ترمب يُعاقب المحكمة الجنائية الدولية بسبب اتهاماتها ضد إسرائيل

مبنى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ف.ب)
مبنى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ف.ب)
TT

ترمب يُعاقب المحكمة الجنائية الدولية بسبب اتهاماتها ضد إسرائيل

مبنى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ف.ب)
مبنى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ف.ب)

فرض الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، عادّاً أن تحقيقاتها «تُهدد الأمن القومي» للولايات المتحدة وحلفائها، في إشارة إلى إسرائيل، التي تُواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة.

وكانت المحكمة الجنائية الدولية، التي أُسست عام 2002، وتضم في عضويتها حالياً 124 دولة ليست بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، قد أصدرت في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 ثلاث مذكرات توقيف بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، والقائد العسكري لـ«حماس» محمد الضيف، على خلفية ارتكاب تجاوزات في حرب غزة، عادّة أن هناك «أسباباً معقولة» لاتهام نتنياهو وغالانت والضيف، الذي قُتل خلال الحرب، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وأفادت المحكمة بأن نتنياهو وغالانت «حرما عن عمد، وعن علم، السكان المدنيين في غزة من أشياء لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك الغذاء والمياه والأدوية والإمدادات الطبية، فضلاً عن الوقود والكهرباء». وفي الإجراء ذاته، اتهمت ضيف بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما فيها القتل واحتجاز الرهائن والعنف الجنسي.

ومنحت المحكمة عضويتها لفلسطين عام 2015، ما يعني أن لديها ولاية قضائية على الجرائم الدولية التي تحدث في غزة.

وفور إصدار مذكرات التوقيف هذه، وصف نتنياهو -الذي يزور واشنطن حالياً- هذه الخطوة بأنها «معادية للسامية»، في حين عدّها الرئيس الأميركي السابق جو بايدن «شائنة».

اختصاص المحكمة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب رافعاً سبابته أثناء اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض (رويترز)

وأفاد الرئيس ترمب في قراره التنفيذي، مساء الخميس، بأنه سيفرض «عقوبات ملموسة ومهمة» على المحكمة، لأن تصرفاتها ضد إسرائيل وتحقيقاتها الأولية في شأن الولايات المتحدة «تُشكل سابقة خطيرة تعرض للخطر بشكل مباشر أفراد الولايات المتحدة الحاليين والسابقين» من خلال تعريضهم للمضايقة وخطر الملاحقة الجنائية الدولية.

وأضاف أن المحكمة الجنائية الدولية «ادّعت من دون أساس مشروع، أن لديها اختصاصاً قضائياً، وفتحت تحقيقات أولية في شأن أفراد من الولايات المتحدة وبعض حلفائها، وبينهم إسرائيل، وأساءت استخدام سلطتها» بإصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت. وأشار إلى أن العقوبات قد تشمل منع شراء الممتلكات والأصول، ومنع مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية وذويهم المباشرين من دخول الولايات المتحدة.

نجاح بعد فشل

يأتي الأمر التنفيذي للرئيس بشأن المحكمة الجنائية الدولية بعدما عرقل المشرعون الديمقراطيون، خلال الأسابيع الأخيرة، مشروع قانون أقره مجلس النواب، لكنه أسقط في مجلس الشيوخ، لفرض عقوبات على المسؤولين في المحكمة، بسبب قراراتها ضد المسؤولين الإسرائيليين.

وأفاد عدد من الديمقراطيين بأن التشريع فضفاض للغاية، ولا يُمكن تطبيقه فقط على مجموعة واسعة من الموظفين في المحكمة، بل أيضاً على الشركات الأميركية التي تعمل معها.

إحدى جلسات الاستماع في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا 22 أغسطس 2023 (رويترز)

وأشار الناطق باسم زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، السيناتور تشاك شومر، في بيان، أنه يدعم قرار ترمب، لأن المحكمة «متحيّزة ضد إسرائيل»، وهي بحاجة إلى «إصلاح». لكنه أضاف أن القرار التنفيذي أغفل «أحكاماً خارجية إشكالية» لا علاقة لها بإسرائيل، والتي كانت ضمن مشروع القانون الذي رفضه «الشيوخ».

وجاء إجراء ترمب خلال زيارة نتنياهو لواشنطن، وبعدما أدلى ترمب بتصريحات صادمة، أفاد فيها بأن الولايات المتحدة تدعم ترحيل قرابة مليوني فلسطيني بصورة دائمة، وأنها «ستتملك» غزة لجعلها «ريفييرا الشرق الأوسط»، في اقتراح واجه إدانات عالمية، بوصفه يرقى إلى تطهير عرقي.

وكان ترمب قد فرض عام 2020 عقوبات على المدعية العامة السابقة فاتو بنسودا، بسبب قرارها فتح تحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها كل الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة، في أفغانستان. ولكن هذه العقوبات رفعت في عهد الرئيس جو بايدن، وبدأت الولايات المتحدة التعاون بشكل فاتر مع المحكمة، خصوصاً بعدما اتهم المدعي العام الحالي كريم خان عام 2023 الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.

تنديد عالمي

وندّدت المحكمة الجنائية الدولية بالقرار التنفيذي لترمب، الذي يسعى إلى «الإضرار بعملها القضائي المستقل والمحايد». وأكدت أن «المحكمة تقف بحزم وراء موظّفيها، وتلتزم بمواصلة إحقاق العدالة وإعطاء الأمل من جديد لملايين الضحايا الأبرياء الذين قاسوا فظائع في العالم، في كلّ القضايا التي ترفع إليها».

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مستقبلاً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض (أ.ف.ب)

وعبّرت الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، عن «أسف شديد حيال العقوبات الفردية التي أُعلنت في حقّ موظّفي المحكمة، وندعو إلى الرجوع عن هذا التدبير».

ورفضت دول كثيرة العقوبات الأميركية على المحكمة. وقال المستشار الألماني أولاف شولتس، إنه من الطبيعي تماماً أن نغضب ونجادل بشأن بعض الأمور، «لكن العقوبات هي الوسيلة الخاطئة»؛ لأنها «تعرض للخطر مؤسسة من المفترض أن تضمن عدم قدرة الديكتاتوريين في هذا العالم على اضطهاد الشعوب وإثارة الحروب».

وكانت هولندا، التي تستضيف مقر المحكمة، قد دعت الأعضاء الآخرين إلى «التعاون لتخفيف مخاطر هذه العقوبات» كي «تتمكن المحكمة من الاستمرار في أداء عملها والوفاء بولايتها».

ورأى المدير التنفيذي لمركز الحقوق الدستورية في نيويورك، فينسنت وارن، أن «النطاق الواسع للقرار التنفيذي يهدف إلى تشجيع الجناة في كل أنحاء العالم، ومنع السعي إلى تحقيق العدالة الدولية ضد الأقوى».

وكذلك رأى محامي مشروع الأمن القومي، التابع للاتحاد الأميركي للحريات المدنية، تشارلي هوغل، أن قرار ترمب «هجوم على المساءلة وحرية التعبير».

وقالت مديرة منظمة «هيومان رايتس ووتش» في واشنطن، سارة ياغر: «يُمكنك الاختلاف مع المحكمة، وطريقة عملها، لكن هذا أمر غير مقبول».

ترحيب إسرائيلي

في المقابل، رحّبت إسرائيل بقرار الرئيس الأميركي، وكتب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر على منصة «إكس» للتواصل: «أُشيد بقوة بالقرار التنفيذي الصادر عن الرئيس ترمب بفرض عقوبات على ما يُسمى المحكمة الجنائية»، عادّاً أن قراراتها «غير أخلاقية، وعارية عن أي أساس قانوني».


مقالات ذات صلة

استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

تحليل إخباري الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)

استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

ستثير الوثيقة التي صدرت الجمعة عن البيت الأبيض استياء الحلفاء التقليديين لواشنطن في أوروبا، لما تتضمّنه من انتقادات لاذعة لسياسات قادة «القارة العجوز».

أنطوان الحاج
يوميات الشرق المغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي يقدم عرضاً خلال قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 (أ.ف.ب)

«صوت ملاك»... ترمب يشيد بأندريا بوتشيلي

أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب مساء الجمعة بالمغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي وقال إن لديه «صوت ملاك».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف (أ.ب)

الولايات المتحدة وأوكرانيا تؤكدان أن أي تقدم نحو السلام يعتمد على روسيا

يعقد مفاوضون أوكرانيون ومبعوثو الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوماً ثالثاً من المحادثات في ميامي السبت، مؤكدين أن إحراز أي تقدم نحو السلام يعتمد على روسيا.

«الشرق الأوسط» (ميامي)
رياضة عالمية أميركيون يتابعون مراسم القرعة على شاشة عملاقة في التايمز سكوير (رويترز)

ترمب مدفوعاً بحمى المونديال: كرة القدم الأميركية يجب إعادة تسميتها!

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجمعة، إن رياضة كرة القدم الأميركية (أميريكان فوتبول) يجب أن تُعاد تسميتها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

المحكمة العليا ستنظر في مرسوم ترمب حول إلغاء حق المواطنة بالولادة

وافقت المحكمة العليا الأميركية على مراجعة دستورية المرسوم الذي أصدره الرئيس دونالد ترمب ويلغي حق المواطنة بالولادة لأطفال المهاجرين غير النظاميين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الولايات المتحدة وأوكرانيا تؤكدان أن أي تقدم نحو السلام يعتمد على روسيا

المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف (أ.ب)
المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف (أ.ب)
TT

الولايات المتحدة وأوكرانيا تؤكدان أن أي تقدم نحو السلام يعتمد على روسيا

المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف (أ.ب)
المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف (أ.ب)

يعقد مفاوضون أوكرانيون ومبعوثو الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوماً ثالثاً من المحادثات في ميامي السبت، وفق بيان صادر عنهم، مؤكدين أن إحراز أي تقدم نحو السلام يعتمد على روسيا.

وذكر البيان الذي نشره المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف على منصة «إكس» أن «الطرفين اتفقا على أن التقدم الحقيقي نحو أي اتفاق يعتمد على استعداد روسيا لإظهار التزام جاد بسلام طويل الأمد، بما في ذلك اتخاذ خطوات نحو خفض التصعيد ووقف أعمال القتل.


«أبل» و«غوغل» ترسلان إخطارات بشأن تهديدات إلكترونية للمستخدمين في أكثر من 150 دولة

شعار «أبل» مُعلّقاً فوق مدخل متجرها في الجادة الخامسة بحي مانهاتن بمدينة نيويورك 21 يوليو 2015 (رويترز)
شعار «أبل» مُعلّقاً فوق مدخل متجرها في الجادة الخامسة بحي مانهاتن بمدينة نيويورك 21 يوليو 2015 (رويترز)
TT

«أبل» و«غوغل» ترسلان إخطارات بشأن تهديدات إلكترونية للمستخدمين في أكثر من 150 دولة

شعار «أبل» مُعلّقاً فوق مدخل متجرها في الجادة الخامسة بحي مانهاتن بمدينة نيويورك 21 يوليو 2015 (رويترز)
شعار «أبل» مُعلّقاً فوق مدخل متجرها في الجادة الخامسة بحي مانهاتن بمدينة نيويورك 21 يوليو 2015 (رويترز)

قالت شركتا «أبل» و«غوغل» إنهما أرسلتا، هذا الأسبوع، مجموعة جديدة من إشعارات بشأن التهديدات الإلكترونية للمستخدمين في جميع أنحاء العالم، معلنتين عن أحدث جهودهما لحماية العملاء من تهديدات المراقبة والتجسس.

و«أبل»، و«غوغل» المملوكة لـ«ألفابت»، من بين عدد محدود من شركات التكنولوجيا التي تصدر بانتظام تحذيرات للمستخدمين عندما تتوصل إلى أنهم ربما يكونون مستهدفين من قراصنة مدعومين من حكومات.

وقالت «أبل» إن التحذيرات صدرت في الثاني من ديسمبر (كانون الأول)، لكنها لم تقدم سوى تفاصيل قليلة متعلقة بنشاط القرصنة المزعوم، ولم ترد على أسئلة عن عدد المستخدمين المستهدفين أو تُحدد هوية الجهة التي يُعتقد أنها تُقوم بعمليات التسلل الإلكتروني.

وأضافت «أبل»: «أبلغنا المستخدمين في أكثر من 150 دولة حتى الآن».

ويأتي بيان «أبل» عقب إعلان «غوغل» في الثالث من ديسمبر أنها تحذر جميع المستخدمين المعروفين من استهدافهم باستخدام برنامج التجسس (إنتلكسا)، والذي قالت إنه امتد إلى «عدة مئات من الحسابات في مختلف البلدان، ومنها باكستان وكازاخستان وأنغولا ومصر وأوزبكستان وطاجيكستان».

وقالت «غوغل» في إعلانها إن (إنتلكسا)، وهي شركة مخابرات إلكترونية تخضع لعقوبات من الحكومة الأميركية، «تتفادى القيود وتحقق نجاحاً».

ولم يرد مسؤولون تنفيذيون مرتبطون بشركة (إنتلكسا) بعدُ على الرسائل.

واحتلت موجات التحذيرات العناوين الرئيسية للأخبار، ودفعت هيئات حكومية، منها الاتحاد الأوروبي، إلى إجراء تحقيقات، مع تعرض مسؤولين كبار فيه للاستهداف باستخدام برامج التجسس في السابق.


المحكمة العليا ستنظر في مرسوم ترمب حول إلغاء حق المواطنة بالولادة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
TT

المحكمة العليا ستنظر في مرسوم ترمب حول إلغاء حق المواطنة بالولادة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

وافقت المحكمة العليا الأميركية ذات الغالبية المحافظة، الجمعة، على مراجعة دستورية المرسوم الذي أصدره الرئيس دونالد ترمب ويلغي حق المواطنة بالولادة لأطفال المهاجرين غير النظاميين.

وأعلنت المحكمة في بيان موجز أنها ستنظر في طعن إدارة ترمب في أحكام صادرة من محاكم أدنى خلصت جميعها إلى أنه غير دستوري.

ويحظر الأمر التنفيذي على الحكومة الفيدرالية إصدار جوازات سفر أو شهادات جنسية للأطفال الذين تقيم أمهاتهم بشكل غير قانوني أو مؤقت في الولايات المتحدة.

كما يستهدف النص الأطفال الذين يقيم آباؤهم بشكل مؤقت في الولايات المتحدة بتأشيرة دراسة أو عمل أو سياحة.

بعد تعليق العديد من المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف مراسيم رئاسية وقرارات حكومية، أصدرت المحكمة العليا حكماً في 27 يونيو (حزيران) يقيّد سلطة قضاة المحاكم الأدنى في تعليق قرارات الإدارة على مستوى البلاد.

ووقع ترمب المرسوم المتعلق بحق المواطنة بالولادة فور عودته إلى البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني)، وأدرجه في سياق مساعيه لمكافحة الهجرة غير النظامية.

وتطبق الولايات المتحدة منذ 150 عاماً مبدأ المواطنة بالولادة، المنصوص عليه في التعديل الرابع عشر للدستور، ويرد فيه أن أي شخص يولد في الولايات المتحدة هو مواطن أميركي تلقائياً.

تم اعتماد التعديل الرابع عشر عام 1868، بعد الحرب الأهلية وإلغاء العبودية، لضمان حقوق العبيد المحررين وذريتهم.