في «اليوم العالمي للسرطان»: العلماء يستكشفون أسراره

إجابات علمية عن أسئلة كبرى

في «اليوم العالمي للسرطان»: العلماء يستكشفون أسراره
TT

في «اليوم العالمي للسرطان»: العلماء يستكشفون أسراره

في «اليوم العالمي للسرطان»: العلماء يستكشفون أسراره

كل يوم، تنقسم، أو تموت، مليارات الخلايا في أجسامنا. وكل هذا جزء من العمليات المعقدة التي تحافظ على تدفق الدم من قلبنا، وتحرك الطعام عبر أمعائنا، وتجدد جلدنا. ومع ذلك، من حين إلى آخر، يحدث خلل ما، فالخلايا التي كان من المفترض أن تتوقف عن النمو أو تموت، ببساطة لا تتوقف. وإذا تُرِكَت دون علاج، فقد تتحول هذه الخلايا إلى سرطان، كما كتبت نينا أغراوال (*).

لقد حيرت الأسئلة بشأن متى ولماذا يحدث هذا بالضبط، وما الذي يمكن فعله لوقفه، علماء السرطان والأطباء مدة طويلة. وعلى الرغم من الأسئلة التي لم يُجَبْ عنها، فإنهم قد قطعوا خطوات هائلة في فهم وعلاج السرطان.

يقول الدكتور جورج ديميتري، نائب الرئيس الأول لـ«العلاجات التجريبية» بـ«معهد دانا فاربر للسرطان» في بوسطن: «نحن أقل خوفاً كثيراً بشأن إخبار المرضى بما نعرفه وما لا نعرفه؛ لأننا نعرف الكثير».

أسئلة كبرى وإجابات علمية

في ما يلي بعض أكبر الأسئلة بشأن السرطان التي بدأ العلماء الإجابة عنها:

* لماذا يؤدي بعض الطفرات الجينية إلى السرطان بينما لا يؤدي الآخر إلى ذلك؟

ساد لدى العلماء الاعتقاد أن الطفرات الجينية (التغييرات في تسلسل الحروف في الحمض النووي) هي أساس جميع أنواع السرطان. وكانوا على حق؛ جزئياً فقط.

يقول دوغلاس هاناهان، من «معهد لودفيغ لأبحاث السرطان» في لوزان بسويسرا: «الطفرات مهمة جداً؛ لكنها ليست التفسير الكامل للورم. يظل بعض الطفرات كامناً طوال حياتنا، ولا يؤدي أبداً إلى السرطان».

تغيرات «فوق جينية»

من الواضح الآن، بصرف النظر عن طفرات الحمض النووي، أن هناك عوامل أخرى تغير كيفية التعبير عن الجينات. وتسمى هذه التغيرات «التغيرات فوق الجينية (epigenetic changes)»، وقد اكتشف العلماء أنها تلعب دوراً كبيراً في دفع السرطان. («التغيرات فوق الجينية» تحدث لأسباب لا تتعلق بتغير تسلسل «الحمض النووي (دي إن إيه)»، أي لا تتعلق بالجينات نفسها، مثل تأثيرات البيئة على الجينات - المحرر).

لا يفهم العلماء تماماً ما يؤدي إلى «التغيرات فوق الجينية»، ولكن يُعتقد أن الشيخوخة والتعرض الغذائي والبيئي والالتهاب المزمن... كلها من الأسباب المحتملة.

عوامل التلوث

* هل يمكن أن يؤدي التلوث إلى الإصابة بالسرطان؟ ماذا عن البلاستيك الدقيق؟

لقد عرف العلماء منذ مدة طويلة أن بعض المواد الكيميائية، مثل الأسبستوس والرادون، أو مثل تلك الموجودة في دخان السجائر والكحول، يمكن أن تسبب السرطان. ولكن في السنوات الأخيرة، دق بعض الأبحاث الناشئة ناقوس الخطر بشأن مخاطر تلوث الهواء والبلاستيك الدقيق، و«المواد الكيميائية الخالدة التي لا تتحلل (PFAS)».

يقول الدكتور دبليو كيمرين راثميل، المدير السابق لـ«المعهد الوطني للسرطان»: «هناك إشارات إلى أن هذه الأشياء قد تكون مسببة للسرطان، ولكن أي أنواع السرطان، ومتى، وكيف؟ يتعين علينا الحصول على مزيد من المعلومات».

تلوث الهواء

تقول الدكتورة لوريتا إرهونمونسي، الأستاذة المساعدة لجراحة الصدر في «سيتي أوف هوب (مدينة الأمل)»، وهي منظمة وطنية لأبحاث وعلاج السرطان، إنه ثبت أن الجسيمات الدقيقة، المعروفة باسم «PM 2.5 (دقائق بقطر 2.5 ميكرون)»، تزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة والثدي.

من المرجح أن يكون مقدار التلوث الذي تتعرض له، ومدة تعرضك له، مهمَّين. وتُظهِر الأبحاث أن الأشخاص السود في الولايات المتحدة يتعرضون لمستويات عالية بشكل غير متناسب من تلوث الهواء؛ كما أن معدلات الإصابة بسرطان الرئة والوفاة بسبب المرض لديهم أعلى من المعدلات لدى المجموعات العرقية الأخرى.

لقد فهمنا الآن أن «السياق الاجتماعي هو الذي يحرك بالفعل كثيراً مما يخص الإصابة بالسرطان التي نراها، بل وحتى تطور السرطان، ومخاطر الإصابة به في حد ذاتها»، كما تقول إرهونمونسي.

دور الالتهابات

* كيف يرتبط الالتهاب بكل هذا؟ لسنوات طويلة، بحث العلماء عن مواد كيميائية في أنظمتنا الغذائية وبيئتنا تسبب طفرات جينية. ولكن أصبح من الواضح أن مثل هذه التعرضات إذا أثرت في خطر الإصابة بالسرطان، فإنها على الأرجح تفعل ذلك عن طريق إثارة الالتهاب، وليس عن طريق إتلاف الحمض النووي بشكل مباشر، كما يقول روبرت وينبرغ، أستاذ علم الأحياء في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا».

خذ الأمعاء: اتباع نظام غذائي غير صحي يمكن أن يخل بتوازن الميكروبيوم لدينا، مما يسمح لبعض البكتيريا بالنمو دون رادع. يعتقد العلماء أن هذا قد يسبب التهاباً مزمناً، مما قد يؤدي إلى سرطان القولون أو البنكرياس، كما يقول الدكتور دافيندرا سوهال، اختصاصي الأورام في «مركز جامعة سينسيناتي للسرطان» والمختص في سرطانات الجهاز الهضمي.

يمكن أن يعزز الالتهاب أيضاً السرطان في الخلايا التي تحورت بالفعل. على سبيل المثال، ثبت أن «دقائق PM 2.5» تسبب التهاباً في الرئتين، مما يوقظ الخلايا الطافرة الخاملة لتغذية تكوين الورم.

نمو لا نهائي للأورام

* ما الذي يعطي الأورام القدرة على النمو دون رادع؟ السرطان ليس مجرد مجموعة من الخلايا غير الطبيعية التي تنمو بطريقة ينبغي ألا تنمو بها. يدرك العلماء الآن أن الأورام أنسجة معقدة تتكون من خلايا سرطانية بالإضافة إلى خلايا طبيعية جرى تجنيدها لدعم نموها.

كثير من هذه الخلايا الطبيعية هي النوع نفسه من الخلايا المناعية التي ستغمر موقع الإصابة لمكافحة العدوى للمساعدة في التئام الجرح، والتي تؤدي واجبها من خلال مساعدة الخلايا الجديدة على التكاثر، وتوليد الأوعية الدموية، وتحفيز الأنسجة الضامة الجديدة، وتجنب الهجمات من أجزاء أخرى من الجهاز المناعي... هذه هي القدرات التي يمكن للخلايا السرطانية الاستفادة منها إلى أجل غير مسمى لدعم نموها.

«الأورام جروح لا تلتئم» يقول هاناهان، مستشهداً بملاحظة غيرت التصورات لأول مرة في الثمانينات من قبل اختصاصي علم الأمراض بجامعة هارفارد الدكتور هارولد دفوراك.

ألغاز انتشار السرطان

يقول الدكتور كيفن تشيونغ، من «مركز فريد هاتش للسرطان» في سياتل، إن كثيراً من المعلومات بشأن الأورام وكيفية انتشارها واستقرارها في أماكن بعيدة، لا يزال لغزاً. وقد أظهرت أبحاثه أخيراً أن الخلايا الميتة والمحتضرة داخل الورم قد تخلق بيئة تجعل من السهل على الخلايا السرطانية الحية الخروج والانتشار. وقد افترضت أبحاث أخرى أن الخلايا المناعية قد تنقل محتوياتها إلى الخلايا السرطانية لجعلها أكبر غزواً.

عوامل الخطر

* ما عوامل الخطر التي نتحكم فيها فعلياً؟ يتشكل كثير من أنواع السرطان لأسباب خارجة تماماً عن سيطرتنا. يقول راثميل: «سيكون هناك دائماً بعض أنواع السرطان، حتى لو كانت لدينا أفضل وسائل الوقاية». لكن الوقاية يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً.

يقدر علماء الأوبئة الآن أن 40 في المائة من حالات السرطان، وحصة مماثلة من الوفيات بالسرطان، يمكن أن تُعزى إلى عوامل الخطر التي يمكن للناس معالجتها. أكبر هذه العوامل هو التدخين، لكن القائمة تشمل أيضاً التعرض لأشعة الشمس، وتعاطي الكحول، وزيادة وزن الجسم.

يمكن لبعض أنواع العدوى؛ بما فيها تلك التي تسببها فيروسات التهاب الكبد «بي (B)» و«سي (C)»، و«فيروس الورم الحليمي البشري»، و«الجرثومة الملوية البوابية (H. pylori)» المعدية، أن تسبب أيضاً بعض أنواع السرطان. يمكن أن يؤدي التطعيم ضد «فيروس الورم الحليمي البشري» والفحص للكشف عن التهاب الكبد و«البكتيريا الملوية البوابية» إلى تقليل المخاطر.

طرق علاج مطورة

* ما الطريقة الصحيحة لعلاجه؟ قبل بضعة عقود فقط، كان علاج السرطان ينطوي على قدر لا بأس به من التخمين. يقول ديميتري: «كنا ندفع السموم فقط ونأمل الأفضل».

لكن الآن، أصبح لدى أطباء الأورام فكرة أوضح عمن قد يستفيد من العلاج الكيميائي، الذي يوفر السموم التي تقتل الخلايا السليمة بالإضافة إلى الخلايا السرطانية، ومَن قد يستفيد من علاج أكثر استهدافاً، مثل عقار يستهدف بروتيناً معيباً محدداً في السرطان.

كما يمتلك الأطباء علاجات أفضل، وذلك جزئياً بفضل الفهم الأكثر تقدماً لدور الجهاز المناعي.

يقول راثميل: «كيف يعمل الجهاز المناعي، وما الذي يجعل هذه الخلايا مختلفة، وما الذي يجعلها نشطة، وما الذي يجعلها خاملة، ومتى يجري ضبطها ثم ضبطها مرة أخرى...؟ كان عليك أن تعرف كل ذلك قبل أن تتمكن من محاولة اللعب بالضوابط».

إن القدرة على اللعب بهذه الضوابط فتحت مجالاً جديداً تماماً لعلاج السرطان، المعروف باسم «العلاج المناعي». يمكن للأطباء الآن إزالة المكابح عن الخلايا التائية (مقاتلات الجهاز المناعي التي تقتل الخلايا السرطانية) باستخدام علاجات مثبطة لـ«نقاط التفتيش» في الخلايا، وذلك لعلاج سرطان الرئة والجلد، من بين كثير من الأمراض الأخرى. يمكنهم أيضاً هندسة الخلايا التائية للعثور على السرطان ومحاربته. هذا هو النهج وراء «علاج الخلايا التائية (CAR)»، الذي كان الأكثر فاعلية في علاج سرطانات الدم.

* هل يمكن علاج السرطان بالإطلاق؟ على الرغم من أن الناس قد يعتقدون أن السرطان «تم الشفاء منه» بمجرد أن يكون الشخص في «حالة هدوء»، فإن الأطباء كانوا مترددين تاريخياً في الوعد بأنهم يمكنهم التخلص من سرطان المريض تماماً... «لم نجرؤ قط على استخدام كلمة (علاج)»، يقول الدكتور مارسيل فان دِن برينك، رئيس «المركز الطبي الوطني» في «سيتي أوف هوب». ولكن العلاجات الأحدث، مثل زراعة الخلايا الجذعية وخلايا «CAR.T»، أعطته وغيره من الأطباء مزيداً من الأمل.

ويعقب راثميل: «لقد كان الأمر تغييراً كبيراً؛ من القول للمريض: (سوف تموت من هذا السرطان)، إلى: (لدينا قائمة طويلة من العلاجات المتاحة والمثيرة التي سنعمل عليها)».

حتى مع عدم وجود دليل على المرض، فإنه يمكن لبعض أنواع السرطان أن يعود، وفي هذه الحالات يكون الأطباء أكثر حذراً بشأن النتائج المحتملة.

ومع ذلك، فهناك سبب للتفاؤل؛ إذ انخفضت معدلات الوفيات بالسرطان على مدى السنوات الثلاثين الماضية. ولدينا الآن أدوية تستهدف الجينات المسببة للسرطان التي كان منذ مدة طويلة من المستحيل علاجها.

ويقول سوهال إن بعض أنواع السرطان كانت «أحكاماً بالإعدام». الآن أصبحت أقرب إلى مرض السكري، وهو مرض معقد يمكن علاجه بآثار جانبية يمكن التحكم فيها: «يعيش الناس مع المرض مدة طويلة».

* خدمة «نيويورك تايمز»

حقائق

40 %

من حالات السرطان وحصة مماثلة من الوفيات بالسرطان يمكن أن تُعزى إلى عوامل الخطر التي يمكن للناس معالجتها

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

العلماء يكتشفون فوضى الحمض النووي المخفية... داخل أجسامنا

علوم العلماء يكتشفون فوضى الحمض النووي المخفية... داخل أجسامنا

العلماء يكتشفون فوضى الحمض النووي المخفية... داخل أجسامنا

كل منا يحمل فسيفساء معقدة من الاختلافات الجينية... ولا توجد خليتان متطابقتان تماماً

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم شكل تصويري بالكمبيوتر لتدهور الخلايا العصبية المسبب للأمراض العصبية الحركية

اكتشاف روابط جينية مشتركة بين أمراض الخلايا العصبية الحركية

دراسة الاضطرابات المتعددة والمترابطة معاً يمكن أن تكشف عن مسارات بيولوجية متماثلة 

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم تصوير مقطعي محوسب لكلية مصابة بالتكيسات والحصى

تقنية تعديل الجينات تمنح أمل علاج مرض كلوي وراثي شائع

أكياس تتسبب في ارتفاع ضغط الدم، والالتهابات، والآلام الشديدة، وتتطلب الغسيل، أو الزراعة

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم مشاكل السمع لدى الأطفال تتراوح بين ضعفه وفقدانه بسبب عوامل وراثية

توحيد الجهود العالمية لتطوير علاج جيني آمن وفعّال لفقدان السمع الوراثي

إرسال نسخة سليمة من «الجين المحول للصوت إلى إشارات عصبية» للأذن الداخلية

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم الجينات والالتهابات وراء تراجع أسرع في الذاكرة لدى النساء

الجينات والالتهابات وراء تراجع أسرع في الذاكرة لدى النساء

الأدوية الحالية لا تضع في الحسبان الفروق بين الجنسين والعوامل الخاصة بالنساء

د. وفا جاسم الرجب (لندن)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.