البالغون أكثر من يصابون به... ما هو «قلق غروب الشمس»؟https://aawsat.com/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82/5095652-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%88%D9%86-%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D9%8A%D8%B5%D8%A7%D8%A8%D9%88%D9%86-%D8%A8%D9%87-%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%88-%D9%82%D9%84%D9%82-%D8%BA%D8%B1%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%B3%D8%9F
البالغون أكثر من يصابون به... ما هو «قلق غروب الشمس»؟
غروب الشمس يسبب القلق للبعض (رويترز)
نيويورك:«الشرق الأوسط»
TT
نيويورك:«الشرق الأوسط»
TT
البالغون أكثر من يصابون به... ما هو «قلق غروب الشمس»؟
غروب الشمس يسبب القلق للبعض (رويترز)
أظهرت البيانات أن ما يقرب من 20 في المائة من البالغين الأميركيين أفادوا بإصابتهم باضطراب القلق في العام الماضي - ومن المرجح أن يشعر الكثيرون بعدم الارتياح والقلق مع غروب الشمس.
ووفق تقرير لشبكة «فوكس نيوز»، «قلق غروب الشمس» ليس تشخيصاً طبياً رسمياً ولا يظهر في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، إلا أن بعض خبراء الصحة العقلية يتفقون على أنه ظاهرة حقيقية.
لا تقتصر الأعراض على القلق فقط، وفقاً للطبيبة النفسية المرخصة في قسم الطب النفسي بجامعة فلوريدا أندريا د. غواستيلو، وقالت لـ«فوكس نيوز»: «يمكن أن يكون أي عرض نفسي يزداد تواتراً أو شدة مع غروب الشمس أو في الليل».
وأشارت إلى أن الأعراض قد تشمل مشاعر الاكتئاب والعزلة واليأس التي تميل إلى الزيادة في الليل.
ما هو قلق غروب الشمس بالضبط؟
وقالت بينا بيرسود، أخصائية علم النفس السريري في «كليفلاند كلينك أكورن جنرال» في أكورن بولاية أوهايو، لـ«فوكس نيوز»، إن قلق غروب الشمس يحدث عندما يبدأ الشخص في الشعور بالقلق مع غروب الشمس في نهاية اليوم.
وأضافت: «إن نقص الضوء الطبيعي يمكن أن يتسبب في قلة طاقة الناس ودوافعهم، وعدم الراحة، والقلق والعصبية بشأن إنجاز المهام».
وقالت إن الأشخاص الذين عانوا سابقاً من نوبات القلق هم أكثر عرضة للقلق بشكل عام، وكذلك الأشخاص الذين لديهم حساسية متزايدة لتغيرات الضوء وأولئك الذين يعتبرون أنفسهم «بومة الليل».
وأضافت: «من المرجح أن يشعر البالغون به أكثر من المراهقين أو الأطفال، وقد يكون هذا بسبب شعور البالغين بالمسؤولية عن الأنشطة اليومية».
المحفزات الشائعة
وفقاً للخبراء، يمكن أن يكون ظهور قلق غروب الشمس مرتبطاً بالإيقاع اليومي، وهو الساعة الداخلية للجسم التي تنظم العديد من الوظائف. وقالت بيرسود إن الإيقاع اليومي يتأثر بإنتاج الميلاتونين.
وتابعت: «نعلم أنه يمكن أن تحدث تغيرات هرمونية مع فصل الشتاء وتوقيت توفر ضوء النهار. نظراً لأن إنتاجنا من الميلاتونين يتأثر بسهولة بالضوء، فإن الظلام المبكر يمكن أن يسبب أعراض القلق والاكتئاب. يعتقد الجسم أنه يجب أن يستعد للنوم بسبب الظلام».
ويبلغ الخبراء عن زيادة في القلق الموسمي من أكتوبر (تشرين الأول) إلى أواخر مارس (آذار).
وقالت بيرسود: «إن تغير الفصول والظلام المبكر يجعلانه وقتاً رئيسياً للناس لتجربة كل من قلق غروب الشمس والاكتئاب الموسمي».
يمكن أن يحدث القلق أيضاً إذا كان شخص ما يحمل حمولة ذهنية ثقيلة من الأنشطة والمسؤوليات ويكافح لإكمالها جميعاً بحلول المساء.
وبحسب بيرسود، فإن الظلام الذي يحدث في وقت مبكر يجعلنا متعبين جسدياً وعاطفياً، ونشعر وكأن اليوم ينتهي قبل أن نتمكن من تحقيق أهدافنا اليومية.
نصائح لتخفيف قلق غروب الشمس
وقدمت غواستيلو النصائح التالية للمساعدة في الحد من القلق حول غروب الشمس:
- حدد أهدافاً معقولة لنفسك.
- خطط لأنشطة ممتعة في الوقت الذي يبدأ فيه القلق عادة.
- مارس عادات نوم جيدة.
- تعرض لأشعة الشمس في الهواء الطلق واستخدم مصباحاً شمسياً في أوقات الإضاءة المنخفضة.
- انتبه لتغذيتك واحصل على فحص مع مقدم الرعاية الأولية إذا لزم الأمر.
- مارس التمارين الرياضية بانتظام للمساعدة في خفض مستويات القلق، ولكن تجنب ممارسة الرياضة في غضون ساعتين قبل وقت النوم.
صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست
باريس:«الشرق الأوسط»
TT
باريس:«الشرق الأوسط»
TT
رحيل بريجيت باردو... هرم فرنسا المعتزل
صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست
لم تكن تحت العين وقيد السمع، لكن بريجيت باردو، الممثلة التي رحلت اليوم عن 91 عاماً، كانت هرماً فرنسياً حاضراً في الأذهان رغم اعتزالها وعزلتها. لذلك جاء غيابها الجسدي ليُعيد التذكير بفصول من تاريخ فرنسا الحديث منذ منتصف القرن الماضي، وبكل ما عاشه البلد من تحولات اجتماعية. إنها الممثلة التي يُنقل عن الجنرال ديغول قوله إن أفلامها من مصادر الدخل القومي الفرنسي.
العناوين عنها كثيرة، وكلمات الرثاء لم تتوقف منذ لحظة إعلان وفاتها. هي فرصة للسياسيين والفنانين المنسيين أن يظهروا للعلن ويسجلوا موقفاً أمام الجماهير التي عايش بعضها «ثورة باردو»، في حين ما زالت غالبية الشباب تجهل تاريخها. رحيل ألان ديلون أو جوني هاليداي أو شارل أزنافور في كفّة، وانطفاء الممثلة الشقراء في كفّة أخرى. هي الأنثى الفرنسية الحرّة منذ أن اكتشفها المخرج روجيه فاديم، وقدّمها في فيلم «وخلق الله المرأة» عام 1956.
تكتب صحيفة «لوبوان» أنها كانت «مزعجة للنساء، مثيرة للرجال. ففي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، جسّدت باردو، سابقة عصرها، الثورة الجنسية وتحرر المرأة. وعلى امتداد حياتها ارتبطت الأحرف الأولى من اسمها B.B. بالحرية. لا يمكن لمن عاصرها أن ينسى تلك الصبية ذات الفم المزموم، وهي ترقص حافية القدمين على أنغام المامبو الحماسية والجريئة والساخنة مثل بركان». كان مشهداً من فيلم فاديم، الذي تزوجها وفق عادته في الاقتران ببطلاته الشقراوات، صُوِّر في ميناء سان تروبيه الصغير ليكون نقطة ولادة الأسطورة.
في عام 1984، روى روجيه فاديم لمجلة «باريس ماتش» الباريسية أنه عاد من تقديم ندوة في قسم السينما بجامعة كبرى في لوس أنجليس، وتفاجأ بأن الطلاب الذين شاهدوا فيلم «وخلق الله المرأة» أبدوا دهشتهم من حداثة شخصية جولييت، التي أدّتها بريجيت باردو، وكذلك من مهاجمة المحافظين في القارات الخمس الذين صرخوا مندّدين بالفضيحة وبالإباحية عند عرض الفيلم. فما قدّمه الفيلم بات عادياً في الزمن التالي، وليس فيه ما يستدعي التنديد.
باردو وجاك بالانس أثناء تصوير فيلم «الازدراء» في روما (أ.ب)
تجاوزت شهرة باردو حدود بلدها إلى العالم، وقدّمت لها هوليوود عروضاً مغرية، لكنها اكتفت بأفلام قلائل هناك وفضّلت العودة إلى فرنسا. عاشت حياة مضطربة، وتزوجت أكثر من مرة، وارتبطت بقصص حب عدّة، لكنها اختارت إنهاء مهنتها السينمائية وهي في عز شهرتها، والتفرغ للاعتناء بحيوانات مزرعتها وتكريس كل جهودها لقضية الدفاع عن تلك المخلوقات الضعيفة، باذلة الغالي والرخيص في سبيلها. وكان من نتائج حربها ضد طريقة ذبح الأضاحي أن كانت هدفاً لملاحقات قانونية بتهمة العنصرية وبث التفرقة بين المواطنين والتطاول على المسلمين. لكنها لم تتراجع، وكانت لا تتورع عن ملاحقة الوزراء ورؤساء الدول وكتابة العرائض والسير في المظاهرات من أجل وقف صيد حيوان الفقمة، مثلاً، أو منع الصيد العشوائي وذبح الطيور وطبخ الأرانب والمواشي.
وحتى في عزلتها، لم تنجُ من مطاردة السياح والمصورين لها، فكانت أفواجهم تركب البحر في قوارب تمر بمحاذاة منزلها في «سان تروبيه»، البلدة الساحلية الصغيرة التي أخذت شهرتها من باردو، على أمل رؤيتها أو الفوز بصورة لها.
وُلدت باردو في عائلة برجوازية وفي حيّ من أحياء باريس الراقية، لكنها لم تكفَّ يوماً عن عيش حياتها كما تشاء. تأكل حين تجوع، تُصوّر إن طاب لها ذلك، وتقول رأيها بصوت عالٍ. كانت نسوية من دون أن تكون محسوبة على النسويات ونصيرات تحرير المرأة. بل إن كثيرات وجدن فيها امرأة مسترجلة لأنها امتلكت حرية الرجل. ومع هذا، فإن دارسي أحوال المجتمع الفرنسي الحديث يجدون أن باردو لعبت دور المسرّع لمجتمع كان ينتظر ذلك.
بريجيت باردو بمناظرة ضد صيد الفقمة في ستراسبورغ عام 1978 (أ.ف.ب)
تزوجت حين عنّ لها الزواج، وتطلقت حين فتر الحب وخبت الشعلة. وكان من أزواجها، بعد فاديم، جاك شارييه، وغونتر زاكس، وبرنار دورمال، رفيق حياتها الأخير الذي كان من وجوه حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف. وبموازاة الأزواج، كان من عشّاقها المتعدّدين جان-لوي ترنتينيان، وجيلبير بيكو، وساشا ديستيل، وسامي فراي، وسيرج غانسبورغ. لم تكن العلاقات بالنسبة لها ذنوباً. قالت في مقابلة صحافية: «في فرنسا، الرجل الذي له عشيقات يُقال عنه دون جوان، أمّا المرأة التي لها عشّاق فهي عاهرة». وكان رأيها أن هذه أفكار يجب دفنها إلى الأبد.
في عام 1996، نشرت بريجيت باردو مذكراتها التي جاءت صريحة ومن دون حسابات لردود الأفعال. تحدثت في الكتاب عن كل شيء: إخفاقاتها المهنية، ونوبات انهيارها العصبي، والإهانات التي تعرّضت لها، ومحاولات الانتحار، وكراهيتها العميقة لصحافة لاحقتها حتى خنقتها ومنعتها من عيش حياة طبيعية.
كتبت كما عاشت دائماً: من دون أقنعة أو خجل مصطنع. وصفت زوجها، الممثل الوسيم جاك شارييه، بأنه «برجوازي حتى العظم»، ونعتت أحد عشاقها بالأحمق المتأنق، ورأت في زميلتها ومنافستها جان مورو «انتهازية مستعدة لفعل أي شيء»، واختصرت ألان ديلون بكلمة «نرجسي»، وكاترين دونوف «ساذجة». لكن الزلزال الحقيقي لم يكن في تصفية الحسابات، بل في كسر واحد من أقدس المحرّمات: الأمومة. تجرأت باردو على قول ما كان يدور همساً بين النساء، وهو رفض أسطورة الأمومة الإلزامية، ونقد الشعور بالذنب المفروض اجتماعياً، وفضح فكرة أن الأمومة قدر لا نقاش فيه.
باردو وزوجها غونتر زاكس في استقبال بقصر الإليزيه بباريس عام 1967 (أ.ب)
كانت، كعادتها، تفضّل أن تصدم على أن تكذب، حتى لو بقيت وحدها في مواجهة الجميع. كتبت عن ولادة ابنها نيكولا عام 1960 عبارات صادمة: «طفلي كان أشبه بورم داخل جسدي. عندما استيقظت ظننت أن على بطني قِربة ماء مطاطية. كان ذلك ابني. لم تكن لديّ يوماً غريزة الأمومة». وبسبب تلك التصريحات تعرّضت بريجيت باردو لملاحقات قضائية من زوجها السابق جاك شارييه ومن ابنها نيكولا شارييه بتهم انتهاك الحياة الخاصة والتشهير والإساءة. وصدر بحقها حكم بدفع تعويضات مالية. وفي حوار مطوّل في مجلة «مدام فيغارو»، سُئلت عمّا إذا كانت جدة أفضل مما كانت أمّاً، فجاء جوابها قاطعاً ومحرجاً: «أنا لستُ جدّة أصلاً. ولا أندم على شيء. أتحمّل وحدي المسؤولية، في السراء والضراء. لقد كنت حرّة دائماً».
تعرّضت النجمة لأزمة صحية قبل عامين، وأُدخلت قسم العناية المركزة. نشطت وسائل الإعلام كافة في تحضير ملفات وتقارير تواكب احتمال وفاتها، لكنها خيّبت التوقعات وخرجت سالمة، لتُأجل الملفات إلى موعد مرتقب، وهو ما جرى اليوم، قبل يومين من نهاية العام الميلادي، وفي عز استعداد الفرنسيين لرأس السنة. ماتت رمز حرية المرأة الفرنسية.
البحث عن الحقيقة المتوارية في أفلام داود عبد السيدhttps://aawsat.com/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82/5223923-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%81%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%AF%D8%A7%D9%88%D8%AF-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF
البحث عن الحقيقة المتوارية في أفلام داود عبد السيد
المخرج داود عبد السيد (فيسبوك)
يلقي رحيل المخرج داود عبد السيد قبل يومين الضوء على موقف صناعة السينما المصرية غير المتوازن، ما بين التجارة والفن.
مقابل 10 أفلام من نوع «الدشاش»، و«استنساخ»، و«أحمد وأحمد»، و«روكي الغلابة»، و«السلم والثعبان: لعب عيال»، و«فيها إيه يعني»، توفر السينما المصرية في عصرها الحالي فيلماً واحداً من تلك التي يمكن القول إنها مختلفة، أو تسعى إلى طرح موضوعات مهمَّة بلُغة فنية واعية.
إنها نسبة لا تكشف فقط عن التفاوت الخطير؛ بل أيضاً عن دور المنتجين المصريين في تهميش الحياة الثقافية والفنية بلا أدنى اكتراث، حباً في الإيرادات. لا أحد يريد أن ينظر إلى حقيقة أن ربح الأفلام «التجارية» ليس مضموناً، ولا إلى أنه مُطالب -وطنياً- بأن يدفع إلى الأمام أفلاماً ذات قيمة، وأن يشترك في الدفاع عن فن السينما المصرية، عوض الاستثمار في إطلاق أفلام هابطة.
خط مختلف
في عام 2022، وجد عبد السيد الذي رحل وهو في عزلة شبه كاملة، نفسه عاجزاً عن تأمين تمويل لمشروع جديد. تنقَّل بين المنتجين، ناقش وشرح، ليكتشف اتساع الهوة بين رغبته ومكانته الفنية من جهة، ومنطق السوق ورؤى المنتجين من جهة أخرى. وسواء أعلن اعتزاله لاحقاً أو فُرض عليه الأمر، فالنتيجة واحدة.
مرَّت 10 سنوات على عرض آخر أفلامه «قدرات غير عادية»، وهو فيلمه الروائي التاسع. وبعد محاولات متكررة لإنجاز فيلم عاشر، اختار الاكتفاء بما قدَّمه، معلناً اعتزاله قبل 3 سنوات. قوبل القرار بمزيج من الأسف والإنكار، قبل أن يطويه زمن سريع الإيقاع، وعصر الاتصالات الذي نحياه.
كان داود عبد السيد من القِلَّة التي امتلكت موهبة حقيقية وفرادة أسلوب، مع مضامين نابعة من رؤيته الخاصة. أفلام تحترم الجمهور لكنها لا تهادنه. منذ «الصعاليك» (1985)، و«الكيت كات» (1991). شقَّ لنفسه موقعاً قريباً من الجمهور، مع إصرار واضح على تقديم أعمال أعمق وأكثر طموحاً من السائد.
بحث عن واقع بلد
لقطة من فيلم «الكيت كات» (الشركة العالمية للتلفزيون والسينما)
على الرغم من محدودية عدد أفلامه، رسَّخ عبد السيد مكانة مستحقَّة منذ عمله الأول «الصعاليك». ويعود ذلك إلى أسلوبه الخاص في معالجة الموضوعات: كاميرا تتتبَّع الحالات بصبر، وسرد هادئ الإيقاع، وتوتُّر محسوب يظهر عند الضرورة، كما في «أرض الخوف».
شخصياته مصرية بطبيعتها، ولكنها تتنفس هواءً مختلفاً. في معظم أفلامه، تتحول هذه الشخصيات إلى أدوات للبحث عن واقعها وواقع البلد، وإلى مفاتيح لأسئلة أوسع. أبطاله غرباء في أرض غير غريبة. وكما يقول «سيد مرزوق» (علي حسنين) لـ«يوسف كمال» (نور الشريف) في «البحث عن سيد مرزوق»: «إنت إنسان غريب... موجود وفي الوقت نفسه مش موجود».
الأعمى البصير
بعد «الصعاليك»، قدَّم «الكيت كات» و«البحث عن سيد مرزوق» (1991)، ثم «أرض الأحلام» (1993)، و«سارق الفرح» (1995)، و«أرض الخوف» (2000)، و«مواطن ومخبر وحرامي» (2001).
توقَّف 9 سنوات قبل أن يعود بـ«رسائل البحر» (2010)، ثم غاب 5 سنوات أخرى ليقدِّم «قدرات غير عادية» (2015).
كل فيلم من هذه الأعمال يتَّسم بأسلوب هادئ ينقِّب عمَّا وراء الموضوع، حتى حين يكون خيالياً، كحال «قدرات غير عادية».
أفلامه لا تدَّعي الواقعية، ولكنها تغوص في الواقع بعمق. في «أرض الخوف» كشف المخرج عن حالات ونماذج بشرية واجتماعية من دون وعظ أو خطابة. يبدأ كل شيء عندما يقبل «الضابط يحيى» (أحمد زكي) أن يخلع شخصيته تلك ويرتدي غيرها. و«غيرها» هذه ليست أي شخصية متوارية ولا كناية عن التخفي تحت قناع أو اسم جديد فقط. عليه أن يصبح شخصية بديلة بكاملها. لا محطات للتوقف، ولا رجوع، ولا حرية العودة إلى أصله، لا من حين لآخر، ولا في أي مستقبل منظور.
أحمد زكي في «أرض الخوف» (آي إم دي بي)
على «يحيى» (أحمد زكي) أن يصبح «أبو دبُّورة» جسداً وسلوكاً وقناعة. والمخرج حرص على تمييز فيلمه، على هذا الصعيد، بتفعيل كيفية هذا الانتقال من شخص بهوية مرموقة إلى شخص كلما مضى في تأدية المطلوب منه (الدخول في العالم السفلي لتجارة المخدرات) فقد هويَّته الأولى إلى حد الذوبان.
في «الكيت كات» (اسم الحي الذي تقع فيه الأحداث) جسَّد عبد السيد حالة من الذوبان الذاتي في البيئة المعبِّرة عن المجتمع التحتي. صحيح أن مشاهدة بطله «الشيخ حسني» (محمود عبد العزيز) يقود دراجة رغم عماه، ألهبت نقاداً وجمهوراً؛ لكن النفاذ من تصوير هذه الحالة الواردة في ذلك المشهد لما وراءه أمر ضروري. في صلبه هو مشهد يعكس رغبة الإنسان في التعايش مع واقعه بحرية، وقدرته على ذلك لو أراد. تحدٍّ كبير؛ لا ضد المعوِّق المتمثل في فقدان البصر؛ بل لعالم لا يرى «الشيخ حسني» إلا كأعمى.
لتقريب اختلاف «الشيخ حسني» عن الآخرين، فهو -حسب رواية الراحل إبراهيم أصلان- ليس شيخاً فعلياً. إنه يسمح لنفسه بالقيام بما لا يصح لشيخ آخر القيام به (جلسات نميمة ومخدرات)؛ لكن الطريقة التي يتعامل بها المخرج مع هذه الشخصية ليست طريقة «شعبية» لتهييج الناس وبيعهم شخصية من الحارة المصرية، بقدر ما هي تعليق على وضع وتوظيف الشيخ للكشف عن خطايا وفضائح رنَّانة.
مجهر غامض
«قدرات غير عادية»
يختار عبد السيد في آخر فيلم له (قدرات غير عادية)، منحى آخر للتعامل مع شؤون المجتمع المصري. موضوع كان قد تطرَّق إليه في «البحث عن السيد مرزوق» و«أرض الخوف» و«مواطن ومخبر وحرامي» و«رسائل البحر»، وهو موضوع البحث عن الذات وسط متاعب الفرد في مجتمعه، وتصوير ذلك المجتمع كعالم متعدد الظلمات.
ومع أن فيلمه الأخير منصَبٌّ على فكرة تناول موضوع أولئك المتميِّـزين بقدرات غير عادية، مثل توقع أن يحدث شيء فيحدث، أو مثل النظر إلى الشيء البعيد فيقترب، أو تحريك الأشياء في الهواء، وسواها، فإن السبب لا يزال بحث فرد عن هويته غير المستقرة.
المنطلق بدوره ما زال واحداً: مهمَّة تُسنَد إلى رجل لدخول عالم مغلق والبحث فيه، حتى وإن لم يكن من المحتمل العودة منه. خلال ذلك، تضيع هوية الباحث الأصلية، ولا يتمكَّن من البديلة. ينطلق الفيلم من فكرة قيام «الباحث يحيى» (خالد أبو النجا) بطرق باب لا يستطيع استيعاب ما وراءه، ومن ثم دخوله عالماً يتحوَّل فيه إلى مجرد أداة تحت مجهر غامض. في ذلك هو مثل شخصية «يحيى» في «أرض الخوف» مع اختلاف الحكاية التي تلج به إلى هذا الوضع.
تحمل بداية «قدرات غير عادية» رنَّة من بعض الأعمال الماضية. في الدقيقة الأولى يُطلب من «يحيى» أن يواصل العمل على بحثٍ كتَبه عن الأشخاص الذين يتمتعون بتلك القدرات الفائقة غير الطبيعية، ما يذكِّرك بمطلع «مواطن ومخبر وحرامي» (الذي مثَّله أيضاً أبو النجا) عندما يُمنح بطلُه وقتاً غير محدد للغياب عن العمل والنزول إلى الشارع، ليستكشف أمر الناس وينقل معلومات عنهم.
الطلب هنا هو نوع من منحه تذكرة ليذوب ويغيب. أول ما يفعله بعد أن أخبره مديره أن عليه أن يأخذ إجازة «وما تورنيش خلقتك لشهر» هو النزوح إلى بنسيون يقع على مقربة من مدينة الإسكندرية؛ حيث يستأجر غرفة ليعيش، (ونظرياً لكي يقرأ ويدرس). يكتشف أن صاحبة البنسيون الجميلة والجيدة (نجلاء بدر) وابنتها «فريدة» (مريم تامر) تملكان قدرات غير عادية بدوريهما. الأولى -مثلاً- تستطيع أن تتنبأ بقدومه إلى الإسكندرية وملاقاته فيها حتى من دون موعد متَّفق عليه. والثانية تستطيع أن تحرِّك الأشياء من مكانها. هذا ما يدخل في صميم بحثه، ولكن بحثه ليس علمياً. يترك «يحيى» نفسه ينساب إلى عالمهما من دون كوابح. يصبح جزءاً من حالة عامَّة، ويكتشف أنه تحت المرصاد، وأن هناك رجل أمن على قدر كبير من التأثير في مجريات الأمور، اسمه «عمر» (عباس أبو الحسن) كان يموِّل بحوثه ويدير الجهاز الذي يريد التعرُّف على من يمتلكون مثل تلك الطاقات العجيبة.
شرط المعرفة
لا يتطلب الأمر بحثاً طويلاً لإدراك أن نوعية الشخصيات التي أثارت اهتمام داود عبد السيد في معظم أفلامه، هي تلك التي ترضى التخلي عن واقع كشرط لمعرفة الحقيقة، فإذا بها لا تستطيع العودة إلى ذلك الواقع، ولا إلى معرفة الحقيقة.
أفلامه هي رحلات في النفس، حتى عندما يختار معالجة موضوع طبيب يقرر ترك المهنة التي درسها ومارسها لأخرى تتمتع بحرية أوسع، وهي الصيد؛ هذا ورد في فيلمه قبل الأخير «رسائل البحر» منضمّاً إلى تلك الشخصيات التي تنطلق من نقطة وتنتهي في نقطة أخرى.
سينما عبد السيد انطلقت في الفترة الصحيحة؛ حيث كان لا يزال في الجوار محمد خان (الذي تعرَّض بدوره إلى البطالة، بسبب عدم عزف أفلامه ألحان المنتجين) وخيري بشارة، ورضوان الكاشف، ومحمد ملص (في سوريا)، وبرهان علوية (في لبنان)، ونوري بوزيد (في تونس)، وعدد آخر توزَّع فوق الخريطة العربية. أمثاله -وتبعاً لقول الشاعر الأميركي روبرت فروست في «The Road Not Taken»- مشوا في الطريق الأقل سيراً.
بريجيت باردو خرجت من الصورة وبقيت في الزمنhttps://aawsat.com/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82/5223913-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%AA-%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D8%AF%D9%88-%D8%AE%D8%B1%D8%AC%D8%AA-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A8%D9%82%D9%8A%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%85%D9%86
كانت بريجيت باردو أكثر من جسد أيقوني علَّق عليه القرن العشرون خيالاته وأسئلته. وكانت، قبل كلّ شيء، امرأة وُلدت في زمن لا يعرف كيف يتعامل مع أنثى لا تطلب الإذن. امرأة خرجت من الشاشة لتدخل الوعي الجماعي، وتحوّلت من ممثلة إلى مُحرِّكة لقلق المجتمع الذكوري ولمخاوفه من الجسد المُنطلِق، ومن المرأة التي لا يمكن ضبطها أو احتواؤها.
الجمال الذي لا يطلب الإذن غالباً ما يُساء فهمه (أ.ف.ب)
حين ظهرت باردو في خمسينات القرن الماضي، لم يكن العالم مهيّأً لها. كانت السينما لا تزال تبحث عن نساء جميلات «مروَّضات»، وأنوثة يمكن استهلاكها من دون أن تُهدّد البنية الأخلاقية القائمة. لكن باردو جاءت مختلفة. جسدها لم يكن خاضعاً، ونظرتها لم تكن مطيعة، وحضورها لم يكن استعطافياً. لم تؤدِّ دور المرأة المرغوبة فقط، وإنما المرأة الواعية بجاذبيتها، لا تتبرأ منها ولا تُبالغ باستعراضها. هنا تحديداً بدأ الارتباك.
في أفلامها، وخصوصاً «وخلق الله المرأة»، كانت المسألة في الجرأة الوجودية قبل المَشاهد الجريئة. باردو شكَّلت تجسيداً لامرأة تختار وتقتحم وترفض وتُغادر. امرأة لا تُعاقب نفسها كي تُطمئن المجتمع. ومنذ تلك اللحظة، أصبحت أكثر من نجمة. أصبحت سؤالاً أخلاقياً مُعلّقاً في الهواء.
امرأة صنعت حضورها ثم دفعت ثمنه (أ.ف.ب)
تحوّلت سريعاً إلى ظاهرة ثقافية تتجاوز الشاشة. شعرها الأشقر المنفلت، نظراتها التي لا تنحني، صارت جزءاً من خطاب اجتماعي كامل عن الحرّية والأنوثة غير المروَّضة. لكنها، في مقابل هذه الأيقونية، دفعت ثمناً باهظاً. فباردو التي رآها العالم رمزاً للانطلاق، كانت تعيش قلقاً دائماً واختناقاً من الضوء وشعوراً متنامياً بأنها صارت صورة أكثر مما هي إنسانة. تزوّجت أكثر من مرة، أحبَّت وجُرحت، ووجدت نفسها مُحاصرة بتوقّعات الآخرين، وبفكرة أنها «مُلكية عامة».
امرأة عَبَرَت الزمن بلا اعتذار وبلا محاولة لإرضائه (أ.ف.ب)
لكن المجتمع لا يكتفي بطرح الأسئلة، فيُسارع إلى معاقبة مَن يجرؤ على طرحها. فُتحت على باردو أبواب المجد كما تُفتح الأبواب على العاصفة. صُوّرت، كُتِب عنها، حوصرت بالكاميرات، اختُزلت في جسدها، ثم حُوسبت على هذا الجسد نفسه. أُعجِب بها العالم، لكنه لم يغفر لها أنها لم تطلب إعجابه بالطريقة «الصحيحة».
في عمق هذه المفارقة، عاشت باردو مأساة الأيقونات. حين تتحوّل المرأة إلى أيقونة، يُسلب منها حقّ التعب وحقّ التناقض وحقّ الشيخوخة. فالأيقونة يجب أن تبقى ثابتة، بينما يتغيَّر الإنسان. وبريجيت باردو تغيَّرت كثيراً.
انسحبت من السينما باكراً لتقول، بصيغة أو بأخرى، إنّ هذا العالم لا يُشبهها، ولم تُخلق لتُستَهلك إلى ما لا نهاية. انسحابها كان تمرّداً. كان قرار امرأة اختارت أن تُنقذ نفسها من صورة صنعتها ولم تعد تملكها.
خرج الجمال من القالب وصار موقفاً (أ.ب)
مع الزمن، تغيَّرت ملامحها وتبدَّلت نظرتها إلى العالم. لم تُحاول معاندة العمر، ولم تتصالح معه على الطريقة الرومانسية. كانت علاقتها بالزمن خشنة وصريحة وخالية من المجاملات. لم تُخفِ انزعاجها من الشيخوخة، ولا حنقها على عالم يُقدّس الشباب ثم يدير ظهره لمَن يتقدّم في السنّ. هنا أيضاً، كانت صادقة أكثر مما يحتمل الجمهور.
في مرحلة لاحقة، وجدت باردو في الحيوانات البراءة غير المشروطة والوفاء غير الملوَّث بالسلطة. تلك صفات لم تجدها في البشر. تحوَّل دفاعها عن حقوق الحيوان إلى قضية وجودية. أسَّست مؤسّستها، وكرَّست ما تبقّى من حياتها لمعركة ترى فيها شكلاً آخر من أشكال العدالة. قد يُختلف معها في حدّتها، أو في لغتها، أو في بعض مواقفها، لكن لا يمكن إنكار أنّ هذا الالتزام كان امتداداً لمنطقها نفسه القائم على رفض العنف أياً كان شكله، ورفض الهيمنة أياً كان مصدرها.
باردو كانت دائماً امرأة «غير مريحة». لم تُتقن فنّ إرضاء الجميع، ولم تحاول. وهذا بالضبط ما جعلها أيقونة جدلية تتجاوز التمثال الجميل. فالأيقونة الحقيقية لا تُحَبّ بالإجماع. تُساءَل وتُقلِق. ولمّا لم يكُن الزمن رحيماً بها، لا في ملامحها ولا في صورتها العامة، ولمّا تغيّر وجهها وقسا أحياناً، انعكست تحوّلاتها الداخلية في تصريحات أدخلتها في صدام مع الرأي العام الفرنسي. امرأة كانت رمز التحرُّر، وجدت نفسها لاحقاً على هامش الإجماع، تقول الكلمات بصراحة، وتُقرأ مواقفها أحياناً بمعزل عن سياقها الإنساني المُعقّد. لم تحاول باردو أن تُجمّل صورتها أو تستعيد ودّ الجمهور. بقيت كما هي، حادَّة وصريحة وغير معنيّة بأن تُحَبّ.
ترحل بريجيت باردو وتبقى سيرة المرأة التي دفعت بخيارها ثمن حرّيتها، إلى جانب صورة المرأة الجميلة من زمن مضى. امرأة أحبَّها العالم حين كانت شابّة، وضيَّق عليها حين كبرت. امرأة كشفت، من دون تنظير، كيف يُحبّ المجتمع النساء طالما بقيْنَ ضمن صورته، وكيف يُعاقبهنّ حين يخرجْنَ منها.