«هدنة غزة»: غموض حول مصير محادثات القاهرة

بايدن يرى أن الصفقة «ملحَّة»... ونتنياهو يتمسك بـ«فيلادلفيا»

رجل يحمل صبياً فلسطينياً أُصيب بغارة إسرائيلية على مجمع ناصر الطبي في خان يونس جنوب القطاع (أ.ف.ب)
رجل يحمل صبياً فلسطينياً أُصيب بغارة إسرائيلية على مجمع ناصر الطبي في خان يونس جنوب القطاع (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض حول مصير محادثات القاهرة

رجل يحمل صبياً فلسطينياً أُصيب بغارة إسرائيلية على مجمع ناصر الطبي في خان يونس جنوب القطاع (أ.ف.ب)
رجل يحمل صبياً فلسطينياً أُصيب بغارة إسرائيلية على مجمع ناصر الطبي في خان يونس جنوب القطاع (أ.ف.ب)

يكتنف الغموض مصير محادثات القاهرة بشأن الهدنة في قطاع غزة، مع تمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالبقاء في محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، رغم تأكيدات أميركية بضرورة الوصول إلى اتفاق، في وقت تزداد فرص الصدام بين إيران وإسرائيل.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التعنت الإسرائيلي» يزيد الصعوبات أمام الوسطاء في الجولة المرتقبة بالقاهرة وقد يدفع إلى تأجيلها في ظل موقف «حماس» الرافض لبحث أي مقترحات جديدة، مؤكدين أنه من دون أي تنازلات حقيقية من الطرفين فلن تستطيع المفاوضات إحداث صفقة حقيقية تخفف التوترات في المنطقة.

وتشهد المنطقة ترقباً لرد عسكري محتمل من إيران على خلفية اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، في طهران، 31 يوليو (تموز) الماضي، ولم تؤكد إسرائيل أو تنفِ وقوفها وراء الاغتيال، غير أنها تعهدت بالرد حال استهدافها.

وخلال محادثة هاتفية «ناقشت إزالة العقبات»، حضّ بايدن، ليل الخميس، نتنياهو، على التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، مشدداً على «الضرورة الملحّة لإنجاز الاتفاق»، وفق ما أعلن البيت الأبيض.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصدر سياسي، لم تسمِّه، الخميس، أن «نتنياهو لم يغيِّر مواقفه بعد الاتصال الهاتفي مع الرئيس الأميركي الليلة الماضية»، في إشارة إلى ما أعلنه رئيس وزراء إسرائيل، الثلاثاء، بشأن «عدم الانسحاب من محور فيلادلفيا تحت أي ظرف»، رغم تكرار تمسك مصر بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجانب الفلسطيني من معبر رفح ومحور فيلادلفيا اللذين احتلتهما في مايو (أيار) الماضي.

طفلة فلسطينية أُصيبت بغارة إسرائيلية خلال نقلها إلى مجمع ناصر الطبي في خان يونس (أ.ف.ب)

جاء موقف نتنياهو الجديد غداة انتهاء جولة قام بها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بين تل أبيب والقاهرة والدوحة، لم تنجح -حسب «تايمز أوف إسرائيل»- في التوصل إلى حل بشأن الخلافات، ونقلت عن مسؤول عربي لم تذكر اسمه، إعرابه عن أسفه لـ«عدم جدوى جولة القاهرة ما لم تضغط الولايات المتحدة على نتنياهو للتراجع عن مطالبه الجديدة».

وأعلنت الولايات المتحدة عن مقترح جديد، لم تذكر تفاصيله، لسد الثغرات في مفاوضات الدوحة منتصف أغسطس (آب) الجاري على أن يناقش في اجتماع قبل نهاية الأسبوع الجاري بالقاهرة، وأعلنت «حماس» في أكثر من بيان رفضها مناقشة طرح جديد، فيما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية منها صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الخميس، بأن «جهوداً تُبذل من أجل عقد المفاوضات السبت أو الأحد المقبلين».

في ضوء ذلك، يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد حجازي: «أننا أمام المراحل الأخيرة من هذه الجولة من المفاوضات فشلاً أو نجاحاً، ومن الصعب التنبؤ بمصيرها بشكل حاسم»، متوقعاً «استمرار مساعي رأب الصدع من جانب الوسطاء لخلق أي حلحلة».

ورأى حجازي أن موقف نتنياهو بشأن محور فيلادلفيا هو محاولة لإطالة أمد الأزمة «كونه يعلم أن بقاء قواته مخالفة لمعاهدة السلام، واستمراره في ذلك التعنت هو تأزيم لموقف المفاوضات خاصة، ومصر لن تقبل بوجودٍ ولو كان رمزياً لآلية إسرائيلية في هذه المنطقة»، مرجحاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد وضع العراقيل تلو الأخرى حتى موعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين المقبل) على أمل أن يأتي حليفه دونالد ترمب بوصفه داعماً أكبر له.

ووفق الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، فإنه رغم الضبابية الحالية في مشهد المفاوضات فإن جهود الوسطاء ستستمر لعدم وصول المحادثات إلى مرحلة «الانهيار».

ويرجح أنور أن تواصل إدارة بايدن ضغوطها حتى آخر لحظة بصورة أكبر على «حماس» من نتنياهو، لتحسين الشروط أو قبول التفاوض، لافتاً إلى أن حديث بايدن المتكرر عن الحاجة لإبرام صفقة، ربما يكون تصريحات إعلامية يخاطب بها الداخل المنشغل بالانتخابات الرئاسية القريبة، محاولاً كسب أصوات الراغبين في وقف الحرب في غزة.

وأمام مخاوف تعثر المفاوضات يعلو صوت التصعيد والمواجهة، حيث أعلنت وزارة الصحة في غزة، الخميس، «ارتكاب القوات الإسرائيلية 4 مجازر في القطاع» وصل منها إلى المستشفيات 42 قتيلاً و163 مصاباً. فيما وصلت حاملة الطائرات العسكرية الأميركية «أبراهام لينكولن» والمدمرات المرافقة لها، الأربعاء، إلى الشرق الأوسط، غداة مخاوف بإعلام أميركي، من رد إيراني قريب ضد إسرائيل حال «فشلت المفاوضات».

ونقلت صحيفة «بوليتيكو» عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين لم تسمِّهم، أن المحادثات «على وشك الانهيار»، مشيرةً إلى أن عدم قبول «حماس» بالمقترح الأميركي الجديد بشأن سد الثغرات «أدى إلى قلق متزايد بشأن فشل المفاوضات».

ووفق مصدر للصحيفة فإنه «لا نعرف ما إذا كان (زعيم حماس يحيى) السنوار يريد هذه الصفقة. لكن إذا لم نحصل على الصفقة، فهناك احتمال أن تشن إيران هجوماً وأن يتصاعد هذا (الوضع) إلى مواجهة كاملة».

تلك المواجهة ستكون «أمراً محتملاً حال انهارت المفاوضات»، وفق السفير حجازي، لافتاً إلى أن «الجميع يدرك أن بديل فشل المفاوضات هو انهيار إقليمي وصدام إيران و(حزب الله) مع إسرائيل».

وكذلك يتخوف فؤاد أنور من «عرقلة نتنياهو المفاوضات»، مرجحاً أنه «حال فشل المحادثات في حسم البنود محل الخلاف لا سيما المتعلقة بمحور فيلادلفيا، فإن المنطقة قد تتجه إلى حرب إقليمية يتخوف منها الجميع».


مقالات ذات صلة

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

شؤون إقليمية بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

ما يجب أن نعرفه عن النطاق القانوني للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية صور للمحتجَزين لدى «حماس» (رويترز)

تقرير: إسرائيل لا ترى إمكانية التفاوض مع «حماس» إلا بعد الاتفاق مع «حزب الله»

التفاوض بشأن الرهائن الإسرائيليين تقلَّص منذ تعيين يسرائيل كاتس وزيراً للدفاع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (الموقع الرسمي للمحكمة) play-circle 02:06

ما حيثيات اتهامات «الجنائية الدولية» لنتنياهو وغالانت والضيف؟

مع إصدار الجنائية الدولية مذكرات اعتقال لرئيس وزراء إسرائيل نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت والقيادي في «حماس» محمد الضيف، إليكم أبرز ما جاء في نص المذكرات.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
شؤون إقليمية عناصر من حركتي «حماس» و«الجهاد» يسلمون رهائن إسرائيليين للصليب الأحمر في نوفمبر 2023 (د.ب.أ)

انتقادات من الجيش لنتنياهو: عرقلة الاتفاق مع «حماس» سيقويها

حذر عسكريون إسرائيليون، في تسريبات لوسائل إعلام عبرية، من أن عرقلة نتنياهو لصفقة تبادل أسرى، تؤدي إلى تقوية حركة «حماس»، وتمنع الجيش من إتمام مهماته القتالية.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي «كتائب القسام» تعلن أن مقاتليها تمكنوا من قتل 15 جندياً إسرائيلياً في اشتباك ببلدة بيت لاهيا (رويترز)

«كتائب القسام» تقول إنها قتلت 15 جندياً إسرائيلياً في اشتباك بشمال قطاع غزة

أعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، الخميس، أن مقاتليها تمكّنوا من قتل 15 جندياً إسرائيلياً في اشتباك ببلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.