في عمله الروائي الجديد «جدران تنزف ضوءاً»، ينقل الكاتب السوري الكردي ماهر حسن القارئ إلى قلب الزنازين السورية، حيث يتحول المكان الضيق إلى عالم متكامل، يفيض بالخوف والألم، لكنه أيضاً ينبض بالحياة والمقاومة. الرواية، التي صدرت عن «دار تاسك للنشر» في الولايات المتحدة تمتد على 470 صفحة من القطع الوسط، وتحمل غلافاً للفنان خليل عبد القادر، في تجسيد بصري يعكس روح النص العميقة.
ورغم انتمائها إلى أدب السجون، فإن الرواية تتجاوز حدود التوثيق إلى فضاء أكثر إنسانية، حيث لا يكون الاعتقال مجرد قيد على الجسد، بل اختبار للروح والذاكرة. من خلال شخصيات متعددة، يعيد حسن رسم ملامح أولئك الذين عاشوا التجربة: المسجون الذي يرفض الانكسار، والمنفي في داخله حتى بعد تحرره، والروح التي تبحث عن معنى في عتمة الزنازين. ولا يكتفي الكاتب بنقل الأحداث، بل يجعل القارئ يشعر ببرودة الجدران، يسمع صرير الأبواب، ويعايش نبض الأمل الخافت في عيون المسجونين.
السجن في الرواية ليس مجرد جدران وأسلاك شائكة، بل فضاء للصراع الداخلي، حيث يقف الإنسان وجهاً لوجه أمام خوفه وأمله. ورغم السواد الطاغي، ينجح الكاتب في رسم لحظات الضوء الخفيّة: نظرة صامتة تحمل ألف معنى، في ضحكة مكبوتة تقاوم الانهيار. هذا الضوء، كما يوحي العنوان، لا ينبع من الخارج، بل من أعماق الإنسان في أقسى لحظاته، عن تلك القوة التي تنبثق من الضعف، وعن المعاني التي تنبت حتى في أكثر التربة قسوة. إنها شهادة أدبية تلامس التجربة الإنسانية بأبعادها المختلفة، حيث لا يكون الألم مجرد معاناة، بل حالة وجودية تفرض على المرء إعادة اكتشاف ذاته وحدوده.
ما يميز الرواية هو قدرتها على التوازن بين القسوة والجمال، بين العتمة والنور. فالسجن، رغم بشاعته، يتحول إلى فضاء للتأمل، إلى مسرح تنكشف فيه أعمق طبقات النفس البشرية. هناك من ينهار، وهناك من يعيد بناء نفسه من تحت الأنقاض. من ذاكرته، من صموده، من تلك الحكايات التي يتناقلها السجناء سرّاً، كأنها حبال نجاة تربطهم بالحياة خارج القضبان.
لا يوجد هنا افتعال أو تصنّع؛ بل مشاهد مرسومة بصدق يجعل القارئ يشعر وكأنه هناك، يسمع أنين المعذبين، ويرى شحوب الوجوه، لكنه في الوقت نفسه يلتقط بريق العيون التي ترفض الانكسار.