ثلاثة خيارات أمام روسيا للتعامل مع الأزمة الأوكرانية

محللون: الغرب قادر على تغيير مواقف موسكو عبر مزيج من العقوبات المالية والدبلوماسية

ثلاثة خيارات أمام روسيا للتعامل مع الأزمة الأوكرانية
TT

ثلاثة خيارات أمام روسيا للتعامل مع الأزمة الأوكرانية

ثلاثة خيارات أمام روسيا للتعامل مع الأزمة الأوكرانية

رغم التهديد والوعيد، فإن تأكيدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن بلاده لا تعتزم، في الوقت الراهن على الأقل، غزو شرق أوكرانيا، أشارت إلى إمكانية التوصل إلى حل للأزمة الجيو-سياسية التي جذبت انتباه العالم. وتعاملت الأسواق العالمية مع تلك التصريحات بنوع من الارتياح، فيما استقبلها البيت الأبيض بتفاؤل حذر.
لكن التطورات على الأرض شكلت معضلة صعبة بالنسبة للرئيس الأميركي باراك أوباما وحلفائه الأوروبيين. فحتى لو انسحبت روسيا من شرق أوكرانيا فقط، وتخلت عن تصعيد تدخلها العسكري، هل ستتمكن فعليا من تجميد احتلالها لشبه جزيرة القرم؟ وهل ستشعر الولايات المتحدة وأوروبا أنهما مجبرتان على القبول بذلك أم أن بمقدورهما العثور على وسيلة لمنعه؟ وإن حدث ذلك، فما هو الثمن الذي سيضطر الغرب لدفعه لقاء ذلك؟
منذ أن سيطرت القوات الروسية على القرم، اعترف مساعدو أوباما بأن رد الاحتلال سيكون صعبا، إن لم يكن مستحيلا، على المدى القريب، وركزوا على عدم اتخاذ خطوات تصعيدية لسد الطريق أمام بوتين من المضي قدما. وإذا استمر حصار جزيرة القرم خلال الأسابيع القادمة، فإن الأمر سيتطلب جهدا منسقا لإجبار روسيا على سحب قواتها، تلك المحاولة التي يمكن أن تؤدي إلى انفصال الولايات المتحدة عن حلفائها الأوروبيين الذين قد يبدون أكثر رغبة في التعايش مع الواقع الجديد.
وحتى هذه اللحظة، يسعى البيت الأبيض لمنع المواجهة، في الوقت الذي يشعر فيه بالامتعاض وربما الدهشة إزاء التدخل الروسي. وشعر المسؤولون الأميركيون ببعض الارتياح إزاء تصريحات بوتين الأخيرة بأنه لا يرى ضرورة في هذه المرحلة للتدخل في مناطق شرق أوكرانيا الناطقة باللغة الروسية. كما شجعهم قبول بوتين بإجراء انتخابات جديدة في مايو (أيار) كسبيل لمنح الشرعية لحكومة أوكرانية جديدة وقراره إلغاء التدريبات العسكرية بالقرب من الحدود.
ورغم زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى كييف أول من أمس لتقديم الدعم لحكومتها الجديدة المؤيدة للغرب، فإن الرئيس أوباما اتصل هاتفيا بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للبحث عن مخرج لبوتين للانسحاب مع طرح فكرة نشر مراقبين دوليين.
لكن آخرين حذروا من التفاؤل الكبير تجاه تصريحات بوتين. وقال أيفو دالادير، أول سفير لإدارة أوباما إلى حلف شمال الأطلسي والذي يعمل الآن رئيسا لمجلس شيكاغو للعلاقات العالمية: «سنكون مخطئين إذا فهمنا تصريحاته باعتبارها مؤشرا على اقتراب نهاية الأزمة. لقد أضعنا القرم، لكن باقي الدولة معنا». وأشار إلى أن القرم ستتحول إلى سابقة، مضيفا: «القرم قضية كبرى، وأعني أن هناك دولة يمكن أن تتعرض للغزو، وهناك جزء كبير منها يمكن اقتطاعه دون ثمن. الأمر الثاني هو أن الأمر لا يتوقف على القرم، بل بمن يملك السيطرة في النهاية على أوكرانيا».
ودفع التوتر الذي لا يزال سيد الموقف، إدارة أوباما إلى المضي قدما في وضع خطط لفرض الولايات المتحدة عقوبات بمشاركة حلفائها الأوروبيين. ويملك الرئيس أوباما السلطة لاتخاذ خطوات كثيرة من دون الحاجة إلى تشريعات جديدة من الكونغرس، إذ أعدت وزارة الخارجية الأميركية، بموجب قانون ماغنيتسكي، قوائم بأسماء الشخصيات الروسية المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان، وبمقدور الإدارة فرض حظر سفر على هؤلاء الروس إلى الولايات المتحدة وتجميد أي أصول لهم في الولايات المتحدة وقطع صلاتهم بالمصارف الأميركية. كما يملك الرئيس الأميركي السلطة، بموجب العقوبات المفروضة على سوريا، لملاحقة الأفراد والمؤسسات الروسية المتورطة في إرسال الأسلحة لمساعدة الرئيس السوري بشار الأسد في سحق الثورة السورية. وكانت الإدارة قد أرجأت تنفيذ مثل هذه الخطوات خلال محاولتها العمل مع روسيا للتوصل إلى حل للحرب الأهلية في سوريا. لكنها في حال تطبيقها يمكن أن تمنع عددا من المصارف الروسية من الاتصال بالنظام المالي العالمي.
ويستطيع أوباما أيضا توقيع أمر تنفيذي لفرض عقوبات توجه بشكل خاص ضد المسؤولين والمنظمات التي يلقى عليها باللائمة في الاضطرابات التي شهدتها أوكرانيا وتنتهك سيادتها. ونظريا، يمكن أن تشمل تلك القائمة الجميع بمن فيهم الرئيس بوتين ذاته، لكن المسؤولين أشاروا إلى أنهم سيعملون بدلا من ذلك عبر سلسلة القيادة.
وعبر قادة أوروبا الذين تعتمد بلادهم على الغاز الطبيعي الروسي ويرتبطون بعلاقات اقتصادية أكثر عمقا مع روسيا، عن ترددهم في المضي قدما في تنفيذ عقوبات أكثر صرامة حاليا. لكن قرارا أميركيا صدر عادا أن هناك بنكا روسيا ارتكب خروقات، سيجري إرساله إلى المصارف في جميع أنحاء العالم، مما يجبر المصارف الأوروبية على قطع علاقاتها مع المصرف الروسي، وإلا ستخاطر بمنعها من ممارسة النشاط التجاري مع القطاع المالي الأميركي. ويقول أندري أسلوند، المتخصص في الشأن الروسي والأوكراني في معهد بيترسون للعلاقات الاقتصادية في واشنطن «أعتقد أن هناك إمكانية لإجبار روسيا على الخروج من القرم عبر مزيج من العقوبات المالية والدبلوماسية القوية المباشرة».
وهناك سابقة شهيرة يمكن أخذها في الاعتبار عند التعامل مع روسيا فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، إذ انفصل إقليما أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية - المواليان لموسكو - عن جورجيا (الجمهورية السوفياتية السابقة). وبعد حرب روسيا ضد جورجيا عام 2008. تحدى الكرملين الولايات المتحدة وباقي دول العالم، باعترافه باستقلال الإقليمين، وتركت روسيا وراءها بعض القوات لضمان تثبيت استقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. ورغم كل الاحتجاجات التي صدرت عنهما، عادت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في نهاية الأمر – كالعادة – إلى التعاون التجاري مع روسيا.
ويقول مساعدو أوباما إن الأمر يختلف بالنسبة لأوكرانيا وإنهم يتصورون صعوبة كبيرة في عودة العلاقات لطبيعتها مع موسكو في حال استمرار احتلال القوات الروسية لشبه جزيرة القرم. ويشيرون إلى أن الأولوية بالنسبة لهم تتمثل في منع روسيا من ضم القرم بشكل صريح، وإن تركها كأرض أوكرانية معزولة تحت سيطرة موسكو لن يكون مقبولا أيضا. ويشير مسؤولو البيت الأبيض إلى أنهم يرون ثلاثة احتمالات فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية. الأول أن تلجأ روسيا إلى مزيد من التصعيد في شرق أوكرانيا، وهو الأمر الذي يأملون ألا يحدث بعدما تعهد بوتين بعدم اتخاذ خطوات تصعيدية جديدة، والثاني إمكانية أن تقرر روسيا البقاء في شبه جزيرة القرم، عبر ضمها فعليا إلى أراضيها، أو من خلال حكم الأمر الواقع.
أما الاحتمال الثالث، فيتمثل في أن تلجأ روسيا لما وصفه المسؤولون الأميركيون بـ«الطريق البديل» من خلال السماح للمراقبين الدوليين بأن يحلوا محل القوات الروسية في شوارع القرم لتوفير الحماية لسكان شبه الجزيرة الأوكرانيين الناطقين باللغة الروسية، وكذلك قبول روسيا للحكومة الأوكرانية التي ستتمخض عن الانتخابات المقررة في مايو المقبل.
* خدمة «نيويورك تايمز»



استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
TT

استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)

لم يكن مفاجئاً مضمون استراتيجية إدارة الرئيس دونالد ترمب للأمن القومي الأميركي التي تُصوّر الحلفاء الأوروبيين بوصفهم ضعفاء، وتسعى إلى إعادة تأكيد هيمنة الولايات المتحدة في النصف الغربي من الكرة الأرضية.

ستثير الوثيقة التي صدرت الجمعة 5 ديسمبر (كانون الأول) 2025 عن البيت الأبيض استياء الحلفاء التقليديين لواشنطن في أوروبا، لما تتضمّنه من انتقادات لاذعة لسياسات قادة «القارة العجوز» في شأنَي الهجرة، وحرية التعبير، إذ تُشير إلى أنهم يواجهون «احتمال امّحاء حضاريّ»، وتشكّك في مدى موثوقيتهم بأنهم شركاء للولايات المتحدة على المدى الطويل.

وتُجدّد الوثيقة، بلغة لا تخلو من البرودة، والنبرة التصادمية، تأكيد فلسفة ترمب القائمة على مبدأ «أميركا أولاً» الذي يعني عملياً عدم التدخل في الخارج، وتُعيد تقييم عقود من الشراكات الاستراتيجية، وتضع المصالح الأميركية فوق كل اعتبار.

هذه أول استراتيجية للأمن القومي -وهي وثيقة يُلزم القانون الإدارة بإصدارها- منذ عودة الرئيس الجمهوري إلى السلطة في 20 يناير (كانون الثاني) 2025. وتمثل سطورها قطيعة واضحة مع النهج الذي اعتمدته إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، والتي سعت إلى إعادة تنشيط التحالفات بعد أن كانت قد تزعزعت خلال الولاية الأولى لترمب، وإلى كبح جماح روسيا الناهضة اقتصادياً بفضل صادراتها من النفط، والغاز.

*دور متراجع

سعى ترمب منذ عودته إلى البيت الأبيض إلى التوسّط لإنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية المستمرة منذ نحو أربع سنوات في أوكرانيا، وهو هدف تؤكد الاستراتيجية الجديدة أنه يدخل ضمن المصالح الحيوية لواشنطن الراغبة في تحسين علاقاتها مع موسكو بعد سنوات من التعامل مع روسيا بوصفها دولة منبوذة دولياً، وبالتالي يغدو إنهاء الحرب مصلحة أميركية أساسية من أجل «إعادة إرساء الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا».

إطفائي يتعامل مع نيران أشعلها هجوم جوي روسي على العاصمة الأوكرانية كييف (أ.ف.ب)

وتنتقد الوثيقة حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين الذين وجدوا أنفسهم هذا العام الذي يطوي أيامه الأخيرة أمام قساوة إصرار ترمب على التخلص من أعباء الحرب الروسية-الأوكرانية، بينما يواجهون تحديات اقتصادية داخلية، إضافة إلى أزمة وجودية، و«حضارية»، وفق واشنطن.

الواقع أنه ليس مستغرباً أن يضمر «حجم» أوروبا في التفكير الاستراتيجي للولايات المتحدة. فالتاريخ يُظهر أن الاستراتيجية الكبرى الأميركية التي كانت في الغالب تتمحور على أوروبا لا بد أن تعكس تراجع خطر هيمنة قوة واحدة على القارة القديمة منذ مطلع الألفية، وظهور مراكز أخرى للنفوذ الجيوسياسي، والرهانات الجيواقتصادية. وهذا ما دفع الولايات المتحدة إلى إعطاء مناطق أخرى من العالم أهمية متزايدة. فبينما ركّز الرئيس جورج بوش الابن على الشرق الأوسط، أعلن كل رئيس جاء بعده -حتى وإن لم يُنفَّذ الأمر بشكل كامل- سياسات تهدف إلى «التحوّل نحو آسيا». وفي عهد ترمب، أضيفت أميركا اللاتينية إلى آسيا، وما قاله الرجل عن بنما، وما يفعله حيال فنزويلا، وبدرجة أقل نحو كولومبيا خير دليل على ذلك.

*جيل أميركي مختلف

تُظهر التحوّلات الديموغرافية في الولايات المتحدة أنّ «جيل الحرب الباردة»، الذي كان يميل تلقائياً بشيء من الحنين إلى «الأطلسية»، والجسور الثقافية الممتدة إلى الجزر البريطانية، واليابسة الأوروبية، يقترب من «التقاعد»، ويحلّ محلّه جيلٌ أصغر سناً، وأكثر تنوّعاً من الناحية العرقية، ويعيد النظر في الدور الأميركي على مستوى العالم. ونظراً للحذر العميق الذي يعتمل في نفس ترمب حيال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والاتحاد الأوروبي، كان طبيعياً أن يعمد في ولايته الثانية إلى إنزال أوروبا درجات في سلّم الأولويات، ومعها «الناتو» الذي أُنشئ عام 1949 للوقوف في وجه الاتحاد السوفياتي، ومنعه من مدّ نفوذه إلى أوروبا الغربية. فالتفاهم مع موسكو بشأن أوروبا ومناطق أخرى من الكوكب أفضل من إنفاق الأموال على حماية أوروبا «الاتكالية».

مبنى بيرلايمونت حيث مقر المفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل (أ.ف.ب)

خالف هذا التوجه تمسّك جميع الرؤساء الذين تولّوا الحكم في واشنطن بعد الحرب الباردة بالموقع الرئيس لأوروبا في الاستراتيجية الأميركية. فقد كانت أوروبا تُعدّ سوقاً رئيسة للبضائع، والخدمات الأميركية (خصوصاً الدفاعية)، وكان يمكن للحلفاء الأوروبيين أن يشكّلوا قوة مضاعِفة للنفوذ الأميركي في مناطق أخرى من العالم. وفي المقابل، كانت روسيا تهديداً لأمن أوروبا، وللنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، بما يشمل منطقة المحيط الهادئ، حيث تعمل موسكو على تعزيز مصالحها الخاصة، وتتماهى في مواقفها مع الصين.

*التحديات الثقيلة

جاء في وثيقة الاستراتيجية الأميركية أن «الركود الاقتصادي في أوروبا يقل أهمية عن الاحتمال الحقيقي والأكثر حدّة لحصول امّحاء حضاريّ».

وترى واشنطن أن أوروبا تضعف بسبب سياسات الهجرة التي تعتمدها، وتراجع معدلات الولادة، و«قمع حرية التعبير، وكبح المعارضة السياسية»، فضلاً عن «فقدان الهويات الوطنية، والثقة بالنفس».

تضيف الوثيقة: «إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن القارّة ستكون مختلفة تماماً في غضون 20 عاماً أو أقل. بالتالي، ليس من الواضح إطلاقاً ما إذا كانت بعض الدول الأوروبية ستملك اقتصادات وجيوشاً قوية بما يكفي لتبقى من الحلفاء الموثوقين (...). نحن نريد لأوروبا أن تبقى أوروبية، وأن تستعيد ثقتها الحضارية بنفسها».

إذا سلمنا بصحة هذا التصوّر، فإننا نستنتج فوراً أن على أوروبا أن تصدّ أو تلطّف تداعيات الخروج الأميركي المرجَّح من معمعة الحرب الروسية–الأوكرانية. فالقارة لا تملك القوة الكافية لرفد كييف بما يمكّنها من مواصلة الحرب، ومجاراة القوة العسكرية الروسية. ولا فائدة من رفع الإنفاق العسكري في دول أوروبية عديدة لإقامة توازن مستحيل مع القوة الروسية، في موازاة استنزاف اقتصادات متعثرة تعاني عجزاً هائلاً بـ«قيادة» ألمانيا التي يبلغ دينها العام 2.55 تريليون يورو، وهو ما يعادل نحو 62.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفرنسا (3.416 تريليون يورو، أي ما يعادل 115.8في المائة من الناتج المحلي).

لا شك في أنه يحق للاتحاد الأوروبي أن يشغل مقعداً إلى طاولة المفاوضات الجارية على قدم وساق بين واشنطن وموسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا التي تكتفي –رغم محاولات التجميل– بدور المتلقي. فالحرب مسرحها أوروبي، و«أهل الدار» معنيون بما يجري على أرضهم.

*التواصل أجدى من القطيعة

لن يتحقق المطلب الأوروبي إلا بإقامة خطوط اتصال بين بروكسل وموسكو، فبغير ذلك لا انخراط لأوروبا في صَوغ القرارات التي ستُتّخذ لإنهاء حرب أوكرانيا مع ما لذلك من انعكاسات على الأمن الأوروبي. وإن لم يحصل هذا الأمر فسيجد الأوروبيون أنفسهم يكتفون بردّ الفعل على تطوّرات تقودها واشنطن وموسكو، وبدرجة أقل كييف.

جنود من المشاة خلال تدريب عسكري فرنسي - بلجيكي مشترك في منطقة مفتوحة قرب بلدة سيسون بشمال شرقي فرنسا (أ.ف.ب)

أوروبا كبيرة، وغنية رغم العثرات الحالية، ومتقدمة تكنولوجياً. وهي تحتاج بالفعل إلى برنامج إعادة تسليح قوي يقنع موسكو -التي لا تريد حرباً مع أوروبا كما قال فلاديمير بوتين لكنها مستعدة لها– بالتفاوض الجدّي.

أما الورقة الثانية للإقناع فتكون بكسر الجمود بشأن الأصول الروسية المجمدة والمحتجَزة بموجب العقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي على دفعات بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. فموسكو ستَنشد حلاً لتحرير أصولها الأوروبية التي تقدَّر قيمتها بـ210 مليارات دولار. أما الرأي الأوروبي القائل بضرورة استخدام هذه الأصول لدعم أوكرانيا، فمؤداه إطالة عمر الحرب، ووضع القارة في حالة مواجهة مع روسيا هي في غنى عنها.

ثمة من يقول إن الكرملين لا يفهم سوى لغة القوة، والبيت الأبيض لا يفهم سوى لغة الأعمال، وعلى أوروبا أن تتقن اللغتين. وثمة من يردّ على ذلك بالقول إن ما ورد عن البيت الأبيض صحيح، في حين أن ما ورد عن الكرملين مضلِّل.

ولعلّ الحقيقة أن كل هذه المعادلة لا ضرورة لها، وليس على أوروبا أن تتقن لغتين، بل عليها أن تُحسن إنجاب قادة حقيقيين يعرفون التاريخ ليضعوا رؤى لمستقبل يقيهم شرّ «الامّحاء الحضاري»، و«تلاشي الهويات»، فهل تتحقق «المعجزة»؟...


«الطاقة الذرية»: الدرع الواقية لمحطة تشرنوبل النووية تضررت

يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
TT

«الطاقة الذرية»: الدرع الواقية لمحطة تشرنوبل النووية تضررت

يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)

أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أمس (الجمعة)، أن الدرع الواقية في محطة تشرنوبل النووية بأوكرانيا، التي تم بناؤها لاحتواء المواد المشعة الناجمة عن كارثة 1986، لم تعد بإمكانها أداء وظيفتها الرئيسية للسلامة، بعد تعرضها لأضرار بسبب طائرة مسيرة، وهو ما اتهمت أوكرانيا روسيا بالمسؤولية عنه، بحسب «رويترز».

وقالت الوكالة إن عملية تفتيش الأسبوع الماضي لهيكل العزل الفولاذي الذي اكتمل في عام 2019، وجدت أن تأثير الطائرة المسيرة في فبراير (شباط)، أي بعد 3 سنوات من الصراع الروسي في أوكرانيا، أدى إلى تدهور الهيكل.

وقال رافائيل غروسي المدير العام للوكالة في بيان، إن «بعثة التفتيش أكدت أن (هيكل الحماية) فقد وظائف الأمان الأساسية، بما في ذلك القدرة على الاحتواء، ولكنها خلصت أيضاً إلى أنه لم يكن هناك أي ضرر دائم في هياكله الحاملة أو أنظمة المراقبة».

وأضاف غروسي أنه تم بالفعل إجراء إصلاحات «ولكن لا يزال الترميم الشامل ضرورياً لمنع مزيد من التدهور، وضمان السلامة النووية على المدى الطويل».

وذكرت الأمم المتحدة في 14 فبراير، أن السلطات الأوكرانية قالت إن طائرة مسيرة مزودة برأس حربي شديد الانفجار ضربت المحطة، وتسببت في نشوب حريق، وألحقت أضراراً بالكسوة الواقية حول المفاعل رقم 4 الذي دُمر في كارثة عام 1986.

وقالت السلطات الأوكرانية إن الطائرة المسيرة كانت روسية، ونفت موسكو أن تكون قد هاجمت المحطة.

وقالت الأمم المتحدة في فبراير، إن مستويات الإشعاع ظلت طبيعية ومستقرة، ولم ترد تقارير عن تسرب إشعاعي.

وتسبب انفجار تشرنوبل عام 1986 في انتشار الإشعاع بجميع أنحاء أوروبا، ودفع السلطات السوفياتية إلى حشد أعداد هائلة من الأفراد والمعدات للتعامل مع الحادث. وتم إغلاق آخر مفاعل يعمل بالمحطة في عام 2000.

واحتلت روسيا المحطة والمنطقة المحيطة بها لأكثر من شهر في الأسابيع الأولى من غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022، حيث حاولت قواتها في البداية التقدم نحو العاصمة الأوكرانية كييف.

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أجرت التفتيش في الوقت نفسه الذي أجرت فيه مسحاً على مستوى البلاد للأضرار التي لحقت بمحطات الكهرباء الفرعية، بسبب الحرب التي دامت نحو 4 سنوات بين أوكرانيا وروسيا.


قلق أوروبي من «تسرع» أميركي لإنهاء الحرب في أوكرانيا

المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)
المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)
TT

قلق أوروبي من «تسرع» أميركي لإنهاء الحرب في أوكرانيا

المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)
المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)

كشفت تقارير مضمون مكالمة حسّاسة جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عن حجم القلق الأوروبي من النهج الأميركي الجديد في إدارة مفاوضات السلام مع موسكو.

التسارع الأميركي الملحوظ، خصوصاً بعد زيارة المبعوثَين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر إلى موسكو من دون تنسيق مسبق مع الحلفاء، عزَّز مخاوف من «اتفاق متعجِّل» قد يدفع أوكرانيا إلى تقديم تنازلات غير مضمونة، قبل تثبيت أي التزامات أمنية صلبة تمنع روسيا من استغلال ثغرات مستقبلية، حسب المحادثة التي نشرتها صحيفة «دير شبيغل» الألمانية ولم تكن بروتوكوليةً.

وحذَّر ميرتس مما وصفه بـ«ألعاب» واشنطن، ومن «احتمال خيانة واشنطن لكييف»، في حين أشار ماكرون إلى احتمال أن تتعرَّض كييف لضغط غير مباشر لقبول تسويات حدودية قبل الاتفاق على منظومة ردع حقيقية.