«الحيوان في القرآن الكريم»... دراسة في علم الدلالة

«الحيوان في القرآن الكريم»... دراسة في علم الدلالة
TT
20

«الحيوان في القرآن الكريم»... دراسة في علم الدلالة

«الحيوان في القرآن الكريم»... دراسة في علم الدلالة

عن دار «البشير»، صدر كتاب «الحيوان في القرآن الكريم - دراسة دلالية» للباحث د. محمد حمدي درويش الذي يستعرض جانباً مهماً ولافتاً من جوانب الإعجاز البلاغي في كتاب الله عز وجل من خلال البحث في الحقل الدلالي والمعرفي للألفاظ والآيات في هذا السياق.

وعن الأسباب التي حفزته لهذا المنحى يرى الباحث أنه لو ذُكر لفظ في القرآن الكريم، لكان حرياً بنا أن نقف أمام هذا اللفظ وقفة تأمل وفهم ودراسة، فما بالنا وقد حظي الحيوان بجانب ليس بالقليل من كتاب الله عز وجل، بل إن هناك بعض السور سميت بأسماء الحيوانات، وهو ما يبين لنا قدر هذا المخلوق الذي رافق الإنسان منذ فجر التاريخ الإنساني، وتأثر كلاهما بالآخر تأثراً كبيراً كان له سمته البارز في حياة الإنسان.

ويلفت إلى أن البشر اعتمدوا على الحيوان في كثير من أعمالهم وحاجاتهم اليومية؛ فاتخذوا من لحمه قُوتَهم، ومن لبنه شرابهم، ومن جلده ملبسهم، وخيمتهم، ومن عظمه سلاحهم ووقودهم، كما اتخذوه كذلك وسيلة انتقال من مكان لآخر.

وقد عبَّر القرآن الكريم عن هذه المنافع وغيرها في غير موضع، مؤكداً أن العلاقة بين الإنسان والحيوان، وإن كانت علاقة تسخير، إذ سخر الله للإنسان كل ما في الكون ومن بينها الحيوان، بيد أنها علاقة قائمة على الرحمة والرفق.

الكتاب، وإن اهتم بالحيوان في القرآن الكريم، فإنه يرمي إلى غاية أعمق، وهي التأمل في بديع صنع الله لنعمة الحيوان، الذي سخره الله للإنسان ليعينه على القيام بمهمته الأساسية في هذا الكون: عبادة الله وعمارة الأرض.

ويعد الكتاب دراسة تحليلية عميقة تسبر أغوار النصوص القرآنية التي ورد فيها ذكر الحيوان، متناولة دلالاتها المتعددة في سياقاتها المختلفة، ومدى ارتباطها بالرسالة القرآنية الكبرى التي تهدف إلى بناء الإنسان وتوجيهه نحو الرقي الإيماني والإنساني.

ويسلط المؤلف الضوء على مواضع ذكر الحيوان في القرآن، سواء بلفظ عام، أو بالإشارة إلى صفة من صفاته، أو باسمه الخاص، مستعرضاً هذه المواضع وفق منهج دلالي يعتمد على السياق الذي ورد فيه اسم الحيوان، ومدى ارتباطه بالرسالة التي يسعى النص القرآني لإيصالها. كما يستند إلى صحيح الأحاديث النبوية وآراء العلماء الموثوق بهم، مع تحليل الظواهر البلاغية في تلك الآيات.

جاء الفصل الأول من هذا الكتاب المهم بعنوان «الحيوان في المثل القرآني»، وفيه يحلل المؤلف الأمثال القرآنية التي ورد فيها الحيوان، ويصنفها وفق أغراضها الدلالية، موضحاً كيف أن اختيار الحيوان في كل مثل لم يكن عشوائياً، بل جاء ملائماً للسياق وللمعنى المقصود من المثل القرآني.

أما الفصل الثاني المعنون بـ«الحيوان في القصص القرآني»، فيرصد الدور الذي لعبه الحيوان في سياق القصص القرآنية، مع تسليط الضوء على الحكايات التي كان فيها للحيوان حضور بارز، كدوره في قصة أصحاب الفيل، وهدهد سليمان، وناقة صالح، وحوت يونس.

وفي فصل «الحيوان والإنسان» حفر عميق لأبعاد العلاقة بين البشر والحيوانات والتي ذهبت إلى حد أن كان للحيوان دور تعليمي بارز في نقل الحكمة لبنى آدم؛ فتعلم الإنسان دفن الموتى من الغراب، ويدلل الكاتب على أن الإسلام أكد على مفهوم الرحمة العامة التي تشمل الإنسان والحيوان معاً.

هكذا تتنوع حقول الدلالة وتكتسب صورة الحيوان ملامح وأبعاداً جديدة، سواء في مصفاة الأمثال التراثية، أو مصفاة الحكاية، وتتعمق بحدس معرفي لافت، حيث يصبح الحيوان مصدراً للتعلم والحكمة بالنسبة للإنسان.

يعد كتاب «الحيوان في القرآن الكريم» الثاني للزميل د. محمد حمدي درويش، الذي يشغل منصب رئيس قسم التصحيح بصحيفة «الشرق الأوسط»، بعد كتابه الأول «الحقول المعرفية عند ابن قتيبة - المنهج والقضايا» الصادر عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب» عام 2020.


مقالات ذات صلة

كاثرين ستوكيت... امرأة بيضاء تتحدث بصوت امرأة سوداء

ثقافة وفنون كاثرين ستوكيت

كاثرين ستوكيت... امرأة بيضاء تتحدث بصوت امرأة سوداء

بعد 15 عاماً من صدور روايتها الناجحة «المساعدة» التي أثارت الكثير من النقاش والنقد بسبب تصويرها حياة الخادمات السود في الجنوب

ألكسندرا أولتر
ثقافة وفنون رواية تونسية عن «الهرب المستمر من القدر»

رواية تونسية عن «الهرب المستمر من القدر»

صدر حديثاً عن «دار نوفل / هاشيت أنطوان» رواية «رأس أنجلة» للكاتبة التونسية إيناس العباسي، وفيها تروي حكاية شقيقتين تونسيتين تهاجران لأسباب مختلفة

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون تأملات في العالم الأدبي لعبد الفتاح كيليطو

تأملات في العالم الأدبي لعبد الفتاح كيليطو

يتأمّل الكاتب والناقد المغربيّ صدّوق نور الدين العالَمَ الأدبيّ لعبد الفتاح كيليطو، الكاتب والروائيّ المغربيّ المعروف من خلال كتاب صدوق الجديد «القارئ والتأويل»

«الشرق الأوسط» (عمّان)
كتب إيمانويل تود

إيمانويل تود في «هزيمة الغرب»: أميركا وصلت إلى «العدمية»

كتب عالم الاجتماع الفرنسي إيمانويل تود، عندما كان لا يزال طالباً عام 1976 متوقعاً انهيار الاتحاد السوفياتي، وصدقت نبوءته بعد 15 عاماً.

سوسن الأبطح
كتب شرح الميزان البيئي للأشياء بطريقة علمية مسلية

شرح الميزان البيئي للأشياء بطريقة علمية مسلية

يطرح الكاتب العراقي ماجد الخطيب في السوق كتابه المعنون «البيئة المسلية» في زمن ما عاد فيه الإنسان يشعر بأي تسلية وهو يشاهد الخراب البيئي العظيم

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

10 آلاف ساعة صنعت من هيلين غارنر كاتبة

دوايت غارنر
دوايت غارنر
TT
20

10 آلاف ساعة صنعت من هيلين غارنر كاتبة

دوايت غارنر
دوايت غارنر

لطالما حظيت روايات الكاتبة الأسترالية هيلين غارنر بتقدير كبير من الأشخاص الذين أثق بذوقهم. ومع ذلك، عندما كنت أبدأ بقراءة رواياتها كنت أرتد عنها مثل مركبة فضائية أخطأت في العودة إلى الغلاف الجوي للأرض. لا بد أن يكون لكل قارئ كاتب أو اثنان من هذا القبيل، كاتب أو اثنان يشعر بأنه يجب أن يُعجب بهما لكنهما لا يكونان كذلك أبداً. بدت أعمال غارنر، في قراءاتي الموجزة ركيكةً، ركيكة وتفتقر إلى الصقل.

والآن يأتي كتاب «كيف تُنهي قصة»، وهو كتاب بوزن ثقيل للغاية يجمع 3 مجلدات من مذكراتها اليومية من 1978 إلى 1998، بدءاً من منتصف الثلاثينات من عمرها. يقع هذا الكتاب في أكثر من 800 صفحة، وهو يضم كثيراً من مذكرات غارنر اليومية (دون صلة مباشرة). كدتُ أضع هذا الكتاب جانباً أيضاً لأنه يبدأ بداية مرتجلة ومترددة.

نقاد الكتب، مثل العاملين في مجال النشر، يبحثون دائماً عن عذر للتوقف عن القراءة. لكن بعد فترة من الوقت بدأتُ في الانسجام مع صوتها. وبحلول ربع الطريق، كنتُ غارقاً بين يديها تماماً. ويا لخطئي الفادح!

هذا الكتاب موجه إلى الانطوائيين، الحذرين والمتشائمين، غير المتيقنين من مظهرهم أو ذوقهم أو موهبتهم أو مكانتهم الطبقية. تمتلك غارنر صوتاً مثالياً للتعبير عن مخاضات القلق والضيق في وقت متأخر من الليل، بعضها أكثر هزلية من البعض الآخر. أسلوبها في النثر واضح وصادق ومقتصد؛ إما أن تقبله أو ترفضه، على الطريقة الأسترالية.

وهي في سردها من النوع الذي قد يُخطئ الناس في اعتبارها أحد العاملين في مهرجانات الكتاب. يتوجَّه الناس إليها على نحو مفاجئ ويسألونها: «ما الخطب؟» (وهذا أمر أكرهه بصورة خاصة أيضاً). وهي تخشى على آداب المائدة. يقول لها المصورون أشياء مثل: «إن هيئة وجهك ليست هي الأفضل».

إذا سبق لك أن نظرت إلى صورة فوتوغرافية لنفسك وشعرت بالذهول من قبح مظهرك، حسناً، إن غارنر هي صاحبة السبق في هذه التجربة:

* لقد عرضت عليّ بعض الصور التي التقطها لي العام الماضي وصُدمت من قبح مظهري: بشرة مرقطة، ووجه مجعد، وقَصة شعر قبيحة، وتعابير داكنة. أعني أنني صُدمت للغاية. وذعرت من احتمال أن أكون بمفردي الآن لبقية حياتي.

يمتد إحساسها بعدم الجدارة إلى كتاباتها الخاصة. تقول: «أنا مجرد حرفية ذات مستوى متوسط». و«الحزن ليست كلمة قوية للغاية لما يشعر به المرء أمام ضعفه وتواضعه». إنها تحارب مستويات من «متلازمة المحتال» من الدرجة الفائقة للغاية.

احتفظ الكُتّاب بمذكرات لأسباب لا تُعد ولا تُحصى. تمنت آناييس نين أن تتذوق الحياة مرتين. وكانت باتريشيا هايسميث تتوق إلى توضيح «الأمور التي قد تهاجم ذهني وتحتل مُخيلتي». كما أرادت آن فرنك أن تستمر في الحياة بعد موتها. وشعرت شيلا هيتي بأنها إذا لم تنظر إلى حياتها من كثب فإنها تتخلى عن مهمة بالغة الأهمية.

تلك هي غرائز غارنر أيضاً. لكنها تقول أيضاً وبكل افتتان: «لماذا أكتب هذه الأشياء؟ جزئياً من أجل متعة رؤية القلم الذهبي يتدحرج على الورق كما كان يفعل عندما كنت في العاشرة من عمري». كانت هذه الكتابة تخدم غرضاً أكثر جدية. إذ قالت غارنر ذات مرة لمجلة «باريس ريفيو»: «المذكرات اليومية هي الطريقة التي حوَّلتُ بها نفسي إلى كاتبة - تلك هي الـ10 آلاف ساعة خاصتي».

تتألق تفاصيل حياتها اليومية دوماً في هذا الكتاب - النباتات المزروعة في الأصص التي تنمو إلى جانبها، ورحلات التسوق («كيمارت، ومنبع كل الخير»)، وحفلات العشاء، وغسل ملابسها الخاصة في دلو، وإزالة فضلات الكلب، وإصلاح التنورة، والذهاب إلى السينما، والاحتفاظ بنسخة من كتاب «الفردوس المفقود» في الحمام الخارجي. تعيش أحياناً في شقق صغيرة في المدينة، وأحياناً أخرى في منزل ريفي حيث ترى الكوالا، والكنغر، والنسور، والكوكابورا.

هذا هو تقريرها عن إحدى وجبات تناول العشاء في الخارج: «في منزل الهيبيز لتناول العشاء، وجدت في شريحة الكيشي التي أتناولها عنصرين غريبين: عود ثقاب مستعمل وشعر. أخفيتهما تحت ورقة الخس وواصلنا الحديث».

حديثها الأدبي يتسم بالحماسة والبراعة: «تظل العاطفية تتطلع من فوق كتفها لترى كيف تتقبل الأمر. لكن (الانفعال)، على الرغم من ذلك، لا يهتم سواء كان أحد ينظر إليه أم لا».

إنها تقيّم منطقة الانفجار حول بعض الأمور المملة. عن عشاء مع أكاديميين، تكتب قائلة: «أعفوني من افتراض كبار السن الهادئ بأن أي شيء يقولونه مهما كان مملاً أو بطيئاً أو رتيباً يستحق أن يُقرأ وسوف يحظى بجمهور».

لا يحتاج هذا الكتاب إلى جرعة من الدراما، ولكن الجرعة تأتي لا محالة. بعد زيجتين فاشلتين، تدخل غارنر في علاقة مع كاتب صعب المراس ومتزوج، تدعوه باسم «ڨي». (إنه الروائي موراي بايل). وفي نهاية الأمر يتزوجان، وتزاحم احتياجاته احتياجاتها فتغلبها. ثم تشرع في الشعور وكأنها دخيلة في شقتها الخاصة. فهو الذي تحق له الكتابة هناك، بينما يجب عليها الذهاب إلى مكان آخر للعمل. إنه يغار من أي نجاح تحرزه بنفسها. فأيهما هو المضيف وأيهما الطفيلي؟

يبدأ الزوج علاقة غرامية مع امرأة أخرى، وهي رسامة، ويراوغ ويكذب. تتظاهر غارنر، لأشهُر، بأنها لا تلاحظ ذلك. وتتشبث به لفترة أطول مما تتصور. ويصبح الأمر مروعاً. فعلاقتهما صارت الوعاء الذي تتكسر فيه عظامها حتى تستحيل إلى عجينة. وتكتب فتقول: «للمرة الأولى، بدأت أفهم نفسية النساء اللاتي يبقين مع رجال يضربونهن باستمرار».

العمل هو خلاصها وجسرها إلى العالم. خطتي هي أن أعود إلى كتبها الأخرى، وأن أخوض فيها هذه المرة لما هو أبعد من حجم كاحلي.

*خدمة «نيويورك تايمز»