​«ملمس المياه» لريم الجندي فسحة صيف تطوف على وهم

معرض للتشكيلية اللبنانية تنقل من خلاله تجربة أنقذتها

جانب من معرض «ملمس المياه» لريم الجندي (الشرق الأوسط)
جانب من معرض «ملمس المياه» لريم الجندي (الشرق الأوسط)
TT

​«ملمس المياه» لريم الجندي فسحة صيف تطوف على وهم

جانب من معرض «ملمس المياه» لريم الجندي (الشرق الأوسط)
جانب من معرض «ملمس المياه» لريم الجندي (الشرق الأوسط)

أرادت الفنانة التشكيلية ريم الجندي الهروب من هموم الحياة وضغوطها في المدينة. بحثت ووجدت في بلدة عمشيت الشمالية اللبنانية ما يشبه الوهم الذي تبحث عنه ليريحها. هناك، بين عمارتين تتألّف من شاليهات تطلّ على بركة سباحة، وجدت ضالتها.

وضّبت حقيبتها وهرعت لتبدأ فترة علاج بأسلوبها. كان ذلك عام 2020. وُلدت فكرة الهروب من أزمات متراكمة عاشتها أسوة بغيرها من اللبنانيين. فالجائحة كما انفجار المرفأ والأزمة الاقتصادية، كلها أنهكتها.

هذا العلاج الذي لا تزال حتى اليوم تخضع له - قاصدة ذلك المكان في كل عطلة أسبوعية - ترجمته بريشتها. ومن مجموعة لوحات تروي فيها تجربتها بين السماء والمياه الزرقاء والشمس والاسترخاء، وُلد معرضها «ملمس المياه».

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

في غاليري «أجيال» بشارع الحمراء، تتوزّع أعمال ريم الجندي التي تُضفي على زائرها الشعور بالراحة والاستجمام. يغيب عن بالك، وأنت بين أعمالها، كل ما يحدث خارج جدران المعرض. فلا تصلك زحمة السير ولا أصوات أبواق السيارات، ولا ضجيج الناس الذين يشقّون طريقهم نحو مستشفى الجامعة الأميركية. فهي بالفعل استحدثت منطقة آمنة يسودها السكون والمناظر الخلّابة. فتحضر فيها لمّة العائلة حول بركة السباحة، وكذلك جلسات تأملية مارستها الجندي أمام مشهدية صيفية بامتياز.

تقول لـ«الشرق الأوسط»: «المكان أنقذني من كآبتي وتعبي. تحت شجرة على جانب بركة السباحة كنت أمضي ساعات بلا ملل مما ولّد بيني وبين البركة علاقة خاصة. أنقل في رسومي تجربة أعيشها، فترجمتُها بريشتي منطلقة من ملمس المياه الذي لا يمكن تحديده. وهمُ ملامسته كان ملهمي».

ما وجدته في هذه البقعة التي تصفها بالمنفصلة عن العالم الخارجي، ولّد لديها الشعور بالسفر: «ذكّرتني بلبنان الجميل في الستينات والسبعينات، عندما نَعِم الناس بالطمأنينة. وفي الوقت عينه، أخذتني في رحلة سفر عبر المتوسط الأزرق».

في كل لوحة من «ملمس المياه»، تستعرض الجندي موقفاً وحالة صادفتهما خلال إقامتها في هذا المجمّع بمنطقة عمشيت. لذلك تحمل جميعها أسماء تشير إلى معانٍ تتعلّق بأحاسيس اجتاحتها: «الملاذ»، و«يوم مشمس»، و«ابقِ معي أمي»، و«حارسة الشجرة»...

يسرح المتفرّج في تفاصيل الأعمال، فيُخيَّل إليه بأنّ الوهم الذي بحثت عنه الفنانة أصابه أيضاً، فيتزوّد بجرعات من الطاقة الإيجابية، وبمشاعر النضارة والحيوية والديناميكية. فالأزرق السائد بلوحاتها يبعث على الراحة ويمدّ بالهدوء والسكينة. تُعلّق: «عادة لا أستخدم الأزرق في لوحاتي. ولكن هنا، وأمام مشهدية بركة السباحة المستطيلة المُبلَّطة بموزاييك أزرق يمنح الماء لونه ويردّ لي روحي؛ كان من البديهي أن أركن إليه لوناً أساسياً في لوحات (ملمس مياه)».

علاقة متينة وُلدت بين الجندي وبركة السباحة (الشرق الأوسط)

الذكرى والوحدة والفراغ والعائلة وبصمة الحياة والشعور بالعافية وغيرها... موضوعات تناولتها في معرضها: «إنها مواقف عشتها ورغبت في نقلها. لقد عنت لي كثيراً في لحظات تأمّلية جميلة. أدركتُ بأنّ الواقع يختلف تماماً عن هذا المكان، لكنني رفضت إلا أن أعيش لحظاته، فكان علاجاً لي».

من اللوحات اللافتة، تلك التي تصوّر فرحة أفراد العائلة يتحلّقون حول بركة السباحة. وفي أخرى تغوص في مشهدية بسيطة لعدد من كراسي البحر الفارغة تصطفُّ حول البركة؛ وكل واحدة منها حجزها أحدهم بوضعه منشفة ملوّنة عليها. وفي لوحات أخرى، استحدثت عناصر فنية وهمية لتجمّلها، ففرشت الأرضية بأوراق شجر ذهبية. وفي مكان ثالث، نراها تستلقي على سجادة من الورود الملوّنة. وبتقنية الأكليريك و(الميكسد ميديا)، وثّقت علاقتها المتينة بذلك المكان.

وفي بعض اللوحات يلاحظ مشاهدها دوائر ذهبية، كأنها الملاك الحارس الذي يرافق الجندي برحلتها. ونرى هذه الدوائر في أثناء ممارستها السباحة، وخلال الاسترخاء على المياه، وهي تجلس على كرسي شاردة الذهن. توضح: «تخصّصت في رسم الأيقونات واسترجعتها في رسوماتي الخاصة ضمن المعرض على طريقتي. كما استحضرتُ النجوم والقمر المذهّبَيْن. وأحياناً جعلت هذا اللون خلفية لأشجار الصنوبر المحيطة في المكان. كما طليت به سلّم بركة السباحة».

لوحات محبوكة شكّلت أول أعمالها لهذا المعرض (الشرق الأوسط)

تقول ريم الجندي إنّ فكرة رسم بركة السباحة اشتهر بها الفنان الأميركي ديفيد هوكني، وتذكّرته عندما جلست للمرة الأولى في هذا المكان: «رأيتُ شجرتَي نخل طويلتَيْن، وبينهما بركة سباحة، وهو منظر سبق ورسمه هوكني. تساءلتُ عما إذا مرّ بالمصادفة من هنا، لكنني استدركتُ أنه يعيش في كاليفورنيا. رحتُ أطرح على نفسي أسئلة عن أسباب رسمه المشهد. فأنا أيضاً أرغب في رسم المكان وهذا المنظر. ولا أريد أن يُقال إنني أحاول تقليده. كان علي أن أفهم الأسباب التي تدفعني للقيام بالمهمة عينها. وجدتها في النهاية، لا سيما أنّ عملي ينبع من تجاربي الشخصية. ومن عملي بالأيقونات انطلقت، وحدّدت لنفسي أسلوباً خاصاً».

في مجموعة أخرى من اللوحات، ركنت إلى أحجام مربَّعة محبوكة بقماش «الكانفاس»، فرسمت عليها مقتطفات من حياتها حول بركة السباحة. تختم: «انطلقت منها لأضع مجموعة لوحاتي لهذا المعرض، واستغرقت مني وقتاً كثيراً لتحضيرها بوصفها أرضية يمكن أن تمرّ عليها ريشتي. بعد محاولات، ملأتُ فراغات القماش المحبوك ووصلت إلى لوحات تخرج على المألوف».


مقالات ذات صلة

التاريخ الثقافي والحضاري لمنطقة عسير حيّ في معرض للمخطوطات

يوميات الشرق مشاهد من رحلة عبد الله فيلبي إلى عسير عام 1936 (وزارة الثقافة)

التاريخ الثقافي والحضاري لمنطقة عسير حيّ في معرض للمخطوطات

انطلق «معرض مخطوطات عسير» لاستكشاف قصص الأجداد وتاريخ المنطقة بين طيّات المخطوطات ومن خلال الأجنحة المتنوعة والندوات والجلسات الحوارية المتخصصة.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق إحدى اللوحات ضمن المعرض (مكتبة الإسكندرية)

الفطرة الإنسانية بأعمال 14 فناناً في معرض بالإسكندرية

في محاولة لاكتشاف أبعاد الفطرة الإنسانية، والبحث عن جذور البراءة والتلقائية، شارك 14 فناناً في معرض بعنوان «أول مرة #30».

حمدي عابدين (القاهرة )
يوميات الشرق لوحة الفنان عبد الحليم رضوي (سوذبيز)

«حفلة»... فن سعودي ومجوهرات شرقية وخط عربي في لندن

عرض نماذج من الثقافة العربية الغنية، نرى من خلال جولة في الدار بعضَها، منها معرض ضخم لأعمال فنية من السعودية، هناك أيضاً عرض للمجوهرات.

يوميات الشرق المنزل التراثي بحجره العتيق وَهَب شكله المُهدَّم إلى فكرة إعادة الإحياء (صور جوني فنيانوس)

«جبيل تحتضن بيروت» مدينة الأمل العنيد

الصمود تؤكّده لوحة تظلُ مُعلَّقة على جدران انهار ما حولها، وتجسّده موسيقى تُعزَف لتُطيّب الجراح، فيتسلّل نغمها إلى الفوضى والأرض المحروقة ليس بالنار وحدها.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق لعب ومرح بخطوط عفوية (الشرق الأوسط)

«سكر نبات»... تعبّر فيه الفنانة نوران منصور عن ألم فقدان ابنتها الصغيرة

تعكس أعمال الفنانة المصرية نوران منصور شغفها بعالم الطفولة، وميلها إلى تجسيد مشاعرها وأفكارها بطريقة عفوية من خلال الرسم والحكي باللون والخط.

نادية عبد الحليم (القاهرة)

خبراء ينصحون بإدراج تناول المثلّجات ضمن المناهج الدراسية للأطفال

طفلان يقومان بشراء المثلّجات في واشنطن (رويترز)
طفلان يقومان بشراء المثلّجات في واشنطن (رويترز)
TT

خبراء ينصحون بإدراج تناول المثلّجات ضمن المناهج الدراسية للأطفال

طفلان يقومان بشراء المثلّجات في واشنطن (رويترز)
طفلان يقومان بشراء المثلّجات في واشنطن (رويترز)

قالت مجموعة من الخبراء للوزراء في بريطانيا إنه يجب إتاحة الفرصة لتلاميذ المدارس الابتدائية لتناول المثلّجات وزراعة الخضراوات وعجن الخبز؛ لمساعدتهم في تعلّم المواد العلمية.

وحثّت 4 هيئات علمية رئيسية الحكومة على تضمين سلسلة من «التجارب الأساسية» للأطفال من سن 3 إلى 11 عاماً، إلى جانب اللعب بالظلال، والحَفر في التربة، وزيارة الحدائق، وإعادة التدوير، والعزف على الآلات الموسيقية، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز».

ونشرت الجمعية الملكية للكيمياء، ومعهد الفيزياء، والجمعية الملكية لعلم الأحياء، وجمعية تعليم العلوم، توصيات لإصلاح مناهج المدارس الابتدائية، في محاولة للحدّ من التفاوت في تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

واقترح التقرير أن الأطفال الذين لديهم تجارب مباشرة محدودة «يعانون بلا شك من خلل».

وتابع: «هذه قضية مساواة أساسية، وتوفير تجارب غنية للأطفال (خصوصاً في السنوات الابتدائية المبكرة) سيُسهم إلى حد ما في معالجة هذه القضية؛ حيث تشكل هذه التجارب الملموسة الأساس الذي يمكن للأطفال من خلاله استخلاص الأدلة على أفكارهم، ما يجعلهم مستعدّين للتعلّم الأكثر تجريداً الذي سيواجهونه في المدرسة الثانوية».

وقالت آيلين أوزكان، المعلمة والمتخصصة في سياسة التعليم في الجمعية الملكية للكيمياء: «إن إحدى التوصيات المتعلقة بالكيمياء هي أنه بحلول سن الحادية عشرة، يجب أن يبدأ جميع الأطفال في فهم كيفية عمل درجة الحرارة، وكيف يمكن للتدفئة والتبريد تغيير الأشياء، ما الدعامة الأفضل التي يمكن للمعلم استخدامها لشرح هذه الأمور أكثر من المثلّجات؟».

وأضافت: «إنه حل رخيص، وسيسمح للأطفال بتطوير ثقتهم العلمية مهما كانت خلفيتهم».

وقال تشارلز تريسي، المستشار في التعلّم والمهارات بمعهد الفيزياء، إنه ينبغي منح جميع الطلاب إمكانية الوصول إلى «تجارب علمية حقيقية هي حالياً حكر على قِلّة محظوظة».

وأفادت لورين ماكليود، رئيسة سياسة التعليم في الجمعية الملكية لعلم الأحياء: «ليس كل الأطفال لديهم إمكانية الوصول إلى حديقة أو حقول مدرسية، ونحن نريد للأطفال أن يختبروا العالم من حولهم، مع تمكين المعلمين من إدخال العلوم في الأنشطة اليومية».