حلفاء نتنياهو ومعارضوه يرفضون وقف النار في لبنان

كيف تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي عن موافقته على خطة وقف النار؟

نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي (د.ب.أ)
نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي (د.ب.أ)
TT

حلفاء نتنياهو ومعارضوه يرفضون وقف النار في لبنان

نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي (د.ب.أ)
نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي (د.ب.أ)

أصبح واضحاً تماماً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كان شريكاً في إعداد خطة وقف إطلاق النار التي تقودها الولايات المتحدة وفرنسا معاً مع دول «جي 7» والمجموعة العربية. فمنذ البداية، أرسل مندوباً عنه، هو أمين سره وأقرب الشخصيات إليه في السنوات الأخيرة، رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية.

وبحسب مسؤول أميركي، فإن «نتنياهو يعرف كل كلمة في هذه المبادرة. وما من شك في أنه أعطى مباركته إياها»؛ لذلك، مع أنه نفى أن يكون قد وافق عليها، بل قال بالعبرية إنه اطَّلع عليها، لكنه لم يعط موافقة»، فإنه أصدر بياناً باللغة الإنجليزية يؤكد فيه توجهاً إيجابياً نحوها، ويواصل الحوار بشأنها.

صدمة أميركية

الإدارة الأميركية قالت إنها صُدمت من نفي نتنياهو. والمثل الصارخ لذلك حدث في مايو (أيار) الماضي، عندما وقف الرئيس جو بايدن بنفسه، وتوجه بشكل علني إلى نتنياهو وقال: «السيد نتنياهو بادر إلى خطة شاملة لوقف النار (في قطاع غزة)، وأنا أدعوه للموافقة عليها». وقد كانت هذه المقولة علامة فارقة في السياسة عبر التاريخ.

ويتضح مما يقوله المراقبون في وسائل الإعلام العبرية أن نتنياهو وافق فعلاً على المبادرة، لكنه قرر التراجع. فلماذا؟ هل لأنه من الأصل وافق على شيء لا يريده، ومثل هذا يحدث له كثيراً في السنوات الأخيرة؟ أم أن رفاقه في اليمين المتطرف هددوه ومارسوا الضغوط عليه؟

أسباب تراجع نتنياهو

الجواب نعم عن السؤالين، وأكثر. والأكثر هنا هو أن الضغط على نتنياهو جاء ليس فقط من اليمين المتطرف، بل من المؤسسة الأمنية العسكرية ومن المعارضة الحزبية له ومن الشارع. ولكل معارضة هناك أسباب مختلفة عن الأخرى، أو تتقاطع معها:

- المؤسسة الأمنية العسكرية: رفضت هذه المؤسسة وقف إطلاق النار في لبنان، أولاً لأنها حققت في هذه الحرب إنجازات صادمة لم تتوقعها؛ فقد فوجئت بنجاحها في اغتيال عدد كبير من قادة «حزب الله» العسكريين. ونجاحها الخارق في بيع «حزب الله» أجهزة التواصل المفخخة، والتي أدت إلى إصابة نحو 3 آلاف شخص غالبيتهم من عناصر الحزب، و500 منهم أصيبوا في العيون، وكثيرون فقدوا البصر. وقد فوجئت المؤسسة العسكرية بالموقف الإيراني الذي لم يساند الحزب بشكل مباشر كما كان متوقعاً. وهذه كلها أسباب فتحت شهية الجيش على المزيد.

لكن السبب الأقوى لمعارضة الجيش يكمن في طريقة نتنياهو في إدارة المفاوضات. فمن المعروف أن الحكومة الإسرائيلية اتخذت قراراً بتشكيل فريق مفاوضات رفيع، بقيادة رئيس جهاز «الموساد»، دافيد بارنياع، ورئيس «الشاباك»، رونين بار، وممثل رئاسة أركان الجيش، نتسان ألون. وقيام نتنياهو بتكليف الوزير ديرمر بهذا الملف عُدَّ مساساً بالمؤسسة العسكرية؛ لذلك تعمدوا تشويش خطة نتنياهو، والامتناع عن إنقاذه بالقول إن المصلحة الأمنية تقتضي وقف النار. وأعلن رئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي، أن الجيش ماضٍ في خططه الحربية.

المعارضة: غالبية أحزاب المعارضة هاجمت وقف النار، خصوصاً تلك الأحزاب التي تقيم علاقات مباشرة مع الإدارة الأميركية. فقط يائير لبيد أيد وقف النار، لكنه رفض أن يكون لمدة 21 يوماً. الباقون قالوا إن على الجيش أن يحسم المعركة ضد «حزب الله»، وراحوا يُزايدون على نتنياهو.

- الجمهور: جميع السياسيين والعسكريين، تقريباً، قاموا بتعبئة الجمهور الإسرائيلي بمشاعر الحماسة، وبأن إسرائيل قادرة على محق «حزب الله». وفي مرحلة معينة رأى الجيش أن عليه أن يلجم هذا الحماس، فراح ينبه بأنه قادر على محو بيروت وتحويلها إلى غزة ثانية، لكن سيكون لهذا ثمن باهظ.

لكن نجاحات الجيش في توجيه ضربات قاسية لـ«حزب الله»، فتحت أيضاً شهية الجمهور لمزيد من الحرب. وقد نُشر، الجمعة، استطلاع رأي قال فيه 66 في المائة من الإسرائيليين إنهم يرفضون الخطة الأميركية الفرنسية لوقف النار. وتبلغ هذه النسبة 74 في المائة لدى اليهود. وما خفضها إلى 66 في المائة هو آراء المواطنين العرب في إسرائيل، وهم بغالبيتهم يؤيدون وقف النار.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تهاجم الضاحية الجنوبية لبيروت... والهدف اغتيال نصرالله

المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع استهداف إسرائيلي لمقر «حزب الله» المركزي في الضاحية (أ.ف.ب) play-circle 00:24

إسرائيل تهاجم الضاحية الجنوبية لبيروت... والهدف اغتيال نصرالله

حاولت إسرائيل اغتيال أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله في استهداف «المقر المركزي» للحزب في ضاحية بيروت الجنوبية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية صورة لأمين «حزب الله» حسن نصر الله مأخوذة عن قناة «المنار» بمناسبة خطاب له يوم 19 سبتمبر (أ.ف.ب)

أنباء متضاربة حول مصير أمين «حزب الله» اللبناني

نقلت وكالة «تسنيم»، التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني، الجمعة، أن أمين «حزب الله» نجا من القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي يتجمع الناس في موقع غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز) play-circle 00:24

إسرائيل تعلن عن هجوم على مقر ل «حزب الله» في منطقة حارة حريك في بيروت

قتل شخص واحد على الأقل وأصيب 50، باستهدف الطيران الإسرائيلي مساء اليوم (الجمعة)، الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي حشود عسكرية إسرائيلية على الحدود الشمالية قرب جبهتي لبنان وسوريا (رويترز)

إسرائيل تحشد للهجوم البري وتهدد بمواصلة القصف «حتى تحقيق الأهداف»

أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان الجمعة، عن نشر جنود في قوات الاحتياط الذين تم استدعاؤهم لتنفيذ مهمات عملياتية وقتالية في الجبهة الشمالية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«التشاؤم» يخيّم على الجهود اللبنانية لوقف التصعيد الإسرائيلي

«التشاؤم» يخيّم على الجهود اللبنانية لوقف التصعيد الإسرائيلي
TT

«التشاؤم» يخيّم على الجهود اللبنانية لوقف التصعيد الإسرائيلي

«التشاؤم» يخيّم على الجهود اللبنانية لوقف التصعيد الإسرائيلي

سادت أجواء تشاؤمية أروقة الأمم المتحدة، رغم استمرار الجهود الدبلوماسية للجم التصعيد الخطير في العمليات العسكرية عبر الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، والمساعي المتواصلة لتطبيق المبادرة الأميركية - الفرنسية، المدعومة دولياً وعربياً، من أجل إقرار هدنة تهدئ المخاوف من شبح مواجهات بريّة بين إسرائيل و«حزب الله».

وعلمت «الشرق الأوسط» من دبلوماسيين كبار يشاركون في أعمال الدورة السنوية الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ومن بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والمنسق الخاص للبيت الأبيض للبنية التحتية العالمية وأمن الطاقة آموس هوكستين، والمبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، ومساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، عبّروا عن «استياء شديد» من «انقلاب» رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على «مبادرة الهدنة» المؤقتة لـ21 يوماً، بعدما كان قد أعطى موافقته عليها، واضعاً «شروطاً جديدة» فيما يتعلق بطريقة التعامل مع «حزب الله» وعمل القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان «اليونيفيل» لتطبيق القرار رقم 1701.

ومع ذلك، واصل المسؤولون الأميركيون مشاوراتهم مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، من جهة، وعدد من المسؤولين الإسرائيليين، ومن بينهم وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، من جهة أخرى، أملاً في التوصل إلى صيغة جديدة مقبولة من الطرفين، علماً أن وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، يعتزم التوجه إلى بيروت خلال الساعات المقبلة في سياق الجهود ذاتها.

وأكد دبلوماسيون أن «واشنطن لا تقطع الأمل في حل دبلوماسي»، وأن «اجتماعات حاسمة ستعقد السبت». وكان عبد الله بوحبيب قد ألقى، الخميس، كلمة لبنان على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقال: «لبنان يعيش أزمة تهدد وجوده ومستقبل شعبه، وتتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، وتتساقط أحجار الدومينو المترابطة، ويتحول عجز احتوائها وإطفائها إلى ثقب أسود يبتلع السلم والأمن الإقليميين والدوليين».

وحذر من أن الوضع المتأزم في لبنان «ينذر بالأسوأ لكل الشرق الأوسط» في حال استمرار الأمور على حالها، كما رحب مجدداً بالمبادرة الأميركية - الفرنسية التي تهدف إلى «إتاحة الفرصة لإرساء الهدوء طويل الأمد، بما يعطي استقراراً على الحدود، ويعيد النازحين إلى منازلهم»، مطالباً باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لوضعها موضع التنفيذ.

وكذلك عبّر بوحبيب عن أسفه لـ«عجز الأمم المتحدة عن حماية لبنان من العدوان الإسرائيلي»، وأضاف: «سنبقى متمسكين بدور المنظمة الأممية بصفتها خط دفاع في وجه الاحتلال والبطش والعنف والدمار». وأكد أن لبنان ملتزم بتطبيق القرار رقم 1701 «الذي أثبت قدرته على إرساء استقرار نسبي» في الجنوب اللبناني منذ نهاية حرب يوليو (تموز) 2006، وحتى 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وشدد على أن القرار ليس مجرد وثيقة أو إطار عمل، «بل يمثل التزاماً من المجتمع الدولي بالحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي». وقال إن بلاده تعول على دعم المجتمع الدولي لتعزيز انتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني، ومساعدته وتوفير ما يحتاجه من عتاد بعد أن أعلنت الحكومة فتح الباب لحملة تجنيد جديدة، رغم الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، «كالتزام واضح منها بالقرار رقم 1701، بحيث لا يكون هناك سلاح دون موافقة حكومة لبنان، ولا تكون هناك سلطة غير سلطة حكومة لبنان». وشدد على أن أهم بنود القرار رقم 1701 إظهار حدود لبنان «المعترف بها دولياً والمرسمة بين لبنان وفلسطين عام 1923، والمؤكد عليها في اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية الموقعة عام 1949 بإشراف ورعاية الأمم المتحدة».

وقال إن ذلك يتم من خلال استكمال عملية الاتفاق على النقاط 13 الحدودية المختلف عليها، وبموجب ذلك تنسحب إسرائيل من جميع المناطق اللبنانية التي لا تزال تحتلها. وأضاف أن لبنان ملتزم بالتفاوض لحل النزاعات بالطرق السلمية، وأثبت قدرته على أن يكون «شريكاً موثوقاً في بناء التفاهمات، كما حدث في أكتوبر 2022 في ترسيم الحدود البحرية بينه وبين إسرائيل».

وقال وزير الخارجية اللبناني، إن إسرائيل «تجنح أكثر فأكثر نحو التطرف»، مشيراً إلى اتساع رقعة الحرب لتطال العمق اللبناني، والنموذج «القبيح والمقزز» في تحويل أجهزة إلكترونية مخصصة للاستخدام المدني «إلى قنابل موقوتة»، والتدمير «الممنهج» الذي تتعرض له القرى الحدودية اللبنانية، و«العقاب الجماعي للسكان وحرق الأراضي الزراعية بالفوسفور الأبيض وجعلها غير قابلة للاستثمار لسنوات طويلة».

وأضاف: «من على هذا المنبر نجدد تحذيرنا من العدوان المتزايد واللعب بالنار ومحاولة جر الشرق الأوسط برمته إلى الانفجار الكبير. كما نكرر مجدداً رفضنا للحرب، وحقنا المشروع في الدفاع عن النفس وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وذلك بالتزامن مع السعي الدؤوب من خلال اتصالاتنا أو لقاءاتنا لتجنب الوقوع في شباك التهور الإسرائيلي الساعي إلى استمرار الحرب وتوسيعها».

وأكد بوحبيب أن عودة النازحين الإسرائيليين إلى «بلداتهم أو مستوطناتهم لن تتحقق بالحرب والقصف والقتال وتهجير أوسع للبنانيين، فأقصر الطرق إلى عودتهم هي الوقف الشامل والفوري لإطلاق النار، وفقاً للبيان الأميركي - الفرنسي». وقال إن لبنان والدول العربية اختاروا السلام «بصورة واضحة لا لبس فيها» من خلال مبادرة السلام العربية الصادرة في بيروت عام 2002، «والآن على إسرائيل، كل إسرائيل، حكومة وشعباً أن تريد فعلاً السلام وتختاره بدلاً من الحرب، وأن تتخطى هواجسها الأمنية».