باحثون أميركيون يسبرون أغوار «تفكير» الذكاء الاصطناعي التوليدي

نشاط غامض ناجم عن إشارات رياضية وشبكات عصبية

باحثون أميركيون يسبرون  أغوار «تفكير» الذكاء الاصطناعي التوليدي
TT

باحثون أميركيون يسبرون أغوار «تفكير» الذكاء الاصطناعي التوليدي

باحثون أميركيون يسبرون  أغوار «تفكير» الذكاء الاصطناعي التوليدي

لماذا تُعد روبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي ذكية للغاية، فهي قادرة على فهم الأفكار المعقدة، وصياغة قصص قصيرة رائعة بشكل مدهش، وفهم ما يقصده المستخدمون بديهياً؟ الحقيقة هي أننا لا نعرف الإجابة تماماً.

نشاط فكري غامض

تُفكر نماذج اللغة الكبيرة بطرق لا تبدو بشرية تماماً، إذ تتكون مخرجاتها من مليارات الإشارات الرياضية التي تتدفق عبر طبقات من الشبكات العصبية التي تعمل بأجهزة كمبيوتر ذات قوة وسرعة غير مسبوقتين. ويظل معظم هذا النشاط غير مرئي أو غامض بالنسبة لباحثي الذكاء الاصطناعي.

يُمثل هذا الغموض تحديات واضحة، لأن أفضل طريقة للتحكم في شيء ما، فهم كيفية عمله.

لقد كان لدى العلماء فهم راسخ للفيزياء النووية قبل بناء أول قنبلة أو محطة طاقة. ولكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية. ولا يزال الباحثون العاملون في مجال سلامة الذكاء الاصطناعي، وهو فرع من فروع «التفسير الآلي»، والذين يقضون أيامهم في دراسة التسلسلات المعقدة للدوال الرياضية التي تُؤدي إلى إخراج هذه النماذج للكلمة أو البكسل (عنصر الصورة) التالي، يحاولون اللحاق بالركب.

أبحاث جديدة

الخبر السار هو أنهم يُحرزون تقدماً حقيقياً. ومثال على ذلك: إصدار بحثين جديدين من شركة أنثروبيك، يُقدمان رؤى جديدة حول «التفكير» الداخلي لبرنامج الدردشة الذكي.

«مجهر» لتدقيق الذكاء الاصطناعي

وكما تعتمد المعاملات داخل الشبكات العصبية على «الخلايا العصبية» في الدماغ، استعان باحثو أنثروبيك بعلم الأعصاب لدراسة الذكاء الاصطناعي. وصرّح جوشوا باتسون، عالم الأبحاث في «أنثروبيك»، لمجلة «فاست كومباني»، بأن فريقه طوّر أداة بحثية - أشبه بـ«مجهر الذكاء الاصطناعي» - يمكنها تتبع أنماط البيانات وتدفقات المعلومات داخل البرنامج الذكي، ومراقبة كيفية ربطه للكلمات والمفاهيم في طريقه إلى الإجابة.

قبل عام، لم يكن بإمكان الباحثين سوى رؤية سمات محددة لهذه الأنماط والتدفقات، لكنهم بدأوا الآن في ملاحظة كيف تُؤدي فكرة إلى أخرى من خلال سلسلة من التفكير المنطقي. ويقول باتسون: «نحاول ربط كل ذلك معاً، ونشرح خطوة بخطوة عند وضع مُوجِّه في نموذج، لماذا يقول الكلمة التالية؟ وبما أن إجابات النموذج تأتي كلمة تلو أخرى، فإذا استطعت تحليلها والقول: حسناً، لماذا قال هذه الكلمة بدلاً من تلك؟ يمكنك حينها فهم الأمر برمته».

الذكاء الاصطناعي والرياضيات

الذكاء الاصطناعي يُفكِّر بشكل مختلف - حتى عندما يتعلق الأمر بالرياضيات البسيطة.

ويُعزِز هذا البحث فكرة أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تُعالج المشكلات بشكل مختلف تماماً عن البشر. لا تُدرس الأنظمة مهام مثل الحساب بشكل صريح، بل تُعرَض عليها الإجابات الصحيحة، وتترك لتطوير مسارها الاحتمالي الخاص نحو هذا الاستنتاج.

درس باتسون وفريقه مثالاً بسيطاً على هذه الرياضيات - طلب من برنامج دردشة جمع العددين 36 و59 - ووجد أن «عملية» الذكاء الاصطناعي كانت مختلفة تماماً عن حسابات الإنسان العادي. فبدلاً من اتباع خطواتٍ بشرية، استخدم نموذج الاختبار نوعين من المنطق للوصول إلى الإجابة: تقريب الإجابة (هل هي في التسعينات؟) وتقدير الرقم الأخير منها. بجمع احتمالات الإجابات المختلفة، تمكن برنامج «كلود» الذي طورته شركة «أنثروبيك» من الوصول إلى المجموع الصحيح. يقول باتسون: «لقد تعلم بالتأكيد استراتيجية مختلفة في الرياضيات عن تلك التي تعلمناها في المدرسة».

التفكير بمفاهيم شمولية

درس الباحثون أيضاً ما إذا كانت برامج التعلم الآلي، التي غالباً ما تُحلل وتُنتج محتوى بلغات متعددة، تُفكّر بالضرورة بلغة الكلمات المُعطاة لها التي يوجهها المستخدم. يتساءل باتسون: «هل تستخدم الكلمات الإنجليزية فقط عند التعامل مع اللغة الإنجليزية، والأجزاء الفرنسية عند التعامل مع اللغة الفرنسية، والأجزاء الصينية عند التعامل مع اللغة الصينية؟... أم أن هناك أجزاءً من النموذج تُفكّر بالفعل بمفاهيم شمولية عالمية بغض النظر عن اللغة التي تعمل بها؟».

رموز عالمية تترجم إلى اللغات

وجد الباحثون أن برامج التعلم الآلي تقوم بكلا الأمرين. طلبوا من «كلود» ترجمة جمل بسيطة إلى لغات متعددة، وتتبعوا الرموز المتداخلة التي استخدمها أثناء المعالجة. تُمثّل هذه الرموز المُشتركة - أي مقتطفات من المعنى - أفكاراً جوهرية لا تعتمد على لغة مُحددة، مثل «الصغر» أو «التضاد». وقد أدى استخدام هذين الرمزين معاً إلى تمثيل مفهوم عالمي آخر يُمثّل «الكبر» (عكس الصغير هو الكبير). يستخدم النموذج هذه المفاهيم العالمية قبل أن يترجمها إلى لغة معينة للمستخدم.

يشير هذا إلى أن «كلود» يستطيع تعلم مفهوم مثل «الصغر» في لغة ما، ثم تطبيق هذه المعرفة عند التحدث بلغة أخرى دون أي تدريب إضافي، كما يقول باتسون. تُعدّ دراسة كيفية مشاركة النموذج لما يعرفه عبر السياقات أمراً مهماً لفهم طريقة تفكيره في الأسئلة في العديد من المجالات المختلفة.

نظم ذكية في التخطيط والارتجال

لا يفكر «كلود» فقط في الكلمة المنطقية التالية التي يجب توليدها، بل لديه أيضاً القدرة على التفكير «مستقبلاً». عندما طلب منه فريق البحث كتابة الشعر، أدرج «كلود» بالفعل أنماط القافية في أنماط معالجته. على سبيل المثال، بعد أن انتهى السطر بالعبارة الإنجليزية ـ «grab it»، اختار «كلود» كلمات في السطر التالي من شأنها أن تُهيئ بشكل جيد لاستخدام كلمة «rabbit» خاتمة.

الذكاء الاصطناعي ونَظْم القصائد الشعرية

يقول باتسون: «وجد أحد أعضاء فريقي أنه في نهاية هذا السطر، بعد (grab it)، وقبل أن يبدأ حتى في كتابة السطر التالي، كان يفكر في أرنب (rabbit)»، تدخل الباحثون بعد ذلك في تلك المرحلة تحديداً من العملية، فأدخلوا إما نظام قافية جديداً أو كلمة ختامية جديدة، وقام (كلود) بتغيير خطته وفقاً لذلك، مختاراً مساراً لفظياً جديداً للوصول إلى قافية منطقية.

يقول باتسون إن ملاحظة الشعر هي من مفضلاته لأنها تعطي نظرة واضحة نسبياً على جزء محدد من تفكير البرنامج الذكي في حل مشكلة ما، ولأنها تثبت أن أدوات الملاحظة التي استخدمها فريقه (مثل مجهر الذكاء الاصطناعي) تؤدي عملها.

تسلط دراسة الشعر الضوء على مقدار العمل الذي لا يزال يتعين القيام به.

يلتقط الباحثون في هذا الميدان لقطات سريعة، بنفس الطريقة التي قد يدرس بها عالم أعصاب الطريقة التي يحول بها إحدى مناطق «الحُصين (hippocampus)» البشري الذكريات قصيرة المدى إلى ذكريات طويلة المدى. يقول باتسون: «استكشاف هذا المجال المعقد أشبه بمغامرة في كل مرة، ولذلك كنا في الواقع نحتاج فقط إلى أدوات لفهم كيفية ترابط الأشياء وتجربة الأفكار والتنقل بينها... لذا، نمر بمرحلة التحقيق هذه بعد بناء المجهر، وننظر إلى شيء ما ونقول: حسناً، ما هذا الجزء؟ وما هذا الجزء؟ وما هذا الشيء هنا؟».

التوجيه نحو سلوك آمن

ولكن بافتراض أن شركات الذكاء الاصطناعي تواصل تمويل أبحاث قابلية التفسير الآلي وإعطائها الأولوية، فإن اللقطات ستتوسع وتبدأ في الترابط، ما يوفر فهماً أوسع لسبب ما تفعله البرامج الذكية.

إن الفهم الأفضل لهذه الأنماط يمكن أن يمنح الباحثين فهماً أفضل للمخاطر الحقيقية التي قد تشكلها هذه الأنظمة، بالإضافة إلى طرق أفضل «لتوجيه» الأنظمة نحو سلوك آمن وخير.

يشير باتسون إلى أننا قد نطور ثقة أكبر بأنظمة الذكاء الاصطناعي بمرور الوقت من خلال اكتساب المزيد من الخبرة في مخرجاتها. ومع ذلك، يضيف أنه سيكون «أكثر ارتياحاً بكثير إذا فهمنا أيضاً ما يجري (في الداخل)».

* مجلة فاست كومباني، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

تكنولوجيا نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

ذكرت دراسة «كاسبرسكي» أن نصف موظفي السعودية تلقوا تدريباً سيبرانياً ما يجعل الأخطاء البشرية مدخلاً رئيسياً للهجمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك في سباق الفضاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار شركة «إس كيه هاينكس» ولوحة أم للكمبيوتر تظهر في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

رئيس «إس كيه» الكورية: صناعة الذكاء الاصطناعي ليست في فقاعة

قال رئيس مجموعة «إس كيه» الكورية الجنوبية، المالكة لشركة «إس كيه هاينكس» الرائدة في تصنيع رقائق الذاكرة، إن أسهم الذكاء الاصطناعي قد تتعرض لضغوط.

«الشرق الأوسط» (سيول)
تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد هاتف ذكي وشاشة كمبيوتر يعرضان شعارَي «واتساب» والشركة الأم «ميتا» في غرب فرنسا (أ.ف.ب)

تحقيق أوروبي في قيود «ميتا» على منافسي الذكاء الاصطناعي عبر «واتساب»

خضعَت شركة «ميتا بلاتفورمز» لتحقيق جديد من جانب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتكار، على خلفية خطتها لإطلاق ميزات ذكاء اصطناعي داخل تطبيق «واتساب».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.