أثار إعلان «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس»، بالتعاون مع «سرايا القدس» التابعة لحركة «الجهاد الإسلامي»، الاثنين، استئناف العمليات التفجيرية في إسرائيل اهتماماً كبيراً على مستويات عدة.
وتبنت «القسام» و«الجهاد» تفجير عبوة ناسفة في تل أبيب، وانفجرت، على ما يبدو، مُبكراً في حاملها وأصابت آخر، الأحد، ووصفت الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلي (شين بيت) التفجير بأنه هجوم إرهابي.
وتوقظ العملية مع تلويح المسؤولين عنها بالمزيد، مخاوف من عودة فصل كاد الإسرائيليون ينسونه، ضمن سياق الصراع مع الفلسطينيين الذي بلغ ذروته في أجواء الانتفاضة الفلسطينية الثانية في غضون عام 2000، أي قبل ربع قرن تقريباً، عندما كثفت حركات فلسطينية في مقدمتها «حماس» من عمليات تجهيز مقاتلين بعبوات ناسفة ليفجروا أنفسهم في قلب المدن الإسرائيلية، ونجحوا في دب الرعب عبر سلسلة عمليات أوقعت قتلى إسرائيليين في الطرقات ووسائل النقل والأسواق والمطاعم والمتاجر الكبيرة.
وطالما شهدت الشهور القليلة الماضية محاولات لتنفيذ عمليات في داخل إسرائيل، لكنها كانت تدور في مجملها حول عمليات طعن يُقْدم عليها أشخاص غالباً من سكان القدس أو المدن الخاضعة لسيطرة الإسرائيليين مع استثناءات محدودة، غير أن منفذ هذه العملية الأخيرة جاء على ما تشير المعلومات من نابلس في الضفة الغربية، وهو ما تترجمه المستويات الأمنية والمحلية الإسرائيلية كاختراق أمني، رغم كل العمليات التي تنفذها إسرائيل في الضفة ضد عناصر مسلحة.
التوقيت
اهتمام إضافي آخر بتلك العملية يُعبّر عنه توقيتها؛ إذ دوى صدى الانفجار، الأحد، بعد نحو ساعة من وصول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى تل أبيب للدفع من أجل التوصل لاتفاق يوقف إطلاق النار في قطاع غزة؛ لإنهاء الحرب المستمرة منذ 10 أشهر بين إسرائيل و«حماس».
سياسياً، كانت تلك رسالة من «حماس» لواشنطن التي تتهمها بأنها تحاول فرض «إملاءات» في المفاوضات الرامية للهدنة، خصوصاً بعد إفادة أميركية نقلها بلينكن بأنها ربما تكون «فرصة أخيرة» للتوصل إلى اتفاق.
تبنٍّ وتلويح
وفي إطار التبني للعملية، لوحت «القسام» بالمزيد. وقالت «القسام»: «إن العمليات الاستشهادية بالداخل المحتل ستعود للواجهة ما دامت تتواصل مجازر الاحتلال وعمليات تهجير المدنيين واستمرار سياسة الاغتيالات».
ومنيت «حماس»، خلال فصول الحرب الحالية مع إسرائيل، باغتيالات لمستويات رفيعة، كان أبرزها قائدها إسماعيل هنية، الذي قُتل في طهران الشهر الماضي، وكذلك طالت الاغتيالات الإسرائيلية مستويات عسكرية في «القسام»، التي لم تؤكد كثيراً مما يعلنه الإسرائيليون.
الاختراق
حسب ما أظهرت لقطات، بشأن تفجير تل أبيب، فإن المنفذ ظهر وهو يسير مع حقيبة على ظهره تحمل العبوة بين الإسرائيليين في جنوب تل أبيب، وقال قائد منطقة أيالون في شرطة لواء تل أبيب، حاييم بوبليل، خلال مقابلة إذاعية: «لحسن الحظ لم يؤدِّ إلى كارثة». وكذلك عدّ المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية، إيلي ليفيأن، الحادث «صعباً للغاية، ويتم التحقيق فيه من قبل الشرطة والشاباك».
وكانت العبوة (تقدر بنحو 8 كيلوغرامات) يحملها شخص في الخمسينات من عمره انفجرت، كما يبدو، قبل موعدها، في مكان لا يوجد فيه الكثير من الإسرائيليين، وعلى الرغم من أن الانفجار كان شديداً، قُتل حامل العبوة وأصيب أحد المارة فقط.
وعقب بوبليل بأنه «من المحتمل أن يكون المهاجم خطط للوصول إلى الكنيس القريب أو ربما إلى مركز التسوق. ليس لدينا القدرة على فهم سبب انفجاره في هذا الوقت».
وأضاف: «الحادث كان من الممكن أن ينتهي بشكل مختلف تماماً لو انفجرت العبوة في أحد الأماكن المزدحمة القريبة».
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» و«القناة 12» ووسائل إعلام عبرية أخرى أن الشرطة وجهاز الأمن العام (الشاباك) رفعا حالة التأهب وبدآ بعمليات بحث في أنحاء منطقة تل أبيب الكبرى، متجنبين على الفور تحميل «حماس» أو «الجهاد» مسؤولية الهجوم.
وتحاول الأجهزة الأمنية تتبع تاريخ وصول المهاجم إلى إسرائيل، وما إذا كان قد تصرف أم لا، بشكل مستقل، ومن يعرف نواياه، ومن أين اشترى الأمتعة، وجمع التفاصيل. وقال كبار مسؤولي الشرطة لصحيفة «معاريف» إن سكان تل أبيب كانوا محظوظين للغاية؛ لأنه بالنظر إلى حجم الشحنة، فإن وضعها في مكان مزدحم كان سيؤدي إلى كارثة كبيرة.
الضفة
وفق تحقيقات إسرائيلية، فإن العبوة المستخدمة في الهجوم «تشبه العبوات الشائعة في منطقة الضفة الغربية»، ويتم التحقيق في مسار دخول المهاجم ومن أرسله.
واعتقلت إسرائيل، منذ مساء الأحد وحتى صباح الاثنين، 14 فلسطينياً على الأقل من الضفة الغربية، حسب هيئات لشؤون الأسرى.
وقالت مصادر أمنية (قبل تبني «حماس» و«الجهاد» المسؤولية) إن التحقيق تقدم بشكل كبير، وتم فرض أمر حظر نشر حول التحقيق، لكن «الاتجاه غير مألوف» بما يتعلق بهوية المشتبه وهوية من أرسله. ومن بين أشياء أخرى دعت الشرطة «المواطنين إلى اليقظة والإبلاغ عن أي شخص أو جسم مشبوه».
ونوه تقرير لـ«يديعوت أحرونوت» بأن «الهجوم بعبوة ناسفة جاء في وقت تتزايد فيه مسألة العبوات الناسفة أهمية في السنوات الأخيرة؛ حيث أصبحت تُصنع بكل الطرق في الضفة الغربية»، مؤكداً أن «القلق الأكبر في أجهزة الأمن هو من إدخال عبوات ناسفة بمواد متفجرة قياسية إلى قلب المدن الكبرى في إسرائيل، قد تسبب أضراراً كبيرة».
العودة إلى الانتفاضة
وتتمثل أكبر مخاوف إسرائيل، بعد تفجير تل أبيب، في «العودة إلى أيام الانتفاضة الثانية؛ حيث انفجرت العبوات الناسفة على أجساد انتحاريين في قلب المدن الكبرى»، وفق ما تقدر «يديعوت أحرونوت».
ولقد عاشت إسرائيل أسوأ سنواتها في الانتفاضة الثانية، عندما أرهقتها «حماس» وفصائل أخرى بإرسال انتحاريين إلى قلب المدن الإسرائيلية.
ومنذ ذلك الوقت، تسعى أجهزة الأمن، خصوصاً الشاباك والجيش الإسرائيلي، بشكل دائم إلى إحباط الهجمات قبل تنفيذها، وفي حين يعمل الجيش الإسرائيلي مؤخراً ضد مصنعي العبوات الناسفة بشكل مباشر، يستثمر الشاباك جهوداً كبيرة في تحديد المهاجمين أنفسهم وطرق التهريب أو الإنتاج.
ويمكن القول إن إسرائيل نجحت في كبح الظاهرة بعد نهاية الانتفاضة الثانية، لكن أيضاً غيّر الفلسطينيون أساليبهم، وأصبحوا في الضفة الغربية يفضلون الهجمات الخاطفة، مثل إطلاق النار والدهس والطعن.
وسُجلت آخر عملية تفجيرية (نفذها شخص بنفسه) عام 2016 بواسطة أحد عناصر «حماس» خرج من مدينة بيت لحم إلى القدس، واستهدف حافلة ركاب، وجرح 21 إسرائيلياً.
لكن المرة الأخيرة التي وقع فيها انفجار غير مألوف وغير واضح في تل أبيب، حسب «القناة 12»، واشتبه حينها بأنها عملية فاشلة، كان في 15 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، ووقع الانفجار حينها في متنزه اليركون، وتم فرض أمر حظر نشر بشأنه أيضاً.
وقبلها في 13 مارس (آذار) من العام نفسه، وقع انفجار عند مفترق مجدو، أسفر عن إصابة شخص بجروح خطيرة، وأعلنت أجهزة الأمن الإسرائيلية لاحقاً أن المنفذ ينتمي لـ«حزب الله»، وأنه تسلل من لبنان وقتل قرب الحدود اللبنانية.
وفي عام 2022 فجّر فلسطينيون عبوتين، عن بعد، بالقرب من مدخل لمدينة القدس؛ ما أدى إلى مقتل إسرائيلي وإصابة 18 على الأقل.