بعد أن مهّد الفنان والكاتب يعقوب صنّوع الطريق لفن الكاريكاتير في مصر بظهوره على صفحات مجلة «أبو نظارة» قبل 145 عاماً، يشهد هذا الفن ميلاداً جديداً بتدشين أول متحف أكاديمي متخصص له في مصر والوطن العربي، ليكون داعماً للأجيال الجديدة من الفنانين، ومشجعاً للبحث والدراسة في هذا الفن.
المتحف، الذي افتُتح الثلاثاء، تحتضنه محافظة المنيا (240كم جنوب القاهرة)، ويمتد على مساحة 500 متر مربع داخل حرم كلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا، وأنشئ بالتعاون بين الجامعة و«الجمعية المصرية للكاريكاتير».
ويضم المتحف 274 عملاً فنياً نادراً مهداة ومعارة من الجمعية المصرية للكاريكاتير إلى المتحف، من أبرز أعمال رواد فن الكاريكاتير المصري، الذين عكسوا من خلالها ملامح من الحياة المصرية في حقب زمنية سابقة، حيث يتجولون بحس ساخر بين ملامح الناس، ومأكلهم ومشربهم وملبسهم، وشكل الشوارع والسائرين فيها، والتعبير عن انفعالات المصريين بين السعادة والضيق، وبين أزماتهم المعيشية وانتصاراتهم.
فنان الكاريكاتير فوزي مرسي، الأمين العام للجمعية المصرية للكاريكاتير، قال لـ«الشرق الأوسط» إن المتحف يضم أعمالاً لقامات فنية كبيرة، منهم زهدي العدوي، صاروخان، أحمد طوغان، حجازي، صلاح الليثي، مصطفى حسين، جمعة فرحات، حسن حاكم، محمد حاكم، صلاح جاهين، دياب، وغيرهم من الأسماء اللامعة التي شكلت جزءاً من تاريخ هذا الفن العريق، مما يجعل المتحف منبراً ثقافياً مهماً لتسليط الضوء على هذا الفن التعبيري المميز.
ويلفت مرسي إلى أن «افتتاح المتحف كان بمثابة حدث تاريخي للكاريكاتير المصري؛ لكونه يعزز مكانة هذا الفن، ويوثق تاريخه الطويل بوضعه في سياق أكاديمي وفني مدعوم من جامعة حكومية؛ ليكون أول متحف مصري وعربي لفن الكاريكاتير يتبع مؤسسات الدولة المصرية».
رئيس جامعة المنيا، الدكتور عصام الدين صادق فرحات، أكد خلال حفل الافتتاح، أن «المتحف يعد أول متحف مؤسسي لفن الكاريكاتير في الوطن العربي، وهو إنجاز يعزز من مكانة جامعة المنيا كحاضنة للفنون والثقافة»، مبيناً أن المتحف لا يهدف فقط إلى عرض الأعمال الفنية، بل إلى تأسيس قاعدة رصينة لدراسة وتحليل هذا الفن بأصوله التاريخية الموغلة في القدم، حيث تعود جذوره إلى الرسوم الهزلية التي وثقها المصري القديم على جدران مقابر بني حسن في المنيا. وأضاف فرحات «هذا الرابط العميق بين الماضي والحاضر يسلط الضوء على استمرار فن الكاريكاتير كأداة للتعبير عن الرأي والسخرية الاجتماعية والسياسية عبر العصور».
وعن المتحف، يقول الدكتور جمال يحيى صدقي، عميد كلية الفنون الجميلة، لـ«الشرق الأوسط»: «لا تتوقف أهمية المتحف عند كونه مجرد مكان لعرض اللوحات، بل هو مستودع تاريخي يضم بين جدرانه مجموعة من أندر اللوحات الكاريكاتيرية التي رسمها رواد الفن الأوائل، مما يضفي عليه قيمة فنية وتاريخية لا تُقدر بثمن، ومن خلال هذه المجموعة الفريدة، يتيح المتحف للزوار، من الطلاب والجمهور، فرصة الاطلاع على مراحل تطور هذا الفن ومتابعة التغيرات الأسلوبية والتقنية التي مر بها عبر العصور».
كما يشير عميد الكلية إلى أن «دور المتحف يمتد إلى دعم البحث العلمي في مجال الفنون، من خلال توفير منصة غنية للباحثين والفنانين بالمنطقة العربية لدراسة وتحليل تاريخ فن الكاريكاتير، حيث يسهم المتحف في إثراء الأبحاث والدراسات الفنية، ما يجعله مصدراً لا غنى عنه للدارسين والمهتمين بتوثيق هذا الفن، الذي طالما كان مرآة للمجتمع، وبالتالي يوفر المتحف بيئة خصبة للبحث العلمي، حيث يمكّن الطلاب والباحثين من الاطلاع على كنوز فنية نادرة وتحليلها، مما يساعد في تطوير مفاهيم جديدة في مجال الفنون البصرية وتوثيقها».
وختاماً قال الفنان سمير عبد الغني، عضو الجمعية المصرية للكاريكاتير، لـ«الشرق الأوسط» إن المتحف يتيح لطلاب الفنون الجميلة، خصوصاً قسم الرسوم المتحركة، أن يكونوا في مواجهة أعمال فناني الكاريكاتير المعروضة أعمالهم وجهاً لوجه، ما يتيح لهم التعرف على الكيفية التي قدم كل منهم شخصياته الكاريكاتيرية، وهو ما يجعل المتحف يقرب المسافات الفنية بين الأجيال، ويرسخ علاقة بصرية بين الطالب وملامح البشر التي تطل من هذا الأرشيف البصري.