مشوار النجوم الكوريين... من الولادة إلى الانتحار

مزيدٌ من مشاهير الغناء والتمثيل في كوريا الجنوبية يعمدون إلى إنهاء حياتهم

نجم الغناء الكوري كيم جونغ هيون انتحر في الـ27 بسبب المعاناة من الاكتئاب (أ.ب)
نجم الغناء الكوري كيم جونغ هيون انتحر في الـ27 بسبب المعاناة من الاكتئاب (أ.ب)
TT

مشوار النجوم الكوريين... من الولادة إلى الانتحار

نجم الغناء الكوري كيم جونغ هيون انتحر في الـ27 بسبب المعاناة من الاكتئاب (أ.ب)
نجم الغناء الكوري كيم جونغ هيون انتحر في الـ27 بسبب المعاناة من الاكتئاب (أ.ب)

آخرُ نجمٍ على لائحة المشاهير الذين عُثر عليهم قتلى داخل منازلهم في كوريا الجنوبية هو المغنّي وي سونغ. قبل أيام، وُجدت إبرة قرب جثّة الفنان الأربعينيّ، وهو عُرف بمعاناته من الإدمان للمخدّرات. لم يرزح وي سونغ تحت ثقل الممنوعات فحسب، بل كذلك تحت ضغط الإعلام والرأي العام اللذَين أمطراه بالنقد والتجريح، منذ اكتُشف تعاطيه مادة البروبوفول عام 2021.

وإذا كانت جرعةٌ زائدة هي التي تقف وراء وفاة النجم الكوريّ، فإنّ زملاءَ كثراً له سبقوه إلى الموت بداعي الإرهاق من متطلّبات المهنة والنجوميّة والمجتمع.

المغنّي وي سونغ الذي عُثرَ عليه متوفّى قبل أيام داخل شقّته (أ.ف.ب)

ظاهرة ذات وجه مظلم

خلال الأعوام الـ20 الأخيرة وفي ظاهرةٍ هي أشبَه بجائحة تجتاح قطاع الترفيه في كوريا الجنوبية، سُجّل انتحار عشرات الفنانين، معظمهم في العشرينات من العمر.

قبل أسابيع، وضعت الممثلة الشابة كيم ساي رون (24 عاماً) حداً لحياتها. هي الأخرى كانت قد تعرّضت لحملة تجريحٍ وانتقاداتٍ متواصلة منذ 2022، أي منذ ألقي القبض عليها وهي تقود سيارتها تحت تأثير الكحول متسببةً بحادثٍ وأضرار لعدد من المتاجر. ولم يتوقّف الأمر عند حدود الهجوم الإعلامي والإلكتروني، بل انسحب على عملها فاقتُطعت مشاهدها من مسلسل كان يُعرَض على «نتفليكس»، كما خسرت الكثير من عقودها ما أغرقها في البطالة والديون.

النجمة التلفزيونية الكورية كيم ساي رون انتحرت قبل أسابيع عن 24 عاماً (إنستغرام)

تحوّل الفن الكوري الجنوبي في السنوات القليلة الماضية إلى صناعةٍ ترفيهية تُدرّ الملايين على الاقتصاد الوطني، وظاهرة عالمية تجذب عشرات ملايين المعجبين. ينبهر هؤلاء بالاستعراضات الغنائية البرّاقة وبالمسلسلات المشغولة بجماليّةٍ عالية. لكنّ الجمهور لا يبصر الناحية المظلمة لهذا العالم المتلألئ.

فما الذي يدفع الفنانين الكوريين إلى إنهاء حياتهم واحداً تلو الآخر، وهُم بعدُ في عزّ الشباب والنجوميّة؟

المدرسة «المُعسكَر»

تحوّلت ثقافة الـK-Pop إلى خبزٍ يوميّ في كوريا الجنوبية، إلى درجة أنّ العائلات باتت تُرسل أبناءها إلى مدارس الفن الكوريّ بدل إرسالهم إلى المدارس التقليديّة.

غالباً ما يُستبدل دخول مدارس الـK - Pop بالدراسة التقليدية في كوريا الجنوبية (رويترز)

مراهقاً كان أم شاباً، أنثى أم ذكراً، ما إن يطأ الطالب مدرسةَ الـK-Pop حتى يصبح أسير برنامجٍ تدريبيّ صارم هو أشبَه بالخدمة العسكرية الإلزاميّة. بكامل رِضاهم، يخضع الطلّاب اليافعون لهذه التربية الفنية القاسية، في مسعىً منهم لإبهار وكالات إدارة أعمال النجوم في مرحلة لاحقة.

يمضون أكثر من 16 ساعة يومياً في التمرين على الرقص، والغناء، والتعامل مع الكاميرا. يُلقّنون ضرورة مواصلة التمرين والأداء، حتى وإن كانوا في حالة مرضٍ أو ألم. ولا يتبدّل الحال كثيراً بعد أن يصبحوا نجوماً، فهذا التدريب القاسي جزءٌ أساسيّ من حياة الفنانين الكوريين، لا سيّما المغنّين.

مدارس الـK-Pop أشبه بمعسكرات تدريب صارم (رويترز)

هاجس المثاليّة

يُدرّب نجوم الـK-Pop منذ الصغر على تقديم صورة مثاليّة عن أنفسهم. عليهم أن يلتزموا بحِمية غذائية قاسية، وبأسلوب تصرّف محدّد، كما يضطرّون للخضوع لعمليات تجميل. يضحّون بسنوات المراهقة والشباب من أجل متطلّبات سوق العمل. يضعهم هاجس المثاليّة والكمال هذا أمام ضغطٍ نفسيّ كبير ويجرّدهم من هويّتهم الحقيقية وعفويّتهم.

الحبّ ممنوع

تستدعي الإقامة في مدارس الـK-Pop ابتعاداً عن العائلة والأصدقاء. فإلى جانب تخلّيهم عن الدراسة الأكاديميّة الاعتياديّة، يتنازل المبتدئون ومثلُهم النجوم الذين سلكوا درب الشهرة عن العلاقات الإنسانية الطبيعية فهُم يُمنعون من الاختلاط بالناس. تصبح حياتهم أشبه بعزلة عن المجتمع، كما تُحظر عليهم إقامة علاقاتٍ عاطفيّة لئلّا يؤثّر ذلك سلباً على صورتهم في عيون المعجبين.

تُحظر على نجوم الـK-Pop إقامة علاقات عاطفية لئلّا يؤثّر ذلك على المعجبين (رويترز)

علاقة سامّة مع المعجبين

من متطلّبات النجوميّة في عالم الـK-Pop التواصل شخصياً مع المعجبين، وتمتين العلاقة بهم من خلال الردّ عليهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يعوّض هذا من جهة عن العزلة التي يعيشها النجوم، كما يوسّع قواعدهم الجماهيريّة، وإن بشكلٍ افتراضيّ.

من المعروف أنه لا أحد ينافس الممثلين والمغنّين الكوريين من حيث أعداد المعجبين الذين يُلقّبون بـ«الجيوش». يصل بهم الإعجاب إلى حدّ الهوَس، غير أنّ السحر غالباً ما ينقلب على الساحر. فهؤلاء المعجبون مطلوبون ويفرضون آراءهم على النجوم، لا سيّما في كل ما يتعلّق بحياتهم الخاصة، من علاقاتهم العاطفية إلى هواياتهم. أما إن حصل ما لا يروق لهم، فقد يتحوّلون إلى جيشٍ عدوّ لا يتسامح مع مَن كان يوماً نجمهم المحبوب.

علاقة المعجبين بنجوم الـK-Pop تتراوح بين الهوَس والتحكّم (أ.ف.ب)

التجريح الإلكتروني

الجَلدُ الافتراضيّ. هذا ما يتعرّض له النجوم الكوريون إن قاموا بما لا يروق لمعجبيهم، أكان غناءً أم رقصاً أم تصرّفاتٍ شخصية. تتراوح مسبّبات الغضب ما بين أداءٍ غير موفّق لأغنية، وسلوكٍ سيّئ كتعاطي المخدّرات. وغالباً ما تكون الفنانات ضحايا التنمّر الإلكتروني.

ترتبط ثقافة الـK-Pop ارتباطاً وثيقاً بوسائل التواصل الاجتماعي، والتي تشكّل صلة الوصل بين المشاهير ومعجبيهم. لكن غالباً ما تتحوّل تلك الصفحات إلى منابر للتجريح والتنمّر، في استهدافٍ مباشر للفنانين. وليس مستغرباً أن يوجّه المعجبون رسائل كُرهٍ بعد أن يكونوا قد أمطروا النجوم بالحب والاهتمام.

انتحرت المغنية سولي (25 عاماً) بعد تعرّضها لحملة قاسية من التنمّر والتجريح (أ.ف.ب)

اعتزال مبكر

لا يكاد الفنان يصبح نجماً، حتى يداهمه العُمر. فمدّة الصلاحية في مجال الـK-Pop قصيرة جداً، ومَن هم في نهاية العشرينات من عمرهم يُعتَبَرون قدماء، وتستبدَل وجوه أصغر سناً بهم. يتسبّب ذلك في قلقٍ كبير للنجوم الذين يأفلون بسرعة قياسية، فيبدأون في البحث عن أساليب جديدة للاستمرار في المجال، لكنّ المسعى غالباً ما يبوء بالفشل.

يدركون متأخّرين أنّ شركات الإنتاج ووكالات إدارة الأعمال تتعامل معهم كسِلعٍ تدرّ الأموال. يستفيدون من نجوميّتهم قدر المستطاع وفي أقصر وقتٍ ممكن.

ما إن يصل النجوم إلى نهاية العشرينات من العمر حتى تستبدل وجوه جديدة بهم (رويترز)

الصحة النفسية... وصمة عار

ما زال موضوع الصحة النفسية من المحرّمات في كوريا الجنوبية لا سيّما بالنسبة إلى المشاهير، إذ يُنظر إلى المعاناة النفسية على أنها ضعف. ورغم كل ما يواجهون، يفضّل نجوم الـK-Pop السكوت عن آلامهم بدل البوح بها، أو طلب المساعدة والعلاج، لئلّا يعيَّروا من قِبَل الرأي العام ويخسروا جماهيريّتهم.

عام 2019 انتحرت الممثلة والمغنية الكورية غو هارا عن 28 سنة (أ.ب)

في كوريا الجنوبية، ليست الانتحارات حكراً على الفنانين. وفق أرقام عام 2024، سُجّل 14439 انتحاراً بمعدّل 40 حالة يوميّة. يعود جزءٌ كبير من تلك الظاهرة إلى التحديات الأكاديمية التي يواجهها الجيل الصاعد، والنظام الدراسيّ الصارم والقائم على المنافسة الشديدة.

أما في مجال صناعة الترفيه، فقد بدأت الأصوات ترتفع تدريجياً للمطالبة بتكريس مساحة للصحة النفسية. بادرت بعض الوكالات مؤخراً إلى تأمين جلسات علاجية دَوريّة لفنّانيها، لعلّ سبحةَ انتحارات الـK-Pop تنقطع.


مقالات ذات صلة

اختار «القتل الرحيم»... وفاة مؤسس عيادة رائدة للمساعدة على الموت في سويسرا

يوميات الشرق المحامي السويسري لودفيج مينيلي مؤسس عيادة «ديجنيتاس» الرائدة في مجال المساعدة على الموت 15 يونيو 2012 (أ.ف.ب)

اختار «القتل الرحيم»... وفاة مؤسس عيادة رائدة للمساعدة على الموت في سويسرا

أعلنت جمعية سويسرية أن لودفيج مينيلي، مؤسس عيادة «ديجنيتاس» الرائدة في مجال المساعدة على الموت، توفي «بمحض إرادته».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
تكنولوجيا شعار «تشات جي بي تي» (رويترز)

«أوبن إيه آي» تُلقي باللوم في انتحار مراهق على إساءة استخدام «تشات جي بي تي»

صرحت شركة «أوبن إيه آي» المُصنّعة لتطبيق «تشات جي بي تي» بأن انتحار مراهق يبلغ من العمر 16 عاماً بعد محادثات مطولة مع الروبوت كان بسبب «سوء استخدامه لتقنيتها».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شؤون إقليمية صورة نشرتها وكالة «نور نيوز» شبه الرسمية من اللحظات الأولى للشجار بين الشاب وعمال البلدية

انتحار شاب أحوازي بعد هدم كشك عائلته... والرئيس الإيراني يوجه بالتحقيق

وسط انتشار أمني واسع تحسباً لاحتجاجات، أمر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بتشكيل لجنة تحقيق في وفاة شاب في مدينة الأحواز.

«الشرق الأوسط» (طهران)
تكنولوجيا أيقونة تطبيق «تشات جي بي تي» على الهاتف الذكي في صورة توضيحية ملتقطة في 27 أكتوبر 2025 (رويترز)

أكثر من مليون مستخدم لـ«تشات جي بي تي» يتحدثون عن الانتحار

أظهرت بيانات صادرة عن شركة «أوبن إيه آي»، مطوّرة روبوت الدردشة «تشات جي بي تي»، أن أكثر من مليون مستخدم أبدوا اهتماماً بالانتحار في أثناء استخدامهم الأداة.

«الشرق الأوسط» (سان فرانسيسكو)
تكنولوجيا شعار «تشات جي بي تي» (رويترز)

«أوبن إيه آي»: أكثر من مليون مستخدم لـ«تشات جي بي تي» يظهرون نوايا انتحارية أسبوعياً

يُرسل أكثر من مليون مستخدم لـ«تشات جي بي تي» أسبوعياً رسائل لروبوت الدردشة الشهير، تتضمن «مؤشرات واضحة على احتمال التخطيط أو النية للانتحار».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.