موسكو مستعدة للمساهمة في إعمار سوريا... وقنوات الاتصال «فعالة»

ارتياح روسي لاحتمال التوصل إلى توافقات على ترتيب العلاقة الجديدة

جانب من لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في دمشق نهاية يناير الماضي (روسيا اليوم)
جانب من لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في دمشق نهاية يناير الماضي (روسيا اليوم)
TT

موسكو مستعدة للمساهمة في إعمار سوريا... وقنوات الاتصال «فعالة»

جانب من لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في دمشق نهاية يناير الماضي (روسيا اليوم)
جانب من لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في دمشق نهاية يناير الماضي (روسيا اليوم)

برز ارتياح في لهجة دبلوماسيين روس تجاه عمل قنوات الحوار مع السلطات السورية، واحتمال التوصل إلى توافقات على آليات ترتيب العلاقة الجديدة بين موسكو ودمشق. وبالتوازي مع صدور إشارات عن أوساط روسية بشأن المجالات التي يمكن أن تسهم بها روسيا في دعم الاستقرار وعمليات إعادة البناء في سوريا، أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن موسكو مستعدة لتقديم «المساعدة اللازمة» للدفع بعمليات خروج سوريا من مرحلة ما بعد الأزمة.

وزير الدفاع في الإدارة السورية مرهف أبو قصرة (رويترز)

اللافت أن الحديث جاء بعد تردد معطيات في وسائل الإعلام الحكومية عن إحراز تقدم في الحوارات الجارية بدمشق بشأن كل الملفات المطروحة؛ بما فيها وجود القواعد العسكرية الروسية في سوريا. ورغم أن تلك المعطيات لم توضح تفاصيل الحوارات الجارية، فإن تصريحات وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، قبل يومين، من أن بلاده «منفتحة على السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها الجوية والبحرية على طول الساحل السوري، ما دام أن أي اتفاق مع الكرملين يخدم مصالح سوريا ويحقق المكاسب»، جاءت متطابقة مع اللهجة الروسية التي تحدثت عن قرب التوصل إلى توافقات بين الطرفين.

وكان أبو قصرة قد قال، في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست»، إن موقف روسيا تجاه الحكومة السورية الجديدة قد «تحسن بشكل ملحوظ» منذ سقوط بشار الأسد، مشيراً إلى أن دمشق تدرس المطالب الروسية.

وأوضح أنه «في السياسة؛ لا يوجد أعداء دائمون». ورداً على سؤال عمّا إذا كانت روسيا ستُمنح الحق في الاحتفاظ بقاعدتها البحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، قال أبو قصرة: «إذا حصلنا على مكاسب لمصلحة سورية من ذلك؛ فنعم».

مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا (سبوتنيك)

في هذا الإطار، أعرب نيبينزيا، الاثنين، عن الارتياح لعمل قنوات الاتصال مع الحكومة السورية، ووصفها بأنها «فعالة». وزاد أن بلاده تحتفظ بـ«قنوات عمل للاتصال» مع السلطات السورية الجديدة؛ بينها قناة اتصال أيضاً مع رئيس البعثة السورية لدى الأمم المتحدة.

علاقة اختبرها الزمن

وأضاف نيبينزيا، في حديث لوكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية: «بعد تغيير السلطة في سوريا، جرى الحفاظ على الوجود الدبلوماسي الروسي في هذا البلد. يواصل سفيرنا عمله في دمشق. يجري الحفاظ على قنوات اتصال فعالة مع السلطات السورية الجديدة. هنا في نيويورك نتواصل أيضاً مع زملائنا الذين نعرفهم جيداً من البعثة الدائمة السورية، والذين يتلقون التعليمات من دمشق».

ولفت نيبينزيا كذلك الانتباه إلى الزيارة الأخيرة التي أجراها نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، إلى دمشق، حيث التقى بممثلي السلطات السورية الجديدة.

وقال: «من المهم أنه جرى خلال المباحثات التأكيد على الالتزام بمواصلة بناء التعاون الثنائي متعدد الأوجه على أساس مبادئ الصداقة التقليدية والاحترام المتبادل. وجرى الاتفاق على مواصلة الاتصالات الثنائية».

وتابع الدبلوماسي الروسي: «أود أن أؤكد أن صداقة روسيا مع الشعب السوري اختبرها الزمن، ولا تعتمد على الوضع السياسي. نحن مستعدون لمواصلة تقديم المساعدة اللازمة للسوريين في عملية إعادة إعمار بلادهم بعد الأزمة. نحن مقتنعون بأن الشعب السوري قادر على التعامل بشكل مستقل مع التحديات التي يواجهها، دون تدخل خارجي».

وأعرب عن اهتمام روسيا بأن تلعب الأمم المتحدة دوراً إيجابياً في دعم العملية السياسية ضمن إطار حوار شامل بمشاركة كامل طيف القوى السياسية والمجموعات العرقية والدينية في سوريا.

مقاتلون تابعون للقيادة السورية الجديدة في نقطة تفتيش عند مدخل قاعدة حميميم العسكرية بمحافظة اللاذقية يوم 29 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

في السياق، نشرت صحيفة «فزغلياد» الروسية واسعة الانتشار، دراسة أجراها سيرغي ليبيديف، وهو باحث روسي مختص في قضايا المنطقة، رأى فيها أن الأساس الرئيسي لتعاون روسيا مع السلطات السورية الجديدة، هو «الانتقال إلى مبدأ سيادة القانون في صنع القرار... وإذا تحقق هذا الشرط، فإن فرص المناورات الدبلوماسية تصبح مفتوحة. ومع ذلك، حتى لو انزلقت سوريا إلى الفوضى، فإن روسيا لا تزال تملك أوراقاً رابحة تسمح لها بحماية مصالحها».

وأشار إلى أن «اتصالات دبلوماسية مكثفة للغاية تجرى بين روسيا والسلطات الجديدة في سوريا». وزاد أنه «رغم أن البيانات الصحافية الصادرة عن وزارة الخارجية بشأن القضية السورية كانت حتى الآن مختصرة، عمداً، فإنه من الآمن أن نفترض أن الدبلوماسيين ناقشوا مصير القواعد العسكرية الروسية وإمكانية المساعدة في إعادة إعمار سوريا».

صورة ملتقطة من سفينة قريبة تظهر دخاناً يتصاعد من حريق على متن سفينة التجسس الروسية «كيلدين» قبالة سواحل سوريا في 23 يناير (أ.ب)

ولوح الباحث بأوراق تحتفظ بها موسكو للتأثير على مسار المفاوضات مع الحكومة السورية، بينها ملف العقوبات، وقال: «رغم المبادرات الواضحة التي قدمها عدد من الدول الغربية، فإن الحكومة السورية الجديدة؛ المتهمة بأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتشدد الإسلامي، تحتاج إلى دعم دبلوماسي كبير. وهذا يفتح المجال لبناء علاقات مفيدة للطرفين، الأمر الذي سوف يسمح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها، وللحكومة السورية الجديدة بالحصول على الشرعية الدولية اللازمة، وربما إزالتها من القوائم السوداء الدولية»، ملوحاً بأنه «في حال عدم تمكن السلطات الجديدة في دمشق من التوصل إلى اتفاق، فقد تدرس روسيا نظرياً أيضاً خيار استخدام حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للحفاظ على العقوبات المفروضة على سوريا منذ عهد بشار الأسد».

منظر عام لقاعدة طرطوس البحرية (رويترز)

ومع هذا الملف، أشار إلى حاجة دمشق إلى الموارد اللازمة لإعادة بناء البلاد. وزاد: «هنا أيضاً يمكن لروسيا أن تقدم خدماتها (...). ويشير الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى الحاجة لنحو 500 مليار دولار. ومن الواضح، على الرغم من كل الإرادة السياسية والمشاركة، أنه سوف يكون من الصعب على أنقرة أن تنجح في تنفيذ هذا المشروع بمفردها، كما هي الحال بالنسبة إلى لاعبين آخرين في الشرق الأوسط. وهذا يفتح نافذة مهمة من الفرص أمام روسيا على الرغم من انشغالها بالأزمة الأوكرانية».

وأوضح: «حقيقة أن وزير الصحة السوري الجديد ماهر الشرع (شقيق الزعيم السوري الحالي أحمد الشرع) كان حاضراً في الاجتماع بدمشق، تشير إلى أن دمشق لا تحتاج إلى المال فقط؛ بل إلى الخبرة أيضاً في إدارة القطاع الصحي، وهذا أحد المجالات التي يمكن أن تلعب فيها روسيا دوراً، كما في عدد من القطاعات الأخرى».

وقال ليبيديف، إن السلطات السورية «تدرس خيار استقطاب المختصين الروس، وهي بحاجة أيضاً إلى الوقود والمواد الخام. بالنسبة إلى الكرملين، سيكون هذا الخيار هو الأسهل؛ لأنه سيسمح بإنفاق الحد الأدنى من العملة الصعبة».

أيضاً أشار إلى عنصر آخر من المساعدة الروسية للسلطات الجديدة، يتمثل في التوجه نحو شطب الالتزامات المالية عن دمشق. وقال إنه وفقاً لـ«البنك الدولي»، تمثل الديون المستحقة لروسيا نحو 15 في المائة من إجمالي الديون الخارجية على سوريا؛ أي أكثر من اليابان التي كانت منذ مدة طويلة من الدائنين الدوليين الرئيسيين، وأكثر من ألمانيا، و«يبدو أن التنازل عن هذا الدين سيكون أكبر فائدةً من محاولة تحصيله».


مقالات ذات صلة

حاكم مصرف سوريا المركزي يدعو لدعم الليرة الجديدة

الاقتصاد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية (إكس)

حاكم مصرف سوريا المركزي يدعو لدعم الليرة الجديدة

أكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، أن الليرة الجديدة ليست مجرد وسيلة تبادل، بل رمز لنجاح الثورة السورية، والانتماء، والثقة بالقدرة على النهوض.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي علم سوريا خلال احتفالات مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد وسط حماة (أرشيفية - أ.ف.ب)

سوري يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر في حماة

لقي خمسة أشخاص من عائلة واحدة سورية حتفهم مساء الجمعة داخل منزلهم في ظروف غامضة بحي البياض في مدينة حماة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي أرشيفية لسيارات تصطفّ لدخول لبنان بعد الإطاحة ببشار الأسد بالقرب من الحدود اللبنانية السورية (رويترز)

اعتقال 12 شخصاً بينهم ضباط مرتبط بنظام الأسد على الحدود السورية اللبنانية

ألقت وحدات حرس الحدود السورية، في وقى متأخر من يوم أمس (الجمعة)، القبض على 12 شخصاً بينهم عناصر وضباط لديهم ارتباط بالنظام السابق على الحدود السورية اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عناصر من الشرطة السورية خلال عملية أمنية ضد خلية لـ«داعش» في حلب (الداخلية السورية)

اشتباكات بين «قسد» والقوات الحكومية في حلب

أفاد التلفزيون السوري بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) على حاجز أمني في مدينة حلب.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي آثار الانفجار في مسجد علي بن أبي طالب بحمص (د.ب.أ) play-circle

إدانات واسعة للهجوم الإرهابي على مسجد في حمص السورية

أدانت السعودية والإمارات والعراق وتركيا والأردن ولبنان وقطر ومجلس التعاون الخليجي، الجمعة، الهجوم «الإرهابي» على مسجد في حي وادي الذهب بمدينة حمص السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

إنقاذ أكثر من 840 مهاجراً في 5 أيام جنوب جزيرة كريت

مهاجرون يُنتظَر نقلهم إلى ميناء أجيا غاليني بعد إنقاذهم من قبل جهاز خفر السواحل اليوناني في جزيرة كريت الأسبوع الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
مهاجرون يُنتظَر نقلهم إلى ميناء أجيا غاليني بعد إنقاذهم من قبل جهاز خفر السواحل اليوناني في جزيرة كريت الأسبوع الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

إنقاذ أكثر من 840 مهاجراً في 5 أيام جنوب جزيرة كريت

مهاجرون يُنتظَر نقلهم إلى ميناء أجيا غاليني بعد إنقاذهم من قبل جهاز خفر السواحل اليوناني في جزيرة كريت الأسبوع الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
مهاجرون يُنتظَر نقلهم إلى ميناء أجيا غاليني بعد إنقاذهم من قبل جهاز خفر السواحل اليوناني في جزيرة كريت الأسبوع الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)

أنقذ أفراد خفر السواحل اليونانيون أكثر من 840 مهاجراً في 5 أيام جنوب جزيرة كريت، بحسب ما أفاد «وكالة الصحافة الفرنسية» المتحدثُ باسم شرطة الميناء.

وقال المتحدث إنّ أفراد خفر السواحل أنقذوا، صباح اليوم (السبت)، 131 مهاجراً قبالة سواحل جنوب كريت.

وأمس (الجمعة)، أُنقذ 395 شخصاً آخرين ممَّن يسعون للوصول إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك قبالة جزيرة غافدوس الصغيرة جنوب كريت.

وعُثر على المهاجرين، اليوم (السبت)، على متن قارب صيد مبحر على بعد 14 ميلاً بحرياً جنوب غافدوس، وأُنقذوا بواسطة قاربين تابعين لخفر السواحل. ونُقل المهاجرون الذي لم تُحدَّد جنسياتهم إلى ميناء غافدوس.

ويحاول كثير من المهاجرين القيام بالعبور المحفوف بالمخاطر بين تركيا والجزر اليونانية، أو من ليبيا إلى كريت، حيث تتكرَّر حوادث الغرق.

وفي بداية ديسمبر (كانون الأول)، عُثر على جثث 17 شخصاً، معظمهم سودانيون ومصريون، بعد غرق زورقهم قبالة سواحل كريت، وأُبلغ عن فقدان 15 آخرين. ولم ينجُ سوى شخصين.

وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد وصل أكثر من 16770 شخصاً إلى جزيرة كريت منذ بداية السنة، وهو رقم يفوق بكثير عدد المهاجرين الواصلين إلى أي جزيرة أخرى في بحر إيجه.

وفي يوليو (تموز)، علّقت حكومة كيرياكوس ميتسوتاكيس المحافظة عمليةً مراجعة طلبات اللجوء لمدة 3 أشهر، خصوصاً طلبات الأشخاص القادمين إلى جزيرة كريت من ليبيا.

ووصف رئيس الحكومة هذا الإجراء بأنّه «ضروري للغاية» في مواجهة الزيادة في تدفقات المهاجرين. من جهة أخرى، قال وزير الهجرة، وهو عضو في حزب يميني متطرّف تم حلّه، إنّ اليونان «ليست فندقاً» للأشخاص الساعين إلى اللجوء. وقال مراراً متوجهاً إلى المهاجرين: «ليس مرحّباً بكم هنا».


الشرطة الإيطالية توقف 7 أشخاص للاشتباه بتمويلهم «حماس»

أفراد من الشرطة الإيطالية خارج مقر جمعية داعمة للفلسطينيين في مدينة ميلانو (أ.ب)
أفراد من الشرطة الإيطالية خارج مقر جمعية داعمة للفلسطينيين في مدينة ميلانو (أ.ب)
TT

الشرطة الإيطالية توقف 7 أشخاص للاشتباه بتمويلهم «حماس»

أفراد من الشرطة الإيطالية خارج مقر جمعية داعمة للفلسطينيين في مدينة ميلانو (أ.ب)
أفراد من الشرطة الإيطالية خارج مقر جمعية داعمة للفلسطينيين في مدينة ميلانو (أ.ب)

أعلنت الشرطة الإيطالية، اليوم السبت، توقيف 7 أشخاص للاشتباه بتورطهم في تمويل حركة «حماس». وأفادت بأنّ شخصين آخرين مشمولين في التحقيق نفسه، مطلوبان بموجب مذكرة توقيف دولية، وهما موجودان حالياً خارج البلاد.

وقالت في بيان إن 3 جمعيات تقول إنها داعمة للشعب الفلسطيني لكنها في الواقع تُستخدم غطاءً لتمويل «حماس»، مشمولة أيضاً بالتحقيق. وأوضحت أنّ الأشخاص التسعة متّهمون بتمويل جمعيات مقراتها في غزة والأراضي الفلسطينية وإسرائيل، تابعة لـ«حماس» أو مرتبطة بها، بمبلغ إجمالي يبلغ نحو 7 ملايين يورو (8,24 مليون دولار). وقُدِّم هذا الدعم المالي لـ«أفراد من عائلات أشخاص متورطين في هجمات إرهابية».

وبينما كان الهدف الرسمي للجمعيات الثلاث جمع التبرعات لـ«أغراض إنسانية للشعب الفلسطيني»، خُصِّص جزء كبير منها، أكثر من 71 في المائة، لتمويل حركة «حماس» مباشرة أو كيانات تابعة لها، حسب الشرطة.

ومن بين الموقوفين رئيس جمعية الفلسطينيين في إيطاليا محمد حنون، حسب تقارير إعلامية.

وأوضحت السلطات الإيطالية أنّ الجمعيات الثلاث هي جزء من «مشروع استراتيجي للحركة الرئيسية (حماس) صممت هيكلاً معقّداً يضم خلايا تعمل في الخارج، قادرة على المساهمة في تحقيق أهدافها».

وقال وزير الداخلية، ماتيو بيانتيدوسي، عبر منصة «إكس»: «هذه عملية مهمة جداً لأنها أتاحت كشف سلوكيات وأنشطة أخفت تحت ستار مبادرات لصالح الشعب الفلسطيني، دعماً لمنظمات تضم إرهابيين».


أوروبا تائهة بين السعي للاستقلالية والحاجة إلى مظلة أميركية

الرئيس دونالد ترمب متحدثاً في تجمع حاشد في مركز روكي ماونت (كارولينا الشمالية) يوم 19 ديسمبر عن خططه لخفض تكلفة السلع الأساسية (أ.ف.ب)
الرئيس دونالد ترمب متحدثاً في تجمع حاشد في مركز روكي ماونت (كارولينا الشمالية) يوم 19 ديسمبر عن خططه لخفض تكلفة السلع الأساسية (أ.ف.ب)
TT

أوروبا تائهة بين السعي للاستقلالية والحاجة إلى مظلة أميركية

الرئيس دونالد ترمب متحدثاً في تجمع حاشد في مركز روكي ماونت (كارولينا الشمالية) يوم 19 ديسمبر عن خططه لخفض تكلفة السلع الأساسية (أ.ف.ب)
الرئيس دونالد ترمب متحدثاً في تجمع حاشد في مركز روكي ماونت (كارولينا الشمالية) يوم 19 ديسمبر عن خططه لخفض تكلفة السلع الأساسية (أ.ف.ب)

إذا كانت الشكوك ما زالت تساور القادة الأوروبيين حول نظرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإدارته الجمهورية للقارة القديمة، فإن وثيقة «استراتيجية الأمن القومي» التي نشرت في 5 ديسمبر (كانون الأول) تقطع الشك باليقين لأنها تُظهر، وبلغة فجة غير مسبوقة، الازدراء الأميركي للحليف الأوروبي أكان في إطار الاتحاد الأوروبي أم في إطار الحلف الأطلسي.

فالوثيقة الاستراتيجية التي تنشر عادة مع بداية كل عهد أميركي جديد، يراد لها أن تؤطر العلاقات الأميركية - الأوروبية للسنوات القادمة.

من هنا، يفترض بها وبالمضمون الذي حملته أن تزيل الأوهام الأوروبية في السياقات السياسية والدبلوماسية والاستراتيجية والاقتصادية والتجارية والثقافية. فالفقرات التي تضمنتها بخصوص أوروبا جاءت صادمة. والأسوأ أنها جاءت في وقت تحتاج فيه أوروبا لـ«الشريك» الأميركي لأنها غير قادرة، بقواها الذاتية، أن تضع حداً للحرب الأوكرانية التي تدق أبوابها، فيما تعتبر أنها تتعرض لتهديد روسي وجودي. لا بل ثمة أصوات صدرت من ألمانيا وفرنسا وبولندا ومن دول بحر البلطيق تحذر من أن الرئيس فلاديمير بوتين المقدر له أن يبقى في السلطة حتى عام 2036 لن يتردد في مهاجمة أوروبا في فترة زمنية لا تتجاوز نهاية العقد الجاري؛ ما يحتّم على الأوروبيين التأهب وتعظيم قدراتهم، خصوصاً أن ثقتهم بالحلف الأطلسي وبالمادة الخامسة منه تتلاشى.

وللتذكير، فإن حرفية المادة الخامسة من معاهدة الحلف تنص على ما يلي: «يعتبر أي هجوم مسلح على أحد الأطراف في أوروبا أو أميركا الشمالية هجوماً على جميع الأعضاء، ويوافق كل طرف على أنه إذا وقع هجوم مسلح من هذا القبيل، فإن كل عضو، بمفرده أو بالتعاون مع الآخرين، سيقوم باتخاذ ما يراه ضرورياً، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، لاستعادة وسلامة أمن المنطقة الأطلسية. ويتفق الأطراف على أن أي تدخل من هذا النوع يُتخذ فوراً بعد وقوع الهجوم، وسيتم الإبلاغ عنه فورياً إلى مجلس الأمن الدولي وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة».

انحسار المظلة الأميركية

يريد الرئيس ترمب، من خلال الوثيقة الاستراتيجية، إفهام الأوروبيين أن زمن الاستكانة للمظلة الأميركية - الأطلسية قد ولى إلى غير رجعة، وأن عليهم بالتالي أن يتحملوا عبء الدفاع عن أنفسهم. ويبرز ذلك بوضوح من خلال الفقرة التالية من الوثيقة المذكورة، التي تنص على «تمكين أوروبا من الاعتماد على نفسها والعمل كمجموعة من الدول المتحالفة ذات السيادة، بما في ذلك تحمل المسؤولية الأساسية عن دفاعها الخاص، دون الرضوخ لهيمنة أي قوة معادية».

ملف أوكرانيا يثير خلافات أميركية - أوروبية (أ.ب)

في لقاء خاص بـ«الشرق الأوسط»، يُرجع البروفسور برتراند بادي، صاحب العديد من المؤلفات في العلاقات الدولية والمحاضر السابق في معهد العلوم السياسية في باريس، تحول النظرة الأميركية للحلف إلى أن ترمب «لم يعد يعتبره مربحاً» لبلاده وأن التحالف بين ضفتي الأطلسي «أصبح مكلفاً ومعوقاً لواشنطن». وإذا كان «الحلف» زمن الحرب الباردة، قد «مكّن الولايات المتحدة من فرض هيمنتها على الغرب وعلى جزء من العالم في وقت لم يكن قد ظهر ما يسمى الجنوب الشامل»، فإن انهيار حلف وارسو وتفكك الاتحاد السوفياتي «سمحا للأوروبيين التحرر نوعاً ما من الهيمنة الأميركية»؛ إذ إن روسيا لم تعد تخيفهم. لذا، أخذ الحليف الأميركي يعتبر أن «حماية أوروبا، من جهة، مكلفة، ومن جهة ثانية، مضرة بالمصالح الأميركية آيديولوجياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وبرؤيتها «الجديدة» للعالم. من هنا، تأكيد ترمب على أنه يتعين على أوروبا أن تتولى حماية نفسها وزيادة إنفاقها الدفاعي.

الهجوم على أوروبا

جاء في حرفية الوثيقة الاستراتيجية عن أوروبا ما يلي: «اعتاد المسؤولون الأميركيون على النظر إلى المشكلات الأوروبية من زاوية انخفاض الإنفاق العسكري والركود الاقتصادي. وهذا صحيح، لكن المشكلات الحقيقية أعمق بكثير. فقد فقدت أوروبا القارية حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي؛ إذ انخفضت من 25 في المائة في عام 1990 إلى 14 في المائة اليوم، جزئياً بسبب القوانين الوطنية والعابرة للحدود (أي قوانين الاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة الدولية) التي تقوّض الإبداع وروح المبادرة». وتضيف الوثيقة: «لكن هذا التراجع الاقتصادي يتلاشى أمام النظرة الواقعية الأكثر قتامة، وهي احتمال محو الهوية الحضارية. فالمشكلات الكبرى التي تواجه أوروبا تتعلق بأنشطة الاتحاد الأوروبي وغيرها من الهيئات العابرة للحدود، والتي تقوّض الحرية السياسية والسيادة؛ بسياسات الهجرة التي تغيّر القارة وتخلق صراعات؛ بفرض الرقابة على حرية التعبير وقمع المعارضة السياسية؛ بانخفاض معدلات الولادة وفقدان الهويات الوطنية والثقة بالنفس». وبخصوص الحلف الأطلسي، ترى الوثيقة أنه «من المرجّح أنه، في غضون بضعة عقود، سيصبح أعضاء الحلف في أغلبيتهم غير أوروبيين... ونريد أن تبقى أوروبا أوروبية وأن تستعيد الإيمان الذي كانت تتمتع به بحضارتها». ويذهب النص إلى حدّ أنه لا يرى «سبباً كبيراً للأمل» للقارة القديمة إلا في «تقدم الأحزاب الوطنية الأوروبية» أي عملياً الأحزاب اليمينية المتطرفة كما في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وتدعو الوثيقة، صراحة، إلى «تصحيح المسار الحالي».

رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا (أ.ف.ب)

إشكالية السيادة

تختصر هذه الفقرة لب الرؤية الترمبية لأوروبا. ولمزيد من الإيضاح، لم يتردد ترمب في اتهام القادة الأوروبيين، في مقابلة بتاريخ 9 ديسمبر، مع موقع «بوليتيكو» بأنهم «ضعفاء» ودولهم «في حالة تدهور»، لا بل اعتبر أن «الكثير منها لن يكون قابلاً للاستمرار» في حال لم يغيروا سياستهم إزاء الهجرات. وما كان للأوروبيين أن يبقوا صامتين إزاء نزوع ترمب للتدخل في شؤونهم، فسارع أنطونيو كوستا، رئيس المجلس الأوروبي، إلى توجيه سهامه إلى ترمب مؤكداً أن «ما لا يمكن قبوله هو هذا التهديد بالتدخل في الحياة السياسية لأوروبا» مضيفاً: «لا يمكن للولايات المتحدة أن تحلّ محل المواطنين الأوروبيين في تحديد الأحزاب الجيدة والأحزاب السيئة» وأن «الحلفاء لا يهددون بالتدخل في الحياة الديمقراطية أو في الخيارات السياسية الداخلية لحلفائهم، بل يحترمونها».

بيد أن كوستا الحريص على العلاقة القوية مع واشنطن تمسك بموقف الاتحاد الأوروبي الجماعي الذي يرى في الولايات المتحدة «حليفاً وشريكاً اقتصادياً مهماً ولكن يتعين على أوروبا أن تكون ذات سيادة». وفي السياق نفسه، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، رداً على ترمب، أن القارة القديمة «ستبقى قوية ومتحدة». وذهب يوهان فاديفول، وزير خارجية ألمانيا، في الاتجاه عينه بتأكيده أن ألمانيا ليست بحاجة إلى «نصائح تأتي من الخارج»، ولا سيما فيما يتعلّق بـ«حرية التعبير» أو «تنظيم المجتمعات الحرة». وقال جان نويل بارو، وزير خارجية فرنسا إن «شعوب أوروبا ترفض أن تصبح قارتهم تابعة وهرمة. إنها تريد أن تكون أوروبا قوة ديمقراطية لا تسمح لأحد بأن يقرر نيابة عنها»، مضيفاً أن التطورات الأخيرة «تثبت أن فرنسا على حق» في دعوتها أوروبا منذ عام 2017 إلى تحقيق الاستقلال الاستراتيجي. وقبل بارو، قالت وزيرة الدولة في وزارة الدفاع الفرنسية أليس روفو، في جلسة لمجلس النواب، إنه يتعين على أوروبا أن تسرع عملية إعادة التسلح رداً على التحول الواضح في العقيدة العسكرية الأميركية الجديدة، مضيفة: «نعيش في عالم من آكلي اللحوم، وأوروبا لا يمكن أن تتصرف بمفردها، ولن تحظى بالاحترام إلا إذا عرفت كيف تفرضه على الآخرين».

ترمب برفقة قادة أوروبيين لبحث حرب أوكرانيا في البيت الأبيض 18 أغسطس الماضي (رويترز)

الدفاع الأوروبي إلى أين؟

الحق يقال إن إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، كان سبّاقاً في الدعوة إلى «الاستقلالية الاستراتيجية» منذ عام 2017 في خطاب شهير له في جامعة السوربون في باريس، كما أنه يُعد من أشد الدعاة لقيام «دفاع أوروبي» لن يحل بالضرورة محل الحلف الأطلسي ولكن أن يقوم «إلى جانبه». بيد أن دعوته لاقت رفضاً شديداً، في البداية، من دول رئيسية بينها ألمانيا ودول في شرق أوروبا ترى في الحلف الأطلسي الضمانة الأمنية الجدية الوحيدة إزاء ما تعتبره تهديدات روسية. والدليل على ذلك أن دولتين (السويد وفنلندا) رفضتا سابقاً الانضمام إلى الأطلسي. لكن استشعار الخطر الروسي دفع بهما، مؤخراً، للانتماء إليه.

بيد أن التخوف من تراجع الاهتمام الأميركي بالحلف المذكور، أحدث هزات ارتجاجية داخل الاتحاد الأوروبي. فالمستشار الألماني المحافظ فريدريتش ميرتس ذهب إلى حد تبني الدعوة الفرنسية رداً على سياسة ترمب؛ إذ اعتبر أنه «يتعين علينا في أوروبا، وهذا يصح على ألمانيا أيضاً، أن نصبح أكثر استقلالية بكثير عن الولايات المتحدة فيما يتصل بسياسة المحافظة على أمننا». وعملياً، عمد الأوروبيون إلى زيادة نفقاتهم الدفاعية التي ارتفعت بقوة منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا. ففي عام 2024، بلغت هذه النفقات 343 مليار يورو بزيادة نسبتها 19 في المائة قياساً بعام 2023؛ بحيث اقتربت من نسبة 2 في المائة من الناتج الإجمالي الخام للدول الـ27 المنضوية في النادي الأوروبي. ومن المفترض أن تكون قد وصلت في عام 2025 إلى 381 مليار يورو بحيث تتجاوز عتبة الـ2 في المائة. يضاف إلى ما سبق أن الدول الأوروبية، داخل الأطلسي التزمت، بمناسبة قمة الحلف في شهر يونيو (حزيران) الماضي بتخصيص 5 في المائة من ناتجها الخام للدفاع؛ بحيث تكون قادرة على المحافظة على أمنها في عام 2035.

لم تتوقف الأمور عند هذا الحد. فالأوروبيون عادوا إلى التخطيط لفرض الخدمة العسكرية مجدداً بعد أن تخلت غالبية دولهم عنها بعد عام 1991. ومن أبرز الدول الساعية لذلك فرنسا وألمانيا اللتين، إلى جانب بولندا، تدفعان ببرامج تسلح عالية الوتيرة. كذلك تسعى الدول الأوروبية التي تمتلك صناعات دفاعية قوية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى إطلاق شراكات في صناعة الدفاع والاستفادة من 150 مليار يورو وضعتها المفوضية الأوروبية بتصرفها من أجل إطلاق برامج مشتركة تستجيب للحاجات الدفاعية الأوروبية في مجالات أنظمة الدفاع الجوي والمسيّرات والسيبرانية والذكاء الاصطناعي... كذلك، بدأ بحث على المستوى الأوروبي لمد المظلة النووية الفرنسية والبريطانية لحماية الدول الأوروبية الأخرى. إلا أن البحث بهذا الخصوص ما زال في بداياته والعقبات كبيرة وربما كأداء.

هل الطريق إلى دفاع أوروبي ميسرة؟ يجيب برتراند بادي على هذا التساؤل بقوله إن الأوروبيين «لم ينجحوا يوماً في إطلاق سياسة منسجمة ومُجمَع عليها في مجال العلاقات الدولية أو الدفاع. والسبب في ذلك أن حمضهم النووي نفسه سمته الأولى التنافس والصراع؛ لذلك يسود شعور بأن الأوروبيين من دون الحماية الأميركية يكونون عرضة للخطر، وهم كذلك ضعفاء أيضاً، وبالدرجة الأولى، بسبب انقساماتهم الداخلية».

ما سبق ليس سوى جانب واحد من العلاقة بين ضفتي الأطلسي. وثمة جوانب أخرى لا تقل أهمية كالتجارة البينية مثلاً؛ حيث فرضت إدارة ترمب رسوماً تبلغ 15 في المائة على الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة؛ ما اعتبرته أوساط أوروبية بمثابة «إهانة وإذلال» لحليف قديم لواشنطن. وأكثر من ذلك، فإن ترمب وإدارته لهما نظرة فوقية إزاء أوروبا. وللتذكير، فإن ترمب شجّع بريطانيا، خلال ولايته الأولى على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ووعدها باتفاقيات اقتصادية وتجارية يسيل لها اللعاب.

حقيقة الأمر أن الخلاصة التي تفرض نفسها عنوانها الأول التبعية الأمنية التي تدفع القارة القديمة ثمنها اليوم. وخوفها الأكبر أن يشيح ترمب بنظره عنها مفضلاً عليها التحالف مع روسيا من جهة والتفرغ للتعامل مع الصين التي يعدها منافسته الأولى على جميع الأصعدة.