إسرائيل ترهن وقف تهديدها للبنان بانسحاب «حزب الله» من جنوب الليطاني

ماضية باستهدافها «الدفاع المدني» وتحويل القرى الأمامية إلى أرض محروقة

عناصر من الدفاع المدني يعملون على إطفاء حرائق ناتجة عن قصف إسرائيلي بجنوب لبنان (جمعية الرسالة)
عناصر من الدفاع المدني يعملون على إطفاء حرائق ناتجة عن قصف إسرائيلي بجنوب لبنان (جمعية الرسالة)
TT

إسرائيل ترهن وقف تهديدها للبنان بانسحاب «حزب الله» من جنوب الليطاني

عناصر من الدفاع المدني يعملون على إطفاء حرائق ناتجة عن قصف إسرائيلي بجنوب لبنان (جمعية الرسالة)
عناصر من الدفاع المدني يعملون على إطفاء حرائق ناتجة عن قصف إسرائيلي بجنوب لبنان (جمعية الرسالة)

توقفت مصادر لبنانية رفيعة أمام ما كشفه وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، بأن إسرائيل أبلغت لبنان رسالة عبر وسطاء مفادها أنها غير مهتمة بوقف النار في الجنوب، حتى بعد التوصل إلى وقف للنار في غزة. وقالت المصادر إن الموفدين الأوروبيين إلى لبنان كانوا أبلغوا هذا الموقف للمسؤولين اللبنانيين، إضافة إلى أن الوسيط الأميركي أموس هوكستين، كان أبلغهم بموقف مماثل في زيارته قبل الأخيرة لبيروت، بأن تل أبيب لا توافق على أن ينسحب وقف النار في القطاع على الجبهة الجنوبية، ما لم يستجب «حزب الله» بإبعاد «قوة الرضوان» من البلدات الواقعة على تماس مع حدودها الشمالية، إلى عمق يتراوح بين 10 و12 كيلومتراً، لضمان عودة سكان مستوطناتها إلى أماكن سكنهم في الشمال الإسرائيلي، بعد أن اضطروا للنزوح منها تحت ضغط صواريخ الحزب التي استهدفتهم.

طرح هوكستين والقرار 1701

ولفتت المصادر السياسية إلى أن لبنان الرسمي فوجئ بالطرح الذي حمله هوكستين، واقترح طرحاً آخر ينطلق من أن عودة الهدوء إلى الحدود اللبنانية - الإسرائيلية تكمن في تطبيق القرار 1701، شرط أن يلتزم الطرفان بتنفيذه، وألا يقتصر على الجانب اللبناني، في ظل تمادي تل أبيب بخرقها المجال اللبناني، براً وبحراً وجواً، وفي مواصلتها احتلال قسم من أراضيه.

وكان سبق للحكومة اللبنانية أن تحفّظت على الخط الأزرق ولم تعترف به على أنه خط الانسحاب الشامل، ما لم تبادر إسرائيل إلى إخلاء عدد من النقاط الحدودية المتداخلة التي يُفترض أن تخضع للسيادة اللبنانية، طبقاً لترسيم الحدود بين البلدين، والمعمول به دولياً استناداً إلى ما نصت عليه اتفاقية الهدنة عام 1949.

وفي هذا السياق، قالت مصادر لبنانية لـ«الشرق الأوسط»، إنه سبق للبنان أن رفض التنازل عن حقه في بسط سيادته الكاملة على النقاط الحدودية المتداخلة، في مقابل مقايضته بأرض تشكل جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ورأت أن تهديد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، بإعطاء أوامره للجيش الإسرائيلي بالاستعداد لتغيير الوضع في الشمال الإسرائيلي، لم يحمل أي جديد، وكان سبق له أن أطلق تهديدات مماثلة للبنان بعد أيام على قيام «حزب الله» بمساندته لـ«حماس» في غزة.

ماذا وراء تهديدات نتنياهو؟

وأكدت أن تهديداته للبنان تأتي من باب التهويل والضغط لضمان انكفاء «حزب الله» من جنوب الليطاني، إلا في حال استحصل على ضوء أخضر أميركي، وهذا ليس متوافراً له حتى الساعة. وقالت إنه يستخدم تهديده ليصرف الأنظار عن ملاحقته من قبل عائلات الأسرى المحتجزين لدى «حماس»، واتهامه بتعطيل المفاوضات للتوصل إلى وقف النار في القطاع كممر إلزامي للإفراج عن أسراهم.

وأضافت أنه يريد أيضاً التفلت من الحصار المضروب عليه من قبل عشرات الألوف ممن أخلوا بيوتهم في المستوطنات الواقعة بالشمال الإسرائيلي، واضطروا للنزوح إلى مناطق آمنة، رغم أنه تعهد لهؤلاء بأن يعيدهم إلى أماكن سكنهم قبل بدء العام الدراسي، ولم يفِ بوعده مع استئناف الدراسة.

دخان يتصاعد من بلدة مرجعيون في جنوب لبنان بعد قصف إسرائيلي (أ.ف.ب)

ورأت المصادر أن نتنياهو يطلق تهديده للبنان من حين لآخر، وقالت: ما الذي منعه من اللجوء لتغيير الوضع في الجنوب مع استهداف الحزب للجليل بشقيه الأعلى والغربي بهذا الكم من الصواريخ والقذائف، إضافة إلى استخدامه المسيرات؟ وماذا كان ينتظر؟ وعلى ماذا يراهن لاستدراج الولايات المتحدة الأميركية للدخول في صدام مع إيران كونها، من وجهة نظره، الداعم لـ«حزب الله» الذي يشكل إحدى أقوى أذرعها في المنطقة؟

وبرغم أن المصادر تقول إن نتنياهو أراد، في ظل تعثر المفاوضات في غزة، أن يحدث تغييراً في المشهد العسكري بالالتفات إلى الجبهة مع لبنان، بذريعة أن من قرر إسناد «حماس»، في إشارة إلى «حزب الله»، لن يُسمح له بأن يمتلك القرار لوقف النار من دون أي ثمن، بدءاً بإخلاء الحزب للخطوط الأمامية في البلدات الجنوبية المتاخمة للحدود، بالتلازم مع تفكيك مؤسساته وبنيته العسكرية.

استهداف الطواقم المدنية والطبية

وفي المقابل، تسأل المصادر: ما الجدوى من الضغوط التي مورست على إسرائيل توصلاً إلى ضمانات لمنعها من توسعة الحرب، والتي أحيط بها كلٌّ من رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي والوزير بو حبيب، في لقاءاتهم مع الموفدين الغربيين الذين توافدوا إلى لبنان للجم التصعيد ومنعه من الانزلاق نحو مواجهة شاملة؟ وأين يقف هوكستين المكلف بتهيئة الظروف لتطبيق القرار 1701؟

لكن الجديد في تهديد نتنياهو يكمن في أنه قرن تهديداته هذه المرة باستهداف آلية كبيرة تقل عناصر الدفاع المدني، وهم في طريقهم لإطفاء الحرائق التي أشعلها الطيران الحربي الإسرائيلي بقصفه مناطق حرجية في بلدة فرون.

3 مسعفين قضوا باستهداف إسرائيلي لهم أثناء إطفاء الحرائق في فرون بجنوب لبنان السبت (متداول)

فنتنياهو أراد تمرير رسالة دموية إلى لبنان، عبر الغارة التي أدت إلى استشهاد 3 عناصر من الدفاع المدني، وفيها أنه ماضٍ في منعه الطواقم الطبية وطواقم الدفاع المدني من الوصول إلى مناطق الاستهداف، تنفيذاً لمخططه لتحويل القسم الأكبر من الجنوب، بدءاً بقراه الأمامية، إلى أرض محروقة غير صالحة للزراعة ولا للسكن، وهذا ما يشكل قلقاً للبنان ويدعوه للتحرك فوراً لتوفير الحماية الدولية للمساحات الخضراء في الجنوب.


مقالات ذات صلة

سلام: نشر السلطة في كل لبنان... وعدم إقصاء أحد

المشرق العربي 
رئيس الجمهورية اللبناني مجتمعاً مع رئيس البرلمان ورئيس الحكومة المكلف أمس (رويترز)

سلام: نشر السلطة في كل لبنان... وعدم إقصاء أحد

تكثفت الاتصالات في لبنان لمعالجة تداعيات تكليف نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة وسط معارضة «حزب الله» وحركة «أمل» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري لهذا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني المكلف نواف سلام يلوح بيده لدى وصوله للقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون (إ.ب.أ) play-circle 01:44

ما مشكلة «الثنائي الشيعي» مع رئيس الحكومة المكلف نواف سلام؟

يستغرب كثيرون معارضة «الثنائي الشيعي (حزب الله) و(حركة أمل)» الشديدة تكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني المكلف نواف سلام يدلي بتصريح عقب اجتماع مع الرئيس اللبناني جوزيف عون في القصر الرئاسي في بعبدا (إ.ب.أ)

عون يقود مساعي لتجنب مقاطعة شيعية للحكومة... وبري: الأمور ليست سلبية للغاية

وصل رئيس الحكومة اللبنانية المكلف نواف سلام إلى بيروت، لبدء المشاورات النيابية لتشكيل حكومةٍ طمأن إلى أنها «ليست للإقصاء».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي كتلة نواب «حزب الله» بعد لقاء رئيس الجمهورية جوزيف عون (أ.ب)

لبنان... «الثنائي الشيعي» يهدد وسلام يستوعب رد فعله ويطمئنه

توقفت الأوساط السياسية أمام رد فعل «الثنائي الشيعي» على التبدُّل المفاجئ للمزاج النيابي الذي سمّى رئيس «محكمة العدل الدولية» نوّاف سلام رئيساً للحكومة.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون خلال اجتماعه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الاثنين في قصر بعبدا (أ.ف.ب)

«خريطة طريق» فرنسية طموحة جداً للبنان

تواكب باريس عن قرب التطورات الإيجابية التي يشهدها لبنان بدءاً بانتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، وتكليف نواف سلام تشكيل حكومة العهد الأولى.

ميشال أبونجم (باريس)

هدنة غزة: المفاوضات باتت في «مراحلها النهائية»

تفقّد الناس دماراً خلفته الغارة الإسرائيلية على مدرسة الفارابي وسط مدينة غزة تؤوي عدداً من النازحين اليوم الأربعاء (أ.ف.ب)
تفقّد الناس دماراً خلفته الغارة الإسرائيلية على مدرسة الفارابي وسط مدينة غزة تؤوي عدداً من النازحين اليوم الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

هدنة غزة: المفاوضات باتت في «مراحلها النهائية»

تفقّد الناس دماراً خلفته الغارة الإسرائيلية على مدرسة الفارابي وسط مدينة غزة تؤوي عدداً من النازحين اليوم الأربعاء (أ.ف.ب)
تفقّد الناس دماراً خلفته الغارة الإسرائيلية على مدرسة الفارابي وسط مدينة غزة تؤوي عدداً من النازحين اليوم الأربعاء (أ.ف.ب)

يسعى المفاوضون المجتمِعون، اليوم الأربعاء، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، إذ باتت المباحثات بشأنه في «مراحلها النهائية»، وفقاً لقطر، بعد حرب متواصلة منذ أكثر من 15 شهراً سقط فيها آلاف القتلى.

وقبل أيام قليلة من عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، في 20 يناير (كانون الثاني) الحالي، تكثفت المباحثات غير المباشرة في الدوحة؛ من أجل التوصل إلى هدنة مصحوبة بالإفراج عن رهائن محتجَزين في قطاع غزة.

وفيما يستمر الطرفان في وضع الشروط، حثَّهما الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال اتصال هاتفي، أمس الثلاثاء، على إبداء «المرونة اللازمة» في المفاوضات؛ للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وفق المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية محمد الشناوي.

وقالت قطر، الوسيط الرئيسي إلى جانب الولايات المتحدة ومصر، إن المفاوضات باتت في «مراحلها النهائية»، وأن العَقبات الأخيرة التي تعترض التوصل إلى اتفاق «جَرَت تسويتها»، دون توضيح ماهيتها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري: «نحن على أمل بأن هذا سيؤدي إلى اتفاق قريباً جداً».

وقال مصدران مقرَّبان من «حماس» إن الحركة ستطلق سراح 33 رهينة في مقابل إفراج إسرائيل عن نحو ألف معتقل فلسطيني، في المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار. وأفاد أحد المصدرين بأن الإفراج عنهم سيجري «على دفعات، بدءاً بالأطفال والنساء»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية». وأعربت «حماس» عن أملها في أن «تنتهي هذه الجولة من المفاوضات باتفاق واضح وشامل».

وأكد المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد منسر أن إسرائيل تسعى لإطلاق سراح «33 رهينة»، خلال المرحلة الأولى، وأنها مستعدة لإطلاق سراح «المئات» من المعتقلين الفلسطينيين.

«الوقت يداهم»

وقُتل أكثر من 46645 فلسطينياً، معظمهم من المدنيين النساء والأطفال، في الحرب الإسرائيلية على غزة، وفق بيانات وزارة الصحة التي تديرها «حماس» وتَعدُّها «الأمم المتحدة» موثوقة. وتُواصل إسرائيل شن غارات جوية على قطاع غزة، حيث قُتل 61 فلسطينياً، على الأقل، خلال أربع وعشرين ساعة حتى صباح أمس الثلاثاء، وفق وزارة الصحة في غزة.

طفل فلسطيني جريح بمستشفى الأقصى عقب غارة إسرائيلية في دير البلح بقطاع غزة (إ.ب.أ)

وفي غزة، تأمل النازحة نادية مصطفى ماضي في التوصل لوقف إطلاق نار. وأكدت: «أنا مستعدة لإعادة بناء حياتي وسط الأنقاض».

ومنذ اندلاع الحرب، لم يجرِ التوصل سوى إلى هدنة واحدة استمرت أسبوعاً في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، واصطدمت المفاوضات غير المباشرة، التي تجري منذ ذلك الحين، بتصلب الطرفين. إلا أن الضغوط الدولية زادت للتوصل إلى وقف لإطلاق النار يترافق مع الإفراج عن الرهائن الذين لا يزالون محتجَزين في قطاع غزة، خصوصاً بعدما وعد دونالد ترمب بتحويل المنطقة إلى «جحيم»، في حال عدم الإفراج عن الرهائن، قبل عودته إلى السلطة.

أطفال وأهالٍ فلسطينيون يكافحون من أجل الحصول على الغذاء بمركز توزيع في خان يونس بقطاع غزة (أ.ب)

وقالت جيل ديكمان، قريبة الرهينة كارمل غات، خلال تجمُّع، مساء أمس الثلاثاء، في القدس: «الوقت يُداهمنا، والرهائن الأحياء سيموتون في نهاية المطاف. والرهائن الذين قضوا قد يُفقد أثرهم. يجب التحرك الآن».

«منطقة عازلة»

وأفاد مسؤول إسرائيلي بأن المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق ستبدأ في «اليوم السادس عشر» على دخول المرحلة الأولى حيز التنفيذ. وأوردت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» أن المرحلة الثانية ستتناول «الإفراج عن باقي الأسرى، الجنود الذكور، الرجال في سن الخدمة العسكرية، وجثث الرهائن الذين قُتلوا».

وقال مسؤول في الحكومة الإسرائيلية، أمس الثلاثاء: «إننا قريبون من الهدف، لكننا لم نبلغه بعد»، لكنه شدد على أن إسرائيل لن تغادر «غزة ما دام لم يعد جميع الرهائن؛ الأحياء والأموات». كما ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه سيُسمح لإسرائيل بالحفاظ على «منطقة عازلة» في قطاع غزة، أثناء تنفيذ المرحلة الأولى. وأفاد مصدر مقرَّب من «حماس» بأن الجيش الإسرائيلي سيبقى على «عمق 800 متر داخل القطاع، في شريط يمتد من رفح جنوباً حتى بيت حانون شمالاً»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويفيد المعلِّقون الإسرائيليون بأن نتنياهو قرر، في النهاية، تجاهل ضغوط وزراء اليمين المتطرف في حكومته المناهضين لوقف إطلاق النار. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، من روما: «ثمة إرادة فعلية من جانبنا للتوصل إلى اتفاق حول الرهائن. في حال نجحنا في ذلك، ستؤيد الاتفاق غالبية في الحكومة».

متظاهر يرفع لافتة خلال احتجاج يدعو لاتخاذ إجراءات لتأمين إطلاق سراح الإسرائيليين المحتجزين في غزة أمام وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب أمس (أ.ف.ب)

واقترح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال كلمة ألقاها في واشنطن، أمس الثلاثاء، إرسال قوة أمنية دولية إلى قطاع غزة، ووضعه تحت إشراف الأمم المتحدة. ورأى كذلك أن على السلطة الفلسطينية الموجودة في الضفة الغربية المحتلة أن تدير القطاع في المستقبل.