عادوا إلى رفح وافترشوا الركام... فألقتهم «أوامر الإخلاء» على «طريق العذابات»

«الشرق الأوسط» رافقت عائلتين عادتا إلى المدينة عقب الهدنة وسكنتا فوق الركام

النزوح الثاني من رفح... طريق عذاب نحو مصير مجهول
0 seconds of 5 minutes, 39 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
05:39
05:39
 
TT
20

عادوا إلى رفح وافترشوا الركام... فألقتهم «أوامر الإخلاء» على «طريق العذابات»

عائلة محمد شيخ أمام خيمتهم في مخيم المواصي بخان يونس (الشرق الأوسط)
عائلة محمد شيخ أمام خيمتهم في مخيم المواصي بخان يونس (الشرق الأوسط)

بأجساد أنهكتها أهوال الحرب، وقلوب مثقلة بآلامها، جمع سكان مدينة رفح جنوب القطاع على عجل ما تبقَّى من متاعهم، وحملوا من نجا من عائلاتهم، قبل أن يلقوا نظرة أخيرة على أنقاض منازلهم، التي عادوا إليها مؤخراً ليقيموا فوق ركامها بعد أن حوّلتها آلة الحرب الإسرائيلية إلى خراب، ثم مضوا مرة أخرى في رحلة على طريق العذاب، بحثاً عن ملاذ جديد قد لا يطول بهم المقام فيه. وكأن مأساة النزوح الأول لم تكن كافية، ليجد سكان غزة أنفسهم مجدداً في دوامة رحيل لا تنتهي، يكابدون فيها فصولاً مضنية وقاسية.

جاء هذا عقب إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر جديدة، طالب فيها سكان مدينة رفح بإخلائها بشكل كامل، والتوجه إلى مناطق وسط القطاع. وطالت أوامر الإخلاء الجديدة مناطق واسعة في شمال القطاع وشرقه، دفعت الآلاف للنزوح، وزادت معها معاناة الغزيين الذين يواجهون ظروفاً معيشية مأساوية تحت وطأة تجدّد وتيرة القصف واتساع رقعة الدمار ونقص إمدادات الغذاء والدواء والوقود.

عائلة محمد شيخ في طريقهم من رفح إلى مخيم المواصي بخان يونس (الشرق الأوسط)
عائلة محمد شيخ في طريقهم من رفح إلى مخيم المواصي بخان يونس (الشرق الأوسط)

عودة إلى طريق العذابات...

رافقت «الشرق الأوسط» عائلتين من رفح في رحلة نزوحهما الثانية باتجاه مخيم المواصي بخان يونس، ورصدت عذابات الطريق التي لا تنتهي، واطّلعت على معاناتهما في هذه الرحلة القاسية.

على عربة تجرّها بهيمة تمضي ببطء، مرهقة من طول السفر، سلكت العائلة طريقاً ترابياً ضيقاً، غطّته سحابة من غبار الأنقاض المتناثرة من بقايا البيوت المدمّرة، واختلطت فيه رائحة البارود برائحة الموت، في حين تردّد خلفهم دويُّ الانفجارات المتلاحقة.

سارت العربة ببطء في طابور من العربات والمركبات المتهالكة، المكتظة بهموم الناس وأغراضهم ولوازم خيامهم وبعض براميل المياه والأسلاك. بدت العربات مثل حقائب سفر ضخمة، تسير في دروب تقود أصحابها إلى محطات جديدة في المجهول.

على العربة الخشبية، حمل محمد شيخ العيد، من سكان حي الزهور في رفح، على عجل ما تيسَّر له من أغراضه، وأخذ زوجته وأبناءه التسعة وغادر مسرعاً نحو مخيم المواصي في خان يونس وسط القطاع. وعلى الطريق، التحقت العائلة النازحة بآلاف السكان الآخرين الذين غادروا مناطقهم إما سيراً على الأقدام وإما في عربات وسيارات، وبعض الشاحنات المحمّلة بأغراض ومستلزمات ضرورية.

النازح محمد شيخ في طريقه من رفح إلى مخيم المواصي بخان يونس (الشرق الأوسط)
النازح محمد شيخ في طريقه من رفح إلى مخيم المواصي بخان يونس (الشرق الأوسط)

كان محمد وعائلته قد نزحوا عدداً من المرات خلال الأشهر الماضية من جنوب القطاع إلى وسطه، واضطروا للتنقل هناك بين المخيمات ومراكز الإيواء. رافقت «الشرق الأوسط» محمد وعائلته في طريقهم من جنوب القطاع إلى وسطه، واطّلعت على أحوالهم.

يقول محمد: «هذه هي المرة الثامنة التي ننزح فيها. مناطق رفح كلها، من دون استثناء، تلقَّت أوامر بالإخلاء. كانت ليلتنا صعبة، إذ بالكاد استطعنا تدبير أمورنا، وها نحن نغادر على متن هذه العربة التي تجرّها بهيمة».

في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تعرَّض منزل عائلة محمد لقصف إسرائيلي. يستذكر الرجل الأربعيني ما لحق بعائلته قائلاً: «استشهدت والدتي، رحمها الله، وأصيبت زوجتي وثلاث من بناتي. نزحنا بعدها نحو خان يونس، ثم تنقلنا بين أكثر من مركز إيواء، وحين هدأت الأمور بعض الشيء، عدنا إلى رفح، فأنشأنا خيمة فوق ركام بيتنا وسكنا هناك. لكن بعد نحو شهر، عادت الأوضاع أصعب مما كانت عليه، وها نحن نجد أنفسنا مجدداً في نزوح إلى آخر».

وبين صفوف الخيام المتراصّة في مخيم المواصي، الذي تقدّر أعداد النازحين فيه بنحو نصف مليون نازح، نصب محمد خيمة لعائلته علّها توفر لهم ملاذاً ومكاناً ينامون فيه. ترك محمد وعائلته كثيراً من أغراضهم خلفهم، ما اضطره للعودة مرة أخرى إلى رفح لجلب ما تركوه هناك، في عودة محفوفة بالمخاطر. يقول: «نصبتُ الخيمة، وعدتُ إلى رفح لجلب ما تبقى من أغراض. كان الطريق خطراً مع تواصل سقوط القذائف. الوضع صعب للغاية في رفح»، مضيفاً: «سنقيم هنا الآن وننتظر القادم».

عائلة محمد شيخ في خيمتهم في مخيم المواصي بخان يونس (الشرق الأوسط)
عائلة محمد شيخ في خيمتهم في مخيم المواصي بخان يونس (الشرق الأوسط)

يشكو محمد قساوة الحال، وما تركه ذلك من علامات صعبة على أجساد البشر وأرواحهم: «الظروف صعبة للغاية. اقتربت اليوم من الخمسين، لكنني لم أتعب طيلة العقود الماضية كما تعبت خلال العام ونصف العام الماضيين في هذه الحرب. الوضع مأساوي أكثر مما قد يتخيل المرء».

تقول زوجته وقد أنهكها الترحال الدائم: «حياتنا من نزوح إلى نزوح، ولا ندري أين سنذهب غداً. لا نرى أمامنا سوى الغموض والمجهول، ولا أدري إن كنا سنعيش غداً أم لا، وهل سأجد أبنائي حولي حين أفيق صباحاً أم لا».

نازح: الهجرة أفضل من الحياة في غزة

على عربة أخرى، سلك أحمد كوارع مع عائلته طريق الرحيل ذاته من رفح نحو خان يونس. يقول الشاب العشريني، بينما يسمع دوي القصف في المناطق المجاورة، إنه منذ أبصر النور هنا وهو يعيش حروباً متلاحقة: «ما إن تنتهي حرب حتى تأتي بعدها حرب أصعب. ليس هناك أصعب مما حلَّ بنا، ولا أقسى من أن تهوي البيوت فوق رؤوسنا». يشكو الشاب النازح بصوت مثقل بهموم الشهور الماضية، مضيفاً: «تعبنا من حياتنا، ولا نريد إلا أن ينتهي ما حلّ بنا».

النازح أحمد كوارع في طريقه من رفح إلى مخيم المواصي في خان يونس (الشرق الأوسط)
النازح أحمد كوارع في طريقه من رفح إلى مخيم المواصي في خان يونس (الشرق الأوسط)

يقول الشاب، وقد بدت الدنيا ضيقة أمامه، إن الناس جميعاً تعبوا في غزة بعد أشهر طويلة من حرب عادت مرة أخرى لتشتد وتتسع، الأمر الذي بدأ يدفع الناس للتفكير في خيارات صعبة وقاسية: «الشعب تعب، وباتت الهجرة أفضل من الحياة في غزة. أصبحت أتمنى أن أخرج أنا وعائلتي من غزة لنرتاح من القسوة التي نعيشها هنا. لم أكن أفكر بالهجرة قبل الحرب، لكنني بعدها أصبحت مصمّماً على ذلك».


مقالات ذات صلة

جامعات أميركية تندد بـ«التدخل السياسي» لإدارة ترمب في النظام التعليمي

الولايات المتحدة​ متظاهرون في اميركا يطالبون إدارة دونالد ترمب بوقف اعتقال الطلاب الأجانب وقطع التمويل عن الجامعات (أ.ف.ب)

جامعات أميركية تندد بـ«التدخل السياسي» لإدارة ترمب في النظام التعليمي

نشر أكثر من 100 جامعة وكلية أميركية بينها جامعتا برينستون وبراون المرموقتان، رسالة مشتركة تُدين «التدخل السياسي» للرئيس دونالد ترمب في النظام التعليمي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي صبي يدفع دراجة محمَّلة بأكياس مساعدات غذائية أمام خيام في مدينة غزة (أ.ف.ب) play-circle

«أونروا» تُحذر من قرب انتهاء صلاحية الإمدادات الأساسية المخصصة لسكان غزة

قال المفوض العام لـ«أونروا» فيليب لازاريني، اليوم (الثلاثاء)، إن صلاحية الإمدادات الأساسية المخصصة لسكان غزة على وشك الانتهاء.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون موقع غارة إسرائيلية على منزل في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

لبحث «أفكار جديدة» للتهدئة... وفد من «حماس» يغادر الدوحة إلى مصر

أكد قيادي في حركة «حماس» لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، اليوم (الثلاثاء)، أن وفداً من الحركة غادر الدوحة متوجها إلى القاهرة لبحث «أفكار جديدة» للتهدئة في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقّدون موقع غارة إسرائيلية على منزل في خان يونس جنوب قطاع غزة اليوم (رويترز) play-circle

«داخلية غزة» تحذّر من حملات إسرائيلية «خبيثة» لتهجير الفلسطينيين من أرضهم

حذّرت وزارة الداخلية في غزة، اليوم (الثلاثاء)، من حملات إسرائيلية «خبيثة» تجاه المواطنين الفلسطينيين لتهجيرهم من أرضهم.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي تصاعد الدخان من جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (رويترز)

وفد من «حماس» إلى القاهرة... ومقترح جديد لإنهاء الحرب في غزة

صرح مسؤول فلسطيني رفيع المستوى، مطلع على مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس»، بأن وسطاء قطريين ومصريين اقترحوا صيغة جديدة لإنهاء الحرب في غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)

الرئيس اللبناني: لا أحد يريد العودة إلى الحرب وأي خلاف يُحل بالحوار

الرئيس اللبناني جوزيف عون (د.ب.أ)
الرئيس اللبناني جوزيف عون (د.ب.أ)
TT
20

الرئيس اللبناني: لا أحد يريد العودة إلى الحرب وأي خلاف يُحل بالحوار

الرئيس اللبناني جوزيف عون (د.ب.أ)
الرئيس اللبناني جوزيف عون (د.ب.أ)

نقلت «الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام» اليوم (الثلاثاء)، عن الرئيس اللبناني جوزيف عون، قوله إنه لا أحد يريد العودة إلى الحرب، وإن أي مسألة خلافية تُحل بالحوار.

وأبدى الرئيس اللبناني تطلعه لزيارة الإمارات، وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.

جاء ذلك لدى استقبال عون رئيس المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات، صقر غباش، الذي أكّد للرئيس اللبناني «حرص رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد، على وحدة لبنان وبناء الدولة الوطنية الجامعة لكل أطياف الشعب اللبناني، وعلى تعزيز العلاقات بين البلدين».

وتواصل إسرائيل تنفيذ غارات جوية على مناطق في لبنان، على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، وتتهم جماعة «حزب الله» بانتهاك الاتفاق. ويتهم «حزب الله» بدوره إسرائيل بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، لكنه لم يرد على الضربات الإسرائيلية.