«من وحي الأقصر»... يُعيد اكتشاف «مدينة الشمس»

معرض يضم مائة عمل لـ35 فناناً

لوحة للفنان اللبناني فؤاد تومب (الشرق الأوسط)
لوحة للفنان اللبناني فؤاد تومب (الشرق الأوسط)
TT

«من وحي الأقصر»... يُعيد اكتشاف «مدينة الشمس»

لوحة للفنان اللبناني فؤاد تومب (الشرق الأوسط)
لوحة للفنان اللبناني فؤاد تومب (الشرق الأوسط)

تعكس أعمال معرض «من وحي الأقصر» الارتباط الوثيق ما بين الفن وذاكرة المدن، وتستلهم أعماله التفاصيل الدقيقة لتاريخ مدينة الأقصر (جنوب مصر)، ومعابدها وناسها وبيوتها وشوارعها وأزقتها.

ويُعد المعرض الذي يستضيفه غاليري «بيكاسو إيست» في القاهرة، نتاجاً لـ7 نسخ من «ملتقى من وحي الأقصر الدّولي»؛ التي استُلهمت أعماله من المكان ووثّق له في الوقت نفسه.

جانب من معرض «من وحي الأقصر» (الشرق الأوسط)

ويجمع المعرض بين 35 فناناً من مصر والعالم، ومن بين الفنانين المشاركين فيه كل من جورج بهجوري، وصلاح المليجي، وسيد سعد الدين، وفتحي عفيفي، وإبراهيم غزالة، والراحل مصطفى الفقي من مصر، وفؤاد تومب من لبنان، وإسماعيل الرفاعي وحمود شنتوت من سوريا، وإسماعيل عزّام من العراق، وأحلام لمسفر من المغرب، ومحمد الغالوس من الأردن، وجوليا يوسكو من إيطاليا، وريتو سينغ من الهند، وإيزابيلا أوتشمان من بولندا، وأولغا ماتياش من روسيا، وفنانين آخرين.

لوحة للفنان السوري حمود شنتوت (الشرق الأوسط)

وعبر نحو مائة لوحة، يتعرّف المتلقي على الأقصر التي تُلقّب بـ«مدينة الشمس»، من دون أن تظهر بشكل مباشر على سطح اللوحة، حيث تمتزج الأعمال ما بين خيال الفنانين وسحر الأقصر وإرثها الحضاري، ليجد المتلقي نفسه في مواجهة حكايات مسكونة بخصوصية المكان، ومعالم الحضارات، ومشاهد الإنسانية، التي تترك آثارها في الذاكرة البصرية للمتلقي.

عمل للفنان المصري مصطفى الفقي في المعرض (الشرق الأوسط)

يُبرز المعرض قوة الفن، وقدرته على تجاوز الحدود، وتعزيز التبادل الثقافي، كما يمثّل حواراً فنياً بين مختلف المدارس التشكيلية التي ينتمي إليها المشاركون، الذين يمثّلون أجيالاً مختلفة، وفق رضا بيكاسو مدير الغاليري.

يقول بيكاسو لـ«الشرق الأوسط»: «تجمع الأقصر كل هؤلاء الفنانين، ليستلهموا منها أعمالهم، محاولين عدم رهن المكان إلى جمالياته الجاهزة، بل يبتكرون جماليات جديدة للمدينة ليكون حيزها البارز في عملية الإبداع».

عمل للفنان المصري مصطفى الفقي في المعرض (الشرق الأوسط)

ويوضح أن «أعمال المعرض هي نتاج (ملتقى الأقصر) الذي يُمثّل منصة فنية للتعارف وتبادل الثقافات والتجارب بين الفنانين، تُستضاف خلاله مجموعة من الفنانين من مصر والدول العربية والأجنبية، للإقامة في الأقصر لمدة 9 أيام، يزورون خلالها معابد المدينة، والمقابر الملكية والمتاحف، ما يتيح لهم الاستلهام والإبداع خلال فترة إقامتهم فيها».

تجدر الإشارة إلى أن الملتقى انطلق للمرة الأولى عام 2013، وأقيمت النسخة السابعة منه في الفترة من 10 إلى 19 مايو (أيار) الماضي، وشهدت نسخته الأخيرة زخماً فنياً مميزاً، انعكس على المعرض الجديد الذي يضمّ نحو مائة عمل فني.

لوحة للفنان جورج بهجوري تعكس بوح النيل بأسرار الحضارة المصرية (الشرق الأوسط)

في لوحاته بالمعرض يظهر تأثر الفنان المصري جورج بهجوري بنشأته في صعيد مصر، حيث ولد في عام 1932، ومن خلال تأمل هذه اللوحات من السهل أن يُدرك المتلقي أن بهجوري يُعيد صوغ تفاصيل المكان، عبر خطوط بسيطة، ولوحات تعبيرية، تعكس البيئة الجنوبية، وتنزل إلى الشارع تارة لتجسد صوراً من الحياة البسيطة، وتنتقل إلى النيل تارة أخرى لتحكي الكثير عن جمال الطبيعة وأسرار الحضارة.

لوحة للفنان العراقي إسماعيل عزام (الشرق الأوسط)

وما بين هذا وذاك، يتمسّك الفنان بالطابع المصري الزاخر بالألوان والحياة، مستدعياً مشاهد ولحظات وذكريات عاشها في الأقصر بقيت في مخيلته، تُوقظها زياراته المتكررة لها من حين إلى آخر. ويكفي أن تتأمل لوحات المعرض حتى تُدرك كم تتمتّع الأقصر بالسكينة والهدوء، وكم تمثل أيضاً ملاذاً للفنانين الباحثين عن الجمال والإلهام، فالفنان العراقي إسماعيل عزام اختار أن يترك الزّخم الأثري للمدينة، كما قرّر أن يتخلّى عن شغفه في الوجوه ورسم البورتريه المعروف عنه، ليستكشف مع المتلقي دفء البيوت، وجمال الطبيعة، وسكون المكان.

الفنانة المغربية أحلام لمسفر (الشرق الأوسط)

في حين تنقل الفنانة المغربية أحلام لمسفر، مشاعرها وانطباعاتها الخاصة بالمدينة بأسلوب تجريدي، لا يٌقدّم أشكالاً تقليدية أو صوراً يمكن التعرف عليها، لكنها من خلال لوحاتها تنقل للمتلقي الإحساس بهيبة المكان، وعظمة الحضارة المصرية القديمة. فلوحاتها في المعرض أقرب إلى الفن التجريدي الهندسي التي تُذكّرنا بالفنان في بيت موندريان أثناء بحثه المستمر عن تنسيقٍ مثالي من خلال تحقيق التوازن بين الألوان والخطوط، والأشكال النقية.

عمل للفنانة المغربية أحلام لمسفر (الشرق الأوسط)

وظهر تأثّرها الشديد واضحاً في معابد الأقصر وواجهاتها المبهرة، التي عبّرت عنها بأسلوبها الخاص، وبطغيان اللون الأزرق، ما يمنح المتلقي رؤية عميقة الدلالة، تبعث على الإحساس بالراحة والصفاء الذهني، وارتباط ذلك بالمدينة المصرية.

الفنان السوري إسماعيل الرفاعي (الشرق الأوسط)

ومن خلال التعبير عن روح المكان والناس، بحث الفنان السوري إسماعيل الرفاعي عن اللامرئي في الأقصر، متناولاً التجربة الإنسانية الأوسع، إذ تبدو الشخوص في لوحاته وكأنها جاءت للتو من جدران المعابد في المدينة، لتسجل حضورها في العصر الراهن، وتبوح بأسرار جديدة عن الحضارة المصرية القديمة.

عمل للفنان المصري السيد قنديل (الشرق الأوسط)

وتُظهر أعمال الفنان المصري السيد قنديل، التواصل ما بين الإنسان والطبيعة، وتتميز خطوطه بالرشاقة والحركة، والتداخل بين الألوان الهادئة، مما يعكس روح الحياة والمشاعر الإنسانية.

لوحة الفنان المصري الراحل مصطفى الفقي (الشرق الأوسط)

وفي أعمال الفنان الراحل مصطفى الفقي، يمكن أن تعيش أياماً داخل بيوت المدينة، إذ ينقل لنا نبض الحياة داخلها، ونستطيع أن نشاهد امرأة أمام الفرن البلدي التقليدي تخبز وتعد الطعام لأسرتها، ورغم تأثير الزمن الذي يظهر واضحاً على وجهها وجسدها، فإنها تمارس عملها بنشاط، في حين تحيط بها مجموعة من الحمام، في أوضاع وحركات مختلفة، كما لو أنّ هذه الطيور تؤدّي مهاماً ما، أو تخوض حواراً شبيهاً بحوار البشر، لفرط إحساسها بالأمان والألفة في المنزل الرّيفي البسيط.

لوحة للفنانة البولندية إيزابيلا أوتشمان (الشرق الأوسط)

وتمزج الفنانة البولندية إيزابيلا أوتشمان في أعمالها ما بين الخط العربي والألوان والرسم، وقد طوّعت الخط رمزياً وتشكيلياً بشكل حداثي، ووزّعته ليملأ مساحة اللوحة بحروف تتمتع بالمرونة والانسيابية، معبرة عن تنوع الحضارات في مصر.


مقالات ذات صلة

عمل فني صادم: رؤوس مشاهير التكنولوجيا على كلاب روبوتية (فيديو)

يوميات الشرق روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)

عمل فني صادم: رؤوس مشاهير التكنولوجيا على كلاب روبوتية (فيديو)

انتشر عمل فني من معرض «آرت بازل» يضم كلاباً آلية تحمل رؤوساً شمعية لوجوه شخصيات بارزة من رواد التكنولوجيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

لا يشكّل معرض «ديفا» (رحلة في بريق المجوهرات الإيطالية) قصة عادية لفنانين مصمّمين، بل يروي حكاية شيّقة عن تاريخ هذا الفنّ اليدوي في إيطاليا.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)

«عيد الكاريكاتير المصري» يحتفي بـ«المتحف الكبير» وطوغان

المعرض يهدف إلى تعزيز الوعي بالهوية المصرية وبقيمة المتاحف، ويقدّم أعمالاً متنوعة تمزج بين السخرية والطرح الإنساني لإيصال رسائل ثقافية وفنية قريبة من الجمهور.

حمدي عابدين (القاهرة)
يوميات الشرق تدور موضوعات لوحات بو فرح بين الخيال والواقع (الشرق الأوسط)

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

تستعير الفنانة التشكيلية جولي بو فرح في معرضها «آي كلاود» من الغيوم صورة شاعرية لأعمالها، فترسمها بريشة تتأرجح بين الواقع والخيال.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق إحدى لوحات المعرض (المتحف المصري بالتحرير)

المتحف المصري يحتضن لوحات «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»

تحت عنوان «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»، استضاف المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) معرضاً فنياً يضم لوحات وأعمالاً تستلهم الحضارة المصرية.

محمد الكفراوي (القاهرة )

تكريم عمر خيرت في الدورة الأولى لـ«مهرجان الأوبرا» بقطر

الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
TT

تكريم عمر خيرت في الدورة الأولى لـ«مهرجان الأوبرا» بقطر

الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)

يستهل «مهرجان الأوبرا العربية» فعاليات دورته الأولى في قطر بتكريم الموسيقار المصري عمر خيرت، وذلك برعاية وتنظيم «المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم» (الألكسو)، حيث اختيرت مصر ضيف شرف المهرجان بوصفها صاحبة أقدم دار أوبرا في العالم العربي.

وتنطلق الدورة الأولى للمهرجان بالتعاون مع المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) خلال الفترة من 8 حتى 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وقد تقرَّر تكريم عمر خيرت «تقديراً لعطائه وعرفاناً بدوره الرائد في إثراء ساحة الإبداع العربي»، وفق بيان لوزارة الثقافة المصرية. ويقدِّم «أوركسترا القاهرة السيمفوني» بقيادة المايسترو أحمد عاطف حفلاً يتضمن مجموعة من المؤلفات المصرية لكل من علي إسماعيل، وفؤاد الظاهري، ويوسف شوقي، وعمار الشريعي، وحسن أبو السعود، وعمر خيرت، وأندريا رايدر.

وعدَّ الدكتور علاء عبد السلام، رئيس «دار الأوبرا المصرية»، اختيار الأوبرا المصرية ضيف شرف الدورة الأولى «تأكيداً لأعرقيَّتها عربياً»، مشيراً إلى أن ذلك «يُبرز عمق العلاقات بين الأشقاء ويعكس التطلعات إلى مستقبل أكثر إشراقاً للفنون في المنطقة». وأضاف أن «احتضان دولة قطر للمهرجان خطوة ثقافية رائدة تعكس تقديرها للمسار الفني العربي، وتُبرز أهمية تلاقي التجارب والمؤسسات الفنية في فضاء واحد تُصاغ فيه مشروعات جديدة وتُفتح آفاق رحبة للتعاون والإبداع».

«دار الأوبرا المصرية» ضيف شرف «مهرجان الأوبرا» بقطر (وزارة الثقافة المصرية)

وقال الناقد الفني المصري أحمد السماحي إن «عمر خيرت يستحق هذا التكريم عن جدارة؛ فهو منذ بداياته يقدِّم نغمة مختلفة ومتجددة، وعمل على تطوير الموسيقى المصرية من خلال توزيعاته أولاً ثم من خلال مؤلفاته». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «خيرت من أوائل من ساهموا في تطوير التوزيع الموسيقي في الوطن العربي، ونجح في جذب أجيال واسعة، خصوصاً من الشباب، إلى الموسيقى، وقدّم ألبومات موسيقية خالصة بأسلوب متفرد حظيت بنجاح وانتشار كبيرين».

وقدّم عمر خيرت عدداً كبيراً من الألبومات والمقطوعات التي ارتبطت بالدراما والسينما، وغنَّى من أعماله نجوم الطرب في مصر والعالم العربي، مثل علي الحجار، ومحمد الحلو، ومدحت صالح، وحنان ماضي، ولطيفة. ومن أشهر مقطوعاته السينمائية «قضية عم أحمد»، و«إعدام ميت»، و«ليلة القبض على فاطمة»، و«عفواً أيها القانون»، ومن موسيقاه في الدراما «ضمير أبلة حكمت»، و«البخيل وأنا»، و«غوايش».

وكان مؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية، الذي عقد دورته الـ24 في الرباط (المغرب)، قد أقر إقامة «مهرجان الأوبرا العربية» في قطر، واختيرت «دار الأوبرا المصرية» ضيف شرف دورته الأولى بالنظر إلى أسبقيتها التاريخية، إذ أسَّست مصر أول دار أوبرا في الوطن العربي، وفق بيان وزارة الثقافة.

ويرى الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين أن «تكريم عمر خيرت في (مهرجان الأوبرا العربية) الأول يعكس القيمة الكبيرة التي يُمثِّلها في الموسيقى العربية، وليس المصرية فقط»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الاختيار موفَّق جداً، سواء في تكريم خيرت أو في اختيار (دار الأوبرا المصرية) ضيفَ شرفٍ بوصفها الأقدم عربياً».

أُنشئت «دار الأوبرا المصرية» عام 1869 على يد الخديو إسماعيل ضمن احتفالات افتتاح قناة السويس. وبعد أكثر من قرن كانت فيه الأوبرا الخديوية المنارة الثقافية الأبرز في الشرق الأوسط وأفريقيا؛ احترق مبناها في أكتوبر (تشرين الأول) 1971. ومن ثَمَّ اختيرت أرض الجزيرة مقراً للمبنى الجديد بالتنسيق مع هيئة التعاون الدولية اليابانية (JICA) والاتفاق على تصميم معماري إسلامي حديث، ليُفتتح المبنى الجديد في 10 أكتوبر 1988.


«حجر رشيد»... رحلة الأثر الذي فك طلاسم الحضارة المصرية

«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)
«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)
TT

«حجر رشيد»... رحلة الأثر الذي فك طلاسم الحضارة المصرية

«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)
«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)

تحت عنوان «حجر رشيد: مفتاح الحضارة المصرية»، أنتجت مكتبة الإسكندرية فيلماً وثائقياً جديداً هو الخمسون ضمن مشروع «عارف... أصلك مستقبلك» الذي يتناول موضوعات تاريخية وبيئية، ورموزاً في مجالات شتى، ويقدم رحلة بصرية شيقة تمزج بين دقة المعلومة التاريخية وسحر الحكاية.

الفيلم الأحدث بسلسلة الأفلام الوثائقية يتناول حجر رشيد؛ ليس كمجرد قطعة أثرية؛ بل كقصة حضارة خالدة ألهمت العالم أجمع، من خلال استعراض أن الحضارة المصرية قد بدأت قبل عملية التدوين.

يستعرض الفيلم تطور أنظمة الكتابة المصرية القديمة، عبر الخطوط الثلاثة المنقوشة على الحجر، وهي: الهيروغليفية (الرسم المقدس)، والهيراطيقية (خط الكهنة)، والديموطيقية (الخط الشعبي)، وصولاً إلى القبطية التي مثلت الجسر الصوتي للغة المصرية القديمة.

ويتتبع الفيلم رحلة الحجر الأثري، بدءاً من معبد «سايس» بمحافظة الغربية، ومروراً باستخدامه كحجر بناء في قلعة «قايتباي» ببرج رشيد خلال العصور الوسطى، حتى اكتشافه عام 1799 على يد الملازم الفرنسي بيار بوشار.

ويسرد الفيلم قصة الصراع اللاحق عليه بين القوات الفرنسية والإنجليزية، الذي انتهى بوجود الحجر في المتحف البريطاني حالياً.

ويُبرز الفيلم المعركة العلمية الطويلة التي دارت لفك طلاسم الحجر، مسلطاً الضوء على جهود العلماء الأوائل، مثل السويدي يوهان أكربلاد، والإنجليزي توماس يانغ. ويُظهر الوثائقي كيف نجح العبقري الفرنسي جان فرنسوا شامبليون في تحقيق الانتصار العلمي. ويكشف أن تفوق شامبليون جاء نتيجة إجادته للغة القبطية التي استخدمها لربط الصوت بالصورة في النصوص القديمة. ففي سبتمبر (أيلول) 1822، أعلن شامبليون نجاحه في فك أول رموز الكتابة المصرية القديمة. وبهذا الإنجاز، تحول حجر رشيد رسمياً من مجرد وثيقة ملكية قديمة للإعفاء من الضرائب إلى أيقونة عالمية، ومفتاح جوهري لفهم التراث الإنساني.

الكتابة المصرية القديمة ظلت لغزاً لزمن طويل (مكتبة الإسكندرية)

ووفق مدير مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، بقطاع التواصل الثقافي في مكتبة الإسكندرية، الدكتور أيمن سليمان، فإن الاهتمام بإنتاج فيلم عن حجر رشيد يعود لأهمية هذا الحجر، ودوره في الكشف عن أسرار الحضارة المصرية القديمة، بعد فك طلاسم لغتها ومعرفة أبجديتها، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «فمن خلال لوحة تعود للعصر اليوناني– البطلمي عبارة عن مرسوم ملكي للإعفاء من الضرائب، وُضعت في كل المعابد تقريباً، نقل جزء منها لإعادة بناء قلعة قايتباي على نهر النيل بمدينة رشيد، استطاع العلماء فك رموز الكتابة المصرية»؛ لافتاً إلى أن عالم الآثار الفرنسي جان فرنسوا شامبليون (1790– 1832) استطاع أن يترجم ويكشف عن اللغة المصرية القديمة، نظراً لمعرفته اليونانية والقبطية، وبالمقارنة استطاع أن يترجم منطوق اللفظ والكلمة من الخط المصري القديم؛ سواء المقدس (الهيروغليفي) أو الخط الشعبي (الديموطيقي).

وقدمت سلسلة «عارف... أصلك مستقبلك» 49 فيلماً وثائقياً من قبل، من بينها أفلام: «وادي حيتان»، و«بورتريهات الفيوم»، و«أبو العباس المرسي»، و«الألعاب في مصر القديمة»، و«حديقة الزهرية»، و«توت عنخ آمون الملك الذهبي»، و«أمير الخرائط».


«مَن الذي لا يزال حيّاً» يوثق أحوال الفلسطينيين الفارين من «جحيم غزة»

عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)
عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)
TT

«مَن الذي لا يزال حيّاً» يوثق أحوال الفلسطينيين الفارين من «جحيم غزة»

عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)
عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)

لم يكن المخرج السويسري نيكولا واديموف يدرك أن اندلاع «حرب غزة» سيقلب أولوياته رأساً على عقب، لكنه وجد نفسه عاجزاً عن التفكير في أي شيء آخر. فالرجل الذي يصوّر في فلسطين منذ نحو 30 عاماً، ويعرف كثيرين بين غزة والضفة، عاش طوال الأسابيع الأولى للحرب تحت وطأة الخوف على أصدقائه العالقين تحت القصف، كما يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط».

ويصف واديموف فكرة أن يكون أولئك الذين يعرفهم جيداً تحت النار من دون أن يعرف مصيرهم بأنها كانت «أمراً لا يُحتمل». ورغم محاولته الاستمرار في مشروعاته الأخرى، سرعان ما اكتشف أن «العقل والقلب كانا في غزة»، وأن المضي في أي مشروع آخر «أصبح مستحيلاً». عندها قرر تجميد جميع أعماله، وحاول مرتين الذهاب إلى غزة ولم ينجح، قبل أن تقوده الصدفة إلى القاهرة، حيث التقى صديقه الفلسطيني جودات هوّاري الذي خرج من القطاع بعد بدء الحرب.

يتذكر واديموف حالة صديقه النفسية في تلك الفترة، ويقول: «وجدته منهاراً كلياً، نفسياً وذهنياً، والصدمة التي رأيته فيها كانت الشرارة التي ألهمتني فكرة الفيلم، والحاجة الملحّة إلى أن تُسمَع هذه الأصوات، خصوصاً في الغرب، حيث تعمل ماكينة سياسية وإعلامية منذ سنوات طويلة على خلق مسافة بين الجمهور والفلسطينيين، وتقديمهم باعتبارهم أرقاماً، إلى حد أن التعاطف معهم بات أصعب مما ينبغي أن يكون».

الفيلم عَرض قصصاً لشخصيات فلسطينية (الشركة المنتجة)

من ذلك اللقاء وُلدت نواة فيلمه «مَن الذي لا يزال حيّاً» الذي عُرض في النسخة الماضية من مهرجان «القاهرة السينمائي»، فقد عرّفه صديقه الفلسطيني على آخرين من أبناء غزة المقيمين في القاهرة، فسجّل أصواتهم أولاً، ومن ثَّم بدأت بينهم فكرة بناء فيلم كامل، قبل أن يضمّ شخصيات أخرى يعرفها هو شخصياً من غزة، ليكتمل الفريق المكوّن من 9 أشخاص.

تقوم فكرة فيلم «مَن الذي لا يزال حيّاً» على «إعادة البشر إلى الواجهة في لحظة يُراد لهم فيها أن يتحولوا إلى أرقام»، كما يقول واديموف، مضيفاً أن «الفيلم يقدّم 9 فلسطينيين من غزة: كتّاباً وصحافيين وفنانين وطلاباً ومديرين ومؤثّرين تتراوح أعمارهم بين 14 و62 عاماً، جميعهم فقدوا بيوتهم وأعمالهم وذكرياتهم تحت القصف، وتحولوا إلى لاجئين».

ويشير إلى أنه شعر تجاههم بما يشبه «العائلة الصغيرة» التي ستحمل الفيلم على عاتقها. وبينما كان من المقرر تصويره في سويسرا، فإن رفض منح الحكومة أبطال الفيلم التسعة تأشيرات دخول دفعه إلى نقل الخطة إلى جنوب أفريقيا، وهي من الدول القليلة التي تستقبل الفلسطينيين من دون تأشيرة.

المخرج السويسري نيكولا واديموف (الشرق الأوسط)

ويرى واديموف أن لهذا القرار بعداً رمزياً مهماً بالنظر إلى «العلاقة التاريخية والأخوّة» بين جنوب أفريقيا وفلسطين، مستحضراً رمزية مانديلا وعرفات ونضالهما، قبل أن يمضي الفريق هناك 3 أسابيع لإنجاز التصوير.

ويعترف بأن الفيلم «كان امتحاناً قاسياً على الصعيد النفسي، ليس لي فقط، بل لكل المشاركين. استعادة الذكريات في خضم الصدمة ليست خطوة بسيطة. عادةً يعمل العلاج النفسي على إبعاد تلك الذكريات أو وضعها في مكان آمن حتى يستطيع الإنسان أن يتعافى، في حين طلبتُ العكس من المشاركين بأن يغوصوا في ذواتهم ويستدعوا ما يحاولون نسيانه».

الفيلم صُوّر في جنوب أفريقيا لعدم تمكن فريق العمل من الحصول على تأشيرات سويسرا (الشركة المنتجة)

ويضيف أنه كان يدرك أن ذلك «خطر عليهم»، لكن البيئة التي كوّنها الفريق كانت حاضنة وقائمة على الدعم المتبادل. «كنا بمثابة عائلة قوية نتشارك كل شيء، وكانوا يدعمون بعضهم طوال الوقت»، مؤكداً أن الشخصيات أمام الكاميرا لم تكن بحاجة إلى توجيه، فـ«الصدق جعل حضورهم أقوى من حضور الممثلين».

ورغم حساسية الموضوع، يوضح واديموف أن الهدف لم يكن نقل المعلومات، فالعالم - من وجهة نظره - «يعرف كل شيء»، والجميع شاهد تفاصيل الإبادة «دقيقة بدقيقة عبر وسائل التواصل»، لكن المشكلة، كما يقول، «ليست في المعرفة، بل في الإحساس. فالناس يعرفون لكنهم لا يشعرون. لذلك اعتبرت أن وظيفة الفيلم ليست إخبار الجمهور بما حدث، بل مساعدته على الشعور به؛ لأن المعرفة بلا تعاطف لا تغيّر شيئاً».

وعن المناخ السياسي في سويسرا تجاه ما يحدث في غزة وصعوبات التمويل، يتحدث بوضوح عن «انقسام البلاد إلى شطرين»، لكنه يؤكد أن هذا الانقسام لم ينعكس على تمويل الفيلم؛ إذ حصل على دعم المؤسسات الثقافية الفيدرالية والتلفزيون السويسري، الذي يصفه بأنه «شجاع ويقوم بواجبه». ويضيف: «أصدقائي دعموا خياري منذ البداية. مَن حولي يقفون في الجانب الصحيح من التاريخ، ولا أحتفظ بصداقات مع أشخاص يلتزمون الصمت أمام الإبادة؛ لأن الصمت تواطؤ».