ليست مجرد أدوات... طلبات المدارس تؤرق أسراً مصرية قبيل العام الدراسي

أولياء أمور يتهمون مدارس بـ«افتعال الوجاهة»

ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية العام الحالي في مصر (حساب الغرفة التجارية على «فيسبوك»)
ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية العام الحالي في مصر (حساب الغرفة التجارية على «فيسبوك»)
TT

ليست مجرد أدوات... طلبات المدارس تؤرق أسراً مصرية قبيل العام الدراسي

ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية العام الحالي في مصر (حساب الغرفة التجارية على «فيسبوك»)
ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية العام الحالي في مصر (حساب الغرفة التجارية على «فيسبوك»)

تعكرت فرحة بسمة محمد، بإلحاق ابنها «آسر» ذي الأربعة أعوام بالمدرسة، حين تلقت ورقة طويلة مليئة بالمستلزمات التي يجب أن ترسلها معه في أول يوم دراسي الأسبوع المقبل، وتضم -إلى جانب الأدوات التقليدية من أقلام ومحّايات وألوان وكراسات رسم- أدوات نظافة «مُبالغ فيها» مثل «3 زجاجات ديتول حجم كبير، 6 بكرات مناديل تواليت و2 عبوة مناديل وعبوة جيل للاستحمام كبيرة»، وطلبات أخرى.

وتتساءل الأم التي تعيش في منطقة المقطم (شرق القاهرة)، وهي في العقد الثالث من عمرها: «هل يحتاج طفل في رياض الأطفال إلى 3 علب ديتول من الحجم الكبير»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أنها لن تُحضر كل هذه الطلبات «سوف أحضر علبة ديتول واحدة، وسأقلل في الكميات، لأن المدرسة هي التي ستستحوذ عليها في النهاية».

سبلايز إحدى المدارس الخاصة في الجيزة لمرحلة رياض الأطفال (فيسبوك)

وآسر ليس الطفل الوحيد لدى الأسرة التي يقتصر دخلها على عمل الأب، لأن الأم لا تعمل. لدى بسمة طفلة أخرى تكبره بعامين، اصطحبتها قبل بدء الدراسة بيومين واشترت المستلزمات، فكان عبئاً مادياً أيضاً لكنه أقل مما طلبته مدرسة آسر... المدرستان خاصتان، لكنهما في منطقتين مختلفتين، مدرسة البنت في حي الظاهر (وسط القاهرة)، ويغلب عليها الطابع الشعبي، أما مدرسة آسر تعد في منطقة مرفهة أكثر.

وتبدأ الدراسة رسمياً في مصر، السبت المقبل، لكن المدارس الدولية والخاصة تستقبل الطلاب قبل هذا الموعد بأسبوع.

ووصلت أعداد المدارس الحكومية في مصر، خلال العام الدراسي الماضي «2023- 2024»، إلى 50 ألفاً و403 مدارس حكومية و11 ألفاً و109 مدارس خاصة ودولية وفق إحصائية لوزارة التربية والتعليم، أعلنتها في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وقدر وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، خلال لقائه مع صحافيين، مساء الأربعاء، عدد الطلاب في العام الدراسي الحالي بـ 25 مليون طالب، منهم 22 مليون طالب في المدارس الحكومية و3 ملايين طالب في المدارس الخاصة.

ولا يظهر عبء مستلزمات المدارس بالقدر نفسه على الأسر التي يلتحق أبناؤها بالمدارس الحكومية بشقيها العربي والتجريبي «لغات»، ففيها تتقلص الطلبات إلى حد كبير. وفق أولياء أمور.

وتقول فاطمة شعبان، وهي أم في العقد الرابع من عمرها، ولديها طفلان، في إحدى المدارس الحكومية التجريبية بمنطقة شبرا في محافظة الدقهلية (شمال القاهرة)، إن المدرسة طلبت من ابنتها فريدة ذات الستة أعوام في مرحلة «كي جي 2»، أشياءً بسيطة، على حد وصفها، «مناديل مبللة وديتول وقلم للسبورة»، مشيرة إلى أن شقيقتها تتكلف أضعاف ما تتكلفه هي في المتطلبات لأن ابنها في مدرسة خاصة.

طلبات غير قانونية

ولا تعد المستلزمات أو «السبلايز» بمفهومها الحالي، الذي يمتد إلى أدوات نظافة وأخرى تستخدمها المدرسة في التزيين، «أمراً قانونياً» وفق مدير عام إدارة جنوب الجيزة عبد المقصود سعيد، مشدداً لـ«الشرق الأوسط»: «ممنوع أي تبرعات للمدرسة بشكل نهائي بناءً على تعليمات الوزير»، مشيراً إلى أنه «حال تقدم أي ولي أمر بشكوى ضد مدرسة بعينها تجبر الطلاب وأولياء الأمور فيها على إحضار أشياء للمدرسة، يُحال مديرها للتحقيق فوراً».

وأكد سعيد أن المدارس الحكومية لا تُغالي في أي طلبات على أولياء الأمور، فقط الأدوات التي يستخدمها الطالب في العملية الدراسية.

إقبال كبير على معرض «أهلاً مدارس» في القاهرة (حساب الغرفة التجارية على «فيسبوك»)

و«حاولت الحكومة التخفيف عن الأهالي مع بدء العام الدراسي، وافتتحت معرضاً في القاهرة والمحافظات تحت اسم (أهلاً مدارس)، وفيه تنخفض الأسعار مقارنة بالسوق»، وفق ما أكده محمد الصفتي، عضو غرفة الأدوات المكتبية في غرفة القاهرة التجارية، وهو أيضاً صاحب سلسلة مكتبات.

ويقول الصفتي لـ«الشرق الأوسط» إن «أسعار (السبلايز) زادت بنسبة بسيطة من 10 إلى 15 في المائة مقارنة بالعام الماضي»، مرجعاً ذلك إلى «استقرار سعر الدولار في السوق»، وفق تعبيره.

يأتي ذلك وسط موجة غلاء تعاني منها مصر حيث تشهد البلاد ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار السلع الغذائية والخدمات والمواصلات والطاقة. بالإضافة إلى تقنين الحكومة زيادة أسعار التعليم في المدارس والجامعات الخاصة.

وجاهة اجتماعية

ويعد الصفتي وأولياء أمور أن «السبلايز» خرج من منظور ما يحتاجه الطالب بالفعل للتحصيل الدراسي إلى «الوجاهة الاجتماعية»، وأوضح الصفتي: «المدارس ذات المتطلبات الكثيرة تكون في الغالب مدارس لغات خاصة ودولية»، عاداً أن «كثرة الطلبات فيها تعكس الطبقة الاجتماعية للملتحقين بها».

ويؤكد أن «أولياء الأمور يحاولون تخفيف عبء السبلايز إما باللجوء إلى معرض (أهلاً مدارس) أو التوجه إلى الفجالة (منطقة وسط القاهرة مخصصة لبيع الأدوات المكتبية والمدرسية)، أو إلى العروض في الهايبرات (محال تجارية كبيرة).

ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية العام الحالي في مصر (حساب الغرفة التجارية على «فيسبوك»)

وتحول الحديث عن السبلايز عبر السوشيال ميديا إلى مادة للسخرية، في ترسيخ لطريقة تعامل المصريين مع الأزمات، فنشر كثير من أولياء الأمور مقاطع فيديو وصور للسبلايز التي اشتروها للمدرسة، وشبهوها بـ«جهاز العرائس الجدد»، في إشارة إلى كثرتها، وسط تساؤلات عما يمكن أن يفعله أطفالهم بكل هذه الأدوات، وأين تذهب.

أما بسمة، التي تلقت تعليمها في مدارس حكومية، ولم يكن موجوداً على أيامها «موضة السبلايز»، فتأمل أن يتلقى ابنها مستوى تعليمياً يبرر في النهاية هذه الطلبات.


مقالات ذات صلة

شؤون إقليمية جانب من اجتماع الوفدين المصري والتركي في مقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالقاهرة (من حساب رئيس مجلس العليم العالي التركي في «إكس»)

مصر وتركيا تتفقان على إنشاء جامعة مشتركة في القاهرة

تم الاتفاق على إنشاء جامعة مصرية - تركية مشتركة بالقاهرة تنفيذاً لمذكرة تفاهم وُقِّعت بين الجانبين خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأنقرة في سبتمبر.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)

مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

تجدد الحديث عن وقائع العنف بين طلاب المدارس في مصر، مع حادثة مقتل طالب في محافظة بورسعيد طعناً على يد زميله، ما أثار مخاوف من انتشاره.

محمد عجم (القاهرة)
يوميات الشرق الطالبان الفائزان بمنحة «رودس تراست» الدراسية (الشرق الأوسط)

«رودس تراست» تقدم منحة لطالبَين سعوديَّين في جامعة أكسفورد

أعلنت مؤسسة «رودس تراست» اختيار شاب وشابة سعوديَّين متفوقَين بمنحتَين لعام 2025، ضمن مجموعة عالمية تضم أكثر من 100 من الطلاب المتميزين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا عمال البناء يحفرون مدرسة تحت الأرض في زابوريجيا بأوكرانيا في 30 أغسطس 2024 وهي واحدة من 12 مدرسة مخططاً لها في المدينة ومصممة لتكون مقاومة للإشعاع والقنابل (أ.ب)

أوكرانيا تبني مدارس تحت الأرض لحماية التلاميذ من القنابل والإشعاعات

مع استمرار القصف اليومي الروسي بالصواريخ والقنابل، تواصل زابوريجيا بأوكرانيا بناء شبكة مدارس تحت الأرض مصممة لتكون مقاومة للإشعاع والقنابل وتستوعب 12 ألف طالب.

«الشرق الأوسط» (كييف)

يسري نصر الله: أفلامي إنسانية وليست سياسية

كشف عن نقاط اتفاق وخلاف مع أستاذه المخرج يوسف شاهين
كشف عن نقاط اتفاق وخلاف مع أستاذه المخرج يوسف شاهين
TT

يسري نصر الله: أفلامي إنسانية وليست سياسية

كشف عن نقاط اتفاق وخلاف مع أستاذه المخرج يوسف شاهين
كشف عن نقاط اتفاق وخلاف مع أستاذه المخرج يوسف شاهين

قال المخرج المصري يسري نصر الله، إنه لم يقدم أفلاماً سياسية في مسيرته سوى فيلم «الماء والخضرة والوجه الحسن» الذي تحدث عن العيش والحرية والكرامة، لكن أفلامه الأخرى كانت إنسانية؛ عن الناس الذين يعيشون في ظل أحداث معينة، وكيف تأثروا بها.

وأكد خلال «ماستر كلاس» عُقد معه، مساء السبت، في إطار تكريمه خلال الدورة الـ45 بمهرجان القاهرة السينمائي، ومنحه جائزة «الهرم الذهبي» لإنجاز العمر، أنه تعلم من المخرج الراحل يوسف شاهين «الصنعة»، لكنه تأثر في الوقت نفسه بكل الأفلام التي شاهدها.

ووصف صناعة السينما في مصر حالياً بأنها «مريضة»، وأبدى تعجبه من منع عرض فيلم «الملحد» رغم حصوله على ترخيص رقابي.

وتحدث نصر الله عن شغفه بالإخراج منذ طفولته حين سأل والده: من يصنع الفيلم؟ فقال له المخرج، وأنه من وقتها أراد أن يكون مخرجاً، قائلاً إن طفولته كانت صعبة، وإن الوقت الوحيد الذي كان يشعر فيه بالأمان عندما كان يشاهد فيلماً.

وكشفت المحاضرة التي قدمها عن وجود نقاط اتفاق واختلاف بينه وبين المخرج الكبير يوسف شاهين الذي عَدَّه أستاذه، وروى نصر الله: «كنت قد جئت من بيروت حيث عملت ناقداً سينمائياً بصحيفة (السفير) اللبنانية، وكنت أقوم بتغطية تصوير الفيلم لصالحها، وأتدرب مساعداً رقم 15 مع شاهين، وذات يوم طلب المساعد الأساسي أن أتابع تصوير أحد المشاهد مع شاهين، وكان لممثلة شابة، وقد أعادت المشهد 11 مرة، فقال لي شاهين بانفعال كفى فكل ممثل له حدود».

وواصل موضحاً: «حينما قمت بصناعة أفلامي شغلني هذا الأمر كثيراً، لكن ما أعرفه أنني حين أختار ممثلاً أكون متيقناً من أنه يكون مناسباً له، وأتذكر مثلاً أن الفنان أحمد زكي وهو ممثل عظيم كان يرغب في العمل معي في فيلم (مرسيدس)، لكن لم يكن يصلح للدور لأن الشخصية لرجل أبيض البشرة، لذا أختار الممثل الملائم للدور، وأثق بأنه سيضيف له، وبالتالي كل الممثلين الذين عملت معهم لم أضع لهم حدوداً».

يسري نصر الله خلال محاضرته بمهرجان القاهرة مع المخرج تامر عشري

وأشار إلى أنه كان يحب مواقع التصوير في أفلام شاهين؛ لأنها كانت تتضمن بهجة غير عادية وإحساساً بأنك تصنع جمالاً، فإذا افتقدت هذا مخرجاً أو فناناً فلا تعمل، لافتاً إلى أنه «لم يتعاطف أبداً مع من يقولون لقد تعبنا جداً في هذا الفيلم، فمتعة العمل مهمة جداً».

وتطرق نصر الله إلى تجربته الأولى في فيلم «سرقات صيفية» التي استعان فيها بممثلين غير معروفين مؤكداً أنه كان مفتوناً بالتجارب السينمائية في أميركا اللاتينية وفرنسا التي تقدَّم بممثلين ليست لهم تجارب سابقة، وأنه حينما عرض أدواراً على بعض النجوم اعتذروا كونه يتحدث عن عائلة إقطاعية، وأن يوسف شاهين نصحه بأن يعمل الفيلم بنفسه، وتم ذلك بدعم من عائلته، فاستعان بأشخاص يمثلون لأول مرة بجانب الفنانة عبلة كامل التي كانت قد قدمت بعض أدوار مسرحية.

ويكشف نصر الله أن النجوم الذين رفضوا الفيلم اكتشفوا بعد ذلك أنه مخرج يحب الممثلين، وأنه يختارهم لأنهم الأنسب للدور، ما سهَّل علاقاته مع النجوم فيما بعد.

صناع أفلام شباب حرصوا على حضور لقاء يسري نصر الله

وقدم يسري نصر الله عبر بعض أفلامه أحداثاً سياسية تنطلق منها شخصياته كما في «سرقات صيفية» و«مرسيدس»، لكنه نفى أنه قدم أفلاماً سياسية، فيما عدا «الماء والخضرة والوجه الحسن» الذي كان يتناول العيش والكرامة، أما أفلامه الأخرى فقد انطلقت من أحداث سياسية، ففيلم «سرقات صيفية» لم يكن ضد جمال عبد الناصر ولا معه، بل كان عن عائلة مصرية تعيش لحظة معينة.

ونفى أن يكون فيلم «باب الشمس» عن القضية الفلسطينية، بل كان عن الناس الذين يعيشون في ظل ظروف معينة وما يفعلونه في هذا الوضع هو ما يكون شغوفاً به.

وخلال محاضرة نصر الله؛ تحدث الفنان باسم سمرة مؤكداً أنه «كان محظوظاً بالعمل مع المخرج الكبير في أكثر من عمل، وقد تعلم منه على المستويين الإنساني والفني»، ووجَّه سمرة كلمة للمسؤولين عن صناعة السينما قائلاً: «نحن نرجع للخلف على مستوى الاستوديوهات التي تحترق، والمنع الذي يسبب إحباطاً».

لكن يسري أبدى تفاؤله قائلاً: «هذا العام شهد عرض أكثر من فيلم رائع، وهناك فنانون قادرون على العمل رغم روتين المؤسسات الرقابية»، مضيفاً: «صناعة السينما المصرية مريضة اليوم، لكنني لا أخشى على السينمائي لأنه حتماً سيجد طريقة لعمل فيلمه».

وأشار إلى أنه «منذ الثمانينات ونحن نحذر من وجود كارثة في صناعة السينما، ومنذ 2011 ونحن نعقد اجتماعات، ونكتب تقارير لإصلاح الأحوال، ثم توضع في أدراج لجنة السينما... لا أطلب تمويل أفلام، لكن أعطونا فرصة لكي ننفذ أفلامنا».

وعن أحدث أعماله قال، لديَّ فيلم محتجَز في الرقابة، وآخر تَعَطَّلَ لأسباب إنتاجية، وسُحِبت إجازته، «وهذا من العبثيات»، وفق تعبيره.