الممثل محمد الدوخي (بطل «مندوب الليل»)، التي تمتد لسنوات.

في التحضير للشخصيات، كانا يستحضران أشخاصاً من الماضي، ويقولان: «تتذكر فلان؟ هذا ظله... طيف منه». هنا يظهر الجانب الإنساني عند الكلثمي، الذي يرى في التفاصيل الصغيرة والعلاقات العابرة مادة حقيقية لبناء الشخصية. فليست الحكايات الكبيرة ما تصنع صدق الأداء، بل هشاشة التفاصيل التي لا ينتبه لها أحد.

ويتعمَّق هذا المنهج عبر أداة إضافية يستخدمها تحت إطار البحث عن تفاصيل الشخصية. فهو يرى أنّ الممثل مُطالب بمعرفة دفاتر الشخصية، وكتاباتها، وطريقة تفكيرها، وحتى ما يمكن أن تستمع إليه في عزلتها. ليس ذلك بهدف خلق صورة مُكتملة، بل بهدف فتح مسارات داخلية تُساعد الممثل على الوصول إلى جوهر الشخصية.

النصّ بصوت المُخرج

ومن أكثر جوانب الجلسة إثارة للانتباه، اعتراف الكلثمي بأنه يحب أن يقرأ النصّ للممثل بعد أن ينتهي الأخير من قراءته. ورغم أنه يصرّ على أن ذلك ليس لتلقينه الأداء، فإنه يراه «نافذة إضافية» تمنح الممثل فرصة للدخول إلى العالم الداخلي للشخصية. يقول: «أقرأ النص بصوتي، وأمثّل الشخصية أمامه، ليس لأريه كيف يؤدّي، بل لأفتح له نافذة يُطل من خلالها على عالم الشخصية».

هذا النهج، الذي يجمع بين الحسّ التمثيلي والقدرة على الإصغاء، يعكس رؤية الكلثمي لموقعه في الصناعة، كما ظهر بوضوح في الجلسة التي امتدَّت لنحو ساعة، وحاوره فيها الصحافي أحمد العياد. فهو لا يضع نفسه في موضع السلطة، بل في موضع الشريك الذي يُمهّد للممثل الطريق بدل أن يفرض عليه مساراً واحداً.

من «يوتيوب» إلى السينما

الحضور الواسع للكلثمي في الجلسة يعكس مساراً غير تقليدي في السينما السعودية. فالمخرج الذي خرج من عباءة المحتوى الرقمي لا يحمل عقدة الانتقال إلى السينما، ولا يضع بينهما طبقية، بل يرى أنّ لكل وسيط لغته وجمهوره، والفنان الحقيقي لا ينتمي إلى منصة بقدر ما ينتمي إلى صدق التجربة. وقد بدا هذا المبدأ حاضراً في ردوده، وفي التواضع الذي يتعامل به مع مشواره، سواء في البدايات مع «وسطي»، أو في نجاحات «مندوب الليل» التي نقلته إلى دائرة الضوء السينمائية.

لم تكن الجلسة مجرّد استعراض لسيرة مخرج شاب، وإنما درس في فَهْم الممثل، وفي التحضير، وفي الدور الذي يمكن أن يلعبه التعاون في رفع جودة صناعة كاملة. وربما كانت أيضاً نافذة إلى روح الكلثمي نفسه: فنان يسخر من كلّ شيء، لكنه لا يسخر من الفنّ.