ألمانيا تعود لحكم اليمين بعد فترة قصيرة مع اليسار

ميرتس مرشحاً للمستشارية بعد تقدمه في الانتخابات وتشكيل الحكومة قد يدوم أشهراً

زعيم الحزب «المسيحي الديمقراطي» فرديدريش ميرتس يستعد ليصبح المستشار القادم لألمانيا بعد فوز حزبه بالانتخابات الأحد (إ.ب.أ)
زعيم الحزب «المسيحي الديمقراطي» فرديدريش ميرتس يستعد ليصبح المستشار القادم لألمانيا بعد فوز حزبه بالانتخابات الأحد (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا تعود لحكم اليمين بعد فترة قصيرة مع اليسار

زعيم الحزب «المسيحي الديمقراطي» فرديدريش ميرتس يستعد ليصبح المستشار القادم لألمانيا بعد فوز حزبه بالانتخابات الأحد (إ.ب.أ)
زعيم الحزب «المسيحي الديمقراطي» فرديدريش ميرتس يستعد ليصبح المستشار القادم لألمانيا بعد فوز حزبه بالانتخابات الأحد (إ.ب.أ)

طوت ألمانيا صفحة حكومة قادها اليسار لم تدم طويلاً، لتعود إلى حكم اليمين المحافظ الذي اعتادت عليه معظم العقود الماضية. وبعد 3 سنوات على حكم الاشتراكيين وانهيار الحكومة الائتلافية مبكراً، فاز الحزب «المسيحي الديمقراطي»، بزعامة فريدريش ميرتس، بالانتخابات بنسبة 29 في المائة حسب النتائج الأولية، من دون أن تكون له الأغلبية المطلقة، ما يدخل ألمانيا في حقبة جديدة قد تدوم أشهراً للاتفاق حول تشكيل حكومة ائتلافية جديدة.

وعاد ميرتس فائزاً ومستشاراً مكلفاً، بعد أن كانت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل قد قضت على أحلامه قبل أكثر من 15 عاماً ودفعته للتقاعد مبكراً من السياسة ودخول عالم الأعمال، ليعود زعيماً للحزب بعد تقاعدها ويقود الحزب مرة جديدة إلى السلطة.

زعيمة حزب «البديل من أجل ألمانيا» أليس فيدل تحتفل بنتائج حزبها في الانتخابات الأحد (أ.ف.ب)

وحل حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف ثانياً بنسبة 19.5 في المائة بحسب الاستطلاعات الأولية، فيما حل الاشتراكيون في المرتبة الثالثة بنسبة 16 في المائة و«الخضر» حصلوا على نسبة 13.5 في المائة. وشاركت نسبة قياسية من الناخبين في الانتخابات؛ إذ بلغت نسبة المشاركة 84 في المائة.

ورغم ترويج حزب «البديل من أجل ألمانيا» إلى أنه قد يحقق أرقاماً «مفاجئة» آملاً بالحصول على 25 في المائة من الأصوات، وهي النسبة التي يمكن أن تمنحه ربع مقاعد البرلمان، وتحوله إلى قوة قادرة على تعطيل بعض قرارات الحكومة، فهو لم يحقق أكثر من 20 في المائة. ومع ذلك تُعد هذه النتائج غير مسبوقة بالنسبة للحزب الذي تأسس عام 2013. ورغم حلوله في المرتبة الثانية، فإن مشاركته في الحكومة غير وارد بعد أن استبعد ميرتس والأحزاب السياسية الأخرى التحالف معه، رغم الضغوط الأميركية.

وكان نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس قد دعا الأحزاب الألمانية بشكل مباشر للتحالف مع «البديل من أجل ألمانيا»، مفاجئاً السياسيين الألمان في كلمة ألقاها في مؤتمر ميونيخ للأمن انتقد فيها الأحزاب الألمانية واتهمها بعدم الاستماع لصوت الناخبين. ولكن الأحزاب ردت برفض «تدخل» فانس في السياسة الداخلية والتعهد بعدم السماح لأطراف خارجية بفرض تحالفات سياسية. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تعهدت الأحزاب الرئيسية بعدم التعاون مع أحزاب يمينية متطرفة؛ منعاً لتكرار أخطاء الماضي التي أوصلت النازيين للسلطة.

ورغم أن شكل الحكومة الألمانية الجديدة ما زال غير واضح، ولن يظهر إلا بعد أسابيع أو حتى أشهر، فهي من دون شك ستسعى لتشديد قوانين الهجرة واللجوء وهو الموضوع الذي طغى على الانتخابات الألمانية وكان في طليعة اهتمامات الناخبين. وخلال الحملة الانتخابية، تعهد ميرتس بتطبيق قوانين قاسية لوقف الهجرة غير الشرعية، كثير منها كان مخالفاً للقوانين الأوروبية. كما تعهد بتسريع ترحيل المهاجرين غير الشرعيين ووقف استقبالهم على الحدود، وحتى طرح إغلاق الحدود مع دول الشنغن، وهو ما لا يسمح به الاتحاد الأوروبي إلا في ظروف الطوارئ.

وسيتوجب على الحكومة الجديدة كذلك اتخاذ قرار في وضع اللاجئين السوريين الذين أوقف مكتب الهجرة واللجوء البت بالطلبات الموجودة أمامه بشأنهم بعد الإطاحة بالأسد، مع تغير الظروف التي يتم الاستناد عليها لمنح اللجوء. وقد يستغرق إعادة تقييم الوضع في سوريا فترة طويلة، خاصة إذا تسلمت وزارة الداخلية أو الخارجية الأحزاب التي ستدخل في ائتلاف مع الحزب «المسيحي الديمقراطي». وكان الحزب «المسيحي» نفسه تحت حكم المستشارة السابقة أنجيلا ميركل هو من فتح الباب أمام مئات الآلاف من اللاجئين السوريين عام 2014. ولكنه بعد زيادة الضغوط الداخلية والسخط من اللاجئين، وتسلم ميرتس زعامة الحزب، انقلب موقف «المسيحي الديمقراطي» بشكل كامل وعاد لجذوره المحافظة التي يتهم ميرتس ميركل بإبعاده عنها.

مؤيدو الحزب «المسيحي الديمقراطي» في مقر الحزب وسط برلين الأحد (أ.ب)

ومع ذلك، لن يكون من السهل على ميرتس تطبيق سياساته حول الهجرة بشكل كامل وقد يُضطر لتعديلها بحسب الائتلافات التي يشكلها. وفي وقت يميل الحزب «الاشتراكي» لتشديد بعض الإجراءات حول اللاجئين، خاصة غير القانونيين منهم، فإن حزب «الخضر» يرفض ذلك من مبدأ الحفاظ على القوانين الدولية والإنسانية وحاجة ألمانيا لمئات الآلاف من المهاجرين لسد ثغرات كبيرة في الاقتصاد.

وقد يجد ميرتس نفسه في وضع صعب مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لرفضه التحالف مع «البديل من أجل ألمانيا». وتناقلت وسائل إعلام ألمانية أن إدارة ترمب قد «تعاقب» برلين بسحب جزء كبير من جنودها من القواعد الأميركية في ألمانيا، الموجودة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ورغم أن فانس التقى بميرتس قبل أسبوع على هامش مؤتمر ميونيخ، فإن العلاقة قد لا تكون بهذه السلاسة في الأشهر القادمة. إذ إن دعم فانس وإيلون ماسك لحزب «البديل من أجل ألمانيا» وزعيمته أليس فيدل كان واضحاً، وحتى إن ماسك وصف الحزب المتطرف بأنه «الوحيد القادر على إنقاذ ألمانيا»، فيما كرر فانس مراراً، في الأيام التي سبقت الانتخابات، أن لدى ألمانيا وأوروبا «مشكلة مع الهجرة يجب تصحيحها». وبقي ماسك يغرد دعماً لحزب «البديل من أجل ألمانيا» حتى اللحظات الأخيرة في يوم الانتخاب، ويشارك تغريدات تظهر بيورن هوكيه، زعيم محلي لحزب «البديل» كان قد أدين برفع واستخدام شعارات نازية محظورة، ويُعد من أشد المتطرفين داخل حزبه.

وسيجد ميرتس نفسه كذلك في مواجهة مع إدارة ترمب حول مواضيع أخرى تتعلق بأوكرانيا وحرب تجارية محتملة. ويعد ميرتس من أكبر داعمي أوكرانيا، بدرجة تفوق التزام حكومة شولتس السابقة. وبينما كان يرفض شولتس تسليم كييف صواريخ توروس الألمانية البعيدة المدى، أبدى ميرتس انفتاحاً على ذلك. وأيضاً خلافاً لشولتس، ترك ميرتس الباب مفتوحاً أمام مناقشة ضم أوكرانيا لحلف «الناتو». ويبدو أن ميرتس يتجه لتشكيل تحالفات أوروبية قوية للتصدي للأخطار المحتملة القادمة من الحليف الأميركي؛ إذ أعلن قبل صدور النتائج أن أولى زياراته الخارجية ستكون إلى فرنسا وبولندا.


مقالات ذات صلة

عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

شمال افريقيا مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)

عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

تلاحق عشرات الطعون نتائج المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري، لتضاف إلى سلسلة طعون رافقت المرحلة الأولى، وأدت إلى إعادة الانتخابات ببعض الدوائر.

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون أمام اللجان في انتخابات إعادة إحدى الدوائر الملغاة بالإسكندرية الأربعاء (تنسيقية شباب الأحزاب)

تراجع جديد للمعارضة المصرية في المرحلة الثانية لانتخابات «النواب»

تتسارع استعدادات المرشحين لخوض جولات الإعادة في انتخابات مجلس النواب المصري (الغرفة الأولى للبرلمان) وسط ضغوط كبيرة تلاحق أحزاب المعارضة

علاء حموده (القاهرة )
شمال افريقيا على الرغم من قبول البعض بمبدأ إجراء الانتخابات الرئاسية فإنهم أبدوا مخاوفهم من عقبات كبيرة تعترض المسار الذي اقترحته المفوضية (مفوضية الانتخابات)

كيف يرى الليبيون إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية في أبريل المقبل؟

رفض مجلس حكماء وأعيان طرابلس إجراء الانتخابات الرئاسية قبل وجود دستور، وذهب إلى ضرورة تجديد الشرعية التشريعية أولاً عبر الانتخابات البرلمانية.

علاء حموده (القاهرة )
المشرق العربي الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال صورة تذكارية على هامش «قمة شرم الشيخ» يوم 13 أكتوبر 2025 (إعلام حكومي)

ضغوط أميركية تواصل إرباك «التنسيقي» العراقي

نأت المرجعية الدينية في النجف عن أي حراك بشأن حسم المرشح لمنصب رئيس الوزراء، في حين تحدثت مصادر عن ارتباك في خطط «الإطار التنسيقي».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي أعضاء مبادرة «عراقيون» بعد اجتماعهم في بغداد يوم 26 أبريل 2025 (الشرق الأوسط)

نخب عراقية تحذر من عودة «ظاهرة سجناء الرأي»

حذر العشرات من الناشطين والمثقفين العراقيين من تصاعد ظاهرة الدعاوى التي يقيمها في الآونة الأخيرة «مقربون من السلطة أو يحركها مخبرون سريون ضد أصحاب الرأي».

فاضل النشمي (بغداد)

قلق أوروبي من «تسرع» أميركي لإنهاء الحرب في أوكرانيا

المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)
المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)
TT

قلق أوروبي من «تسرع» أميركي لإنهاء الحرب في أوكرانيا

المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)
المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)

كشفت تقارير مضمون مكالمة حسّاسة جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عن حجم القلق الأوروبي من النهج الأميركي الجديد في إدارة مفاوضات السلام مع موسكو.

التسارع الأميركي الملحوظ، خصوصاً بعد زيارة المبعوثَين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر إلى موسكو من دون تنسيق مسبق مع الحلفاء، عزَّز مخاوف من «اتفاق متعجِّل» قد يدفع أوكرانيا إلى تقديم تنازلات غير مضمونة، قبل تثبيت أي التزامات أمنية صلبة تمنع روسيا من استغلال ثغرات مستقبلية، حسب المحادثة التي نشرتها صحيفة «دير شبيغل» الألمانية ولم تكن بروتوكوليةً.

وحذَّر ميرتس مما وصفه بـ«ألعاب» واشنطن، ومن «احتمال خيانة واشنطن لكييف»، في حين أشار ماكرون إلى احتمال أن تتعرَّض كييف لضغط غير مباشر لقبول تسويات حدودية قبل الاتفاق على منظومة ردع حقيقية.


المحكمة الدولية: عقد جلسات استماع في غياب بوتين ونتنياهو وارد

مبنى المحكمة الدولية في لاهاي (رويترز)
مبنى المحكمة الدولية في لاهاي (رويترز)
TT

المحكمة الدولية: عقد جلسات استماع في غياب بوتين ونتنياهو وارد

مبنى المحكمة الدولية في لاهاي (رويترز)
مبنى المحكمة الدولية في لاهاي (رويترز)

اعتبر نائب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مامي ماندياي نيانغ، اليوم (الجمعة)، أن عقد جلسات استماع في غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هو أمر «وارد».

وقال مامي ماندياي نيانغ، في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية»: «اختبرنا هذا الأمر في قضية كوني. إنها فعلاً آلية معقدة. لكننا جربناها، وأدركنا أنها ممكنة ومفيدة».

وكان يشير إلى جلسة «تأكيد الاتهامات» التي عقدت غيابيّاً في وقت سابق هذا العام بحقّ المتمرد الأوغندي الفارّ جوزيف كوني.


موسكو: مسيّرة تضرب برجاً في الشيشان واندلاع حريق

مبنى يضم مكاتب حكومية في جمهورية الشيشان ضربته مسيرة اليوم (الإعلام الروسي)
مبنى يضم مكاتب حكومية في جمهورية الشيشان ضربته مسيرة اليوم (الإعلام الروسي)
TT

موسكو: مسيّرة تضرب برجاً في الشيشان واندلاع حريق

مبنى يضم مكاتب حكومية في جمهورية الشيشان ضربته مسيرة اليوم (الإعلام الروسي)
مبنى يضم مكاتب حكومية في جمهورية الشيشان ضربته مسيرة اليوم (الإعلام الروسي)

ضربت مسيّرة، اليوم (الجمعة)، مبنى يضم مكاتب حكومية في جمهورية الشيشان الروسية، ما أدى إلى اندلاع حريق امتد على عدة طوابق، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن الإعلام الرسمي الروسي وتسجيلات مصوّرة على شبكات التواصل الاجتماعي.

وتستهدف أوكرانيا على نحو متكرر الجمهورية الروسية الواقعة في القوقاز، لكن نادراً ما تصل مسيّراتها إلى المناطق الحضرية، وخصوصاً وسط العاصمة غروزني، حيث وقعت الحادثة الجمعة.

وندّد الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، في رسالة عبر تطبيق تلغرام، بـ«هذا النوع من التصرّفات»، معتبراً أنّه «ليس أكثر من محاولة لتخويف السكان المدنيين وخلق وهم الضغط».

وأكد أنّ «الأهم بالنسبة إلينا، أنّ أحداً لم يُصب»، متهماً كييف بـ«التعويض عن ضعفها عبر تنفيذ ضربات على البنى التحتية المدنية».

ولم تؤكد السلطات المحلية ولا تلك الفيدرالية الروسية الانفجار، لكن شبكة «آر تي» الرسمية نقلت عن مصدر في أجهزة إنفاذ القانون قوله إن مسيّرة أوكرانية نفّذت الهجوم. ولم يتم الإعلان عن سقوط أي ضحايا.

وأغلقت وكالة الطيران الروسية «روسافياتسيا» مطار غروزني، في وقت سابق الجمعة، على خلفية مخاوف أمنية استمرت بضع ساعات، بحسب ما أعلنت على شبكات التواصل الاجتماعي.

وأظهرت عدة تسجيلات مصورة على شبكات التواصل الدخان يتصاعد من برج زجاجي، حيث تهشمت النوافذ في 5 طوابق.

ويعدّ القيام بأي عمل صحافي في الشيشان، التي تصفها بعض المجموعات الحقوقية بأنها «دولة داخل الدولة»، أمراً شبه مستحيل نتيجة القيود التي تفرضها السلطات.

وذكرت وسائل إعلام روسية أن المبنى يضم مجلس الأمن الشيشاني، ويبعد نحو 800 متر من مقر إقامة قديروف، كما يقع بجانب الفرع المحلي لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي.

ودعم قديروف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه على أوكرانيا، وأرسل آلاف الجنود الشيشانيين للقتال فيها.