العالم اللغوي الهولندي سترومر ينجز قاموساً لـ«لغة الشلوح»

ثمرة 4 عقود من العمل الدؤوب

العالم اللغوي الهولندي سترومر ينجز قاموساً لـ«لغة الشلوح»
TT
20

العالم اللغوي الهولندي سترومر ينجز قاموساً لـ«لغة الشلوح»

العالم اللغوي الهولندي سترومر ينجز قاموساً لـ«لغة الشلوح»

صدر حديثاً أول وأضخم قاموس شامل (التشلحيت - الفرنسية) في مارس (آذار) عام 2025 عن دار «بريل» للنشر (لايدن)، وهو ثمرة 4 عقود من العمل الدؤوب للعالم اللغوي الهولندي، هاري سترومر. قاموس يتكون من 4 أجزاء، ويمتد على أكثر من 3000 صفحة.

هاري سترومر (1946) أستاذ فخري للغات الأفروآسيوية، وخاصة البربرية والسامية الجنوبية، في جامعة لايدن بهولندا. وهو أيضاً عالم مستعرب وأمازيغي. بدأ اهتمامه بالأمازيغية عام 1969 عندما زار المغرب لأول مرة، حيث أدرك سريعاً أن العديد من السكان المحليين يتحدثون الأمازيغية بدلاً من العربية. ومنذ عام 1985، تخصص في لغة التشلحيت والبربرية، وهما من اللغات الأمازيغية الثلاث المحكية في المغرب. كما أنه قام بتدريس اللغات والثقافات الأمازيغية في جامعة لايدن. وهو أيضاً رئيس تحرير سلسلة علمية حول الدراسات البربرية في دار النشر الألمانية «كوبي».

وباعتباره عالماً لغوياً، قام بأعمال ميدانية في المغرب وكينيا والصومال واليمن، وغيرها من الأماكن. وفي عام 1986 حصل على درجة الدكتوراه عن بحثه في لغة الأورومو في كينيا.

صرّح سترومر في مقابلة مع صحيفة «NRC» الهولندية أن التشلحيت تعد أكبر لغة أمازيغية في العالم، حيث يُقدر عدد متحدثيها ما بين 8 و10 ملايين. والتشلحيت تعني حرفياً «لغة الشلوح». والشلوح شعب يقطن في الجنوب الغربي للأطلس الكبير، وبالأخص بمنطقة سوس؛ بمدينتي أكادير وورززات ونواحيهما. وبفضل الهجرة، انتشرت لغة التشلحيت في أوروبا في العقود الأخيرة. ففي هولندا وحدها، يوجد نحو 75000 متحدث بها، وأكثر من 400 ألف بفرنسا.

كانت نقطة انطلاقه، النهل من أرشيف كثير من الخبراء الفرنسيين، من بينهم عالم الأمازيغية الفرنسي الراحل أرسلين رو. كما أنه وجد في مدينة آكس آن بروفانس (فرنسا) خزانتين مكتظتين بالأرشيف، مليئتين بالمخطوطات وبطاقات الفهرسة والملاحظات على قصاصات الورق. وهكذا خصص كل عام شهراً لرقمنة كل ما وجده عن الأمازيغية. ويؤكد سترومر أن قاموسه يضم جميع المراجع بدقة، ما يسمح بتتبع مصدر كل كلمة.

لقد استند بحثه إلى مواد أرشيفية اطلع عليها في فرنسا، وعمل ميداني في المغرب، ومساهمات من الجالية الأمازيغية في أوروبا.

وتنتمي اللغات البربرية إلى عائلة اللغات الأفروآسيوية، ويبلغ عدد متحدثيها نحو 500 مليون نسمة. وترتبط هذه اللغات باللغة المصرية القديمة التي استخدمها الفراعنة، وباللغتين العربية والعبرية. كما تنتمي لغات أقل شهرة، مثل الأمهرية الإثيوبية والهوسا النيجيرية، إلى عائلة اللغات الأفروآسيوية. أما الفارسية والتركية فلا تنتميان إليها، فهما جزء من عائلتي اللغات الهندوأوروبية والألتائية على التوالي.

ويتحدث سكان أجزاء واسعة من شمال وغرب أفريقيا اللغات البربرية؛ في المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، ومصر، والنيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، وموريتانيا. وكانت جزر الكناري أيضاً ناطقة بالأمازيغية قبل الاحتلال الإسباني. وبعد ظهور الإسلام، في القرن السابع الميلادي، تعرَّب العديد من البربر. ولكنهم ظلوا يتحدثون لغاتهم الخاصة، خصوصاً خارج المدن الكبرى. ولا يزال نحو 17 مليون مغربي، أي ما يقرب من نصف السكان، يتحدثون لغة أمازيغية. ويبلغ عدد الناطقين بالأمازيغية حول العالم نحو 35 مليوناً.

بالإضافة إلى هذه اللغات البربرية، هناك بعض الخبراء، بحسب سترومر، يدعون بوجود 10 لغات أمازيغية، والبعض الآخر يميز 12 لغة. كما أن هناك جدلاً خاصاً حول التماشك، لغة الطوارق، وهم شعب أمازيغي من الصحراء الكبرى والساحل. ووفقاً لبعض العلماء، هناك 3 لغات للطوارق، ويعدّ علماء آخرون الاختلافات صغيرة جداً، ويتحدثون عن 3 لهجات.

حالياً، يعمل عشرات الباحثين المحليين الناطقين بالأمازيغية في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط (IRCAM) الذي تأسس عام 2001. ومنذ عام 2011، تم الاعتراف رسمياً باللغات الأمازيغية في الدستور المغربي. ويتزايد عدد المدارس الابتدائية التي تُدرّس بالتشلحيت، وهناك مؤسسات ثقافية وبرامج إذاعية وتلفزيونية خاصة بها.

وفي المغرب، يجري العمل أيضاً على توحيد حرف التيفيناغ، وهو الأبجدية التي استخدمها بعض البربر في الماضي البعيد. وحسب قول سترومر، يستخدم معظم العلماء، في الوقت الحاضر، إما الأبجدية اللاتينية أو الأبجدية العربية للنسخ. ويضيف أن التشلحيت قد كتبت، حسب المخطوطات، بالأبجدية العربية قبل 4 قرون.

كما الحال مع جميع المناطق الرئيسية الناطقة باللغة البربرية، تتمتع منطقة الشلوح بإنتاج أدبي شفوي غني للغاية من الشعر والأغاني والقصص والأمثال وما إلى ذلك. وهذا التقليد الشفهي الأدبي المهم جداً هو الذي جذب العالم اللغوي للاهتمام بهذا الكنز الثقافي. من بين أمور أخرى التي ساعدته على التعلم، دور «الرْويس» وهو جمع الرَّايْس. وهم مطربون شعبيون مشهورون يُغنون في الشوارع والحفلات. ويشجعون الجمهور على الغناء معهم. لقد كان يُغني معهم في جوقات منذ صغره، ويستمتع بذلك. كما أن كلمات «الرْويس» الشعرية والفلسفية علّمته فهم التشلحيت بشكل أفضل. وهو يحب الاستماع إلى المغني الحاج بلعيد. وهو أيضاً من مُعجبي المغنية فاطمة تَبَعْمْرانْت، المعروفة بأغنيتها الاحتجاجية ضد الزواج المُدبّر، تحت عنوان «بابا، أنا لستُ 10 سنتات (أي لست رخيصة)» (بابا، يور غيك تموزنت).

وفيما يخص تثاقف اللغات، يقول سترومر إن التشلحيت تحتوي على عدد من الكلمات اللاتينية المستعارة، مثلاً كلمة الحديقة هي «ourti»، تأتي من الكلمة اللاتينية «hortus». مثال آخر كلمة «asnus» التي تعني حماراً، ترتبط بالكلمة اللاتينية «asinus»، أو «tafirist» أي شجرة الكمثرى، من اللاتينية «pirus»، و«abekadu» التي تعني الخطيئة، وباللاتينية «pecatum». وهناك أيضاً العديد من الكلمات المستعارة من اللغة العربية.

من المعروف أن استخدام مصطلح البربر مثير للجدل. فالكلمة لها دلالة سلبية حسب البعض، لأنها تأتي من الكلمة اليونانية «barbaros»، التي تعني البربري. ولذلك يستخدم العديد من البربر اسم أمازيغ (الجمع إيمازيغن)، ويعني الرجل الحر. وفي كثير من الأحيان، تسمى اللغة البربرية بتمازيغت، وتعني حرفياً المرأة الحرة.

ومع ذلك، فإن العديد من العلماء، مثل هاري سترومر، يفضلون اللغة البربرية. ويؤكدون أن هذا المصطلح مستخدم منذ قرون. ولا تزال دورات اللغة في جامعة لايدن تستعمل اللغة البربرية على الموقع الإلكتروني، وفي دليل الدراسة، وليس الأمازيغية. ويحافظ علماء بارزون من أصل شمال أفريقي، مثل اللغوي الفرنسي الجزائري سالم شاكر، على استخدام كلمة «بربر» في منشوراتهم.

ومشكلة إضافية هي أن اسم «أمازيغية» يسبب ارتباكاً، لأنه، بحسب قول سترومر، يستعمل اسماً جماعياً لـ10 إلى 12 عشرة لغة. وفي الأصل، البربرية هي لغة سكان الأطلس المتوسط، وإحدى اللغات الأمازيغية الثلاث في المغرب، إلى جانب اللغتين الريفية في شمال المغرب، والتشلحيت في جنوبه. وبحسبه، ليس هناك أي أساس علمي لاستخدام الأمازيغية كمصطلح جماعي.


مقالات ذات صلة

«الرياض» ضيف شرف في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025 بالأرجنتين

كتب «الرياض» ضيف شرف في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025 بالأرجنتين

«الرياض» ضيف شرف في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025 بالأرجنتين

تقود هيئة الأدب والنشر والترجمة مشاركة الرياض الاستثنائية بصفتها «ضيف الشرف» في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025، ضمن دورته التاسعة والأربعين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
كتب ماريو فارغاس يوسا

يوسا في بغداد: «هذا ليس حسناً يا سيدي!»

استمع يوسا على هامش جولاته عبر العراق لأشخاص ممن سُجنوا أو تعرضوا للتعذيب فترة الحكم البعثي وزار سجن «أبو غريب».

ندى حطيط (لندن)
كتب ديفيد دويتش

المسكونون بشغف الأسئلة

كتبتُ غير مرّة أنّني أعشق كتب السيرة الذاتية التي يكتبها شخوصٌ نعرف حجم تأثيرهم في العالم. السببُ واضحٌ وليس في إعادته ضيرٌ: السيرة الذاتية

لطفية الدليمي
كتب هانز كونغ

هانز كونغ والحوار مع الإسلام

كان العالم اللاهوتي الكاثوليكي السويسري هانز كونغ (1928-2021) متحمساً جداً للحوار مع الإسلام. والكثيرون يعدونه أكبر عالم دين مسيحي في القرن العشرين

هاشم صالح
ثقافة وفنون هاروكي موراكامي

هاروكي موراكامي شخصية العام الثقافية في «جائزة الشيخ زايد للكتاب»

أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب في مركز أبوظبي للغة العربية، عن اختيار الكاتب الياباني العالمي هاروكي موراكامي شخصية العام الثقافية.

«الشرق الأوسط» (الدمام)

«الرياض» ضيف شرف في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025 بالأرجنتين

«الرياض» ضيف شرف في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025 بالأرجنتين
TT
20

«الرياض» ضيف شرف في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025 بالأرجنتين

«الرياض» ضيف شرف في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025 بالأرجنتين

تقود هيئة الأدب والنشر والترجمة مشاركة الرياض الاستثنائية بصفتها «ضيف الشرف» في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب 2025، ضمن دورته التاسعة والأربعين، الذي يُقام خلال الفترة من 22 أبريل (نيسان) إلى 12 مايو (أيار)، في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس. وجاء اختيار مدينة الرياض، ضيف الشرف للمعرض تأكيداً للدور الريادي للعاصمة السعودية في المشهد الثقافي العالمي، الذي يعكس التزامها بتعزيز الحوار الحضاري والانفتاح على الثقافات الأخرى، من خلال الثقافة كأداة للتواصل الإنساني والتبادل المعرفي. وتنضم إلى هيئة الأدب والنشر والترجمة مجموعة من الجهات الوطنية والثقافية، تشمل هيئة المسرح والفنون الأدائية، وهيئة التراث، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ودارة الملك عبد العزيز، ومجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ومكتبة الملك فهد الوطنية، ضمن جهود مشتركة تهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي، وإبراز الإرث الحضاري العريق لمدينة الرياض. وأوضح الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة، الدكتور عبد اللطيف الواصل، أن مشاركة الرياض كضيف شرف في معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب تمثل فرصة استراتيجية للتعريف بالثقافة السعودية إلى جمهور عالمي جديد، وتُعد منصة حضارية تتيح تقديم صورة حية عن المشهد الثقافي المتنوع في المملكة، وتفعيل جسور التفاهم والحوار مع الشعوب الأخرى من خلال الأدب والفنون واللغة. وسيضم جناح مدينة الرياض برنامجاً ثقافياً شاملاً يعكس تنوعها الإبداعي وهويتها الثقافية، ويتضمن ندوات، وجلسات حوارية، وأمسيات شعرية، وعروضاً أدائية، وركناً تفاعلياً للطفل، إضافة إلى معرض للمخطوطات والكتب، وركن خاص بالإصدارات السعودية المترجمة إلى اللغة الإسبانية، وذلك في إطار التعريف بالثقافة السعودية وتعزيز حضورها في أميركا اللاتينية. كما يقدم الجناح مجموعة من الأركان المتخصصة التي تُبرز ثراء التراث والثقافة السعودية، من بينها ركن الحرف اليدوية الذي يعرض نماذج من الصناعات التقليدية الحية، وركن المستنسخات التراثية الذي يُسلّط الضوء على العمارة والعناصر الجمالية التاريخية للرياض، وأيضاً العروض الفنية والمسرحية الثقافية، إلى جانب ركن الاستقبال المستوحى من الطراز السلماني الذي يجمع بين الأصالة والحداثة، إضافة إلى منطقة عروض الأزياء التقليدية المصحوبة بشروحات تعريفية باللغة الإسبانية سيتاح للزوار تجربة الأطباق الشعبية من مطبخ الرياض التي تقدم بأسلوب تعريفي يعكس تنوع الثقافة الغذائية السعودية.