قدّم الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، خطّة ترمي إلى إعادة تسليح القارة، بحلول 2030. في ظلّ التهديد الروسي وتبدّل النهج الأميركي. وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، كايا كالاس: «إنها لحظة حاسمة للأمن الأوروبي». وكان لتبدّل الموقف الأميركي من الدعم الموفّر إلى أوروبا، والمساعدة المقدّمة إلى أوكرانيا، منذ عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وقع كبير على هذا القرار. وتشير أجهزة استخبارية أوروبية عدّة إلى احتمال وقوع هجوم روسي ضدّ أحد بلدان الاتحاد قبل نهاية العقد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية». وترى المجموعة الأوروبية أنه من الضروري «إعادة تسليح أوروبا»، وفق ما جاء في خطّة تحمل هذا العنوان قدّمت في 4 مارس (آذار) ببروكسل.
زيادة «غير كافية»
وقال المفوّض الأوروبي لشؤون الدفاع، أندريوس كوبيليوس، إن «سكان الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 450 مليوناً ينبغي ألا يعوّلوا على الأميركيين، المقدّر عددهم بنحو 340 مليوناً، في مواجهة 140 مليون روسي يعجزون عن هزيمة 38 مليون أوكراني». وارتفعت النفقات العسكرية للدول الأعضاء الـ27 بأكثر من 31 في المائة منذ 2021، لتصل إلى 326 مليار يورو (355 مليار دولار أميركي) في 2024، وهي نسبة «أفضل لكنها ليست كافية»، على ما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الثلاثاء. وقدّمت المفوضية الأوروبية، الأربعاء «كتاباً أبيض» بشأن الدفاع، هو بمثابة دليل موجّه إلى الدول الأعضاء لمساعدتها على تعزيز قدراتها الدفاعية.
ويتضمّن المستند الخطوط العريضة للخطّة التي عرضتها فون دير لاين قبل أسبوعين، بقيمة 800 مليار يورو (870 مليار دولار) لترسيخ الدفاع في القارة. ولا شكّ في أن المبلغ المطروح كبير جدّاً، غير أن تنفيذ الخطّة يعتمد خصوصاً على الدول الأعضاء في الاتحاد، بحسب دبلوماسيين في بروكسل. وتريد المفوضية الأوروبية أن تسمح للبلدان الأعضاء بتخصيص 1.5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي للنفقات العسكرية لمدّة 4 سنوات من دون أن تخشى الأخيرة انتهاك قواعد الميزانية بشأن العجز العام.
ويُخصّص لهذا الغرض مبلغ يصل إلى 650 مليار يورو (707 مليارات دولار)، بحسب المفوضية الأوروبية، في حين يقدّم المبلغ المتبقّي بحدود 150 ملياراً للأعضاء على شكل قروض. وهي مجرّد «أرقام تقريبية»، على ما قال مسؤول في المفوضية الأربعاء.
تسريع الوتيرة
وينبغي لكلّ دولة أن تطلب بحلول نهاية أبريل (نيسان) إعفاء من قواعد الميزانية، وفق مسودّة لخلاصات «الكتاب الأبيض» اطلعت «وكالة الصحافة الفرنسية» على نسخة منها. وبحلول أواخر يوليو (تموز)، تكون المفوضية قد بتّت في منح هذا الإعفاء من عدمه، وفقاً للنفقات المقترحة، بحسب ما كشف مسؤول أوروبي، مؤكّداً ضرورة عدم استغلال هذا التليين في قواعد الميزانية لتمويل نفقات غير عسكرية. وتريد قيادة الاتحاد أيضاً أن تعتمد الدول الأعضاء على وجه السرعة النصّ الذي يشكّل أساساً لمنح القروض، البالغة قيمتها 150 مليار يورو، ومن شأنه أن يسمح بتمويل مشتريات ومشاريع استثمارية في أوروبا على نحو مشترك. وقد تشارك في هذه المبادرة دول لا تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي، مثل النرويج. وأفسح المجال أيضاً لمشاركة تركيا، وفقاً لشروط معيّنة، فضلاً عن بريطانيا، بعد توقيعها مع الاتحاد اتفاق شراكة في مجال الأمن، على ما كشفت عنه كايا كالاس، آملةً في توقيع الاتفاق قبل قمّة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من المزمع انعقادها في مايو (أيار) المقبل.
صناعات أوروبية
تقضي الغاية، بحسب فون دير لاين، بشراء «مزيد من المصنوعات الأوروبية»، في وقت يُستثمر الجزء الأكبر من الأموال في مجال الدفاع خارج الاتحاد الأوروبي. وشدّدت فون دير لاين، الثلاثاء، من كوبنهاغن، على «أهمية المكوّنات الأوروبية؛ فنحو 65 في المائة على الأقلّ من القطع الموجودة في سلاح أو في آخر ينبغي أن تكون أوروبية المصدر».
وسبق لقادة الاتحاد الأوروبي أن أعطوا الضوء الأخضر للخطّة التي عرضتها فون دير لاين خلال قمّة استثنائية الأسبوع الماضي. يرغب عدد كبير من الدول الأعضاء في المضي أبعد، وتطالب بإطلاق عمليات إقراض واسعة، كما كانت الحال إبّان جائحة «كوفيد - 19»، عندما قدّم الاتحاد الأوروبي قروضاً بقيمة 800 مليار يورو.
وقدّرت الحاجات هذه المرّة بنحو 500 مليار يورو (544 مليار دولار)، لكن المفوضية الأوروبية ما زالت ترفض حتّى الساعة السير في هذا المسار. وأكّدت كالاس: «لم نبلغ بعد هذه المرحلة».
وأشار دبلوماسي أوروبي إلى أنه «لا بدّ من وجود حكومة في ألمانيا للتطرّق إلى هذه المسألة». وأقر النواب الألمان، الثلاثاء، خطّة استثمار واسعة لإعادة تسليح البلد وتحديثه. ولم يدل المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس بعد بدلوه بخصوص مقترح القروض المشتركة. وحدّدت المفوضية الأوروبية مجالات استراتيجية لا بدّ من إعطاء الأولوية للاستثمار فيها، وذلك بغية سدّ الثغرات، خصوصاً في مجال الذخائر والدفاعات الجوية والمسيّرات والصواريخ البعيدة المدى. وتنصّ خطّة «إعادة تسليح أوروبا» أيضاً على تعاون وثيق مع أوكرانيا في مجال الدفاع.