تكبّد الطيران المدني الحكومي في ليبيا نصيباً باهظاً من فاتورة الانقسام السياسي والحروب الأهلية التي شهدتها البلاد منذ عام 2011، مع خروج طائرات من الخدمة وارتفاع الديون وانقطاع رواتب العاملين في القطاع، وفق تقرير رقابي حديث ومسؤولين؛ مما استدعى تدخلاً تشريعياً يتداوله مجلس النواب راهناً.
ويدرس أعضاء بمجلس النواب في شرق ليبيا تشريعاً جديداً وآلية اعتمادات مالية إضافية، لحل مشكلة ديون شركتي الطيران الحكوميتَين المتعثرتَين، وفق ما صرّح به عضو مجلس النواب إسماعيل الشريف لـ«الشرق الأوسط».
وفي ليبيا شركتان حكوميتان، هما: «الخطوط الجوية الليبية» التي مضت 60 عاماً على تأسيسها هذا الشهر، و«الخطوط الأفريقية» التي تأسّست عام 2007، علاوة على بضع شركات خاصة.
وقدّر تقرير حديث صادر عن هيئة الرقابة الإدارية إجمالي ديون «الخطوط الليبية» بنحو 1.12 مليار دينار؛ لعدة أسباب، من بينها: انخفاض عدد الطائرات قيد الخدمة من 24 طائرة عام 2011 إلى 3 طائرات فقط، نتيجة لحربي عامي 2014 و2019. (الدولار الأميركي يساوي 4.84 دينار ليبي في السوق الرسمية).
وتعرّضت الكثير من الطائرات في «مطار طرابلس الدولي» للتدمير خلال حربين شهدتهما البلاد في 2014 و2020.
وإلى جانب مديونيات شركتي الطيران الناجمة في جانب منها عن الحربين، فقد توسعت الفجوة بين مصروفات وإيرادات «الخطوط الليبية»، ورأسمال الشركة «الورقي» و«المُسيّل فعلياً»، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية عن مدير العلاقات الدولية في الشركة، نوري المروش.
ولم تكن «الخطوط الأفريقية» أفضل حالاً؛ إذ خسرت خدمات 7 طائرات من إجمالي 13 طائرة تضرّرت في أعوام 2011 و2014 و2019، حسب مدير قطاع العلاقات الدولية في الشركة، المعز بن إسماعيل.
لكن المسؤول في الشركة تحفّظ عن تأكيد أو نفي تقارير إعلامية عن خسارة نصف رأسمال الشركة البالغ نحو ملياري دينار، نظراً إلى «عدم إقفال الميزانيات بسبب الحروب».
وترافقت أزمة الديون المتراكمة مع تضخم أعداد الموظفين في «الخطوط الليبية»؛ حيث قفزت وفق تقرير جهاز الرقابة الإدارية، من 2191 موظفاً في عام 2022 إلى 4105 موظفين عام 2023؛ لكن مدير العلاقات الدولية في الشركة قال: إن أعدادهم لا تتجاوز 3300 موظف، مقراً بأن بعض الموظفين لم يتقاضوا رواتبهم منذ قرابة 20 شهراً. أما في «الخطوط الأفريقية» فقد بلغ عددهم 1700 موظف، وفق مسؤول في الشركة.
ويُرجع عضو مجلس النواب، إسماعيل الشريف، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أزمات شركتي الطيران إلى «الانقسام السياسي والتوترات الأمنية التي ألقت بظلالها على الشركتين، وعلى الإفراط في تعيين كوادر غير مؤهلة صارت عبئاً على الميزانية».
ولم يستبعد النائب الليبي «حسم هذا الملف خلال الفترة المقبلة عبر تشريع يصدره المجلس»، مشيراً إلى مقترح «إعادة تنسيب الكوادر غير المؤهلة في قطاع الطيران إلى وظائف إدارية أخرى تتناسب مع تخصصاتهم».
وفي فبراير (شباط) 2023 هدّدت نقابة العاملين بمصلحة الطيران المدني بالدخول في اعتصام مفتوح عن العمل «إذا لم تستجب حكومة (الوحدة الوطنية) برئاسة عبد الحميد الدبيبة لتطبيق الجدول الموحد للمرتبات الذي أقره البرلمان».
ويلخص المدير السابق للخطوط الجوية الليبية الطيار محمد مختار ابسيم، مشكلة شركات الطيران، وتحديداً «الخطوط الليبية»، في أنها «دفعت جانباً لا بأس به من فاتورة الصراع السياسي في البلاد».
وإلى جانب تدمير وإعطاب طائرات في حربي 2014 و2019، يشير ابسيم، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى «ممارسات إدارية خاطئة أدت إلى تضخم العمالة»، علاوة على «دخول القطاع الخاص بشكل غير مجهز؛ مما زاد من المشكلات الليبية وخسارة أسواقها».
ومنذ عام 2000، بدأت ليبيا تجربة شركات القطاع الخاص بـ«شركة البراق»؛ لتتأسس عدة شركات، بعضها يعمل، والآخر توقف عن العمل مثل «الراحلة»، وقد تكون هناك شركات تحت الإنشاء، لكنها غير معروفة بعد، وفق ابسيم.
ومن بين الشركات الخاصة: «أويا»، و«الأجنحة»، و«الليبية للشحن الجوي»، و«برنيق»، و«البراق»، و«العالمية»، و«ليبيا للطيران»، و«غدامس» للنقل الجوي، و«سكاي ليبيا».
ويلحظ متابعون صمتاً حكومياً من جانب حكومة «الوحدة» منذ صدور تقرير «الرقابة الإدارية»، واكتفت وزارة المواصلات باجتماع في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مع مسؤولين في «الخطوط الأفريقية»، تمحور حول تسوية ديون شركة الخدمات الأرضية مع «الخطوط الأفريقية».
ويلقي المدير السابق للخطوط الجوية الليبية باللائمة على «الدولة التي لم تعوّض الخطوط عن خسائرها، وتركت إدارتها تعاني، إلى أن تراكمت الديون وتوقفت الطائرات، في ظل نقص المعدات، وشدة المنافسة واضطرار بعض العاملين إلى مغادرتها نحو القطاع الخاص».
ولم يكن قطاع الأعمال والتجارة في ليبيا بعيداً عن أزمة شركات الطيران التي أثرت في أعماله. فقد حمّل رئيس «الاتحاد العام لغرف صناعة وتجارة وزراعة ليبيا» محمد الرعيض، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، مجلس إدارة «المصرف المركزي» السابق المسؤولية؛ «بفعل سياسات ضاعفت ديون شركات الطيران».
وعادت شركات طيران عالمية عديدة إلى العمل في ليبيا. وأعلنت شركة الخطوط الإيطالية (إيتا) ترتيبات يُجرى تنسيقها بين مصلحة الطيران المدني الليبي ونظيرتها الإيطالية تتعلّق باستئناف رحلات الخطوط الإيطالية قريباً.