«الإطار التنسيقي» يختبر صفقة «حمائم» في العراق

أحزاب شيعية تدرس «تبديل مراكز النفوذ»... وحل الفصائل ليس الجزء الأصعب

قوى التحالف الشيعي الحاكم في العراق تخوض مفاوضات لإبرام صفقة سياسية صعبة (أ.ف.ب)
قوى التحالف الشيعي الحاكم في العراق تخوض مفاوضات لإبرام صفقة سياسية صعبة (أ.ف.ب)
TT

«الإطار التنسيقي» يختبر صفقة «حمائم» في العراق

قوى التحالف الشيعي الحاكم في العراق تخوض مفاوضات لإبرام صفقة سياسية صعبة (أ.ف.ب)
قوى التحالف الشيعي الحاكم في العراق تخوض مفاوضات لإبرام صفقة سياسية صعبة (أ.ف.ب)

يتحدث مسؤولون عراقيون، منذ أشهر، عن معالجة وضع الفصائل المسلحة لكن دون التوصل إلى آلية حاسمة، ويبدو أن ذلك لن يتحقق إلا بعد إبرام «صفقة سياسية»، يفترض أن يشمل تأثيرها إيران والولايات المتحدة ودولاً في الخليج العربي.

وتخرج من أوساط في بغداد مؤشرات متناقضة عن وضع الفصائل ارتباطاً بتهديدات أميركية - إسرائيلية، لم يقترن أي منها بدليل وازن، لكن النقاشات بين فاعلين شيعة تنضج هذه الأيام لإجراء تغييرات داخل النظام السياسي في إطار ما تصفه مصادر بـ«صفقة حمائم» تقود عملية لتبديل مراكز النفوذ بالتخلص من «محرك الأزمة».

وتقترح «الصفقة» أن ينسحب إلى «خلف الصورة» الصقور – فصائل وقوى راديكالية شيعية – الذين كانوا قد انخرطوا في استهداف مصالح أميركية وإسرائيل منذ أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وتسمية «الحمائم» ليست جديدة في الحياة السياسية العراقية، ويشار بها إلى تيارات تدعي الاعتدال الشيعي، وكان دورها قد تلاشى تقريباً مع تراجع وزنها البرلماني، وتمكن مجموعات مسلحة من الحكومة والفضاء العام في البلاد.

«الثنائي الشيعي» العراقي

من حيث المبدأ، تشبه الصفقة الصيغة الحالية بين «الثنائي الشيعي» في لبنان، لكن مطلعين على النقاشات يقولون إن الاختلاف، بحكم الوضع داخل «الإطار التنسيقي»، لا يتعلق بفريق متضرر مثل «حزب الله»، بل إن الطرف الذي «لا يزال يمتلك الموارد والأدوات، مجبر الآن على الانسحاب».

ويفترض سياسيون شيعة أن الصفقة التي يجري اختبارها «تمثل المخرج الآمن، وربما الوحيد، لحالة انعدام الرؤية في البلاد، وللتكيف مع محيط عصفت به تحولات غير متوقعة».

وكان وزير الخارجية فؤاد حسين قد أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «بغداد تنظر في مجموعة خيارات لحل الفصائل، قد تشمل حل سلاحها أو دمجها مع «الحشد الشعبي»، لكن التوافق على خيار نهائي «يحتاج إلى وقت أطول».

وتقول المصادر إن النقاشات السياسية ستأخذ «الوقت الذي تحدث عنه الوزير حسين إلى حين التوصل إلى ملامح الصفقة»، لأن «وضع الفصائل سيكون بموجبها تحصيل حاصل، كما أنه ليس الجزء الأصعب في المفاوضات السياسية».

جانب من أحد اجتماعات «الإطار التنسيقي» في بغداد (إكس)

وينقسم المشهد السياسي بين فريق شيعي «انكفأ» بسبب ارتباطه بإيران التي خسرت موقعين استراتيجيين في «محور المقاومة»، وبين فريق شيعي آخر يتحفز الآن للعب دور في المرحلة الجديدة، ويأمل في صياغة ميزان جديد، يكون مقبولاً من جميع الأطراف، حتى من إيران نفسها.

وتظهر من نقاشات سياسية بين صناع قرار أن الميزان الشيعي الجديد سيخفف ربما التأثيرات المركبة، بين الوضع الإقليمي الجديد وما تفرضه الحالة الجديدة في سوريا، والسياسة الأميركية تجاه إيران.

وصحيح أن الفصائل قد أعلنت تعليق عملياتها ضد إسرائيل، لكنها تعهدت بـ«العودة إلى مهاجمة الاحتلال الأميركي» في العراق، دون أن تتفاعل مع دعوات حل السلاح، بل إن قادة جماعات نفوا تماماً تلقيهم دعوة من جهة حكومية أو سياسية بهذا الخصوص.

ويُفهم من فاعلين في النقاشات العراقية الراهنة أن الصقور لا ينوون جعل الصفقة سهلة على الطرف الآخر، لأن تأثيرها سيحدد شكل التنافس في الانتخابات التشريعية المقبلة هذا العام، لكن الظروف الإقليمية لا تسمح لهم بفعل الكثير لعرقلة «المسار الواعد»، كما تصفه المصادر.

إطلالة «ترمب الثاني» على العراق

تلعب ثلاثة عوامل دورها في إنضاج النقاشات السياسية حول الصفقة: ترقّب الإطلالة الأولى لترمب الثاني على الملف العراقي، إذ يحيطها الغموض. شهية أنقرة المفتوحة لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط بالاستفادة من نشوة التغيير في سوريا. وانخفاض السقف الإيراني، إذ تبحث طهران عن مسارات جديدة يبتكرها لاعبون يقبلهم الجميع.

ويراهن الحمائم الشيعة على أن إيران المنشغلة بمحاولاتها لإحياء المفاوضات مع الولايات المتحدة، لا تمتلك الرفاهية لمنع تغيير في العراق يخسر فيه الصقور، على الأقل في هذه المرحلة، كما أنها ترى في الفرصة التي يريد اقتناصها المعتدلون الشيعة فرصة لها أيضاً.

وتعكس النقاشات الأولية حول الصفقة أن «الحمائم واثقون من أن الانفكاك عن النفوذ الإيراني شبه مستحيل، لذا لا يخططون في المطلق لتغيير انتحاري يعادي طهران، لكنهم يطرحون صيغة جديدة تنهي صيغة العميل الشيعي المجرد».

والحال أن الدور الجديد بحاجة إلى نقاشات معمقة بين صناع القرار العراقي، وهذا ما يصفه سياسيون عراقيون بأنه «امتحان صعب للمهارات السياسية التي كانت شبه معطلة منذ أن استحوذت فصائل مسلحة على مفاتيح في العملية السياسية».

ويطرح «الحمائم»، وفقاً لضالعين في النقاشات، «دوراً مختلفاً لشيعة العراق في المنطقة، بوصفهم لاعباً ينشط في الداخل ضمن إطار الدولة، وشريكاً للمحيط القريب من إيران وتركيا والخليج العربي، وطرفاً مقبولاً للقوى الكبرى في العالم».

أنصار «الإطار» يرفعون صورة المالكي خلال مظاهرة قرب المنطقة الخضراء في بغداد أغسطس 2022 (إ.ب.أ)

صفقة 4 سنوات

هذه الصيغة ليست جديدة في المطبخ السياسي للشيعة، لكنها لم تنضج سابقاً بما يكفي لتثبيت حالة مستقرة، ذلك أن إيران كانت تستخدمها أداة مناورة مؤقتة، بينما يطرح الحمائم الآن «صفقة تمتد لأربع سنوات مقبلة تبدأ من الانتخابات المقبلة».

وكالعادة، لا يمتلك فريق «الحمائم» ضمانات حول صمود الصفقة أمام أي تحولات، لا سيما أن إيران التي تناور وتختبر فرص التفاوض مع ترمب قد تلجأ إلى التصعيد من العراق، وهو آخر ما تبقى لها، لتحسين ظروفها على طاولة المفاوضات.

ويقول ضالعون في هذه النقاشات إنه «جرى اختبار ردود فعل أولية من أطراف إقليمية، وإن ما يشجعهم هو تقاطع مصالح مع تركيا ودول في الخليج العربي والولايات المتحدة للتكيف مع طرف شيعي يقدم نفسه مساهماً في جهود الاستقرار في المنطقة».

ويبدو أن بعض الأطراف التي تقبل على مضض بهذه الصفقة تحاول اعتراض طريقها بسبب خصومات محلية مع الطرف الذي يصنف نفسه من ضمن «الحمائم».


مقالات ذات صلة

نصيحة غربية للبنان والعراق بـ«الانتقال من زمن الفصائل إلى الدولة»

خاص جنازة رئيس أركان «حزب الله» هيثم الطبطبائي وآخرين قتلوا معه بضربة إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

نصيحة غربية للبنان والعراق بـ«الانتقال من زمن الفصائل إلى الدولة»

تحذير غربي من اتساع حروب ما بعد 7 أكتوبر، وتشديد على أن مستقبل لبنان والعراق مرهون بحصر القرار والسلاح بيد الدولة لا الفصائل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)

بغداد تمنع «الحشد» من الاستحواذ على أرض ثمينة قرب دجلة

قال مسؤولون عراقيون إن السلطات منعت هيئة «الحشد الشعبي» من الاستحواذ على أرض وُصفت بأنها «ثمينة»، وسط بغداد، بعدما تفجّر خلاف وجدل بين أطراف داخل الحكومة.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي عناصر من «الحشد الشعبي» خلال دورية استطلاع في موقع شمال بغداد (إعلام الهيئة)

إقصاء مرشح فائز أنشأ فصيلاً وهمياً لـ«الحشد» العراقي

اكتشف العشرات من الشبان العراقيين أنهم وقعوا ضحية عملية احتيال بعد تجنيدهم في وحدة عسكرية وهمية داخل أحد معسكرات «الحشد الشعبي».

خاص عنصر في «الحشد الشعبي» يحرس بوابة عليها صورة أبو مهدي المهندس في بغداد (أ.ف.ب)

خاص أحزاب عراقية تقترب من قرار حول مصير «الحشد الشعبي»

تقترب أحزاب شيعية في العراق من اتخاذ قرار يتعلق بمصير «الحشد الشعبي» وفصائل مسلحة موالية لطهران، لكن العملية تنتظر إجماعاً شيعياً وموافقة إيرانية.

علي السراي (لندن)
المشرق العربي عناصر من «كتائب حزب الله» في جرف الصخر (أ.ف.ب)

«حزب الله» في العراق يرفض نزع سلاحه «الشرعي»

تواصل «كتائب حزب الله» تحديها للسلطات العراقية ومفوضية الانتخابات، عبر رفضها الصريح لنزع سلاحها.

فاضل النشمي (بغداد)

تقرير: سفير أميركا لدى الأمم المتحدة يبدأ غداً جولة تشمل إسرائيل والأردن

السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
TT

تقرير: سفير أميركا لدى الأمم المتحدة يبدأ غداً جولة تشمل إسرائيل والأردن

السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)

أوردت وكالة «بلومبرغ» أن السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، سيبدأ، غداً (السبت)، جولة في الشرق الأوسط تستمر أربعة أيام تشمل إسرائيل والأردن.

وقالت الوكالة إن والتز سيلتقي أثناء زيارته لإسرائيل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس إسحاق هرتسوغ.

ويلتقي أثناء زيارته للأردن بالملك عبد الله الثاني ووزير الخارجية أيمن الصفدي لمناقشة دور الأردن في تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.


فرنسا: نظرة إيجابية إلى التحولات في سوريا رغم النواقص والصعوبات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

فرنسا: نظرة إيجابية إلى التحولات في سوريا رغم النواقص والصعوبات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)

في قراءتها للوضع في سوريا، بعد مرور عام على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وفراره إلى موسكو، تختار باريس المقاربة الإيجابية، رغم وجود تحفظات وعلامات استفهام حول مستقبل البلاد. هي تفضل قطعاً رؤية الكأس نصف الملآنة على الكأس نصف الفارغة. وتريد باريس أن تؤكد، بداية، أنها كانت سبّاقة في مواكبة الوضع في سوريا منذ الأيام الأولى؛ حيث أرسلت وفداً دبلوماسياً إلى سوريا بعد 9 أيام فقط على سقوط دمشق بأيدي فصائل المعارضة السابقة، فيما كان وزير خارجيتها، جان نويل بارو، أول من زار العاصمة السورية (مع نظيرته الألمانية) يوم 3 يناير (كانون الثاني). وكانت المحطة الثالثة في تحرك باريس باتجاه دمشق انعقاد مؤتمر لدعم سوريا في العاصمة الفرنسية بداية شهر فبراير (شباط).

تُوّج الحراك الدبلوماسي الفرنسي بزيارة الرئيس أحمد الشرع إلى باريس يوم 7 مايو (أيار)، وكان الرئيس إيمانويل ماكرون أول رئيس غربي يلتقيه الشرع. وخلاصة كل ذلك أن باريس «قررت الانخراط إلى جانب النظام الجديد في دمشق رغبة منها في التأثير عليه ودفع العملية الانتقالية في الاتجاه الصحيح المتلائم مع مصالح السوريين والمصالح الفرنسية الأمنية والإقليمية». وتشدد باريس على أهمية إضفاء نوع من الشرعية على الشرع من خلال استقباله في قصر الإليزيه ومناشدة ماكرون لرفع العقوبات التي كانت تخنق سوريا.

الأولويات الفرنسية في سوريا

بناءً على ما سبق، دارت الأولويات الفرنسية حول 4 محاور أولها المحور الأمني وأول مكوناته العمل على دفع سوريا إلى الانضمام إلى التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش»، الأمر الذي تم رسمياً في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. والغرض من ذلك منع عودة الحركات والتنظيمات المتشددة. ويتوازى ذلك مع اهتمامين: التخلص من الأسلحة الكيماوية التي ما زالت تمتلكها سوريا ومحاربة إنتاج وتهريب المخدرات. ورغم أن هذا النشاط ما زال قائماً جزئياً، فإن باريس ترى أن السلطات السورية حققت «نتائج مهمة» في محاربته.

يتمثل المحور الثاني في دعم العملية الانتقالية، وأبرز معالمها تمسك باريس بأن تشمل جميع المكونات المجتمعية الإثنية والدينية، انطلاقاً من مبدأ قوامه أن الاستقرار «لا يمكن توافره إن لم يشعر كل مكوّن بالأمن ويتمتع بكامل الحقوق». وفي هذا السياق، تؤكد باريس أنها لعبت دوراً مهماً في التقريب بين «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المُشكَّلة في غالبيتها من الأكراد، وبين نظام الحكم في دمشق، وكان باكورة مساهمتها توقيع اتفاق مارس (آذار) الماضي الذي أُلحق باتفاق آخر نهاية الشهر الماضي. لكن باريس تعترف بأن «الوضع لم يسوَّ» كلياً بين الجانبين، رغم أنه تم تجنب وقوع اشتباكات واسعة بينهما. وتنظر باريس بكثير من الأسى، من جهة، لما حصل في شهر مارس الماضي من انتهاكات في منطقة الساحل العلوية، وما تبعها في يوليو (تموز) في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وفي الحالتين كان هناك دور لعناصر من السلطات السورية في هذه الأحداث التي أدانتها باريس وأكدت ضرورة محاسبة المسؤولين عنها انطلاقاً من مبدأ عدم الإفلات من العقاب.

متظاهرون في مدينة حماة الجمعة 5 ديسمبر بمناسبة الذكرى الأولى لسقوط نظام الرئيس بشار الأسد (رويترز)

ويندرج تحت المحور الأمني الانتهاكات المتلاحقة التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي السورية، وهي انتهاكات تدينها فرنسا. وأشارت المصادر الدبلوماسية إلى أن باريس دعمت الجهود الأميركية للتوصل إلى اتفاقات أمنية بين سوريا وإسرائيل، وأنها، لهذا الغرض، استضافت لقاءات متعددة جمعت وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بحضور المبعوث الأميركي توم برّاك. ولا تنسى باريس الدور الذي تقوم به لترسيم الحدود اللبنانية ــ السورية التي لم ترسّم منذ استقلال البلدين عن فرنسا في أربعينات القرن الماضي. يبقى أن باريس تشدد على أمرين إضافيين: الدعم الذي وفّرته للسكان إنسانياً وتربوياً واقتصادياً، من جهة، ومن جهة ثانية تفعيل التعاون الثقافي.

عقدة «المشاركة الجماعية»

رغم النظرة الإيجابية الإجمالية الفرنسية، فإن باريس لا تكتم قلقها سواء بشأن الأحداث الأمنية المتنقلة أو لصعوبة إعادة إطلاق الاقتصاد وعدم اكتمال عملية الانتقال السياسية. كذلك تتوقف باريس مطولاً عند عقدة «المشاركة الجماعية» لكل الأطراف في بنية الدولة السورية الجديدة وعلاقة المكوّنات ببعضها، وهي تنطلق من مبدأ تحديد «المعايير» الواجب الأخذ بها. وبرأيها أن الأخذ بالمعايير الأوروبية يبيّن بلا شك النواقص والعيوب وهذه كثيرة أكان بالنسبة لعلاقة المركز مع الأقليات أو بالنسبة للتعيينات في المراكز الحكومية والعسكرية أو بالنسبة لآلية الانتخاب النيابية والسلطات المعطاة للرئاسة أو لحضور المرأة أو لسيطرة السلطات على الأجهزة الأمنية وكذلك بالنسبة للعمل من أجل العدالة الانتقالية الضرورية.

ورغم ذلك كله تعتبر باريس أن العملية الانتقالية بكل شوائبها جاءت أقل درامية مما كان متوقعاً، وأن المخاوف من قيام «جمهورية إسلامية» لا تحترم الأقليات وحقوق المرأة ولا التوجهات الليبرالية لم تتحقق. والخلاصة التي كونتها باريس هي أنه يمكن النظر إلى الوضع السوري من مختلف الزوايا وهي نظرة تؤكد أن ثمة «أموراً إيجابية في العملية الانتقالية».

وتؤكد المصادر أن باريس على حوار متواصل مع السلطات السورية، بما في ذلك ما يخص استكمال أعضاء مجلس النواب والمقاعد المخصصة للنساء والدستور الانتقالي والعدالة الانتقالية وقانون الأحزاب... وكلها مسائل بالغة الأهمية في نظر فرنسا.

وتنظر باريس بقلق، بحسب المصادر الدبلوماسية، لما تقوم به إسرائيل في سوريا. وتؤكد المصادر أن موقف باريس «واضح ويقوم على دعوة إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد والعودة إلى خط فك الاشتباك لعام 1974». وتضيف المصادر أن باريس أعربت مراراً عن قلقها من التطورات الجارية وأن هناك مصادر قلق للطرفين يتعين التعامل معها. وتبدو باريس سعيدة بأن الملف السوري يحظى بنوع من الإجماع الدولي باعتبار أن «سوريا مستقرة تعد ضرورة للتوازنات الإقليمية والدولية». وتبدو باريس كذلك سعيدة بالانخراط الأميركي إلى جانب استقرار سوريا بما في ذلك ما تقوم به إسرائيل في هذا البلد والذي يهدد الحكومة السورية.


مسؤولون يرفضون التعليق على الغارة الأميركية التي قتلت عميلاً سرياً سورياً

آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

مسؤولون يرفضون التعليق على الغارة الأميركية التي قتلت عميلاً سرياً سورياً

آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

رفض ممثلو وزارتي الدفاع والداخلية السوريتين، ومبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا توم برّاك، الجمعة، التعليق على ما تردد من أنباء حول غارة شنتها قوات أميركية وجماعة سورية محلية، بهدف القبض على مسؤول في تنظيم «داعش»، وأسفرت عن مقتل خالد المسعود الذي كان يعمل في جمع معلومات استخباراتية بشكل سري عن المتطرفين، طبقاً لما قاله أفراد أسرته ومسؤولون سوريون لوكالة «أسوشيتد برس».

ووقَّعت الغارة في مدينة الضمير ، التي تقع شرق دمشق، في نحو الساعة الثالثة صباح يوم 19 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين استيقظ السكان على صوت آليات ثقيلة وطائرات.

وقال السكان إن القوات الأميركية نفذت الغارة بالتعاون مع «الجيش السوري الحر»، وهو فصيل معارض دربته الولايات المتحدة وكان قد حارب ضد الرئيس المخلوع بشار الأسد، ويتبع رسمياً الآن لوزارة الدفاع السورية.

وكان المسعود يتجسس على «داعش» منذ سنوات، بالنيابة عن فصائل مسلحة بقيادة الشرع ثم لصالح الحكومة المؤقتة التي تشكلت بعد سقوط الأسد قبل عام.

ولم يعلق أي من المسؤولين الحكوميين الأميركيين والسوريين على مقتل المسعود؛ ما يشير إلى عدم رغبة أي من الطرفين في أن يعرقل الحادث تحسين العلاقات بين الجانبين.