الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

خوارزميات التعلم الآلي يمكنها تحليل «بصمات الأسنان» بوقت قياسي

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي
TT

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

لطالما كان مجال طب الأسنان العدلي أو الجنائي ميداناً حيوياً في علم الطب الشرعي، إذ يقدم الأدلة الأساسية التي تساعد في كشف الجرائم وحل الألغاز القانونية.

الأسنان لتحديد الهوية

وتجرى التحقيقات الجنائية لحل الألغاز القانونية من خلال:

> تحديد الهوية: يتم استخدام الأسنان وبصمات الأسنان لتحديد هوية الأفراد في حالات الكوارث الطبيعية، الحوادث، أو الجرائم، خصوصاً عندما تكون الجثث مشوهة أو متحللة.

> تحليل علامات العضّ: يساعد تحليل علامات العض الموجودة على الأجساد أو الأشياء في تحديد الجناة أو الضحايا من خلال مقارنة العلامات مع أسنان المشتبه بهم.

> تقييم العمر: يمكن لطب الأسنان الجنائي تقدير عمر الأفراد بناءً على تطور الأسنان وتركيبها، مما يساعد في قضايا مثل الهجرة غير الشرعية وحالات الاستغلال للأطفال.

> فحص الجثث المجهولة: يتم استخدام تقنيات طب الأسنان لفحص الجثث المجهولة والتعرف عليها من خلال السجلات الطبية للأسنان.

> الأدلة الفموية: يمكن للأدلة المستخرجة من الفم والأسنان أن توفر معلومات حول نمط حياة الأفراد، مثل النظام الغذائي والعادات الصحية، التي قد تكون ذات صلة بالقضايا الجنائية.

> الكشف عن التزوير والتزييف: يمكن تحليل التركيبات السنية والأسنان المزيفة لتحديد التزوير والتزييف في الأدلة الجنائية.

> التشخيص المسبق: يستخدم طب الأسنان العدلي في تشخيص الإصابات الفموية وتحليلها لتحديد ما إذا كانت ناتجة عن أعمال جنائية أو غيرها.

دور الذكاء الاصطناعي

ومع التقدم السريع في التكنولوجيا، يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً متزايداً في تعزيز هذا المجال وجعله أكثر دقة وفاعلية. وسنستعرض كيف يغير الذكاء الاصطناعي ملامح طب الأسنان العدلي ودوره المحوري في تحسين عملية التشخيص وتقديم الأدلة الجنائية.

> الذكاء الاصطناعي في تحليل الأدلة، يتيح الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الضخمة بسرعة ودقة، وهو ما كان يستغرق أياماً أو حتى أسابيع لفرق من الأطباء والمختصين. أما الآن، فباستخدام خوارزميات التعلم الآلي، يمكن تحليل الصور الفموية والأشعة السينية وتحديد الهوية من خلال بصمات الأسنان بوقت قياسي قد لا يتجاوز الساعة.

> التشخيص الدقيق، يسهم الذكاء الاصطناعي في رفع مستوى الدقة في التشخيص من خلال تحليل البيانات الفموية مثل تحديد هوية العضات والعمر والجنس للضحايا من خلال الأسنان وعظم الفك وتحديد الأنماط غير المرئية بالعين المجردة. ويساعد هذا الأطباء في تمييز الحالات العادية من الحالات الحرجة التي قد تكون ذات صلة بالجرائم أو الحوادث.

> تحديد الهوية، يُعد تحديد الهوية من خلال الأسنان من أهم تطبيقات طب الأسنان العدلي، خصوصاً في حالات الكوارث أو الجثث غير معروفة الهوية. وبفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن مقارنة البيانات الفموية بسرعة مع قواعد بيانات السجلات الطبية الرقمية، مما يسهل عملية التعرف على الضحايا بدقة عالية. كما مكنت خوارزميات الذكاء الاصطناعي من إعادة بناء الوجه بعد حوادث الغرق أو الحريق أو الطائرات لسهولة التعرف على الضحايا.

ومع استمرار تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، نتوقع أن يصبح طب الأسنان العدلي أكثر تطوراً وفاعلية، فالذكاء الاصطناعي لا يقلل من الوقت والجهد فحسب، بل يساهم أيضاً في تقليل الأخطاء البشرية وتحقيق نتائج أكثر دقة ومصداقية. بفضل التعاون بين الخبراء في مجالات التكنولوجيا والطب الشرعي، يتم تطوير تطبيقات جديدة لتحديد العمر والجنس وحتى الأصل العرقي بناءً على تحليل الأسنان.

وعلى الرغم من الفوائد العديدة للذكاء الاصطناعي في طب الأسنان العدلي، هناك تحديات يجب التغلب عليها. ومن بين هذه التحديات ضرورة تحسين دقة الخوارزميات وتجنب التحيزات التي قد تؤثر على النتائج. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة لضمان الخصوصية وحماية البيانات الشخصية للمرضى.

وتنفيذ الذكاء الاصطناعي بشكل فعال في طب الأسنان العدلي، يجب على المؤسسات التعليمية توفير التدريب اللازم للأطباء والمختصين في هذا المجال. يشمل ذلك تعليمهم كيفية استخدام الأدوات التكنولوجية الجديدة، وفهم كيفية تفسير النتائج التي تنتج عن الخوارزميات الذكية.

وتبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا السياق بوضوح أهمية التقنية في تحسين حياتنا وجعل مجتمعاتنا أكثر أماناً وعدالةً.



الذكاء الاصطناعي نجح في إنجاز محرك صاروخي متطور في 3 أسابيع

الذكاء الاصطناعي نجح في إنجاز محرك صاروخي متطور في 3 أسابيع
TT

الذكاء الاصطناعي نجح في إنجاز محرك صاروخي متطور في 3 أسابيع

الذكاء الاصطناعي نجح في إنجاز محرك صاروخي متطور في 3 أسابيع

نجح نظام ذكاء اصطناعي يسمى «نويرون Noyron» في تصميم وتصنيع واختبار أحد أكثر محركات الصواريخ تحدياً في صناعة الطيران والفضاء: محرك دفع هوائي مبرد.

محركات «آيروسبايك»

من الناحية النظرية، يحافظ تصميم محرك الدفع الهوائي cryogenic aerospike thruster (محرك آيروسبايك)على كفاءة عالية عبر مجموعة واسعة من الارتفاعات، مما يجعلها مثالية للصواريخ التي يمكنها الانتقال من سطح الأرض إلى المدار على متن سفينة فضائية واحدة. هذا النوع من المركبات -المسمى مرحلة واحدة إلى المدار (بدلاً من المحركات الصاروخية المختلفة لمختلف المراحل)- هو أحد الأهداف «المقدسة» لاستكشاف الفضاء بسبب كفاءته وبساطته وفاعليته من حيث التكلفة.

إنجاز الذكاء الاصطناعي غلب «ناسا»

وعلى عكس مهندسي وكالة «ناسا» الذين قضوا سنوات في تصميم وتصنيع واختبار محرك هوائي مبرّد في التسعينات من القرن الماضي، نجح الذكاء الاصطناعي في إنجاز ذلك في دقائق معدودة.

كنت قد تحدثت مع لين كايزر، المؤسس المشارك لشركة «ليب 71»، Leap71، حول نظام «نويرون»، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما أخبرني بأن الهدف النهائي له ولشريكته جوزفين ليسنر، هو إنشاء نظام ذكاء اصطناعي هندسي متعدد الأغراض في العالم الحقيقي، يشابه «جارفيس» الخيالي الذي يعمل مع توني ستارك في أفلام «الرجل الحديدي»، Iron Man.

ونجح المصممون، الخريف الماضي، في اختبار «تي كيه إل-5»، TKL-5، وهو محرك صاروخي مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد (الطباعة التجسيمية) بقوة 5 كيلونيوتنات، أنتجته الشركة باستخدام الإصدار الأول من نظام « نويرون». وقد استخدموا جميع البيانات التي حصلوا عليها في أثناء تطوير الصاروخ مجدداً لإعادتها بهدف تطوير نظام جديد هو Noyron 2.0.

ابتكار محرك بدلاً من تحسين النموذج الموجود

وقال لي كايزر، عبر البريد الإلكتروني: «كان معظم الشركات تركز على تحسين المحرك الحالي، ولكن نظراً لأن هدفنا هو إتقان نموذج الذكاء الاصطناعي الحسابي، فقد قررنا اتِّباع استراتيجية لتوسيع كمية البيانات التي سنحصل عليها».

اقترح ليزنر أن يركزوا على ابتكار محرك مختلف جذرياً -وصعب للغاية- مثل فوهة «آيروسبايك». وعلى النقيض من «فوهة الجرس» التقليدية التي نعرفها جميعاً، فإن فوهة «آيروسبايك» توجِّه العادم الأسرع من الصوت على طول سنبلة مخروطية الشكل تمتد إلى الخارج. ويتناقص الشكل نحو الخلف، مما يضمن تدفق غازات العادم على طول سطحه، والتمدد بشكل طبيعي. ويتكيف هذا الشكل الخارجي مع تغيرات الضغط الجوي ويوفر أداءً متفوقاً في أثناء صعود المركبة الفضائية، من مستوى سطح البحر إلى فراغ الفضاء.

حلم «آيروسبايك»

يقول لي كايزر: «تحتاج المحركات التقليدية إلى طول فوهة مختلف، اعتماداً على الارتفاع الذي تحلِّق فيه». وعلى الأرض، يمكن للمحركات أن تكتفي بفوهة قصيرة، ولكن في فراغ الفضاء يجب أن تمتد الفوهات وتصبح طويلة جداً، «وإلا فإن الغاز سوف يتجه جانباً ولن يُنتج قوة دفع»، وهذا يجعل فوَّهات الفراغ للمراحل العليا من رحلات الفضاء طويلة وثقيلة، مما يزيد من تكلفة إطلاق كل صاروخ استخدمته البشرية على الإطلاق، من «ساتورن 5» إلى «ستارشيب سبيس إكس». ولأنك لا تستطيع تحسين الفوهة إلا لنظام جوي واحد، فإن المحرك على مستوى سطح البحر يبدأ بقوة كبيرة، ولكنه يصبح أقل كفاءة بعد ذلك عندما يبدأ العادم في التحرك جانبياً في الغلاف الجوي الأعلى والأخف وزناً.

ولهذا السبب تحتوي الصواريخ الحالية على مرحلتين أو ثلاث مراحل، مما يُعقِّد تصميمها وتكلفتها. ويتم تجنب كل هذا بواسط «آيروسبايك».

ولكن على الرغم من المزايا الواضحة لهذا المحرك، كما يشير كايزر، فإن «عدداً قليلاً فقط من الفرق نجحت في إطلاقه في العقود الأربعة الماضية». والمشكلة الرئيسية هي التبريد.

ويقول: «نظراً إلى أن سبايك يقع في وسط غاز العادم الساخن الذي تبلغ درجة حرارته 5430 درجة فهرنهايت (3000 مئوية)، فإنه من الصعب جداً تبريده بشكل صحيح، إذ حتى السبائك المعدنية عالية الحرارة القادرة للغاية لها نقاط انصهار تبلغ نحو 2732 درجة فهرنهايت (1500 مئوية) وتَضعُف قبل ذلك بكثير». من الصعب تصميم سبايك الطيران لأنه يتطلب قنوات تبريد داخلية معقدة وهندسة دقيقة، مما يجعل من الصعب تصنيعه باستخدام الطرق التقليدية.

محاولات إنتاج المحرك

وجرت محاولات لإنتاجه في الستينات من القرن الماضي، ثم تابعت وكالة «ناسا» وشركة «لوكهيد مارتن» الفكرة مرة أخرى لإنتاجه لبرنامج طائرة الفضاء دون المدارية «إكس 33». وقد أُلغي عام 2001 بسبب التحديات الفنية والميزانية. وقد حاول كثير من الشركات الأخرى وفشلت، لا سيما «فايرفلاي Firefly»، وهي شركة ناشئة أفلست عام 2017 وعادت مؤخراً إلى الحياة بعد إلغاء تصميم «آيروسبايك» الخاص بها.

ومع ذلك، نجح البعض، بما في ذلك شركة «Pangea Aerospace» الإسبانية، التي اختبرت بنجاح محرك «آيروسبايك» الخاص بها «DemoP1» الذي يعمل بالميثان والأكسجين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. وتخطط هذه الشركة لتوسيع نطاقها إلى محرك بقوة 300 كيلونيوتن.

وجاء أحدث جهد قبل إنتاج محرك «نويرون» من «Polaris»، من شركة «Raumflugzeuge» الألمانية التي نجحت في تصميم وإشعال محرك «آيروسبايك» في أثناء اختبار طيران للنموذج التجريبي «MIRA-II» فوق بحر البلطيق.

الذكاء الاصطناعي ينقذ الموقف

وفق ليسنر، تمكن المصممون من توسيع فهم «نويرون» للفيزياء لمعالجة التعقيد الفريد لهذا النوع من المحركات. وابتكر الذكاء الاصطناعي الخاص بـ«Leap71» تصميماً ذاتياً يجري فيه تبريد المسامير بواسطة قنوات معقدة مغمورة بالأكسجين المبرد، فيما يجري تبريد الجزء الخارجي من الغرفة باستخدام وقود الكيروسين.

بعد الانتهاء من تصميم الإصدار الجديد، أنشأ المصممون تصميماً لـ«آيروسبايك» في ملف CAD، جاهز للطباعة ثلاثية الأبعاد في قطعة واحدة صلبة من النحاس. ويقول كايزر إن هذا شيء لم يقم أحد به من قبل وقد تعاقدوا مع شركة ألمانية.

كما عمل المصممون مع معهد «فراونهوفر» لتكنولوجيا الليزر، الذي أجرى المعالجة الحرارية لتقوية المعدن، فيما كانت شركة ألمانية ثالثة مسؤولة عن تنظيف المسحوق المتبقي تماماً من التجاويف الداخلية للمحرك.

نجاح الاختبارات

بعد التصنيع، أرسلت «Leap71» المسمار الهوائي إلى فريق «Race 2 Space» في جامعة شيفيلد، الذي ساعد على تحضير المحرك للاختبار في مرافق الهندسة المحمولة جواً في ويستكوت، بالمملكة المتحدة، وهو مخبأ خرساني يعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية يمكنه احتواء أي انفجارات إذا حدث خطأ ما.

كان عليهم في الأساس إجراء الاختبار بشكل أعمى. «كنا متأكدين نسبياً من النظرية وراء ذلك، ولكن لا يمكن اكتشاف كثير من الأشياء إلا في أثناء الاختبار، مثل المقاومة في قنوات التبريد، بسبب خشونة سطح الطباعة ثلاثية الأبعاد»، كما يقول كايزر. كل شيء تقريباً في هذا المحرك كان جديداً وغير مُختبَر.

على الرغم من المخاطر المحتملة، نجح فريق الاختبار في إشعال المحرك في المحاولة الأولى 18 ديسمبر (كانون الأول) 2024.

يرى ليسنر أن هذا الإنجاز «يعد بمثابة تصديق رائع على نهج الذكاء الاصطناعي القائم على الفيزياء». والواقع أنه من الجدير بالذكر أن شركة برمجيات الذكاء الاصطناعي المكونة من شخصين أنفقت نحو ثلاثة أسابيع في المجموع لتصميم أحد أصعب محركات الصواريخ التي يمكن تخيلها.

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً