يكتنف الغموض مصير محادثات القاهرة بشأن الهدنة في قطاع غزة، مع تمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالبقاء في محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، رغم تأكيدات أميركية بضرورة الوصول إلى اتفاق، في وقت تزداد فرص الصدام بين إيران وإسرائيل.
خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التعنت الإسرائيلي» يزيد الصعوبات أمام الوسطاء في الجولة المرتقبة بالقاهرة وقد يدفع إلى تأجيلها في ظل موقف «حماس» الرافض لبحث أي مقترحات جديدة، مؤكدين أنه من دون أي تنازلات حقيقية من الطرفين فلن تستطيع المفاوضات إحداث صفقة حقيقية تخفف التوترات في المنطقة.
وتشهد المنطقة ترقباً لرد عسكري محتمل من إيران على خلفية اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، في طهران، 31 يوليو (تموز) الماضي، ولم تؤكد إسرائيل أو تنفِ وقوفها وراء الاغتيال، غير أنها تعهدت بالرد حال استهدافها.
وخلال محادثة هاتفية «ناقشت إزالة العقبات»، حضّ بايدن، ليل الخميس، نتنياهو، على التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، مشدداً على «الضرورة الملحّة لإنجاز الاتفاق»، وفق ما أعلن البيت الأبيض.
ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصدر سياسي، لم تسمِّه، الخميس، أن «نتنياهو لم يغيِّر مواقفه بعد الاتصال الهاتفي مع الرئيس الأميركي الليلة الماضية»، في إشارة إلى ما أعلنه رئيس وزراء إسرائيل، الثلاثاء، بشأن «عدم الانسحاب من محور فيلادلفيا تحت أي ظرف»، رغم تكرار تمسك مصر بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجانب الفلسطيني من معبر رفح ومحور فيلادلفيا اللذين احتلتهما في مايو (أيار) الماضي.
جاء موقف نتنياهو الجديد غداة انتهاء جولة قام بها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بين تل أبيب والقاهرة والدوحة، لم تنجح -حسب «تايمز أوف إسرائيل»- في التوصل إلى حل بشأن الخلافات، ونقلت عن مسؤول عربي لم تذكر اسمه، إعرابه عن أسفه لـ«عدم جدوى جولة القاهرة ما لم تضغط الولايات المتحدة على نتنياهو للتراجع عن مطالبه الجديدة».
وأعلنت الولايات المتحدة عن مقترح جديد، لم تذكر تفاصيله، لسد الثغرات في مفاوضات الدوحة منتصف أغسطس (آب) الجاري على أن يناقش في اجتماع قبل نهاية الأسبوع الجاري بالقاهرة، وأعلنت «حماس» في أكثر من بيان رفضها مناقشة طرح جديد، فيما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية منها صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الخميس، بأن «جهوداً تُبذل من أجل عقد المفاوضات السبت أو الأحد المقبلين».
في ضوء ذلك، يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد حجازي: «أننا أمام المراحل الأخيرة من هذه الجولة من المفاوضات فشلاً أو نجاحاً، ومن الصعب التنبؤ بمصيرها بشكل حاسم»، متوقعاً «استمرار مساعي رأب الصدع من جانب الوسطاء لخلق أي حلحلة».
ورأى حجازي أن موقف نتنياهو بشأن محور فيلادلفيا هو محاولة لإطالة أمد الأزمة «كونه يعلم أن بقاء قواته مخالفة لمعاهدة السلام، واستمراره في ذلك التعنت هو تأزيم لموقف المفاوضات خاصة، ومصر لن تقبل بوجودٍ ولو كان رمزياً لآلية إسرائيلية في هذه المنطقة»، مرجحاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد وضع العراقيل تلو الأخرى حتى موعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين المقبل) على أمل أن يأتي حليفه دونالد ترمب بوصفه داعماً أكبر له.
ووفق الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، فإنه رغم الضبابية الحالية في مشهد المفاوضات فإن جهود الوسطاء ستستمر لعدم وصول المحادثات إلى مرحلة «الانهيار».
ويرجح أنور أن تواصل إدارة بايدن ضغوطها حتى آخر لحظة بصورة أكبر على «حماس» من نتنياهو، لتحسين الشروط أو قبول التفاوض، لافتاً إلى أن حديث بايدن المتكرر عن الحاجة لإبرام صفقة، ربما يكون تصريحات إعلامية يخاطب بها الداخل المنشغل بالانتخابات الرئاسية القريبة، محاولاً كسب أصوات الراغبين في وقف الحرب في غزة.
وأمام مخاوف تعثر المفاوضات يعلو صوت التصعيد والمواجهة، حيث أعلنت وزارة الصحة في غزة، الخميس، «ارتكاب القوات الإسرائيلية 4 مجازر في القطاع» وصل منها إلى المستشفيات 42 قتيلاً و163 مصاباً. فيما وصلت حاملة الطائرات العسكرية الأميركية «أبراهام لينكولن» والمدمرات المرافقة لها، الأربعاء، إلى الشرق الأوسط، غداة مخاوف بإعلام أميركي، من رد إيراني قريب ضد إسرائيل حال «فشلت المفاوضات».
ونقلت صحيفة «بوليتيكو» عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين لم تسمِّهم، أن المحادثات «على وشك الانهيار»، مشيرةً إلى أن عدم قبول «حماس» بالمقترح الأميركي الجديد بشأن سد الثغرات «أدى إلى قلق متزايد بشأن فشل المفاوضات».
ووفق مصدر للصحيفة فإنه «لا نعرف ما إذا كان (زعيم حماس يحيى) السنوار يريد هذه الصفقة. لكن إذا لم نحصل على الصفقة، فهناك احتمال أن تشن إيران هجوماً وأن يتصاعد هذا (الوضع) إلى مواجهة كاملة».
تلك المواجهة ستكون «أمراً محتملاً حال انهارت المفاوضات»، وفق السفير حجازي، لافتاً إلى أن «الجميع يدرك أن بديل فشل المفاوضات هو انهيار إقليمي وصدام إيران و(حزب الله) مع إسرائيل».
وكذلك يتخوف فؤاد أنور من «عرقلة نتنياهو المفاوضات»، مرجحاً أنه «حال فشل المحادثات في حسم البنود محل الخلاف لا سيما المتعلقة بمحور فيلادلفيا، فإن المنطقة قد تتجه إلى حرب إقليمية يتخوف منها الجميع».