بعد رفض «الشيوخ»... هل يستطيع ترمب معاقبة «الجنائية الدولية»؟

يحتاج إلى إعلان «حالة طوارئ»... وقد يستخدم التحالف مع نتنياهو كحجة

ترمب ونتنياهو في البيت الأبيض في 27 يناير 2020 (د.ب.أ)
ترمب ونتنياهو في البيت الأبيض في 27 يناير 2020 (د.ب.أ)
TT
20

بعد رفض «الشيوخ»... هل يستطيع ترمب معاقبة «الجنائية الدولية»؟

ترمب ونتنياهو في البيت الأبيض في 27 يناير 2020 (د.ب.أ)
ترمب ونتنياهو في البيت الأبيض في 27 يناير 2020 (د.ب.أ)

بعد إفشال الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قانون لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، تتجه الأنظار إلى رد فعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي سبق وهدّد بعقوبات «قاسية» على المحكمة.

وتزداد التساؤلات في هذا الصدد عن صلاحيات ترمب التنفيذية في اتخاذ قرار أحادي رئاسي لفرض عقوبات مماثلة لتلك التي أحبطها الديمقراطيون في مجلس الشيوخ.

ويبدو أن الإجابة عن هذه التساؤلات مخفية في طيات القرارات التنفيذية المتعاقبة والكثيرة التي وقع عليها ترمب منذ وصوله إلى البيت الأبيض؛ وكان من بينها قرار يُعيد فرض عقوبات على المحكمة الجنائية وقعه خلال ولايته السابقة بسبب تحقيقات فتحتها المحكمة، آنذاك، للنظر في ممارسات جنود أميركيين في أفغانستان.

المقر الرئيسي للمحكمة الجنائية الدولية (أرشيفية - رويترز)
المقر الرئيسي للمحكمة الجنائية الدولية (أرشيفية - رويترز)

حينها، أصدر ترمب في عام 2020 قراراً تنفيذياً بفرض عقوبات موجهة على المحكمة بسبب «الادعاءات غير الشرعية على أفراد من الولايات المتحدة وبعض حلفائها، بما في ذلك تحقيقات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في الأفعال المزعوم ارتكابها من قبل القوات العسكرية والاستخباراتية الأميركية وغيرهم من الأفراد في أفغانستان».

وسعى ترمب إلى إعادة إحياء مسعاه السابق عبر قراره التنفيذي الجديد الذي وقع عليه في 21 يناير (كانون الثاني) الحالي أي بعد يوم واحد فقط من تنصيبه.

«حالة طوارئ وطنية»

لكن السؤال الذي يطرح هنا: هل أصبحت هذه العقوبات سارية المفعول فوراً؟ وهل تعتبر مطابقة للعقوبات الواسعة النطاق التي لم ينجح الكونغرس في إقرارها؟

الجواب تقني بامتياز، ففي سبيل إعادة فرض هذه العقوبات التي ألغاها بايدن في عام 2021، على ترمب الإعلان عن «حالة طوارئ وطنية» تبرر العقوبات المالية ضد المحكمة.

ولجأ ترمب إلى ذلك في عهده الأول معتمداً بشكل أساسي على تحقيقات المحكمة بادعاءات بالتعذيب وارتكاب جرائم حرب من قبل عناصر أميركيين في أفغانستان.

المختلف اليوم هو أن المحكمة غضت النظر عن تلك التحقيقات المتعلقة بأفغانستان، ومن دون وجود قضية فعلية تستهدف أميركيين سيكون من الصعب على ترمب استعمال الحجة نفسها في الإعلان عن حالة طوارئ جديدة.

نتنياهو كحجة

لكن ما يمكن لترمب أن يفعله، وهو المرجح، أن يعتمد على مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي بنى عليها الجمهوريون مشروعهم في الكونغرس، قائلين إن العقوبات الأساسية تنطبق على أي تحرك من المحكمة الجنائية «بالتحقيق أو اعتقال أو محاكمة أي شخص ينتمي إلى بلاد حليفة للولايات المتحدة من دون موافقة حكومة البلاد المذكورة».

ترمب ونتنياهو في القدس في 23 مايو 2017 (أ.ب)
ترمب ونتنياهو في القدس في 23 مايو 2017 (أ.ب)

الحجة هنا هي أن المحكمة استهدفت شخصاً من دولة حليفة، ليست عضواً في المحكمة، وهذا ما قد يبرر إعلانه عن «حالة طوارئ جديدة» لفرض عقوبات.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن نتنياهو سيكون أول رئيس أجنبي يزور البيت الأبيض للقاء ترمب في عهده الثاني، بعد تلقيه دعوة رسمية من الرئيس تذكر أنه «يتطلع قدماً لمناقشة كيفية تحقيق السلام في إسرائيل وجيرانها، والجهود المبذولة لمواجهة الخصوم المشتركين».

زيارة تحمل دلالات كبيرة، ويراها البعض مناسبة للتنسيق بين الطرفين لفرض عقوبات على المحكمة.

تأثير العقوبات

السؤال الآخر الذي يطرح نفسه هنا هو: ما تأثير ذلك على المحكمة الجنائية والدول والشركات التي تتعامل معها؟

من ناحية المحكمة ينظر كثيرون إلى هذه العقوبات على أنها «حكم إعدام» بحقها.

أما الديمقراطيون فيحذرون من تأثيرها على شركات أميركية كـ«مايكروسوفت» مثلاً، التي تعتمد عليها المحكمة بشكل كبير إثر اتفاق عقده المدعي العام للمحكمة كريم خان مع الشركة لإصلاح نظام المحكمة.

وشرحت كبيرة الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية في «الشيوخ» جين شاهين التي صوّتت ضد المشروع الموقف قائلة إنه «يستهدف أيضاً الشركات الفرعية لكبرى الشركات الأميركية مثل (مايكروسوفت) لتقديمها خدمات تقنية للمحكمة الجنائية الدولية، التي قد تكون قامت بها لسنوات عدة قبل تمرير هذا القانون. فلديه مفعول رجعي وسيؤثر عليها».

يحذر الديمقراطيون من تأثير العقوبات على شركة مايكروسوفت الأميركية (أ.ب)
يحذر الديمقراطيون من تأثير العقوبات على شركة مايكروسوفت الأميركية (أ.ب)

كما ستؤثر هذه العقوبات على قدرة المحكمة على التحقيق في قضايا تحظى بتوافق حزبي كالوضع في أوكرانيا مثلاً.

وفي حال اعتمد ترمب على عقوبات مشابهة لتلك نصّ عليها مشروع القانون الذي لم يتم إقراره في الكونغرس، فستكون أقسى بكثير من تلك التي فرضها في عهده الأول، خاصة أنها تشمل الدعم المالي والمادي والتكنولوجي للمحكمة، أي الشركات التي تقدم لها خدمات برمجية أو مصرفية.

كما سيكون الأميركيون عرضة لهذه العقوبات التي تشمل كذلك أي شخص يتعامل معها أو مع المتعاونين معها، على أن يواجه غرامة تصل إلى 250 ألف دولار، والسجن لمدة تصل إلى 20 عاماً.

عقوبات لكن مقيدة

وفي هذا الإطار ترى مارا رودمان، النائبة السابقة للمبعوث الأميركي في الشرق الأوسط والمسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي، أن «إجراءات (الجنائية الدولية) ضد المسؤولين الإسرائيليين تعزز المخاوف القديمة حول تجاوز المحكمة لصلاحياتها والتصرف بشكل غير لائق لأهداف سياسية، ولهذا جزئياً، لم توافق الولايات المتحدة على أن تكون تحت ولايتها القضائية».

وتقول رودمان لـ«الشرق الأوسط» إنه «على الرغم من أن تشريع العقوبات ضد (الجنائية الدولية) تم وقفه في مجلس الشيوخ بعد محاولة الديمقراطيين تقديم تعديلات لتحديد نطاق العقوبات بشكل أكثر فاعلية؛ فإن ترمب سيهدد بفرض عقوبات بصفته التنفيذية».

وتستدرك: «لكن نطاق هذه العقوبات وتأثيرها سيكونان أكثر تقييداً مما كان مطروحاً بموجب القانون».

وواصلت رودمان متحدثة عن ترمب: «رغم أنه قد يرى الأمور بطريقة مختلفة، ففي الولايات المتحدة، هو ليس الدولة، والدولة ليست هو»، في إشارة إلى الاعتراضات القانونية التي يتوقع أن يواجهها ترمب في حال أي خطوة من هذا النوع في المحاكم الأميركية، على غرار بقية قراراته التنفيذية.


مقالات ذات صلة

استطلاع: تراجع شعبية ترمب لأدنى مستوى منذ عودته للبيت الأبيض

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حضوره فعالية عيد الفصح في حديقة البيت الأبيض (رويترز)

استطلاع: تراجع شعبية ترمب لأدنى مستوى منذ عودته للبيت الأبيض

وقال نحو 83 بالمئة من المشاركين البالغ عددهم 4306 إن على الرئيس الأميركي الامتثال لأحكام المحاكم الاتحادية حتى لو لم يرغب في ذلك.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وزير الدفاع الأميركي يتحدث في حديقة البيت الأبيض قبل مشاركته الرئيس ترمب احتفالات عيد الفصح أمس (أ.ب)

ترمب يدعم وزير دفاعه رغم «ثاني تسريب أمني»

تلقى وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، دعماً من رئيسه دونالد ترمب، بحسب البيت الأبيض، وذلك بعد أن أشارت تقارير إلى أنه شارك تفاصيل هجوم في مارس (آذار).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية 
امرأة تنظر إلى متجر للمجوهرات في البازار الكبير في طهران الاثنين (إ.ب.أ)

إيران تتهم إسرائيل بالسعي لإفشال المحادثات مع واشنطن

اتهمت إيران، أمس، إسرائيل بمحاولة تقويض المحادثات النووية الجارية مع الولايات المتحدة، بوساطة عُمانية.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران) نظير مجلي (تل أبيب )
الولايات المتحدة​ متظاهرون في كامبريدج سيتي يناشدون إدارة «هارفارد» مقاومة تدخل إدارة ترمب (أرشيفية - رويترز)

جامعة هارفارد تقاضي إدارة ترمب بسبب تجميد التمويل

رفعت جامعة هارفارد دعوى قضائية ضد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم الاثنين في محاولة لوقف قرار الحكومة تعليق تمويل بأكثر من ملياري دولار للجامعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع أرنب عيد الفصح في حديقة البيت الأبيض (أ.ب)

ترمب يظهر مع أرنب عيد الفصح في البيت الأبيض

احتفل الآلاف من الأطفال وآبائهم مرة أخرى بدحرجة البيض الملون في حديقة البيت الأبيض، الاثنين، في تقليد يرجع إلى 150 عاماً تقريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

استطلاع: تراجع شعبية ترمب لأدنى مستوى منذ عودته للبيت الأبيض

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حضوره فعالية عيد الفصح في حديقة البيت الأبيض (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حضوره فعالية عيد الفصح في حديقة البيت الأبيض (رويترز)
TT
20

استطلاع: تراجع شعبية ترمب لأدنى مستوى منذ عودته للبيت الأبيض

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حضوره فعالية عيد الفصح في حديقة البيت الأبيض (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حضوره فعالية عيد الفصح في حديقة البيت الأبيض (رويترز)

أظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز/إبسوس تراجع شعبية الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى أدنى مستوى لها منذ عودته إلى البيت الأبيض، إذ أبدى الأميركيون علامات قلق حيال جهوده الرامية لتوسيع سلطاته.

وأظهر الاستطلاع الذي أجري على مدى ستة أيام وانتهى أمس الاثنين أن نحو 42 بالمئة من المشاركين يعجبهم أداء ترمب كرئيس، بانخفاض عن 43 بالمئة في استطلاع أجرته رويترز/إبسوس قبل ثلاثة أسابيع، وعن 47 بالمئة في الساعات التي أعقبت تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني).

أصاب ترمب في بداية ولايته خصومه السياسيين بالصدمة، إذ وقع على عشرات الأوامر التنفيذية التي توسع نفوذه على الهيئات الحكومية والمؤسسات الخاصة مثل الجامعات ومكاتب المحاماة. ولا يزال معدل تأييد ترمب أعلى من المعدلات التي شوهدت خلال معظم فترة رئاسة سلفه الديمقراطي جو بايدن، لكن نتائج استطلاع رويترز/إبسوس تشير إلى أن الكثير من الأميركيين يشعرون بعدم الارتياح إزاء إجراءاته الرامية لمعاقبة الجامعات، التي يراها ليبرالية للغاية، وتنصيب نفسه رئيسا لمجلس إدارة مركز كنيدي، وهو مؤسسة مسرحية وثقافية كبرى في واشنطن.

وقال نحو 83 بالمئة من المشاركين البالغ عددهم 4306 إن على الرئيس الأميركي الامتثال لأحكام المحاكم الاتحادية حتى لو لم يرغب في ذلك. وقد يواجه مسؤولون بإدارة ترمب تهما جنائية بازدراء محكمة لانتهاكهم حكما بوقف ترحيل أشخاص متهمين بالانتماء لعصابة فنزويلية لم تُتح لهم فرصة الطعن على قرار ترحيلهم.

وأبدى 57 بالمئة، بما في ذلك ثلث الجمهوريين، معارضتهم لعبارة «من المقبول لرئيس الولايات المتحدة أن يحجب التمويل عن الجامعات إذا كان الرئيس لا يتفق مع كيفية إدارة الجامعة». وجمد ترمب، الذي يتهم الجامعات بعدم مكافحة معاداة السامية داخلها، مبالغ كبيرة من الأموال الاتحادية المخصصة للجامعات الأميركية، ومنها أكثر من ملياري دولار لجامعة هارفارد وحدها.

وعبر 66 بالمئة من المشاركين عن اعتقادهم بأنه لا ينبغي للرئيس أن يتولى إدارة المؤسسات الثقافية المرموقة، كالمتاحف والمسارح الوطنية. وأمر ترمب الشهر الماضي مؤسسة سميثسونيان، وهي مجمع متاحف وأبحاث ضخم يمثل مساحة رئيسية لعرض تاريخ وثقافة الولايات المتحدة، بإزالة أي أيديولوجية «غير ملائمة».

وبالنسبة لمجموعة متنوعة من القضايا، تشمل التضخم والهجرة والضرائب وسيادة القانون، أظهر استطلاع رويترزإبسوس أن عدد الأميركيين الذين رفضوا أداء ترمب فاق عدد مؤيديه في جميع القضايا. وفي ما يتعلق بالهجرة، أيد 45 بالمئة من المشاركين أداء ترمب، بينما رفضه 46 بالمئة. وكان هامش الخطأ في الاستطلاع نقطتين مئويتين تقريبا.

وقال نحو 59 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع، بما في ذلك ثلث الجمهوريين، إن الولايات المتحدة تفقد مصداقيتها على الساحة العالمية. وقال ثلاثة أرباع المشاركين إنه لا ينبغي للرئيس الترشح لولاية ثالثة. وعبر ترمب عن رغبته في الترشح، رغم أن الدستور يمنعه من ذلك. وقالت أغلبية الجمهوريين المشاركين، 53 بالمئة، إنه لا ينبغي لترمب السعي لولاية ثالثة.