الروائي الكويتي هيثم بودي: «الملاحم» الخليجية كنز لم يكتشف بعد

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه يكتب «النوفيلا» للإنسان العادي وليس للنخبة

هيثم بودي
هيثم بودي
TT

الروائي الكويتي هيثم بودي: «الملاحم» الخليجية كنز لم يكتشف بعد

هيثم بودي
هيثم بودي

تختزن في ذاكرتنا بالخليج العديد من السنوات الصعبة، التي لم تجد تصويراً مناسباً لها في الأعمال الأدبية، سنوات عرفت باسم المرض؛ كسنوات الجدري والطاعون والكوليرا، وسنوات باسم الجوع، كسنة المجاعة والبطاقة وغيرها... وسنة الكارثة الرهيبة التي عرفت بسنة «الطبعة»، وغيرها من السنوات التي ما زالت تحفر في الذاكرة ندوباً من المعاناة. ومع شحة الأعمال الأدبية والفنية التي تناولت هذه الأحداث، برز الأديب والروائي الكويتي هيثم بودي، الذي قدّم مجموعة من الروايات تناولت سنوات المحنة في منطقة الخليج، وتحوّل بعض هذه الأعمال الروائية إلى مسلسلات تلفزيونية بينها رواية «الدروازة»، التي تتناول وباء «الطاعون» الذي اجتاح الكويت عام 1831. وغيرها من الروايات.

يعمل هيثم بودي مذيعاً تلفزيونياً، ويقدّم برامج باللغة الإنجليزية، وهو كذلك رسام ومصور وعمل فترة في مجال السينما وكتابة السيناريو، ولديه أكثر من 12 رواية ترجم بعضها إلى اللغة الإنجليزية. «الشرق الأوسط» التقت به في الكويت، وأجرت معه الحوار التالي:

> لديك تجربة روائية تمتد عبر أكثر من 12 رواية و3 مجموعات قصصية ومسلسلين تلفزيونين، لماذا أنتَ بعيد عن المشهد الثقافي في الكويت؟

- منذ حازت روايتي «الطريق إلى كراتشي» على تنويه جائزة الإبداع العربي 2005، وقبلها بفترة يسيرة تحول بعض أعمالي الأدبية إلى أعمال درامية، شعرتُ بثقل «هذا النجاح المفاجئ»، وهو ثقلٌ نفسي لم أكن أعرفه من قبل، أحسست بالاغتراب عن نفس لا أعرفها، كما أحسست أن موهبتي الكتابية أقوى بكثير من شخصيتي الاجتماعية التي لم تتحمل كل هذا النجاح المفاجئ... فكان الابتعاد عن المشهد الثقافي في الكويت ضرورة نفسية أكثر من أي شيء: يجب أن أنجو بنفسي.

> لكنك بعدها، غادرت إلى بلد آخر ولعالم مختلف بعيد عن الكتابة

- صحيح، أحسست برغبة قوية لاكتشاف الذات فوجدتها فرصة سانحة إلى الهجرة إلى أرض جديدة أتعلم منها... فارتحلت لسبع سنوات إلى دبي وتعلمت الإخراج السينمائي والتمثيل في نيويورك (فيلم أكاديمي) وصقلتُ شخصيتي الاجتماعية والفنية والإبداعية بالتطبيقات العملية، ودرست «الغرافيك ديزاين»، واحتككت بعالم من الجنسيات المختلفة والأدباء والروائيين والممثلين وشركات الإنتاج ودور نشر عالمية، وأحسست أن العالم أكبر ومتنوع بالمواضيع والمعرفة... واقتحمت الإخراج السينمائي وحاز فيلمي «المعلم الأميركي» على جائزة أفضل مخرج واعد في مهرجان فويا السينمائي في هوليوود 2014.

فن «النوفيلا»

> أغلب رواياتك من نوع الرواية القصيرة أو «النوفيلا» يقوم بعضها على بطل محوري واحد، هل هذا يدلّ على نَفَسْ قصير في السرد أم لديك رؤية فنية؟

- تتنوع رواياتي بين الطويلة كـ«الهدامة» و«الدروازة» إلى الروايات القصيرة والتي تعتبر الأغلب بالفعل... اخترتُ «النوفيلا» لأني أرغب في الكتابة للإنسان العادي الذي لا يقرأ، ولم يرُق لي أن أكتب للنخب المثقفة على اعتبار أنها متخمة بالمعرفة، وأن الحاجة الحقيقية للأدب والشعر هي للإنسان العادي الذي هو أحوج ما يكون إلى الثقافة والفن الذي يرتقي بوعيه ويذكره بإنسانيته المفقودة في عالم المادة. وهذا الذي جعلني أراهن على الروايات القصيرة التي حققت لي انتشاراً أكثر.

> هل ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في اختيارك لشكل الرواية... ما دمنا نتحدث عن الانتشار؟

- الرواية القصيرة رواية الجماهير والطلبة وللذين يقرأون لأول مرة، باستطاعة القارئ البسيط أن ينهيها في جلسة واحدة... على عكس الروايات الطويلة التي تقرأ في أسبوعين أو شهر فهي تحتاج لقارئ خاص مثقف نخبوي ممتلئ بالمعرفة يقرأ من أجل المتعة... نعم وسائل التواصل الاجتماعي وضعتنا تحت التحدي، فهي سحبت البساط من المثقفين النخبويين، لذا أعتقد أن الرواية القصيرة وتسويقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي هي الطريقة الأسهل لإيصال قصصنا الخليجية والعربية للأجيال في مختلف البلدان... وقريباً سأقدم مشروعي الجديد وهو الروايات المصورة والتي استفدت كثيراً من دراستي لتصميم الغرافيك وسأنقل قصصي ورواياتي إلى هذا البحر الشاسع الجديد وأن نحكي قصصنا للأجيال وللعالم أيضاً بسبب ثورة الذكاء الاصطناعي الذي أخذ يقدم لنا الصورة المتخيلة بسهولة ويسر.

أغلفة بعض أعماله

الرواية والتاريخ

> رواياتك أيضاً تروي أحداثاً تاريخية مرّت بها منطقة الخليج... وخاصة سنوات المعاناة... من أين تستسقي مصادرك في كتابة هذه الأعمال؟

- في بدايات كتاباتي الروائية استقيت الحكايات من الأب والأم، فلأول مرة أسمع عن وباء «الطاعون»، الذي اجتاح الكويت عام 1831 من والدي وهو يتحدث عن نجاة والد جده حين كان طفلاً عمره عشر سنوات، بعد أن أخذ أخته ذات السبع سنوات وتسلقا سلماً في فناء البيت بعد موت أهلهما جميعاً وعبرا الحوائط بين البيوت ليلاً حتى هبطا في «سكة» وانطلقا إلى منطقة «الشويخ»، حيث يتجمع الناجون من الطاعون. فكتبت رواية «الدروازة» عن زمن الطاعون والتي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني.

كذلك، كان جدي لأمي «نوخذة - قبطان» سفينة يتاجر مع مواني الهند قديماً ومواني أفريقيا ومواني الخليج ويعود محملاً بالهدايا والقصص والمغامرات التي كتبتها نقلاً عن والدتي في رواية «الطريق إلى كراتشي» عن بحارة كويتيون فقدوا في الهند الغربية قبيل الحرب العالمية الثانية. وكتبت أيضاً 6 روايات قصيرة عن قصص النواخذة. وبعد ذلك اتسعت قراءاتي التاريخية في تاريخ الكويت والخليج وبدأت أقرأ في المصادر التاريخية والمراجع وأستقي منها الكثير من القصص والروايات.

> كيف ينفعل الراوي بأحداث لم يشهدها... ولم يعاصر أبطالها... مثل سنة «المجاعة» وسنة «الطبعة»؟

- أعتقد أن مخيّلة الروائي أو القاص لها الدور الأكبر في نقله والسفر به عبر الأزمنة واختراق الحجب والاستماع إلى الشخصيات والإحساس بمشاعرهم وأفكارهم وتوقع ردود أفعالهم، وللبحث التاريخي واتباع المنهج التاريخي في البحث عن المعلومات أهمية بالغة، فالقصة المسموعة تحتاج الكثير من التدعيم بالبحث المعلوماتي التاريخي، وأيضاً تدريب الراوي لموهبته عبر الكتابة وإعادة الكتابة والتأمل والإحساس بالجماليات الأخرى للتجربة الإنسانية، والتعرف على الجمال الكوني الذي يحيط به؛ كالفنون والموسيقى وقراءة الأدب العربي والعالمي... وهي كلها يمكنها أن تنسج للكاتب بساطاً سحرياً خاصاً ينقله عبر الزمن، يخترق عبره البيئات ويطير في فضاء فسيح لعوالم لم يطأها من قبل.

> ما أكثر الفترات أو الأحداث الخليجية التي تجدها ملهمة للكتابة عنها؟ ولماذا؟

- باعتقادي أن الفترات الملحمية هي الأهم والأكثر تأثيراً وإثارة، لرغبة القارئ الخليجي في الاستكشاف والتعرف على المفاصل المهمة والتحولات التي أثرت في تكوين شخصية مجتمعه الخليجي العربي القديم وحياة آبائه السابقين... نعلم أن الأحداث في الخليج متشابهة جداً بين المجتمعات الخليجية التي تقاربت نشأتها كإمارات بحرية تطل على الطرق التجارية البحرية وتتصل بالطرق التجارية البرية لوسط الجزيرة العربية، تاريخ متقارب من الملاحم المتشابهة، كالغوص للبحث عن اللؤلؤ، والتجارة الدولية البحرية والبرية، ومجابهة الكوارث الطبيعية، كالمجاعات والسيول الجارفة والأوبئة، وردّ عدوان الأمم الطامعة، أو التعاون الحضاري ثم اكتشاف النفط الذي قاد التحول المشترك للبلدان الخليجية، وأدخلها إلى العالم الحديث.

> لماذا تصدر العديد من رواياتك كإصدارات خاصة من دون دار طباعة... ألا يحرمك ذلك من الانتشار والحضور في المحافل الأدبية ومن المشاركة في المسابقات كذلك؟

- بالفعل أحسست بهذا التقصير وأبحث عن دار عربية أو خليجية تساعد على نشر أعمالي الأدبية لقد أهملت هذا الجانب بالفعل وانغمست في إخراج المنتج الأدبي أو التشكيلي لأنه تحدٍ كبير. وأظن أن هذه المشكلة يعيشها الكثير من المبدعين، وهي إهمال التسويق لقلة خبرتهم وانغماسهم بالعملية الإبداعية... لقد رأيت الكثيرين من الفنانين التشكيليين يرمون لوحاتهم في سراديب بيوتهم غير قادرين على تسويقها بسبب الانغماس في العملية الإبداعية... وكم تمنيت أن تنشأ منصة إلكترونية ثقافية عربية تسوق لأعمالنا سواء الأدبية أو التشكيلية، أو أعمال الخزف أو الحرف المبدعة أو الروايات والكتب... منصة تزيل عن كاهل المبدعين هذا الثقل في قدرتهم الضعيفة وعلاقاتهم الاجتماعية المحدودة في التسويق والانتشار.

> لديك روايات تحولت إلى أعمال تلفزيونية مثل «الإعصار»، التي تحولت لمسلسل باسم «الهدامة»، ومثل «الدروازة» عن سنة الطاعون، كيف تقيم هذه التجربة؟

- تجربة كنت أحلم بها، لا يعلم الكثيرون أنني درست السيناريو السينمائي والتلفزيوني في لندن عام 1996 قبل أن أكون كاتباً روائياً أدبياً، وأخفقت في إقناع شركات الإنتاج الفني حينها لتبني سيناريو فيلم «الطاعون»، فأصبت باليأس وتحولت إلى كاتب روائي وسرعان ما التفتت الصحافة الكويتية وشركات الإنتاج الفني لي كروائي أدبي، لما للرواية الأدبية من هالة أكثر من كاتب السيناريو... فكتبت رواية الهدامة وكتبت السيناريو أيضاً لـ30 حلقة. وحقق المسلسل قبولاً على مستوى الفضائيات الخليجية والعربية.

> حدثني عن رواية «الدمام»، كيف ولدت فكرتها، ما فضاءات هذه الرواية، ولماذا هي تجربة مختلفة في مسيرتك الأدبية؟

- قدمتني رواية «الدمام - ملحمة الحب والنفط والحرب»، ككاتب في الملاحم الخليجية ورواية «الدرة» أيضاً ملحمة خليجية في تاريخ الإمارات... أعتقد أن الملاحم الخليجية كنز لم يكتشف بعد... لقد دعينا كوفد من رابطة الأدباء الكويتية لزيارة الدمام بدعوة من نادي المنطقة الشرقية الأدبي في 2022... وأخذونا في جولة في الدمام ضمن البرنامج... وذهلت لما رأيت مركز الملك عبد العزيز الثقافي «إثراء»، الذي شيد على بئر «الدمام 7»... هذه البئر التي غيرت وجه تاريخ المملكة إلى الأبد... فعرفت أنني أمام ملحمة عظيمة لم يكتب عنها من قبل... فعاد الوفد وبقيت في الدمام في مركز «إثراء» لاثني عشر يوماً أقرأ مذكرات المكتشفين الأوائل للنفط في «أرامكو» والصعوبات التي واجهوها في الصحراء لاكتشاف النفط أيام الحرب العالمية الثانية وهجوم موسوليني السافر على مصفاتي البحرين والدمام... في ملحمة عظيمة سطرها المكتشفون الأوائل مع طلائع السعوديين الأوائل، وتدور أحداث الرواية بين كاليفورنيا ولندن والكويت والدمام والرياض، وهي تسطّر أحداثاً حتى لا ينساها التاريخ... كتبتها بالعربية والإنجليزية.

> لماذا ترجمت رواية «الدمام» للإنجليزية؟

- لدي رغبة قديمة وجامحة في حكاية قصصنا الخليجية للعالم، ولقد عزز هذه الرغبة كوني مقدم برنامج Great Stories على تلفزيون الكويت KTV2 وقدمت رواية الدمام بالإنجليزية لعشرين حلقة ورواية «الدرة» بالإنجليزية ورواية «المباركية» أيضاً حتى يسمع العالم قصصنا الخليجية وننقل مشاركتنا في التجربة الإنسانية العالمية.

> هل تفكر في تجربة أنماط أخرى من الكتابة، أم ستظل وفياً للرواية القصيرة؟- سأظل وفياً للقصة بكل أشكالها وقوالبها التي أتقنها سواء كانت قصة قصيرة أو رواية أدبية أو سيناريو تلفزيوني أو نص مسرحي أو لوحة تشكيلية أو تقديمها كقص حكائي على شاشات التلفزيون... سأظل وفياً للقصة لأنني ولدت قاصاً وهكذا سأبقى.


مقالات ذات صلة

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم.

شوقي بزيع
ثقافة وفنون فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

في سياق الاهتمام المتنامي في العالم العربي عموماً، وفي البلدان الخليجيّة خصوصاً، تبرز «موسوعة الفلسفة الفرنسيّة المعاصرة».

مالك القعقور

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.