تقرير أممي: آثار الحرب أدت إلى تراجع التنمية في غزة بما يناهز 69 عاماً

ارتفاع معدل الفقر إلى 74.3 %... وتقديرات بانكماش الناتج المحلي بنسبة 35.1 % في 2024

فلسطينيون يتجمّعون في مواقع الغارات الإسرائيلية على المنازل والمباني السكنية في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتجمّعون في مواقع الغارات الإسرائيلية على المنازل والمباني السكنية في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

تقرير أممي: آثار الحرب أدت إلى تراجع التنمية في غزة بما يناهز 69 عاماً

فلسطينيون يتجمّعون في مواقع الغارات الإسرائيلية على المنازل والمباني السكنية في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتجمّعون في مواقع الغارات الإسرائيلية على المنازل والمباني السكنية في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (رويترز)

توقع تقييم جديد أطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الإسكوا»، الثلاثاء، أن يرتفع معدل الفقر في دولة فلسطين إلى 74.3 في المائة في عام 2024، ليشمل 4.1 مليون من المواطنين، بمن في ذلك 2.61 مليون مواطن جدد ينضمون إلى مصافّ الفقراء. كما قدّر أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 35.1 في المائة في عام 2024 مقارنة بالتقديرات في غياب الحرب.

وتشير تقديرات التقييم، الصادر بعنوان: «حرب غزة: الآثار الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة على دولة فلسطين - تحديث أكتوبر (تشرين الأول) 2024»، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سينكمش بنسبة 35.1 في المائة في عام 2024، مقارنة بسيناريو غياب الحرب، مع ارتفاع معدل البطالة إلى 49.9 في المائة.

التقييم الجديد الذي أُطلق في فعالية استضافتها جامعة الدول العربية، يُحدّث نتائج تقييمين سابقين نُشرا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 ومايو (أيار) 2024، ليتناول بالتحليل مدى مظاهر الحرمان وعمقها، باستخدام مؤشرات الفقر المتعدد الأبعاد، وليستعرض آفاق التعافي في دولة فلسطين بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار.

ويشير التقييم إلى أن خطة شاملة للتعافي وإعادة الإعمار تجمع بين المساعدات الإنسانية والاستثمارات الاستراتيجية في التعافي وإعادة الإعمار، إلى جانب رفع القيود الاقتصادية وتعزيز الظروف المواتية لجهود التعافي؛ من شأنها أن تساعد في إعادة الاقتصاد الفلسطيني إلى المسار الصحيح، ليستعيد توافقه مع خطط التنمية الفلسطينية بحلول عام 2034، ولكن هذا السيناريو لا يمكن أن يتحقّق إلا إذا كانت جهود التعافي غير مقيّدة.

فلسطينيون يتجمّعون في مواقع الغارات الإسرائيلية على المنازل والمباني السكنية في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (رويترز)

وقال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أخيم شتاينر: «تؤكد التوقعات الواردة في هذا التقييم الجديد أنه في قلب المعاناة الإنسانية والخسائر الفادحة في الأرواح تلوح في الأفق إرهاصات أزمة إنمائية خطيرة تعرّض مستقبل الأجيال الفلسطينية القادمة للخطر». وأضاف: «يشير التقييم إلى أنه حتى لو قُدّمت المساعدات الإنسانية كل عام فإن الاقتصاد قد لا يستعيد مستوى ما قبل الأزمة لمدة عقد أو أكثر. ويحتاج الشعب الفلسطيني إلى استراتيجية قوية للإنعاش المبكر يجري تنفيذها حالما تسمح الظروف على الأرض، بصفتها جزءاً لا يتجزّأ من مرحلة المساعدة الإنسانية، من أجل إرساء الأسس للتعافي المستدام».

يتناول التقييم ثلاثة نماذج للتعافي المبكر، وهو مصطلح شامل تستخدمه المنظمات الإنمائية والإنسانية لوصف الإجراءات التي يمكن اتخاذها؛ للاستجابة لآثار الأزمات والتخفيف من حدتها. ويمكن أن تشمل هذه الإجراءات مجموعة واسعة من التدابير بدءاً من الجهود العاجلة لاستعادة الخدمات الأساسية في الأمد القريب، وصولاً إلى تعزيز القدرات المحلية على مواجهة الأزمات المحتملة في المستقبل على المدى الطويل.

من ناحيتها، قالت الأمينة التنفيذية لـ«الإسكوا»، رولا دشتي، إن التقييمات التي يطرحها التقرير تهدف إلى دق ناقوس الخطر بشأن ملايين الأرواح التي تُزهق، وعقود من جهود التنمية التي يتم القضاء عليها. وأضافت: «لقد حان الوقت لوضع حد للمعاناة وإراقة الدماء التي اجتاحت منطقتنا. يجب أن نتحد لإيجاد حل دائم يمكّن جميع الشعوب من العيش بسلام وكرامة، وحيث يستفيد الجميع من ثمار التنمية المستدامة، ويحترمون القانون الدولي والعدالة».

نموذجان لاقتصاد فلسطين

في النموذجين الأولين اللذين تناولهما التقييم -نموذج غياب أي جهود للتعافي المبكر، ونموذج التعافي المبكر المقيد- يستمر الحظر الصارم الحالي المفروض على العمال الفلسطينيين وحجب «إيرادات المقاصة» عن السلطة الفلسطينية. ويختلف الاثنان فقط في مستوى المساعدات الإنسانية المخصصة لتلبية الاحتياجات الفورية؛ إذ تظل دون تغيير عن المستويات الحالية في النموذج الأول، في حين تتدفق بمعدل 280 مليون دولار سنوياً، في النموذج الثاني. وتسفر تقديرات أثر النموذجين الأولين عن نتائج متطابقة إلى حد بعيد، حيث يستغرق التعافي إلى مستويات ما قبل الحرب مدة عشر سنوات على الأقل، مما يكشف عن محدودية أثر الاعتماد فقط على المساعدات الإنسانية للتعافي الاقتصادي لدولة فلسطين.

أما في النموذج الثالث -التعافي غير المقيد- فيتم رفع القيود المفروضة على العمال الفلسطينيين، واستعادة عائدات المقاصة المحتجزة إلى السلطة الفلسطينية. بالإضافة إلى 280 مليون دولار من المساعدات الإنسانية، يتم تخصيص 290 مليون دولار سنوياً لجهود التعافي المبكر. يسفر هذا النموذج عن زيادة في الإنتاجية بنسبة 1 في المائة سنوياً، مما يمكّن الاقتصاد من التعافي وإعادة التنمية الفلسطينية إلى مسارها الصحيح. ويتوقع هذا السيناريو تحسناً كبيراً في معدلات الفقر، وفي فرص نفاذ مزيد من الأسر إلى الخدمات الأساسية وانخفاض كبير في معدل البطالة؛ إذ يتوقع انخفاضه ​​إلى 26 في المائة.

تقديرات للتنمية

ويشمل التقييم تقديرات مهمة لأوضاع التنمية، بما في ذلك:

بحلول نهاية عام 2024، يتوقع التقييم انتكاسات كبيرة في التنمية -كما تقيسها مؤشرات التنمية البشرية- إلى مستويات لم نشهدها منذ بدء حسابات مؤشرات التنمية البشرية لدولة فلسطين في عام 2004، لذلك يلجأ التقييم إلى استخدام الاستقراء العكسي الخطي، ليصل إلى التقديرات الآتية:

من المتوقع أن ينخفض ​​مؤشر التنمية البشرية لدولة فلسطين إلى 0.643، وهو المستوى المقدّر لعام 2000؛ مما يؤخّر التنمية بمقدار 24 عاماً.

بينما يُتوقع أن ينخفض ​​مؤشر التنمية البشرية لغزة إلى 0.408، وهو المستوى المقدّر لعام 1955؛ مما يمحو أكثر من 69 عاماً من التقدم التنموي.

ومن المتوقع كذلك أن ينخفض ​​مؤشر التنمية البشرية للضفة الغربية إلى 0.676؛ مما يعكس خسارة قدرها 16 عاماً، ويحذّر التقييم من زيادة التراجع المرجح إذا ما توسعت التوغلات العسكرية في الضفة الغربية.

ويخلص التقييم إلى أن الحرب أدت أيضاً إلى تفاقم حدة الحرمان بشكل كبير كما يتم قياسه بوساطة دليل الفقر المتعدد الأبعاد؛ إذ من المتوقع أن يرتفع مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد بشكل حاد بالنسبة إلى دولة فلسطين من 10.2 في المائة، وهي القيمة التي قِيست في عام 2017 إلى ما يُقدّر بنحو 30.1 في المائة في عام 2024، وتشمل الأبعاد الأكثر تضرراً، حيث تدهورت جميع المؤشرات بشكل كبير، من بينها: ظروف السكن، والوصول إلى الخدمات، والسلامة.

ويُلاحظ أكبر الزيادات في معدلات الحرمان عبر مؤشرات دليل الفقر المتعدد الأبعاد في حرية التنقل، والموارد النقدية، والبطالة، والوصول إلى الرعاية الصحية، والالتحاق بالمدارس. ويُقدّر التقييم أن عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد قد زاد إلى أكثر من الضعف خلال هذه الفترة، حيث ارتفع من 24.1 في المائة إلى 55.4 في المائة.


مقالات ذات صلة

شمال غزة يعيش «أحلك» أيام الحرب

المشرق العربي عائلات نازحة تفرّ من عمليات الجيش الإسرائيلي في جباليا شمال غزة (أ.ف.ب)

شمال غزة يعيش «أحلك» أيام الحرب

تتواصل المجازر الإسرائيلية بوتيرة يومية في شمال غزة الذي يعيش «أحلك» لحظات الحرب، بحسب وصف مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الذي حذّر أمس من

«الشرق الأوسط» ( غزة ـــ القاهرة)
المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

نتنياهو يأمل أن ترفض «حماس» مفاوضات الهدنة

تؤكد أوساط سياسية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ما زال متمسكاً في نهجه بإفشال مفاوضات الهدنة والسعي لاستمرار الحرب.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون نازحون ينقلون المياه النظيفة أمام مدرسة تابعة للأمم المتحدة تحولت إلى مأوى في حي ناصر بمدينة غزة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

في غياب استراتيجية خروج واضحة... خبراء يخشون بقاء إسرائيلياً مفتوح المدة في غزة

يعتقد الجنرال الإسرائيلي المتقاعد جيورا إيلاند أن إسرائيل تواجه أشهراً من القتال في غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي مريضة تحتاج إلى غسل الكلى يتم نقله إلى المستشفى في سيارة إسعاف في جنين (أ.ف.ب)

القصف الإسرائيلي يمنع سكان الضفة من تلقي الرعاية الصحية

أصبح الطريق غير سالك أمام مستشفى جنين في الضفة الغربية المحتلة، بعدما دمّره الجيش الإسرائيلي خلال عملية مؤخراً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي عناصر من «حماس» و«الجهاد الإسلامي» يسلمون محتجزين مفرج عنهم إلى «الصليب الأحمر» في رفح 28 نوفمبر 2023 ضمن صفقة تبادل الرهائن والأسرى بين «حماس» وإسرائيل (د.ب.أ)

مسؤول إسرائيلي: علينا إظهار المرونة للتوصل إلى صفقة بشأن المحتجزين

قال مسؤول إسرائيلي كبير مطلع على مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح المحتجزين إنه لن يكون هناك تقدم إذا لم تظهر إسرائيل بعض المرونة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

وزير المالية السعودي: يجب دعم الدول التي تواجه مشكلات في السيولة

الجدعان وغورغييفا في مؤتمرهما الصحافي المشترك (أ.ف.ب)
الجدعان وغورغييفا في مؤتمرهما الصحافي المشترك (أ.ف.ب)
TT

وزير المالية السعودي: يجب دعم الدول التي تواجه مشكلات في السيولة

الجدعان وغورغييفا في مؤتمرهما الصحافي المشترك (أ.ف.ب)
الجدعان وغورغييفا في مؤتمرهما الصحافي المشترك (أ.ف.ب)

قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان إن هناك الكثير من التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي، داعياً إلى دعم الدول التي تواجه مشكلات في السيولة.

أضاف الجدعان، في مؤتمر صحافي مشترك من واشنطن مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، بعد ترؤسه اجتماع اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية التابعة للصندوق: «نحن نواجه الكثير من التحديات التي تقابل النظام المالي العالمي، ومنهجناً في المقام الأول هو أن نتوصل إلى أرضية مشتركة لتحقيق مصلحة الجميع».

وزير المالية السعودي في المؤتمر الصحافي (أ.ف.ب)

وأوضح أن «أعضاء اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية يسرّهم أن يقولوا إن الاقتصاد العالمي اقترب من الهبوط الآمن؛ النمو مطرد، والتضخم يتراجع. ولكن التقدم كان غير متوازن وغير متماثل عبر البلدان الأعضاء، وهناك بعض المخاطر. وبلغ الدين العام مستويات قياسية».

وأضاف: «في الفترة المقبلة، سوف نعمل على تأمين الهبوط الآمن، مع تعزيز إصلاحاتنا للانتقال من مسار النمو المنخفض والدين المرتفع»، مرحّباً باستكمال مراجعة الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر الذي يضمن مساندة الصندوق للبلدان منخفضة الدخل في مشكلات بموازين المدفوعات لديها.

ودعا الجدعان إلى دعم البلدان التي تواجه مشكلات في السيولة، وقال: «ندعم جهود الصندوق من أجل المساعدة الفنية، وأن يُؤمّن التمويل اللازم لها».

وقال: «أكدنا التزامنا بصندوق النقد الدولي القوي المستند إلى الحصص والموارد الكافية. وبذلنا جهوداً لتأمين الموافقات المحلية لزيادة الحصص في المراجعة العامة السادسة عشرة للحصص بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) هذا العام».

محافظو البنوك ووزراء المالية يشاركون في الاجتماع العام لـ«اللجنة النقدية والمالية الدولية» في واشنطن (أ.ب)

ورحّب بالكرسي الجديد الخامس والعشرين في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي لجنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، مما سيعزّز صوت المنطقة وتمثيلها. كما رحّب بالعضو الجديد، ليختنشتاين، ليكون العضو رقم 191؛ «مما يجعل صندوق النقد الدولي تقريباً عالمياً».

وقالت غورغييفا من جهتها: «نحن في عالم أكثر عرضة للصدمات، وهذا يتطلّب مزيداً من المرونة في الاقتصادات». ونبهت من أن مخاطر السيولة قد تتحول إلى مشكلات كبيرة في عدم القدرة على سداد القروض.