هل ينجح «الاتحاد الأفريقي» في تحقيق اختراق في ملف المصالحة الليبية؟

ساسو نغيسو يعمل على استضافة فرقاء الأزمة في أديس أبابا

الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)
الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)
TT

هل ينجح «الاتحاد الأفريقي» في تحقيق اختراق في ملف المصالحة الليبية؟

الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)
الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)

وسط تجاذبات بين ساسة ليبيا حول «المصالحة الوطنية»، عادت الجهود الأفريقية، ممثلة في رئيس الكونغو برازافيل رئيس اللجنة الأفريقية بشأن ليبيا، دينيس ساسو نغيسو، لإحياء هذا الملف عبر زيارة إلى طرابلس، التقى خلالها محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة.

ويسعى الاتحاد الأفريقي لحلحلة الأزمة السياسية المتجمدة، عبر تجديد مسار «المصالحة الوطنية»، الذي تعطّل بسبب تزايد الخلافات السياسية بين «الشركاء والخصوم».

الرئيس الكونغولي لدى وصوله طرابلس والمنفي في استقباله (حكومة الوحدة)

وفي ظل عدم وجود تقدم ملموس محلياً باتجاه تفعيل المصالحة، وبقاء الانقسام السياسي مسيطراً على المشهد العام في ليبيا، يواصل الاتحاد لقاءاته بـ«السلطة التنفيذية» في طرابلس، ما يطرح السؤال حول مدى إمكانية إحداث اختراق في هذا الملف المعقد.

والتقى مساء الاثنين الوفد الأفريقي، برئاسة ساسو نغيسو، رئيس المجلس الرئاسي، ورئيس حكومة «الوحدة»، لمناقشة المحاور النهائية، قبيل تحديد موعد لعقد مؤتمر للمصالحة.

غير أن قطاعاً كبيراً من المتابعين لملف المصالحة يرى أن العلاقات بين الليبيين «ليست في حاجة إلى مصالحة وطنية، لكن في حال عدم توافق ساسة البلاد على حلّ سياسي، فإن مشروع المصالحة لن ينتهي إلى شيء». وهي الرؤية التي يدعمها فريق كبير من المهتمين بعملية المصالحة في البلاد، من بينهم محمد المبشر، رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة».

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع المنفي في طرابلس، أوضح نغيسو ما انتهت إليه اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى، التي يترأسها، من خلاصات مع الأطراف الليبية، بالإضافة إلى النتائج التي خرجت بها من الاجتماعات الإقليمية والدولية لبحث المصالحة في ليبيا.

وتحدث نغيسو عن إمكانية استضافة العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أطراف المصالحة الوطنية في ليبيا ليوقّعوا بأنفسهم على ميثاق المصالحة، منتصف فبراير (شباط)، وقال برغم عدم وجود مؤشرات ملموسة على تفعيل المصالحة: «نعتقد أننا في الطريق الصحيح، ونتجه نحو المصالحة الوطنية، التي لا بد منها للمضي قدماً نحو الانتخابات».

الدبيبة مستقبلاً في طرابلس الرئيس الكونغولي (حكومة «الوحدة»)

وكان من اللافت تحدث نغيسو أيضاً عن «تواصله مع الأطراف الليبية كافة»، وهو الأمر الذي يراه متابعون أنه قد يسهم في تحريك الملف، شريطة «التقريب بين الأطراف السياسية المنقسمة والمتعارضة في توجهها السياسي».

ومن المنتظر أن يتجه الوفد الأفريقي إلى بنغازي (شرقاً) للقاء باقي الأطراف السياسية هناك، من بينها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والقائد العام لـ«الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، بهدف إيجاد توافق بشأن «الميثاق» الذي انتهت إليه «اللجنة الأفريقية».

وسبق أن قطع المجلس الرئاسي الليبي، رفقة الاتحاد الأفريقي، خطوات في مسار «المصالحة»، من خلال العمل على عقد «مؤتمر جامع للمصالحة» في مدينة سرت، نهاية أبريل (نيسان) الماضي، لكن أُجهض هذا التحرك بفعل الأزمات السياسية بين «الشركاء»، ممثلين في السلطة التنفيذية بطرابلس، والمجلس الأعلى للدولة، و«الخصوم» الممثلين في جبهتي غرب ليبيا وشرقها.

وفي زيارة الوفد الأفريقي السابقة في 11 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى طرابلس، لم يذهب إلى بنغازي، وهو الأمر الذي عدّه البعض أنه «لا يسهم في إيجاد حل حقيقي لإنهاء الفرقة والتباعد بين جبهتي شرق ليبيا وغربها».

وفي ليبيا يوجد قانونان لـ«المصالحة الوطنية»، الأول يُعده مجلس النواب، وعلى وشك إصداره، والثاني دفع به «المجلس الرئاسي» إلى البرلمان في فبراير (شباط) الماضي، وينتظر الموافقة عليه، ما يزيد الأمر تعقيداً.

وتقطّعت السبل بين الطرفين الداعيين للمصالحة، بعد أن دخلا في مشاحنات على خلفيات تتعلق بالسلطة والصراع على «الصلاحيات القانونية»، وهما يتسابقان حالياً على إدارة ملف المصالحة.

ومنذ رحيل نظام الرئيس معمر القذافي عام 2011، شهدت ليبيا اشتباكات وخلافات مناطقية، بعضها يرتبط بتصفية حسابات مع النظام السابق، والبعض الآخر كرّسه الانقسام السياسي، الذي عرفته ليبيا بداية من عام 2014.

وعقب تسلّم «المجلس الرئاسي» السلطة، أطلق في يونيو (حزيران) 2022 ما يسمى «الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية»، بقصد إنهاء الخلافات والعداوات المتراكمة منذ رحيل القذافي.

وقبيل أن ينتقل الوفد الأفريقي إلى بنغازي، ناقش مع الدبيبة مستجدات ملف المصالحة، ومقترح الميثاق الذي يهدف إلى توقيع الأطراف السياسية عليه.

وربط الدبيبة بين إجراء انتخابات عامة ونجاح المصالحة، ونقل مكتبه عنه قوله للوفد الأفريقي إن «الانتخابات هي الحل الوحيد للصراع السياسي الراهن»، مشيراً إلى أنه «لا توجد خلافات حقيقية بين الليبيين، لكنها موجودة بين الطبقة السياسية الحاكمة».

الفريق الممثل لسيف الإسلام شارك في الاجتماعات التحضيرية لـ«المصالحة الوطنية» قبل أن يعلن انسحابه (صفحة سيف على «تويتر»)

وكانت أطياف ليبية كثيرة قد شاركت في الاجتماعات التحضيرية لـ«المصالحة الوطنية»، من بينها الفريق الممثل لسيف الإسلام معمر القذافي، قبل أن تنسحب تباعاً، لأسباب من بينها عدم الإفراج عن بعض رموز النظام السابق من السجن، والدفاع عن «نسبة مشاركتهم» في الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر.

وسبق أن انسحب ممثلو القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» من المشاركة في ملف المصالحة، رداً على سحب رئيس «المجلس الرئاسي» قراراً ضمّ «قتلى وجرحى» قوات الجيش إلى «هيئة الشهداء».

ويظل نجاح الجهود الأفريقية مرتبطاً بمدى قدرة الاتحاد على فكّ الاشتباك، والانقسام بين الأطراف الليبية، وجمع «المتخاصمين والمختلفين في التوجهات» من عدمه.


مقالات ذات صلة

ليبيا: عمليات إجلاء وتحذيرات رسمية للمواطنين من سيول محتملة

شمال افريقيا تصريف مياه الأمطار في العاصمة طرابلس (وكالة الأنباء الليبية)

ليبيا: عمليات إجلاء وتحذيرات رسمية للمواطنين من سيول محتملة

تشهد عدة مناطق في ليبيا أوضاعاً جوية صعبة نتيجة الأمطار الغزيرة، في ظاهرة غير مسبوقة منذ سنوات، ضربت مدن الشرق والغرب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من المظاهرات الشعبية التي شهدتها بعض مدن شرق ليبيا (متداولة)

عودة المظاهرات إلى شرق ليبيا للمطالبة بـ«انتخابات رئاسية فورية»

تجددت في ليبيا الاحتجاجات الشعبية بالمنطقة الشرقية للمطالبة بانتخابات رئاسية فورية، بينما أعلنت بعثة الأمم المتحدة استبعاد مشاركين سابقين في «حوار جنيف».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)

هل تُضخِّم «الوحدة» الليبية أرقام «المهاجرين» سعياً للتمويل الأوروبي؟

أعاد وزير الداخلية المكلف بحكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عماد الطرابلسي الحديث عن أزمات ملف المهاجرين غير النظاميين في بلاده.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

أدى التصادم المسلح بين تشكيلين في مدينة الزواية غرب ليبيا إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا النائب العام الليبي الصديق الصور (مكتب النائب العام)

النيابة العامة تحقق في قضية تزوير «أوراق وطنية»

قال مكتب النائب العام الليبي إن التحقيقات انتهت من فحص تسعة قيود عائلية وتبين للمحقق تآمر موظف بمكتب السجل المدني مع تسعة أشخاص غير ليبيين

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

خفض معدلات الإنجاب بمصر... حديث متكرر «لا يقلل مخاوف الأزمة السكانية»

نائب وزير الصحة المصري عبلة الألفي أثناء مشاركتها في الدورة السابعة للمجلس العربي للسكان والتنمية بالعراق السبت (الصحة المصرية)
نائب وزير الصحة المصري عبلة الألفي أثناء مشاركتها في الدورة السابعة للمجلس العربي للسكان والتنمية بالعراق السبت (الصحة المصرية)
TT

خفض معدلات الإنجاب بمصر... حديث متكرر «لا يقلل مخاوف الأزمة السكانية»

نائب وزير الصحة المصري عبلة الألفي أثناء مشاركتها في الدورة السابعة للمجلس العربي للسكان والتنمية بالعراق السبت (الصحة المصرية)
نائب وزير الصحة المصري عبلة الألفي أثناء مشاركتها في الدورة السابعة للمجلس العربي للسكان والتنمية بالعراق السبت (الصحة المصرية)

أعاد مسؤولون مصريون الحديث عن خفض معدلات الإنجاب، وهو ما عكسته الإحصاءات الرسمية التي تؤكد «استمرار تراجع أعداد المواليد عند مقارنتها بالسنوات الماضية»، غير أن ذلك «لا يقلل من مخاوف الأزمات السكانية في ظل الضغط على الخدمات العامة».

وأكدت نائب وزير الصحة والسكان، عبلة الألفي، السبت، أن «تشجيع المباعدة بين الولادات (3 - 5 سنوات) وتوفير خدمات الصحة الإنجابية أسهما في خفض معدل الإنجاب الكلي إلى 2.4 مولود لكل سيدة قبل الموعد المستهدف». وأشارت خلال مشاركتها في الجلسة الافتتاحية للدورة العادية السابعة للمجلس العربي للسكان والتنمية المنعقدة في بغداد إلى «انخفاض عدد المواليد إلى 1.968 مليون مولود خلال عام واحد لأول مرة منذ عام 2007، مع تحسن ملحوظ في مؤشرات التقزم والرضاعة الطبيعية ووفيات الأمهات والأطفال».

واستعرضت أبرز الإنجازات المصرية، منها «البرنامج القومي لتنمية الأسرة المصرية (2022-2025)، والاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية (2023-2030)، والخطة العاجلة (2025-2027)، والمبادرات الرئاسية لتحاليل ما قبل الزواج ورعاية الألف يوم الذهبية».

كانت أرقام سابقة قد صدرت عن «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» في مصر، خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قد أشارت إلى «تراجع عدد المواليد بنهاية العام الماضي بنسبة 3.7 في المائة، في استمرار لاتجاه انخفاض معدلات الزيادة السكانية خلال السنوات الخمس الأخيرة».

وانخفض معدل المواليد السنوي في مصر من 19.4 لكل ألف من السكان عام 2023، إلى 18.5 لكل ألف عام 2024، وفق «جهاز الإحصاء» المصري.

لكن عضو «لجنة الصحة» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، إيرين سعيد، ترى أن التراجع في أعداد المواليد «لا يقلل من مخاوف الأزمة السكانية»، وذلك يعود لأن «معدلات التنمية الاقتصادية تسير ببطء، كما أن هناك مشكلة في التوزيع السكاني مع استمرار التمركز في مساحة صغيرة على شريط وادي النيل، وهو ما يقود إلى التكدس الحالي الذي ينعكس سلباً على مستوى معيشة الفرد».

نائب وزير الصحة عمرو قنديل في جولة داخل أحد المستشفيات الحكومية بالجيزة (أرشيفية - وزارة الصحة)

وشهدت معدلات التنمية في مصر نمواً إيجابياً، حيث استهدف العام المالي 2024-2025 نمواً يتجاوز 4 في المائة، ووصل في الربع الثالث إلى 4.77 في المائة، مع توقعات بأن يصل إلى 5 في المائة بنهاية العام الحالي. لكنها سجلت معدلات متراجعة في السنوات الماضية، وسجل الاقتصاد المصري تباطؤاً في نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 2.4 في المائة في العام المالي 2023-2024، وفقاً لإحصاءات حكومية.

وأوضحت إيرين سعيد لـ«الشرق الأوسط» أن «العجز المستمر في الموازنة العامة يجعل هناك صعوبات في تطوير خدمات التعليم والصحة، وهي مجالات خدمية رئيسية تتعلق بالأزمة السكانية، وهناك نقص في أعداد المعلمين ومع توغل التعليم الخاص والدولي لعدم قدرة الحكومة بناء المدارس الحكومية».

وأضافت: «على مستوى الخدمات الصحية فإن خدمات المستشفيات الحكومية تعاني أيضاً مشكلات بشأن استيعاب الزيادة السكانية، ولم تعد قرارات (العلاج على نفقة الدولة) كافية لمن يستفيد منها مع ارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات، كما أن تراجع معدلات الولادة الطبيعية يعود في مصر إلى نقص الأطباء في المستشفيات الحكومية وارتفاع تكاليف الإقامة في المستشفيات الخاصة».

وزارة الصحة المصرية تولي اهتماماً برعاية الأمهات والأطفال مما قاد إلى تراجع معدلات الوفيات (وزارة الصحة المصرية)

في حين أكدت عبلة الألفي أن «القضية السكانية منظومة حياة ترتكز على تنمية الأسرة، وصحة الأم والطفل، وتمكين المرأة والشباب، وتحقيق (طول العمر الصحي)، استعداداً لـ(الاقتصاد الفضي) مع توقع وصول نسبة كبار السن إلى 10.6 في المائة بحلول 2050».

وشددت إيرين سعيد على أن الطب شهد تقدماً ملحوظاً في مصر، وهناك جودة في الخدمات الطبية المقدمة تسهم في تراجع معدلات الوفيات بين الأمهات والأطفال مع اختفاء الظواهر القديمة المرتبطة بالولادة داخل المنزل، كما أن وزارة الصحة تعمل بالتعاون مع منظمة الصحية على توفير أفضل بروتوكولات العلاج، وهو ما يفسر تراجع معدلات وفيات الأمهات والأطفال.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلن وزير الصحة والسكان المصري، خالد عبد الغفار «تحقيق أدنى معدل إنجاب في مصر خلال الـ17 عاماً الماضية»، مشيراً إلى أن «عدد المواليد خلال عام 2024 لم يتجاوز 1.968 مليون مولود، مقارنةً بـ2.045 مليون مولود في 2023».

وعلى الرغم من ذلك ارتفع عدد السكان في مصر إلى 108 ملايين نسمة في الداخل، حسب إحصاء حكومي، صادر عن «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» في أغسطس (آب) الماضي، وزاد عدد السكان في مصر 1.48 مليون في الفترة الممتدة من 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حتى 16 أغسطس 2025.

وحسب «جهاز الإحصاء» أيضاً فإن زيادة السكان «تستنزف موارد الدولة، وتُشكِّل عائقاً أمام جهود رفع مستوى المعيشة، في ظل الأزمات التي يشهدها العالم أخيراً».

وسبق أن أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن «الدولة المصرية تحتاج إلى إنفاق ما بين تريليون وتريليوني دولار سنوياً»، مشيراً إلى أن «معدلات الزيادة السكانية غير المنضبطة تؤثر سلباً على قدرة الدولة على تقديم الخدمات»، مضيفاً أن «الدول التي تعاني من معدل نمو سكاني سلبي لا تحتاج إلى بناء مستشفيات أو مدارس أو جامعات جديدة أو طرق».


مسيرة جديدة في تونس للمطالبة بـ«إطلاق الحريات»

تونسيون يحملون لافتة كُتب عليها «المعارضة ليست جريمة» (أ.ف.ب)
تونسيون يحملون لافتة كُتب عليها «المعارضة ليست جريمة» (أ.ف.ب)
TT

مسيرة جديدة في تونس للمطالبة بـ«إطلاق الحريات»

تونسيون يحملون لافتة كُتب عليها «المعارضة ليست جريمة» (أ.ف.ب)
تونسيون يحملون لافتة كُتب عليها «المعارضة ليست جريمة» (أ.ف.ب)

خرج متظاهرون يمثلون مختلف التيارات السياسية، السبت، في مسيرة جديدة وسط العاصمة تونس للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، ورفع القيود عن الحريات، وفق ما أورده تقرير لـ«وكالة الأنباء الألمانية». وتأتي المظاهرة الثالثة في الأسابيع الثلاثة الأخيرة لزيادة الضغط على السلطات، بعد حملة إيقافات لمعارضين وأحكام قضائية مشددة في قضية «التآمر على أمن الدولة».

جانب من المظاهرات التي شهدتها شوارع العاصمة التونسية السبت (أ.ف.ب)

وتجمع المتظاهرون، ومن بينهم عائلات المعتقلين، في ساحة بمنطقة «باب الخضراء»، ورفعوا صور السياسيين الموقوفين في السجون. مرددين: «لا خوف... لا رعب... الشارع ملك الشعب»، و«حريات حريات دولة البوليسوفات (انتهت)»، و«الشعب يريد إسقاط النظام»، و «المعارضة ليست جريمة» و«الحرية لتونس»، كما حملوا صور عشرات القادة والنشطاء المعتقلين، وقال يوسف الشواشي، شقيق السياسي المعارض والوزير السابق غازي الشواشي الموقوف في قضية التآمر، لـ«وكالة الأنباء الألمانية»: «لم تعد لنا ثقة في القضاء، ولا مؤسسات الدولة. لم يبق لنا غير الشارع للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين».

المسيرة الجديدة وسط العاصمة تونس طالبت بالإفراج عن المعتقلين السياسيين ورفع القيود عن الحريات (أ.ف.ب)

وكانت محكمة الاستئناف قد أيدت قبل أيام أغلب الأحكام، التي صدرت ضد العشرات من السياسيين ورجال الأعمال والنشطاء الموقوفين، منذ فبراير (شباط) 2023 في قضية التآمر على أمن الدولة، في جلسات محاكمة لقيت انتقادات من المعارضة ومنظمات حقوقية. ووصلت تلك الأحكام في أقصاها إلى السجن مدة 45 عاماً، وأعقبتها إيقافات طالت زعيم «جبهة الخلاص الوطني» السياسي البارز، أحمد نجيب الشابي (82 عاماً) والمحامي العياشي الهمامي، والناشطة السياسية شيماء عيسى، لتطبيق عقوبات سجنية بحقهم. وتتهم السلطة الموقوفين بمحاولة قلب نظام الحكم وتفكيك مؤسسات الدولة، بينما تتهم المعارضة النظام القائم بتلفيق تهم سياسية إلى السجناء وإخضاع القضاء إلى أوامره. من جهته، قال الناشط في المجتمع المدني، مسعود الرمضاني، خلال مشاركته في مسيرة اليوم إن التحركات السلمية «هي السبيل الوحيد لفرض إرادة الناس. الوضع تعيس، ووصل إلى مرحلة خطيرة على مستوى الحريات، وحتى على مستوى الحياة الاقتصادية والاجتماعية». وتابع الرمضاني مشدداً على ضرورة أن يتحرك الشعب «للمطالبة بحقوقه التي أتت بها الثورة، والحق في أن يكون له مجتمع مدني وحياة سياسية. برنامج السلطة الحالية هو القضاء على المجتمع المدني والأحزاب والعودة إلى ما قبل الثورة». وتتصاعد موجة الاحتجاجات ضد الرئيس قيس سعيد، وسط اتهام منظمات حقوقية له باستخدام القضاء والشرطة لقمع المعارضين، وترسيخ حكم فردي استبدادي، وهي اتهامات ينفيها الرئيس سعيد.

وأمس، الجمعة، دعت عدة مكونات سياسية ومدنية معارضة إلى تنظيم مسيرة اليوم، تحت شعار «المعارضة ليست جريمة».

وجاء في نص الدعوة أنه «لا يمر أسبوع دون أن تشهد البلاد سلسلة من الاعتقالات والمحاكمات والتضييقات، آخرها اعتقال المعارضين السياسيين شيماء عيسى والعياشي الهمامي، وأحمد نجيب الشابي بعد صدور الأحكام النهائية في قضية (التآمر)».

الناشطة السياسية شيماء عيسى (أ.ف.ب)

وأكد الداعون أن «رواية (المؤامرة) تحولت إلى أداة للهيمنة والشيطنة، يستخدمها النظام الحالي لقمع معارضيه، والزج بهم في السجون، وتثبيت حكم فردي استبدادي بالقوة والعقاب، بينما فشل النظام في مواجهة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسياسية التي تعيشها البلاد».

وشدّدت هذه المكونات على أن «الوضع القاتم الذي يسعى النظام لفرضه عبر العقاب والتخويف، لا يمكن مواجهته إلا بمواصلة النضال المدني والسياسي الديمقراطي، والتمسك بحق التعبير عن المعارضة، الذي يحاول النظام تجريمه بالسجون والمحاكم».

ودعت المكونات المعارضة إلى «مسيرة ضد الظلم وضد تجريم العمل السياسي المعارض»، للتأكيد على حق المواطنين في التظاهر السلمي والمطالبة بالحرية والعدالة.


توجيه رئاسي بـ«عقوبات مشددة» للمتورطين في «الغش» بامتحانات «الثانوية المصرية»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه وزير التربية والتعليم في حضور رئيس الوزراء مصطفى مدبولي السبت (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه وزير التربية والتعليم في حضور رئيس الوزراء مصطفى مدبولي السبت (الرئاسة المصرية)
TT

توجيه رئاسي بـ«عقوبات مشددة» للمتورطين في «الغش» بامتحانات «الثانوية المصرية»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه وزير التربية والتعليم في حضور رئيس الوزراء مصطفى مدبولي السبت (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه وزير التربية والتعليم في حضور رئيس الوزراء مصطفى مدبولي السبت (الرئاسة المصرية)

وجَّه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بـ«تشديد العقوبات المُوقَّعة على مَن يثبت تورطهم في الغش بامتحانات الثانوية العامة»، في خطوة تستهدف ضمان تأمين منظومة الامتحانات مع استحداث نظام «البكالوريا» الذي يتم تطبيقه للمرة الأولى على المرحلة الثانوية هذا العام.

وقال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، السفير محمد الشناوي، إن السيسي «شدَّد على ضرورة التعامل بحزم مع حالات الغش في (الثانوية)»، وذلك خلال اجتماع عقده، السبت، مع وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، محمد عبد اللطيف.

وتواجه وزارة التربية والتعليم المصرية انتقادات عدة؛ نتيجة استمرار وقائع «الغش» و«تسريب الامتحانات»، ولم تعلن الوزارة خلال امتحانات العام الماضي أعداد الطلاب الذين تمَّ ضبطهم بتهمة «الغش»، غير أنها أعلنت في امتحانات الثانوية العامة عام 2024 إحالة 425 طالباً إلى جهات التحقيق؛ بسبب مخالفة قانون أعمال الامتحانات، بعد أن تم عمل محاضر غش لهم خلال أدائهم الامتحانات.

وخلال السنوات الماضية تمكَّنت «جروبات للغش» عبر تطبيقات عدة، من بينها «تلغرام»، من نشر أوراق الامتحانات خلال خوضها أو قبلها، وتعلن «التربية والتعليم» إحالة عدد من الطلاب للتحقيق، في بيانات رسمية تصدرها عقب الانتهاء من كل امتحان.

وفرض قانون «مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات» عقوبات مغلظة على جرائم الغش أو الشروع فيه، وتصل العقوبة إلى «الحبس سنتين ولا تزيد على 7 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه (الدولار يساوي 47.50 جنيه تقريباً بالبنوك المصرية) ولا تزيد على 200 ألف جنيه على كل مَن طبع أو نشر أو أذاع أو روَّج، بأي وسيلة، أسئلة الامتحانات أو أجوبتها أو أي نظم تقييم في مراحل التعليم المختلفة المصرية والأجنبية بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للامتحانات».

ويُعاقَب على الشروع في ارتكاب الغش بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 50 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وهي عقوبات يتم تطبيقها على المشاركين في أعمال الامتحانات وليس الطلاب.

في حين يعاقب القانون الطالب الذي يرتكب غشاً أو شروعاً فيه بالحرمان من أداء الامتحان في الدور الذي يؤديه والدور الذي يليه من العام ذاته، ويعدّ راسباً في جميع المواد، وفي حالة الامتحانات الأجنبية يُحرَم الطالب من أداء امتحانات المواد اللازمة للمعادلة وفقاً للنظام المصري دورَين متتاليَين.

وزير التعليم المصري وسط الطلاب في جولة ميدانية داخل إحدى المدارس (وزارة التربية والتعليم)

عضو لجنة التعليم بمجلس النواب المصري (البرلمان)، جيهان البيومي، أكدت أن «تغليظ العقوبات على الطلاب والتأكد من تطبيق القانون يعدّ أمراً مهماً للحد من ظاهرة الغش في امتحانات الثانوية العامة، والمشكلة تبدو على نحو أكبر تجاه اللوائح التنفيذية لقوانين مكافحة الغش، التي يترتب عليها قصور في إحالة أي طالب تورط في الغش للتحقيقات وعمل محضر فوري له».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن التوجيهات الرئاسية تستهدف الحدَّ من السلوكيات السلبية داخل لجان الامتحانات، والتأكيد على ضرورة تفعيل العقوبات مع بدء تطبيق منظومة «البكالوريا» لأول مرة هذا العام.

وبدأت وزارة التربية والتعليم المصرية تطبيق منظومة «البكالوريا» بشكل اختياري على طلاب المرحلة الثانوية هذا العام، وهي نظام تعليمي يمتد لـ3 سنوات يركز على تنويع المسارات التعليمية والتقييم المستمر مع فرص امتحانية متعددة (بما فيها فرص تحسين المجموع).

واستعرض وزير التربية والتعليم خلال لقائه الرئيس السيسي، مزايا منظومة «البكالوريا» مشيراً إلى «أن هذا النظام ينهي امتحان الفرصة الواحدة في نظام الثانوية العامة»، موضحاً «ازدياد إقبال الطلبة على نظام (البكالوريا)، حيث تجاوزت نسبة الالتحاق به في العام الدراسي الحالي 90 في المائة من إجمالي عدد طلاب المرحلة الأولى من الثانوية».

ووجَّه السيسي بـ«فرض الانضباط وترسيخ القيم الأخلاقية والإيجابية داخل المنظومة التعليمية، وعدم التهاون في هذا الأمر، مع اتخاذ إجراءات محاسبة عاجلة وحاسمة تجاه أي تجاوز أو انفلات».

وأكد خبير التعليم والاستشاري في «استراتيجية التعليم والتحول الرقمي»، تامر عبد الحافظ، أن العقوبات التي تقرها وزارة التربية والتعليم بشأن «الغش» تكفي لضبط منظومة الامتحانات، وأن التركيز يمكن أن ينصب بشكل أكبر على إجراءات عقد الامتحانات وتدريب المراقبين والملاحظين على مواجهة أساليب الغش الحديثة، وتدشين حملات توعية وطنية لأولياء الأمور والطلاب بخطورة هذه الممارسات على المجتمع بوجه عام.

وأشار لـ«الشرق الأوسط» إلى وجود أنظمة إحصائية لمراجعة درجات الطلاب، والتيقن ما إذا كانت نتيجة لمحاولات غش أم بمجهودهم الفردي، يمكن أن تستفيد منها وزارة التربية والتعليم، وفي حال ثبوت «الغش» فإنه يمكن إلغاء الامتحان بوجه عام أو إلغاؤه في بعض اللجان ومعاقبة المتورطين في تلك المخالفات.

وفي كل عام تحدد وزارة التربية والتعليم المصرية قائمة من المحظورات خلال فترة أداء امتحانات الثانوية العامة، ومنها عدم اصطحاب أجهزة التابلت والهواتف المحمولة إلى لجان الامتحانات، وإن كانت مغلقة، وعدم ارتداء ساعات ذكية أو سماعات لاسلكية (بلوتوث).