يقول مارك كوكوريا: «قبل ذلك كان الناس يعشقون النجوم مثل رونالدينيو، لكنهم الآن أصبحوا يحبون لاعبين من أمثالي»، ثم ضحك النجم الإسباني وضحك الجميع من حوله. فجأة، أصبح مدافع تشيلسي بطلاً لأوروبا ومعشوقا للجماهير، بعدما قاد منتخب بلاده للفوز ببطولة كأس الأمم الأوروبية 2024. ويعود الفضل في صعود منتخب إسبانيا إلى منصة التتويج في ألمانيا إلى الطريقة الرائعة التي كان يلعب بها الفريق، وهي الطريقة التي وصفها كوكوريا بأنها «تروق للجماهير».
وكان كوكوريا قد سخر من هالاند بأغنية رددها وهو على منصة احتفال منتخب إسبانيا بعد التتويج بكأس الأمم الأوروبية 2024، حيث قال: «كوكوريا كوكوريا، هالاند يرتعش عندما يرى كوكوريا». لكن عندما قاد المهاجم النرويجي العملاق ناديه مانشستر سيتي للفوز على تشيلسي، الذي يلعب له كوكوريا، في الجولة الافتتاحية من الموسم الحالي للدوري الإنجليزي الممتاز، قال عن كوكوريا بعد نهاية المباراة: «إنه رجل مضحك»! ورد كوكوريا بعفوية خلال هذا اللقاء على تصريحات هالاند، قائلا: «أنا رجل مرح بالفعل، هكذا يقولون! لا يعني هذا أنني أطلق النكات طوال الوقت، لكنني أحب أن أشيع أجواء البهجة والسعادة حولي، وأحب أن يقضي من يكون معي وقتا ممتعا. إنه لأمر رائع بالنسبة لي أن تصبح قدوة للناس. في الماضي ربما كان الناس يحبون فقط المهاجمين، واللاعبين الذين يراوغون أو يسجلون الأهداف. وبالتالي، عندما يشتري الجمهور قميصي أو يصنع لافتات لي، فهذا يعني أن كرة القدم قد تغيرت».
وبالفعل، يمكنك أن تشعر بالراحة وأنت تجلس مع هذا اللاعب البالغ من العمر 26 عاماً، لكنه يعترف بأنه قد عمل من أجل تطوير هذا الأمر أيضا، مشيرا إلى أنه قد عمل على أن يعرف نفسه جيدا، حتى يكون مرحا. انتقل كوكوريا إلى تشيلسي مقابل 62 مليون جنيه إسترليني، في صفقة تعكس في نظر البعض حالة الجنون التي أصابت مسؤولي النادي اللندني، والغريب أن كوكوريا الذي أصبح معشوقا للجماهير الآن، تعرض منذ فترة ليست بالطويلة لصافرات الاستهجان، بل وكانت هناك شكوك حول انضمامه من الأساس لقائمة منتخب إسبانيا في نهائيات كأس الأمم الأوروبية الأخيرة. فهل كان يتخيل كل هذا قبل ستة أشهر فقط؟ «بالطبع لا».
لم يكن كوكوريا ضمن قائمة منتخب إسبانيا للمباراتين الوديتين أمام كولومبيا والبرازيل في مارس (آذار) الماضي، ولم يتوقع أحد أن يكون ضمن القائمة المشاركة في نهائيات اليورو. كان كوكوريا قد لعب مباراة واحدة فقط مع منتخب بلاده، وكان ذلك قبل ثلاث سنوات عندما كان واحدا من 16 لاعباً شاركوا لأول مرة عندما لعب منتخب إسبانيا تحت 21 عاماً مباراة على مستوى المنتخب الأول خلال فترة تفشي الوباء استعدادا لبطولة اليورو.
وكان قد لعب مباراة واحدة فقط مع تشيلسي في آخر ثلاثة أشهر. وحتى عندما تم استدعاؤه من قبل المدير الفني لمنتخب إسبانيا، لويس دي لا فوينتي، بعد فوز تشيلسي في ربع نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي على ليستر سيتي بسبب إصابة خوسيه لويس غايا، كان معظم الناس، بما في ذلك كوكوريا نفسه، يتوقعون أن يكون هذا الانضمام لمباراة واحدة فقط وسيتم استبعاده بعد ذلك.
يقول نجم تشيلسي: «سألني دي لا فوينتي عن حالي، وقال إن غايا سيغيب عن المباراة وطلب مني الانضمام، فرحبت بذلك وأخبرته بأنني سأكون سعيدا. كانت تلك المكالمة بمثابة مكافأة لي، وسببا للاستمرار، وقد منحتني الكثير من الطاقة والحماس. لقد ذهبت من أجل الاستمتاع بتلك التجربة وقضاء وقت ممتع، بعد كل ما مررت به». ويضيف: «عندما ذهبت إلى تشيلسي تعرضت للكثير من الأشياء السيئة، فقد كنا نقيم في فندق لفترة طويلة، ولم تكن الأمور تسير على ما يرام في مدرسة أطفالي، وتعرضنا للسرقة ... كان ذلك خلال مباراة البرازيل وصربيا في نهائيات كأس العالم. دخلت زوجتي غرفة النوم ووجدتهم (اللصوص)، ولم يكن الأمر لطيفاً، وعدنا إلى الفندق لأننا كنا خائفين. ثم قضيت ثلاثة أيام في المستشفى [بسبب إصابتي بالفيروس]. كنت أرغب في اللعب على أي حال، لكنني لم أكن في حالة جيدة».
ويتابع: «كنت ألعب في فرق أكثر تواضعاً قبل تشيلسي، وذهبت إلى (البلوز) في وقت يشهد حدوث تغييرات في النادي، وكان وقتا صعبا يشهد تغيير الكثير من اللاعبين والكثير من المديرين الفنيين. كان الأمر يبدو وكأنني المسؤول عن كل ذلك، وكان الناس ينظرون إلى القيمة المرتفعة للصفقة ويعتقدون أنني آلة سأسجل 50 هدفاً وأقدم 50 تمريرة حاسمة. يجب على الجمهور أن يعرف أن هذه صفقات بين الأندية التي تحدد قيمة صفقات الانتقال، ولا علاقة لي بذلك».
ويقول كوكوريا: «كان عدد المديرين الفنيين الذين تدربت تحت قيادتهم في تشيلسي أكثر من جميع المديرين الفنيين الذين عملت معهم طوال مسيرتي الكروية: توماس توخيل، وغراهام بوتر، وفرانك لامبارد، وماوريسيو بوكيتينو، والآن إنزو ماريسكا، بالإضافة إلى برونو في مباراة واحدة. لم ألعب تحت قيادة توخيل لفترة طويلة، ولم نتعرف بالكاد على بعضنا. ثم جاء غراهام بوتر، الذي سبق أن لعبت تحت قيادته في برايتون، لكن الأمر كان صعباً. كان الفريق قد ضم كثيرا من اللاعبين الجدد، ولم يتمكن بوتر من إيجاد الطريقة المناسبة للعب. ومع لامبارد أيضاً، حدث الكثير من الأشياء».
وبعد ذلك، تعرض كوكوريا للإصابة في الكاحل. يقول عن ذلك: «لو سألتني عن اللحظة التي غيرت مسيرتي الكروية، فسأقول لك إنها الإصابة التي تعرضت لها في الكاحل الموسم الماضي، وهو أمر غريب، لأنه لا يوجد لاعب يريد أن يتعرض للإصابة. عندما تعرضت للإصابة، أصبحت بمفردي وكان هناك الكثير من الوقت للتفكير والعمل. وقد ساعدني هذان الشهران كثيرا من الناحية الذهنية. لقد استعنت باختصاصي نفساني، وهو الأمر الذي ساعدني كثيرا».
ويضيف: «دائما ما تكون الانتقادات صعبة على أي لاعب عندما يأخذ الأمور على محمل شخصي، لكن بمجرد انتهاء المباراة يجب أن ينتهي الأمر تماما. يمكن أن يشعر اللاعب بالانزعاج لمدة يوم أو يومين أو ثلاثة، لكن ذلك لن يغير من الأمر شيئا. كنت أعاني من ذلك، وكانت هذه الأمور تؤثر علي سلبيا من الناحية الذهنية وتجعلني أفقد الثقة. وبمجرد أن يفقد اللاعب الثقة في نفسه، فإنه لن ينجح أبدا في تقديم نفس المستويات التي كان يقدمها من قبل. لكنني وصلت إلى نقطة لم أعد أهتم فيها بما حدث في الماضي، بل أنظر دائما إلى المستقبل، وليس من السهل الوصول إلى هذه النقطة، لكنني عملت بجدية كبيرة من أجل ذلك. هذه الفترة التي غبت خلالها عن الملاعب بسبب الإصابة ساعدتني على معرفة نفسي بشكل أفضل. في يوم ما يكون اللاعب في القمة، لكنه في اليوم التالي مباشرة قد يتعرض للإصابة وينساه الجميع. لقد ساعدني ذلك على رؤية الأمور بشكل أفضل وإدراك أن كل شيء يتوقف عليك».
كانت المكالمة التي تلقاها كوكوريا من دي لا فوينتي بمثابة بداية جديدة. لعب كوكوريا جيداً أمام البرازيل وأصبح لاعباً أساسياً في تشيلسي، وأصبح يحظى بثقة كبيرة من جانب الجماهير. وبعد ذلك، انضم لقائمة منتخب إسبانيا المشاركة في نهائيات كأس الأمم الأوروبية، في ظل استمرار إصابة غايا وأليخاندرو بالدي. ومع ذلك، توقع كثيرون أن يكون كوكوريا بديلا لأليكس غريمالدو. وحتى كوكوريا نفسه يقول إنه كان يعتقد أن طريقة لعبهما المختلفة جعلته يعتقد أنهما سيتبادلان اللعب بناء على طريقة لعب وقوة الفريق المنافس.
وبدلاً من ذلك، كان كوكوريا لاعبا أساسيا بشكل منتظم. يقول المدافع الإسباني، الذي صنع هدفا في المباراة النهائية، إن شخصيته على أرض الملعب تختلف تماما عن شخصيته المرحة خارجه. والآن، أصبح كوكوريا بطلا لأوروبا، وانقلبت حياته رأساً على عقب، أو بالأحرى أصبحت تسير على الطريق الصحيح. يقول كوكوريا: «في السابق، كان الناس يحبون النجوم، والآن يتعاطفون معي. إنه لأمر رائع أن يدعمك الناس ويعجبون بك. كان يمكنني قبل ذلك أن أذهب إلى السوبر ماركت أو أي مكان آخر في هدوء، لكن الآن يكون الأمر فوضويا بعض الشيء».
ورفعت الجماهير لافتات تشيد بالنجم الإسباني - مثل لافتة تقول «إذا رزقنا الله بولد فسوف نسميه مارك؛ إما إذا كانت فتاة فسوف نسميها كوكوريا» - بالإضافة إلى الكثير من التعليقات التي لا حصر لها التي تشيد به، بل وبطريقة تصفيفه لشعره. وفي المقابل، كانت هناك أيضاً تعليقات وقحة، فعلى سبيل المثال قال غاري نيفيل إنه كان أحد الأسباب التي قد تجعل إسبانيا غير قادرة على الفوز ببطولة كأس الأمم الأوروبية، لذلك وجه كوكوريا شكره له بعد البطولة على هذا الدعم!
وعندما انتشر له مقطع فيديو وهو يردد أغنية تقول في جزء منها: «كوكوريا كوكوريا، هالاند يرتعش عندما يرى كوكوريا»، كان ذلك من منطلق أن المهاجم النرويجي العملاق لاعب فذ ويعد أقوى خصم واجهه كوكوريا، لكن هالاند شعر بالغضب وأخذ الأمر على محمل شخصي حتى أخبره كول بالمر أن كوكوريا رجل جيد حقاً. وفي المرة التالية التي واجها فيها بعضهما، دفعه هالاند، وسجل هدفاً في مرمى فريقه ووصفه بأنه «رجل مضحك»، حيث قال هالاند: «في الموسم الماضي طلب الحصول على قميصي، وهذا الصيف يغني أغنية عني».
يقول كوكوريا عن ذلك ضاحكاً: «كانت هذه هي أول مباراة في الموسم أيضاً. كان الأمر يبدو وكأن رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز قد فعلت ذلك عمدا (إقامة المباراة بين هذين الفريقين في الجولة الأولى). لقد كان الأمر ممتعاً، فهذه هي كرة القدم. وفي النهاية، كان الأمر مضحكا، وهذه هي الطريقة التي يجب أن نتعامل بها مع الحياة». وعندما سُئل كوكوريا عما إذا كان يأخذ كرة القدم على محمل الجد، رد قائلا: «نعم، إلى حد ما. انظر، أعلم أنها شيء يستثمر فيه الناس، لكنها عبارة عن رياضة في نهاية المطاف».
خسر تشيلسي في ذلك اليوم، لكنه لم يُهزم في ست مباريات بالدوري منذ ذلك الحين. لقد تغيرت الأمور كثيرا في تشيلسي أيضاً، حتى لو قال كوكوريا مازحا إنه يبدو في ورطة كل أسبوع مع تزايد عدد البطاقات الصفراء التي يحصل عليها بشكل مريب. لقد وصفه ماريسكا بأنه لاعب يجعل زملاءه في الفريق أفضل، وهو وصف يتفق معه كوكوريا تماما، فربما لا يكون الأفضل في أي شيء، لكنه يركز على كيفية مساعدة الفريق بأكمله. وعلاوة على ذلك، استفاد كوكوريا كثيرا من التغيير الخططي الذي حدث في نهاية الموسم الماضي، حيث أصبح يلعب في مركز الظهير الأيسر ويدخل إلى عمق الملعب للمساعدة في خط الوسط، وهو الأمر الذي يروق للنجم الإسباني كثيرا وساعده على تقديم مستويات رائعة خلال الفترة الأخيرة.
* خدمة «الغارديان»