مصر: الجدل بشأن السلع «الترفيهية» يتصاعد

عقب انتقاد رئاسي لـ«التوسع» في استيرادها

مشهد من العاصمة المصرية القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)
مشهد من العاصمة المصرية القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)
TT

مصر: الجدل بشأن السلع «الترفيهية» يتصاعد

مشهد من العاصمة المصرية القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)
مشهد من العاصمة المصرية القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)

أثارت تصريحات وزير النقل والصناعة المصري نائب رئيس الوزراء لشؤون التنمية الصناعية، كامل الوزير، حول استيراد الحكومة «سلعاً استفزازية» بـ5.6 مليار دولار خلال الفترة ما بين 2014 و2023، من بينها «أثاث فاخر، وأوانٍ خزفية، وحلي، وورق فويل، وسجاد، وسيراميك وبورسلين، وشوكولاته»، حالة من الجدل المتصاعد في الشارع المصري؛ حيث اعتبر البعض أن «هذه السلع لم تعد ترفيهية»، بينما رأى آخرون أن هذه «الأرقام كبيرة» وتأتي في ظل ظروف اقتصادية صعبة.

وأمام تلك الأرقام، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى ضرورة تطوير الصناعة المحلية للحد من الاعتماد على الاستيراد، منتقداً التوسع في استيراد «السلع الترفيهية»، بقوله: «تتسبب في ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه».

كلمات الرئيس والوزير، التي جاءت خلال افتتاح محطة قطارات «صعيد مصر» بمنطقة بشتيل في الجيزة، السبت الماضي، سرعان ما سيطرت على نقاشات المصريين، وتفاعلت معها مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، لترتفع بعض أسماء هذه السلع إلى صدارة «الترند» في مصر، خاصة «#ورق_الفويل»، وبينما ظهر تفاعل آخر بتأييد «حديث الرئيس»، دافع آخرون عن رؤيتهم بأن «الحل ليس في وقف استيراد هذه السلع».

كان السيسي، في تعقيبه على كلام الوزير، قد أشار إلى أن التجار في مصر يفضلون الاستيراد من الخارج بدلاً من التصنيع محلياً، وأضاف أن الدولة يجب أن تعمل بجدية وصلابة لحل تلك الأزمة، مشيراً إلى أن مصر استوردت عطوراً ومزيلات عرق بـ440 مليون دولار، ومستحضرات تجميل بنحو 500 مليون دولار، وحقائب يد بـ200 مليون دولار، وشوكولاته بنحو 400 مليون دولار. كما استوردت سيراميك بـ235 مليون دولار، وورق فويل بـ500 مليون دولار، وجبناً بمليار و200 مليون دولار، وسيارات بنحو 25 مليار دولار. (الدولار يساوي 48.59 جنيه في البنوك المصرية).

وقال السيسي حينها: «وبتلوموني إن الدولار بيرتفع ليه؟»، مؤكداً أن حل الأزمة الحالية في أيدي المصريين، وشدد على ضرورة إنشاء مصانع وإنتاج المستلزمات التي يسهل تصنيعها بمصر، موضحاً أن هذا الأمر يعد فرصة عظيمة للاستثمار، لافتاً إلى أنه لكي يتم تجاوز أزمة الدولار يجب تصنيع هذه المنتجات محلياً.

عامل في محل ذهب بخان الخليلي بالقاهرة (رويترز)

وعانت مصر خلال العامين الماضيين من أزمة في توافر الدولار، ما أدى إلى انتعاش «السوق الموازية»، حيث وصل سعر الدولار خلال العام الماضي إلى نحو 70 جنيهاً. في حين سمحت لعملتها بالانخفاض أمام الدولار في مارس (آذار) الماضي.

تصريحات الوزير المصري وجدت جدلاً عبّر عنه البعض بالإشارة إلى أن هذه السلع لها مردود اقتصادي مهم وليست «استفزازية»، حيث يقف وراءها طابور طويل من «مستوردين، وموظفي جمارك، وضرائب، وشركات شحن، وسائقين، وموظفي مخازن، وموظفي تسويق وتوزيع وتحصيل وبنوك»، وبالتالي تخلق الآلاف من فرص العمل.

كما عبّر آخرون عن رفض المصطلح نفسه، قائلين: «مفيش حاجة اسمها (سلع استفزازية) وكل شخص له حرية في اختياراته وأمواله»، بينما قال البعض إن «الرقم المعلن من الوزير ليس كبيراً، إذا تم تقسيمه على 10 سنوات، و12 شهراً، ثم على 30 يوماً».

أمينة سر «لجنة الصناعة» بمجلس النواب المصري (البرلمان) النائبة شيرين عليش قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «حالة الجدل التي تصاعدت في مصر عقب تصريحات وزير النقل والصناعة تعود إلى عدم تخيل المواطنين لقيمة فاتورة استيراد هذه السلع، وعدم تقديرهم لحجمها الكبير»، مضيفة أن حديث الرئيس السيسي وضع المصريين أمام الحقيقة، التي وجدها البعض بمثابة «حقيقة مُرة»، خاصة مع ذكر الرئيس سلعاً معينة مثل «ورق الفويل»، فهي سلعة تستخدم داخل كل منزل بشكل مستمر، لكن مع ضرب المثل بها، اتضح للمواطن أن أبسط الأمور لديه تكلفتها باهظة، وهو ما لم ينتبه إليه أو يحسب تكلفته من قبل.

ونال «ورق الفويل»، تفاعلاً كبيراً، حيث أبرز كثيرون أهميته، وأنه لا يقتصر على الاستخدام في الطهي فقط.

الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مدحت نافع يوضح أن «الفويل» لا يدخل فقط في الطعام المنزلي، فهو يستهلك استهلاكاً صناعياً، ويستهلك في المنتجات الدوائية بنسب كبيرة للغاية، كما يستهلك في المبردات، بما يعني أنه يدخل في العملية التصنيعية بشكل كبير. ويبين أن إنتاج الفويل يحتاج إلى استثمارات كبيرة، ورغم ذلك تستطيع مصر إنتاجه في شركة مصر للألومنيوم (التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام)، شريطة تحديث خطوط الإنتاج وعمل توسعات في الشركة، مع استقرار أسعار الكهرباء، التي تسهم بنحو 40 إلى 50 في المائة من تكلفة الإنتاج.

وقال نافع لـ«الشرق الأوسط» إن الدولة تربح من دخول هذه السلع الترفيهية إليها بشكل أكبر من السلع الأساسية، مشيراً في الوقت نفسه إلى «أهمية سياسة أولويات الاستيراد مع محدودية الوفرة الدولارية في البنوك».

في المقابل، رأى جانب من رواد «السوشيال ميديا»، أن ما ذكره الرئيس المصري من حقائق يؤدي بالفعل إلى وجود أزمة في الدولار.

وطالب آخرون بأن تكون هناك وقفة مع هذه «الفواتير الكبيرة للسلع الترفيهية»، مؤكدين وجود فئات بعينها هي القادرة على شرائها.

من ناحية أخرى، أرجع الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور أشرف غراب، حالة التفاعل مع حديث الرئيس عن هذه السلع، لكونها تأتي في وقت يعاني فيه الكثيرون من الغلاء، إلى جانب أن الحكومة قد حصرت بالفعل منذ شهور مضت عدداً من السلع، ما يقارب 130 صنفاً أو أكثر من السلع التي يتم استيرادها من الخارج، وأكدت حينها أنه سيتم عمل دراسات لتصنيعها محلياً بالتعاون مع القطاع الخاص لمنع استيرادها، حتى لا تُستنزف العملة الصعبة، خاصة «السلع الترفيهية غير الضرورية»، ورغم ذلك عندما تحدث الرئيس، فوجئ المواطن بحجم فاتورة الاستيراد الضخمة.


مقالات ذات صلة

مصر: نتابع من كثب مع السلطات الإيطالية حادثة مصرع أحد مواطنينا في ميلانو

العالم العربي مقر وزارة الخارجية المصرية وسط القاهرة على ضفاف نهر النيل (الخارجية المصرية)

مصر: نتابع من كثب مع السلطات الإيطالية حادثة مصرع أحد مواطنينا في ميلانو

قالت وزارة الخارجية المصرية، الجمعة، إنها تتابع من كثب مع السلطات الإيطالية حادثة مصرع شاب مصري في ميلانو، أثارت وفاته احتجاجات عنيفة.

شمال افريقيا المتهم داخل القفص خلال جلسة محاكمته في جلسة سابقة (الشرق الأوسط)

مصر: إحالة أوراق «سفاح التجمع» إلى المفتي تمهيداً لإعدامه

أحالت محكمة «الجنايات المستأنفة» في مصر، الخميس، أوراق المتهم كريم محمد سليم، المعروف إعلامياً بـ«سفاح التجمع»، إلى مفتي الديار المصرية لأخذ الرأي في إعدامه.

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا أحد السائحين الناجين في حادث غرق المركب السياحي «سي ستوري» خلال إنقاذه (المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية)

مصر تواصل البحث عن 7 مفقودين في حادث «مركب البحر الأحمر»

لليوم الثالث على التوالي، تواصلت عمليات البحث والإنقاذ عن 7 مفقودين في حادث غرق المركب السياحي «سي ستوري»، قبالة سواحل مدينة مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر.

محمد عجم (القاهرة)
العالم العربي خلال لقاء سابق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال قمة في القاهرة 27 ديسمبر 2023 (رويترز)

الرئيس المصري وملك الأردن يؤكدان ضرورة الوقف الفوري للحرب على غزة

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، اليوم الأربعاء، ضرورة الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عبد المجيد صقر القائد العام للقوات المسلحة المصرية وزير الدفاع والإنتاج الحربي (متداولة)

قائد الجيش المصري يتفقد جاهزية الوحدات العسكرية «المخطط إشراكها بإحدى مهام الاتحاد الأفريقي»

قال بيان للمتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية، إن قائد الجيش المصري تفقد جاهزية الوحدات العسكرية «المخطط إشراكها بإحدى مهام الاتحاد الأفريقي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

تركيا: هدفنا النهائي ليبيا موحدة

اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة بمقر وزارة الدفاع التركية (وزارة الدفاع التركية)
اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة بمقر وزارة الدفاع التركية (وزارة الدفاع التركية)
TT

تركيا: هدفنا النهائي ليبيا موحدة

اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة بمقر وزارة الدفاع التركية (وزارة الدفاع التركية)
اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة بمقر وزارة الدفاع التركية (وزارة الدفاع التركية)

أكدت تركيا أنها ستواصل تقديم جميع أنواع الدعم والإسهام في تطوير الأنشطة المشتركة مع ليبيا، موضحة أن هدفها النهائي هو «ليبيا موحدة» تعمل جميع مؤسساتها معاً.

جاء ذلك في بيان لوزارة الدفاع التركية حول اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)، الذي استضافته الوزارة بمقرها في أنقرة مساء الخميس، لمناقشة الخطوات الإضافية التي يمكن اتخاذها من أجل السلام والاستقرار والأمن في ليبيا.

وذكر البيان أنه جرى خلال اللقاء، الذي جاء بدعوة من تركيا، تأكيد علاقات الصداقة التاريخية مع ليبيا، وأهمية الإسهام في بنائها «لتُحقق وحدتها الوطنية، وتعيش بسلام وطمأنينة واستقرار».

وأضاف البيان أن «العمل المُرضي الذي قامت به اللجنة في نطاق تدابير بناء الثقة والإسهام في استقرار ليبيا هو موضع تقدير، وقد جرى تبادل الأفكار حول تطوير الأنشطة المشتركة بين شرق وغرب ليبيا».

وزير الدفاع ورئيس الأركان التركيان مع أعضاء اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (وزارة الدفاع التركية)

وتابع البيان مبرزاً أنه «في هذه المرحلة، أكدنا أننا سنواصل تقديم جميع أنواع الدعم والإسهام في تطوير الأنشطة المشتركة، وهدفنا النهائي ليبيا موحدة، تعمل جميع مؤسساتها معاً». مضيفاً: «بهذه المناسبة، عبّر نظراؤنا الليبيون عن امتنانهم لاستضافة تركيا اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، ونحن عازمون على مواصلة دعمنا وتعاوننا مع مختلف شرائح الشعب الليبي، على أساس التفاهم الليبي الموحد».

واستقبل وزير الدفاع التركي، يشار غولر، عقب الاجتماع، أعضاء اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)، وحضر اللقاء رئيس الأركان العامة التركي الجنرال متين غوراك.

وتضم اللجنة 5 أعضاء من المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا، و5 آخرين من طرف قائد قوات الشرق الليبي، خليفة حفتر، وتجري حواراً منذ أعوام لتوحيد المؤسسة العسكرية، تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا.

جانب من لقاء وزير الدفاع التركي يشار غولر مع أعضاء اللجنة العسكرية الليبية المشتركة في أنقرة (وزارة الدفاع التركية)

ومن ضمن مهام اللجنة بحث تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، المُوقّع في جنيف بسويسرا في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 بين أطراف النزاع الليبي المتحاربة آنذاك.

وتوجد في ليبيا منذ مارس (آذار) 2022 حكومتان: إحداهما تحظى باعتراف دولي وأممي، وهي حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها العاصمة طرابلس، وتدير منها غرب البلاد بالكامل.

أما الحكومة الثانية فكلفها مجلس النواب، ويرأسها أسامة حماد، ويوجد مقرها في بنغازي، وتدير شرق البلاد بالكامل، ومدناً في جنوب البلد الغني بالنفط.

غير أن وجود حكومتين عمَّق أزمة سياسية يأمل الليبيون حلّها عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية طال انتظارها منذ سنوات، وتحول دون إجرائها خلافات بشأن قوانينها، والجهة التنفيذية التي ستشرف عليها.

وتؤيد تركيا، التي دعمت بشكل أساسي حكومة الدبيبة سياسياً وعسكرياً، إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن، وإحلال الاستقرار وتوحيد ليبيا تحت حكومة واحدة.

وتوجد تركيا عسكرياً في غرب ليبيا، بموجب مذكرة تفاهم للتعاون الأمني والعسكري، وقّعتها مع حكومة الوفاق السابقة، برئاسة فائز السراج، في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وأنشأت بموجبها قواعد برية وبحرية وجوية، وتحتفظ بقوات هناك، وتواصل بموجبها أيضاً أنشطة التدريب لعسكريين في الغرب. وقبل عامين بدأت تركيا انفتاحاً على شرق ليبيا، بهدف إيجاد توازن في علاقاتها مع الحكومتين، والحفاظ على مصالحها.