كيف نجحت «ديب سيك» في بناء نظام ذكاء اصطناعي بتكاليف أقل؟

إبداعات الموهوبين الصينيين تشجع العالم لبناء أدوات أرخص

كيف نجحت «ديب سيك» في بناء نظام ذكاء اصطناعي بتكاليف أقل؟
TT

كيف نجحت «ديب سيك» في بناء نظام ذكاء اصطناعي بتكاليف أقل؟

كيف نجحت «ديب سيك» في بناء نظام ذكاء اصطناعي بتكاليف أقل؟

في الشهر الماضي، انهارت الأسواق المالية الأميركية بعد أن أعلنت شركة صينية ناشئة تدعى «ديب سيك» أنها بنت أحد أقوى أنظمة الذكاء الاصطناعي في العالم باستخدام عدد أقل كثيراً من الرقائق الإلكترونية، مما كان يعتقد الكثير من الخبراء أنه ممكن.

ألفا رقيقة إلكترونية بدلاً من 16 ألفاً

وعادة ما تدرب شركات الذكاء الاصطناعي روبوتات الدردشة الخاصة بها باستخدام أجهزة كمبيوتر عملاقة مزودة بـ16 ألف رقيقة متخصصة أو أكثر. لكن «ديب سيك» قالت إنها احتاجت إلى نحو 2000 شريحة فقط.

عُشر تكاليف الإنفاق

وكما أوضح مهندسو «ديب سيك» في ورقة بحثية نشرت بعد عيد الميلاد مباشرة، استخدمت الشركة الناشئة الكثير من الحيل التكنولوجية لتقليل تكلفة بناء نظامها بشكل كبير. ولم يكن مهندسوها بحاجة سوى إلى نحو 6 ملايين دولار من قوة الحوسبة الخام، وهو ما يقرب من عُشر ما أنفقته «ميتا» في بناء أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لديها.

ماذا فعلت «ديب سيك» بالضبط؟

إليك الدليل:

* كيف يتم بناء تقنيات الذكاء الاصطناعي؟ تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي الرائدة على ما يسميه العلماء بالشبكات العصبية، وهي أنظمة رياضية تتعلم مهاراتها من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات.

تقضي أقوى الأنظمة شهوراً في تحليل كل النصوص الإنجليزية تقريباً على الإنترنت، بالإضافة إلى العديد من الصور والأصوات والوسائط المتعددة الأخرى. وهذا يتطلب كميات هائلة من قوة الحوسبة.

قبل نحو 15 عاماً، أدرك باحثو الذكاء الاصطناعي أن الرقائق الإلكترونية المتخصصة التي تسمى وحدات معالجة الرسومات

graphics processing units، أو GPUs، كانت وسيلة فعالة لإجراء هذا النوع من تحليل البيانات. صممت شركات مثل شركة تصنيع الرقائق في وادي السيليكون «إنفيديا» هذه الرقائق في الأصل لتقديم رسومات لألعاب الفيديو على الكمبيوتر. لكن وحدات معالجة الرسومات كانت لديها أيضاً موهبة في تشغيل معادلات الرياضيات التي تعمل على تشغيل الشبكات العصبية.

مع قيام الشركات بتعبئة المزيد من وحدات معالجة الرسومات في مراكز بيانات الكمبيوتر الخاصة بها، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها تحليل المزيد من البيانات.

لكن أفضل وحدات معالجة الرسومات تكلف نحو 40 ألف دولار. كما أنها تحتاج إلى كميات هائلة من الكهرباء، إذ يمكن أن يستهلك إرسال البيانات بين الرقائق طاقة كهربائية أكبر من تشغيل الرقائق نفسها.

«ديب سيك» تخفض التكاليف

* كيف تمكنت «ديب سيك» من خفض التكاليف؟ فعلت الشركة العديد من الأشياء. وأبرزها أنها تبنت طريقة تسمى «مزيج الخبراء mixture of experts».

كانت الشركات عادة ما تنشئ شبكة عصبية واحدة تتعلم جميع الأنماط في جميع البيانات على الإنترنت. وكان هذا مكلفاً، لأنه يتطلب كميات هائلة من البيانات للانتقال بين رقائق وحدة معالجة الرسوميات.

إذا كانت إحدى الرقاقات تتعلم كيفية كتابة قصيدة وكانت أخرى تتعلم كيفية كتابة برنامج كمبيوتر، فلا يزال يتعين عليهما «التحادث» مع بعضهما بعضاً، فقط في الحالة التي يوجد فيها بعض التداخل بين الشعر والبرمجة.

«مزيج الخبراء» - خبير لكل مجال

باستخدام طريقة مزيج الخبراء، حاول الباحثون حل هذه المشكلة عن طريق تقسيم النظام إلى العديد من الشبكات العصبية: واحدة للشعر، وواحدة لبرمجة الكمبيوتر، وواحدة لعلم الأحياء، وواحدة للفيزياء، وهكذا. قد يكون هناك 100 من هذه الأنظمة من «الخبراء» الأصغر. ويمكن لكل خبير التركيز على مجاله الخاص.

وقد واجه العديد من الشركات صعوبة في استخدام هذه الطريقة، لكن «ديب سيك» كانت قادرة على القيام بذلك بشكل جيد. كانت حيلتها هي إقران هذه الأنظمة من «الخبراء» الأصغر بنظام «عام».

كانت هذه الأدوات من «الخبراء» لا تزال بحاجة إلى تبادل بعض المعلومات فيما بينها، وكان «الخبير العام» -الأداة التي تتمتع بفهم لائق ولكن غير مفصل لكل موضوع- قادرةً على المساعدة في تنسيق التفاعلات بين الخبراء.

الأمر أشبه إلى حد ما بقيام محرر بالإشراف على غرفة أخبار مليئة بالمراسلين المتخصصين.

كفاءة «رياضيات» أكثر

* هل حقق هذا كفاءة أكثر؟ ولكن هذا ليس الشيء الوحيد الذي فعلته «ديب سيك» فقد أتقنت أيضاً خدعة بسيطة تتضمن الأعداد العشرية التي يمكن لأي شخص يتذكر فصل الرياضيات في المدرسة الابتدائية أن يفهمها.

هل شمل ذلك الرياضيات؟ هل تتذكر مدرس الرياضيات الذي شرح لك مفهوم النسبة الثابتة «ط»، أو «باي Pi» التي يشار إليها أيضاً بالرمز «π»، وهي رقم لا ينتهي أبداً: 3.14159265358979.

يمكنك استخدام «π» لإجراء حسابات مفيدة، مثل تحديد محيط الدائرة. عندما تقوم بهذه الحسابات، فإنك تختصر π إلى بضعة أعداد عشرية فقط: 3.14. إذا استخدمت هذا الرقم الأبسط، فستحصل على تقدير جيد جداً لمحيط الدائرة.

لقد فعلت شركة «ديب سيك» شيئاً مشابهاً، لكن على نطاق أوسع كثيراً، في تدريب تقنية الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.

إن الرياضيات التي تسمح للشبكة العصبية بتحديد الأنماط في النص هي في الحقيقة مجرد عمليات ضرب - الكثير والكثير والكثير من الضرب - إننا نتحدث عن أشهر من الضرب عبر آلاف الرقائق الحاسوبية.

عادةً ما تقوم الرقائق بضرب الأرقام التي تتسع لـ 16 بت من الذاكرة. لكن «ديب سيك» ضغط كل رقم في 8 بت فقط من الذاكرة، نصف المساحة، أي أنه قام في الأساس بحذف عدة أرقام عشرية من كل رقم.

هذا يعني أن كل حساب كان أقل دقة. لكن هذا لم يكن مهماً. كانت الحسابات دقيقة بما يكفي لإنتاج شبكة عصبية قوية حقاً.

مهارة وإبداع صينيان

*إذن، هل يمكن لأي طالب في المدرسة الثانوية أن يفعل هذا؟ لا. أظهر مهندسو «ديب سيك» في ورقتهم البحثية أنهم كانوا أيضاً جيدين جداً في كتابة التعليمات البرمجية المعقدة للغاية للكمبيوتر والتي تخبر وحدات معالجة الرسوميات بما يجب القيام به. لقد عرفوا كيفية استخراج المزيد من الكفاءة من هذه الرقائق.

قليل من الناس لديهم هذا النوع من المهارة. لكن مختبرات الذكاء الاصطناعي الجادة لديها المهندسون الموهوبون اللازمون لمضاهاة ما فعلته «ديب سيك».

إذن، لماذا لم يفعل الآخرون ذلك بالفعل؟ قد تستخدم بعض مختبرات الذكاء الاصطناعي بعض الحيل نفسها بالفعل، إلا أن الشركات مثل «أوبن إيه آي» لا تكشف دائماً عما تفعله خلف الأبواب المغلقة.

لكن الآخرين فوجئوا بوضوح بعمل «ديب سيك»، إذ إن القيام بما فعلته الشركة الناشئة ليس بالأمر السهل. وتتضمن التجربة اللازمة لإيجاد اختراق مثل هذا ملايين، إن لم يكن المليارات، من الدولارات للإنفاق على الطاقة الكهربائية.

الخوف من خسارة الأموال يقيد الإبداع

بعبارة أخرى، يتطلب الأمر قدراً هائلاً من المخاطر. «عليك أن تخاطر بالكثير من المال لتجربة أشياء جديدة، وغالباً ما تفشل»، كما قال تيم ديتمرز، الباحث في معهد ألين للذكاء الاصطناعي في سياتل، والمتخصص في بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي الفعّالة، وعمل سابقاً باحثاً في مجال الذكاء الاصطناعي في «ميتا».

وأضاف: «لهذا السبب لا نرى الكثير من الإبداع. يخشى الناس خسارة ملايين عدة لمجرد تجربة شيء لا يعمل».

مشاركة الباحثين الصينيين إبداعاتهم

أشار عدد من الخبراء إلى أن مبلغ 6 ملايين دولار الذي حصلت عليه شركة «ديب سيك» غطى فقط ما أنفقته الشركة الناشئة عند تدريب النسخة النهائية من النظام.

وفي ورقتهم البحثية، قال مهندسو «ديب سيك» إنهم أنفقوا أموالاً إضافية على البحث والتجريب قبل الجولة التدريبية النهائية. ولكن الأمر نفسه ينطبق على أي مشروع ذكاء اصطناعي متطور.

لقد أجرت شركة «ديب سيك» تجارب، وأثمرت. والآن، نظراً لأن الشركة الناشئة الصينية تشاركت بأساليبها مع باحثين آخرين في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن طرقها التكنولوجية مؤهلة لتقليل تكلفة بناء أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير.

* خدمة «نيويورك تايمز».


مقالات ذات صلة

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

تكنولوجيا نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

ذكرت دراسة «كاسبرسكي» أن نصف موظفي السعودية تلقوا تدريباً سيبرانياً ما يجعل الأخطاء البشرية مدخلاً رئيسياً للهجمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك في سباق الفضاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار شركة «إس كيه هاينكس» ولوحة أم للكمبيوتر تظهر في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

رئيس «إس كيه» الكورية: صناعة الذكاء الاصطناعي ليست في فقاعة

قال رئيس مجموعة «إس كيه» الكورية الجنوبية، المالكة لشركة «إس كيه هاينكس» الرائدة في تصنيع رقائق الذاكرة، إن أسهم الذكاء الاصطناعي قد تتعرض لضغوط.

«الشرق الأوسط» (سيول)
تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد هاتف ذكي وشاشة كمبيوتر يعرضان شعارَي «واتساب» والشركة الأم «ميتا» في غرب فرنسا (أ.ف.ب)

تحقيق أوروبي في قيود «ميتا» على منافسي الذكاء الاصطناعي عبر «واتساب»

خضعَت شركة «ميتا بلاتفورمز» لتحقيق جديد من جانب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتكار، على خلفية خطتها لإطلاق ميزات ذكاء اصطناعي داخل تطبيق «واتساب».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

بـ40 ألف زائر و25 صفقة استثمارية... «بلاك هات» يُسدل ستار نسخته الرابعة

شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)
شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)
TT

بـ40 ألف زائر و25 صفقة استثمارية... «بلاك هات» يُسدل ستار نسخته الرابعة

شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)
شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)

اختُتمت في ملهم شمال الرياض، الخميس، فعاليات «بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا 2025»، الذي نظمه الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، وشركة «تحالف»، عقب 3 أيام شهدت حضوراً واسعاً، عزّز مكانة السعودية مركزاً عالمياً لصناعة الأمن السيبراني.

وسجّلت نسخة هذا العام مشاركة مكثفة جعلت «بلاك هات 2025» من أبرز الفعاليات السيبرانية عالمياً؛ حيث استقطب نحو 40 ألف زائر من 160 دولة، داخل مساحة بلغت 60 ألف متر مربع، بمشاركة أكثر من 500 جهة عارضة، إلى جانب 300 متحدث دولي، وأكثر من 200 ساعة محتوى تقني، ونحو 270 ورشة عمل، فضلاً عن مشاركة 500 متسابق في منافسات «التقط العلم».

كما سجّل المؤتمر حضوراً لافتاً للمستثمرين هذا العام؛ حيث بلغت قيمة الأصول المُدارة للمستثمرين المشاركين نحو 13.9 مليار ريال، الأمر الذي يعكس جاذبية المملكة بوصفها بيئة محفّزة للاستثمار في تقنيات الأمن السيبراني، ويؤكد تنامي الثقة الدولية بالسوق الرقمية السعودية.

وأظهرت النسخ السابقة للمؤتمر في الرياض تنامي المشاركة الدولية؛ حيث بلغ إجمالي المشاركين 4100 متسابق، و1300 شركة عالمية، و1300 متخصص في الأمن السيبراني، في مؤشر يعكس اتساع التعاون الدولي في هذا القطاع داخل المملكة.

إلى جانب ذلك، تم الإعلان عن أكثر من 25 صفقة استثمارية، بمشاركة 200 مستثمر و500 استوديو ومطور، بما يُسهم في دعم بيئة الاقتصاد الرقمي، وتعزيز منظومة الشركات التقنية الناشئة.

وقال خالد السليم، نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز لـ«الشرق الأوسط»: «إن (بلاك هات) يُحقق تطوّراً في كل نسخة عن النسخ السابقة، من ناحية عدد الحضور وعدد الشركات».

أظهرت النسخ السابقة للمؤتمر في الرياض تنامي المشاركة الدولية (بلاك هات)

وأضاف السليم: «اليوم لدينا أكثر من 350 شركة محلية وعالمية من 162 دولة حول العالم، وعدد الشركات العالمية هذا العام زاد بنحو 27 في المائة على العام الماضي».

وسجّل «بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا» بنهاية نسخته الرابعة، دوره بوصفه منصة دولية تجمع الخبراء والمهتمين بالأمن السيبراني، وتتيح تبادل المعرفة وتطوير الأدوات الحديثة، في إطار ينسجم مع مسار السعودية نحو تعزيز كفاءة القطاع التقني، وتحقيق مستهدفات «رؤية 2030».


دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)
نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)
TT

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)
نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)

أظهرت دراسة حديثة أجرتها شركة «كاسبرسكي» في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا، ونُشرت نتائجها خلال معرض «بلاك هات 2025» في الرياض، واقعاً جديداً في بيئات العمل السعودية.

فقد كشف الاستطلاع، الذي حمل عنوان «الأمن السيبراني في أماكن العمل: سلوكيات الموظفين ومعارفهم»، أن نصف الموظفين فقط في المملكة تلقّوا أي نوع من التدريب المتعلق بالتهديدات الرقمية، على الرغم من أن الأخطاء البشرية ما زالت تمثل المدخل الأبرز لمعظم الحوادث السيبرانية.

وتشير هذه النتائج بوضوح إلى اتساع فجوة الوعي الأمني، وحاجة المؤسسات إلى بناء منظومة تدريبية أكثر صرامة وشمولاً لمختلف مستويات الموظفين.

تكتيكات تتجاوز الدفاعات التقنية

تُظهر البيانات أن المهاجمين باتوا يعتمدون بشكل متزايد على الأساليب المستهدفة التي تستغل الجانب النفسي للأفراد، وعلى رأسها «الهندسة الاجتماعية».

فعمليات التصيّد الاحتيالي ورسائل الانتحال المصممة بعناية قادرة على خداع الموظفين ودفعهم للإفصاح عن معلومات حساسة أو تنفيذ إجراءات مالية مشبوهة.

وقد أفاد 45.5 في المائة من المشاركين بأنهم تلقوا رسائل احتيالية من جهات تنتحل صفة مؤسساتهم أو شركائهم خلال العام الماضي، فيما تعرّض 16 في المائة منهم لتبعات مباشرة جراء هذه الرسائل.

وتشمل صور المخاطر الأخرى المرتبطة بالعنصر البشري كلمات المرور المخترقة، وتسريب البيانات الحساسة، وعدم تحديث الأنظمة والتطبيقات، واستخدام أجهزة غير مؤمنة أو غير مُشفّرة.

الأخطاء البشرية مثل كلمات المرور الضعيفة وتسريب البيانات وعدم تحديث الأنظمة تشكل أبرز أسباب الاختراقات (شاترستوك)

التدريب... خط الدفاع الأول

ورغم خطورة هذه السلوكيات، يؤكد الاستطلاع أن الحد منها ممكن بدرجة كبيرة عبر برامج تدريب موجهة ومستمرة.

فقد اعترف 14 في المائة من المشاركين بأنهم ارتكبوا أخطاء تقنية نتيجة نقص الوعي الأمني، بينما أشار 62 في المائة من الموظفين غير المتخصصين إلى أن التدريب يعدّ الوسيلة الأكثر فاعلية لتعزيز وعيهم، مقارنة بوسائل أخرى مثل القصص الإرشادية أو التذكير بالمسؤولية القانونية.

ويبرز هذا التوجه أهمية بناء برامج تدريبية متكاملة تشكل جزءاً أساسياً من الدفاع المؤسسي ضد الهجمات.

وعند سؤال الموظفين عن المجالات التدريبية الأكثر أهمية لهم، جاءت حماية البيانات السرية في صدارة الاهتمامات بنسبة 43.5 في المائة، تلتها إدارة الحسابات وكلمات المرور (38 في المائة)، وأمن المواقع الإلكترونية (36.5 في المائة).

كما برزت موضوعات أخرى مثل أمن استخدام الشبكات الاجتماعية وتطبيقات المراسلة، وأمن الأجهزة المحمولة، والبريد الإلكتروني، والعمل عن بُعد، وحتى أمن استخدام خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

واللافت أن ربع المشاركين تقريباً أبدوا رغبتهم في تلقي جميع أنواع التدريب المتاحة، ما يعكس حاجة ملحة إلى تعليم شامل في الأمن السيبراني.

«كاسبرسكي»: المؤسسات بحاجة لنهج متكامل يجمع بين حلول الحماية التقنية وبناء ثقافة أمنية تُحوّل الموظفين إلى خط دفاع فعّال (شاترستوك)

تدريب عملي ومتجدد

توضح النتائج أن الموظفين مستعدون لاكتساب المهارات الأمنية، لكن يُشترط أن تكون البرامج التدريبية ذات طابع عملي وتفاعلي، وأن تُصمَّم بما يتناسب مع أدوار الموظفين ومستوى خبراتهم الرقمية. كما ينبغي تحديث المحتوى بانتظام ليتوافق مع تطور التهديدات.

ويؤدي تبني هذا النهج إلى ترسيخ ممارسات يومية مسؤولة لدى الموظفين، وتحويلهم من نقطة ضعف محتملة إلى عنصر دفاعي فاعل داخل المؤسسة، قادر على اتخاذ قرارات أمنية واعية وصد محاولات الاحتيال قبل تصعيدها.

وفي هذا السياق، يؤكد محمد هاشم، المدير العام لـ«كاسبرسكي» في السعودية والبحرين، أن الأمن السيبراني «مسؤولية مشتركة تتجاوز حدود أقسام تقنية المعلومات».

ويشير إلى أن بناء مؤسسة قوية يتطلب تمكين جميع الموظفين من الإدارة العليا إلى المتدربين من فهم المخاطر الرقمية والتصرف بوعي عند مواجهتها، وتحويلهم إلى شركاء حقيقيين في حماية البيانات.

تقوية دفاعات المؤسسات

ولتقوية دفاعاتها، تنصح «كاسبرسكي» أن تعتمد المؤسسات نهجاً متكاملاً يجمع بين التكنولوجيا والمهارات البشرية واستخدام حلول مراقبة وحماية متقدمة مثل سلسلة «Kaspersky Next» وتوفير برامج تدريبية مستمرة مثل منصة «كاسبرسكي» للتوعية الأمنية الآلية، إضافة إلى وضع سياسات واضحة تغطي كلمات المرور وتثبيت البرمجيات وتجزئة الشبكات.

وفي الوقت نفسه، يساعد تعزيز ثقافة الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة ومكافأة السلوكيات الأمنية الجيدة في خلق بيئة عمل أكثر يقظة واستعداداً.

يذكر أن هذا الاستطلاع أُجري في عام 2025 بواسطة وكالة «Toluna»، وشمل 2,800 موظف وصاحب عمل في سبع دول، بينها السعودية والإمارات ومصر، ما يقدم صورة إقليمية شاملة حول مستوى الوعي والتحديات المرتبطة بالأمن السيبراني في أماكن العمل.


تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)
سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)
TT

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)
سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك، مؤسس «سبيس إكس»، في سباق الفضاء.

وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال»، الخميس، بأن ألتمان يدرس شراء أو الشراكة مع مزود خدمات إطلاق صواريخ قائم بتمويل.

وأشار التقرير إلى أن هدف ألتمان هو دعم مراكز البيانات الفضائية لتشغيل الجيل القادم من أنظمة الذكاء الاصطناعي.

كما أفادت الصحيفة بأن ألتمان قد تواصل بالفعل مع شركة «ستوك سبيس»، وهي شركة صواريخ واحدة على الأقل، ومقرها واشنطن، خلال الصيف، واكتسبت المحادثات زخماً في الخريف.

ومن بين المقترحات سلسلة استثمارات بمليارات الدولارات من «أوبن إيه آي»، كان من الممكن أن تمنح الشركة في نهاية المطاف حصة مسيطرة في شركة الصواريخ.

وأشار التقرير إلى أن هذه المحادثات هدأت منذ ذلك الحين، وفقاً لمصادر مقربة من «أوبن إيه آي».

ووفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال»، جاء تواصل ألتمان مع شركة الصواريخ في الوقت الذي تواجه فيه شركته تدقيقاً بشأن خططها التوسعية الطموحة.

ودخلت «أوبن إيه آي» بالتزامات جديدة بمليارات الدولارات، على الرغم من عدم توضيحها لكيفية تمويلها عملية التوسعة الكبيرة.

في وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن ألتمان حالة من القلق الشديد على مستوى الشركة بعد أن بدأ برنامج «شات جي بي تي» يتراجع أمام روبوت الدردشة «جيميني» من «غوغل»؛ ما دفع «أوبن إيه آي» إلى تأجيل عمليات الإطلاق الأخرى، وطلب من الموظفين تحويل فرقهم للتركيز على تحسين منتجها الرائد.

يرى ألتمان أن اهتمامه بالصواريخ يتماشى مع فكرة أن طلب الذكاء الاصطناعي على الطاقة سيدفع البنية التحتية للحوسبة إلى خارج الأرض.

لطالما كان من دعاة إنشاء مراكز بيانات فضائية لتسخير الطاقة الشمسية في الفضاء مع تجنب الصعوبات البيئية على الأرض.

تشارك كل من ماسك وجيف بيزوس وسوندار بيتشاي، رئيس «غوغل»، الأفكار نفسها.

تُطوّر شركة «ستوك سبيس»، التي أسسها مهندسون سابقون في «بلو أوريجين»، صاروخاً قابلاً لإعادة الاستخدام بالكامل يُسمى «نوفا»، والذي تُشير التقارير إلى أنه يُطابق ما تسعى «سبيس إكس» إلى تحقيقه.

الملياردير الأميركي إيلون ماسك (أ.ف.ب)

وأشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أن الشراكة المقترحة كانت ستُتيح لألتمان فرصةً مُختصرةً لدخول قطاع الإطلاق الفضائي.

تُسلّط محادثات ألتمان الضوء على التنافس المستمر بينه وبين ماسك. فقد شارك الاثنان في تأسيس شركة «أوبن إيه آي» عام 2015، ثم اختلفا حول توجه الشركة، ليغادر ماسك بعد ثلاث سنوات.

ومنذ ذلك الحين، أطلق ماسك شركته الخاصة للذكاء الاصطناعي، xAI، بينما وسّع ألتمان طموحات «أوبن إيه آي»، ودعم مؤخراً مشاريع تُنافس مشاريع ماسك مباشرةً، بما في ذلك شركة ناشئة تُعنى بالدماغ والحاسوب.

ألمح ألتمان إلى طموحاته في مجال الفضاء في وقت سابق من هذا العام، وقال: «أعتقد أن الكثير من العالم يُغطى بمراكز البيانات بمرور الوقت. ربما نبني كرة دايسون كبيرة حول النظام الشمسي ونقول: مهلاً، ليس من المنطقي وضع هذه على الأرض».

ثم في يونيو (حزيران)، تساءل: «هل ينبغي لي أن أؤسس شركة صواريخ؟»، قبل أن يضيف: «آمل أن تتمكن البشرية في نهاية المطاف من استهلاك قدر أكبر بكثير من الطاقة مما يمكننا توليده على الأرض».