صدور المجلد السابع من عشرية الفلسفة الفرنسية المعاصرةhttps://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/5106151-%D8%B5%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%B9-%D9%85%D9%86-%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B5%D8%B1%D8%A9
صدور المجلد السابع من عشرية الفلسفة الفرنسية المعاصرة
الكويت:«الشرق الأوسط»
TT
20
الكويت:«الشرق الأوسط»
TT
صدور المجلد السابع من عشرية الفلسفة الفرنسية المعاصرة
صدر المجلّد السابع من عشريّة الفلسفة الفرنسيّة المعاصرة «الفلسفات المسيحيّة» في دار «صوفيا» بالكويت، الاثنين، ويُعرَض للمرّة الأولى في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي انطلق الخميس الماضي، ويستمر إلى 5 شباط (فبراير) المقبل.
ويتميز المجلد، الذي أشرف على إعداده الدكتور مشير باسيل عون وبمساهمة مجموعة من الباحثين، بأنّ معظم الفلاسفة الذين تشملهم الأبحاث غيرُ معروفين في العالم العربيّ. علاوةً على ذلك، ترسم المقدّمة الطويلة التي وضعها عون أبرز الخلفيّات الفلسفيّة الفرنسيّة التي تنسلك فيها اجتهادات هؤلاء الفلاسفة في حقل فلسفة الدِّين المسيحيّة.
وبصدور المجلد السابع، يكتمل نصف العشريّة من الموسوعة (الأوّل، والثاني، والثالث، والرابع، والسابع)، فيما يجرى العمل على بقية المجلدات، ويُتوقع قريباً صدور المجلد الخامس «الجماليّات الفرنسيّة» يليه المجلّد السادس «الفلسفات الماركسيّة».
عمر بن أبي ربيعة شاعر الأنوثة الهاربة والعبث المأساويhttps://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/5113621-%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D8%A8%D9%86-%D8%A3%D8%A8%D9%8A-%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D9%88%D8%AB%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D9%88%D9%8A
عمر بن أبي ربيعة شاعر الأنوثة الهاربة والعبث المأساوي
قلّ أن ارتبط اسم شاعر عربي عبر العصور بالمرأة والحب، كما هو حال عمر بن أبي ربيعة. لا بل إن هذا الاسم بالذات استطاع أن يكتسب صفات وترجيعات لها وقع السحر في الوجدان العربي الجمعي، وأن يصبح رمزاً بالغ الفرادة لكل ما يتصل بفوران الروح والرغبات الحسية والاحتفاء بالحياة. ومع أن الافتتان بالجمال الأنثوي كان سمة مشتركة بين كثير من الشعراء الذين سبقوه، إلا أن عمر وحده هو الذي احتفظ من دون الآخرين بلقب شاعر الحب والغزل، ولم يستطع أحد مجاراته في ذلك، سوى نزار قباني في العصر الحديث.
عمر بن ربيعة في صورة متخيلة
وإذا كانت الظواهر الإبداعية لا تدين بنشوئها للصدف المجردة، بل هي ثمرة تقاطع خلَّاق بين الموهبة الفردية والشرط الاجتماعي والتاريخي، فإن من حق المتابع المتأمل أن يتساءل: لماذا عمَر بالذات؟ ولماذا تكونت ظاهرته في تلك الحقبة الزمنية، وفي حواضر الحجاز دون سواها من الأماكن؟
والواقع أن انتماء عمر إلى بني مخزوم، وهم بعض أكثر بيوتات قريش ثراءً ومَنَعَةً وكرماً، يعكس الرفاهية والدلال اللذين حكما حياة الشاعر وجعلاه ممتلئاً بنشوة العيش. وينقل الأصفهاني عن عبد الله، والد عمر، أنه كان الأكثر ثراءً في قومه، وأنه بعد إسلامه كان يكسو الكعبة من أمواله الخاصة مرة كل سنتين.وفي حين خلّف انتقال مركز الخلافة إلى الشام، جرحاً لا يندمل في نفوس الحجازيين الذين تم تهميشهم وإخراجهم من المعادلة السياسية، فقد واجه عمر هذا التهميش بانصرافه إلى العشق والحب، مجسداً اندفاعة جيل الشبان من أرستقراطيي قريش نحو افتراع الحياة والعبّ من ملذاتها المختلفة. وإذا كان زهو الشاعر بنفسه جزءاً لا يتجزأ من طباع بني مخزوم وتكوينهم النفسي الجماعي، فقد أسهمت وسامته البالغة في شعوره بالزهو، ورفعت منسوب نرجسيته إلى حدوده القصوى، بحيث بات يرى العالم بأسره انعكاساً لصورته في المرآة.
ويكفي أن نعود إلى ديوان عمر لكي نعثر على عشرات الشواهد الدالة على خيلائه. فحبيبته لا تملك حين تتعثر في المشي، سوى مناداته باسمه لكي تستعيد التوازن:
وإذا ما عثرت في مرْطِها
نهضت باسمي وقالت: يا عمر
والنساء اللواتي تناهى إليهن صيته عاشقاً مفرطاً في الوسامة، يتدافعن لرؤيته من خلف نوافذ بيوتهن:
وكنَّ إذا أبصرنني أو سمعن بي
سعيْن فرقّعنَ الكِوى بالمحاجرِ
وقد يكون إلباس عمر لنفسه لبوس الفاتح المظفَّر الذي يغزو بلا هوادة قلوب معجباته الكثيرات، نوعاً من المحاكاة الرمزية لسطوة السلطة السياسية التي لم يملك الشاعر، ولا الجماعة الحجازية القدرة على مواجهتها بالسلاح، فاختار أن يواجه جبروتها الفحولي، عبر فحولة موازية تتوسل لتحقيق أهدافها سلطة اللغة وسحرها المغوي.
كما يتمثل الطابع الإشكالي لتجربة الشاعر في اختلاف النقاد حول العلاقة بين شعره وسلوكه. ففي حين يُنسب إلى صديقه ابن أبي عتيق قوله: «ما عُصي الله عز وجلّ بشعرٍ أكثر مما عُصي بشعر ابن أبي ربيعة»، وإلى هشام بن عروة قوله: «لا ترووا لفتياتكم شعر عمر بن أبي ربيعة حتى لا يتورطوا في الزنا تورطاً»، لم يتردد الشاعر نفسه في تأجيج البلبلة المثارة حول ذلك، بحيث كان يعترف بالشيء ونقيضه في آن. فإذ سأله سُمرة الحميري، وقد التقاه شيخاً في الطواف: «أكلُّ ما قلته في شعرك فعلته؟»، أجابه عمر قائلاً: «نعم، وأستغفر الله». في حين أنه صرح في شيخوخته: بـ«أنه لم يكشف ثوبه عن حرامٍ قط». فضلاً عن إشارته إلى أن ولعه بالنساء لم يعدُ كونه مطاردة عن بُعد للجمال المطلق:
إني امرؤ مولعٌ بالحسْن أتبعه
لا حظَّ لي فيه إلا لذة النظرِ
أما نعت عمر من النقاد بالشاعر الإباحي، فهو لا يجد سنداً له في قصائده ومقطوعاته، حيث لا مكان في معجمه الشعري للبذاءة والفحش والتهتك. فرغم شغف عمر الحسي والشهواني بالمرأة، فإن هذا الشغف ظل في الإطار الضيق الذي التزم به العذريون في قصائدهم، ولم يتعدَّ حدود العناق والضم واللثم.
كما تتجلى منطقة التشابك النفسي والفني بين عمر وبين العذريين، في الكثير من النصوص التي تُنسب إلى الطرفين معاً، كالأبيات التي قالها في معشوقته الرباب، وتُنسب في الوقت ذاته إلى كثيّر عزّة، ومنها:
أفقْ قد أفاق العاشقون وفارقوا
الهوى واستمرّت بالرحيل المرائرُ
وهبْها كشيء لم يكنْ أو كنازحٍ
به الدار أو من غيّبتهُ المقابرُ
إلا أن تقاطع الرؤيتين إلى المرأة والحب، يبدو أكثر وضوحاً في تجربتَي عمر وجميل بثينة، بحيث تحيل نصوصهما إلى المكابدات ذاتها والألم إياه. وقد يتعدى التشابه بين الطرفين حدود الكتابة على البحر ذاته والقافية إياها، ليتشاركا المضامين والمعاني، حيث كل منهما مطارَد ومهدَّد بالقتل. فإذ يقول جميل:
أحِلماً؟ فقبل اليوم كان أوانه
أم أخشى؟ فقبل اليوم أوعدتُ بالقتلِ
يقول عمر في المقابل:
جرى ناصحٌ بالودّ بيني وبينها
فقرّبني يوم الخضاب إلى قتلي
ومع ذلك فإن تجربة عمر لا تقل في عمقها الأخير مأساوية عن تجربة جميل ورفاقه العذريين. فإذا كان جرح الثاني وليد حرمانه من بثينة، وافتقاره إلى حضورها الباعث على السكينة، فإن جرح الأول أبعد غوراً وأصعب التئاماً، لأن المنادى في حالة جميل يقتصر على امرأة واحدة هي بثينة، أما المنادى لدى عمر فلا يقتصر على «نُعم» وحدها، بل يتعدى النساء الأربعين اللواتي ذكرهنّ في شعره، ليطول كل نساء الكوكب.
ورغم ما أصابه في مغامراته النسائية من نجاحات، فقد كانت لدى عمر ما يشبه عقدة النقص العاطفي وعدم الشعور بالامتلاء، التي سُميت بعد قرون «عقدة الدون جوان»، (ومن المفارقات الغريبة أن يكون لعمر ولد اسمه جوان!). ولذا كان يكفي الشاعر المحبوب من عشرات النساء أن ترفضه امرأة واحدة، لكي تُفقده اعتباره لنفسه، فيشعر بأنه فاشل ومهزوم، ويجدّ في طلبها بأي ثمن. فهو لم يضطر إلى الزواج من كلثم المخزومية إلا لأنها رفضت بإصرار أن تلتقيه إلا تحت سقف الزواج الشرعي. وهو لم يتعلق بالثريا كل ذلك التعلق إلا لأنها، رغم حبها له، لم تستسغ عبثه المفرط وتعدد علاقاته. وحين تزوجت من سواه بدا شعره فيها مشوباً بكثير من الحسرات. وهذا ما حدث له أيضاً مع فاطمة الأشعث، التي خطبها في موسم الحج، فرضيت شرط أن يتبعها إلى وطنها العراق، وحين فعل أوصدت بابها في وجهه.
وككل مولع بالنساء، كانت مأساة عمر أن جسده أقل بكثير من ظمأ روحه، وذراعيه أقصر بكثير من رغباته، وقدميه لا تكفيان لبلوغ الأنوثة الأبدية التي ظل سرابها يلمع في أقاصي العالم. وقد يكون أبلغ ختام لهذه المقالة، هي الصورة التي رسمها لنفسه، ضلِّيل النساء وشريدهنّ الأبديّ، حين قال: