الضاحية تفقد الشعور بالأمان... وسكانها ينزحون «تحسباً لأي تدهور»

حركة خفيفة في شوارعها على إيقاع الخوف والاضطراب

صورة تجمع قاسم سليماني ونصرالله وعماد مغنية مرفوعة على مبنى في ضاحية بيروت الجنوبية قرب موقع الاستهداف الإسرائيلي في حارة حريك (إ.ب.أ)
صورة تجمع قاسم سليماني ونصرالله وعماد مغنية مرفوعة على مبنى في ضاحية بيروت الجنوبية قرب موقع الاستهداف الإسرائيلي في حارة حريك (إ.ب.أ)
TT

الضاحية تفقد الشعور بالأمان... وسكانها ينزحون «تحسباً لأي تدهور»

صورة تجمع قاسم سليماني ونصرالله وعماد مغنية مرفوعة على مبنى في ضاحية بيروت الجنوبية قرب موقع الاستهداف الإسرائيلي في حارة حريك (إ.ب.أ)
صورة تجمع قاسم سليماني ونصرالله وعماد مغنية مرفوعة على مبنى في ضاحية بيروت الجنوبية قرب موقع الاستهداف الإسرائيلي في حارة حريك (إ.ب.أ)

ترك مازن (28 عاماً) طفلته وزوجته في منزل عائلته في الحدت، وعاد صباح الأربعاء إلى منطقة بئر العبد في ضاحية بيروت الجنوبية لجمع أغراضه. «لن نغامر بالعودة إلى منزلنا هذا الأسبوع»، يقول لـ«الشرق الأوسط»، لافتاً إلى أن عائلته غادرت المنزل بُعيد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت الضاحية، للمرة الأولى منذ 7 أشهر.

وحال مازن، كحال المئات من عائلات الضاحية التي غادرتها، بعد دويّ غارة إسرائيلية، مساء الثلاثاء، استهدفت القيادي في «حزب الله» فؤاد شكر في منزله الكائن في منطقة حارة حريك. لم تمضِ عشر دقائق على دويّ الانفجار، حتى اختنقت الضاحية بسيارات السكان الذين قرروا مغادرتها على الفور «تحسباً لأي قصف آخر».

على تقاطع «شارع عباس الموسوي» في حارة حريك، كانت امرأة تصرخ: «بدأ القصف... أفسحوا الطريق»، فيما كان طفلاها في المقعد الخلفي بالسيارة يبكيان. اكتظ الشارع بحركة لافتة، حيث كانت السيارات تهبط من شارع الموسوي في حارة حريك باتجاه أوتوستراد هادي نصرالله، بينما كان راكبو الدراجات النارية يسلكون الطريق في الاتجاه المعاكس بكثافة كبيرة، صعوداً باتجاه موقع الغارة في حارة حريك.

رجل يطل من شباك محطم إلى مبنى استهدفته غارة إسرائيلية ليل الثلاثاء بضاحية بيروت الجنوبية (أ.ب)

وتواصل النزوح من المنطقة بعد حصول الغارة الإسرائيلية، حتى الساعة التاسعة والنصف مساء، وشهدت شبكة الطرقات المحيطة بالضاحية، زحمة سير خانقة، حيث اتجه السكان النازحون باتجاه بيروت غرباً، والأشرفية من الناحية الشمالية، وباتجاه منطقة الجبل وعاليه شرقاً.

ولم يعد قسم كبير من السكان إلى منازلهم خلال ساعات الليل، أو في صباح الأربعاء. يقول مازن إنه قضى ليلته لدى عائلته في الحدت (شرق الضاحية) «ريثما تهدأ زوجتي التي عانت الاضطراب جراء الصدمة والخوف»، مضيفاً أنها رفضت العودة إلى المنزل على الأقل خلال هذا الأسبوع؛ ما اضطره إلى زيارة منزله، ونقل بعض حاجيات طفلته من ملابس وأدوية، فضلاً عن بعض الأوراق الثبوتية مثل جوازات السفر، «تحسباً من أن تطورات قد تحدث».

عمال بلدية يعملون على إزالة الركام من الشارع المؤدي إلى موقع الغارة الإسرائيلية في حارة حريك بالضاحية الجنوبية (إ.ب.أ)

وتبدو ملامح الخوف واضحة في شوارع الضاحية التي شهدت تراجعاً حاداً في حركة السير والمرور على شوارعها الرئيسية صباح الأربعاء. خلافاً للأيام السابقة، لا يوجد على تقاطع حي ماضي أكثر من عشر سيارات، علماً بأن التقاطع نفسه شهد خلال الأشهر الماضية زحمة كثيفة للسيارات والمارة. وينسحب الأمر على جسر صفير، حيث لا أثر للازدحام المروري الذي عرفته الضاحية منذ نزحت إليها مئات العائلات قادمة من الجنوب بعد الحرب.

ويقول صاحب فرن للمناقيش في حارة حريك إن النشاط في فرنه تراجع بحدود الـ80 في المائة، صباح الأربعاء، بالنظر إلى أن قسماً كبيراً من القاطنين في الأبنية المحيطة بموقع الانفجار، غادروا مساء الثلاثاء. أما في الشارع الموازي لمحيط الانفجار، فلم تفتح معظم المحال التجارية، علماً بأنها غير متضررة، وذلك «بسبب الاضطراب والخوف».

رجل إنقاذ يزيل الركام عن سطح مبنى دُمّر إثر غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

وتشير حركة النزوح من الضاحية، إلى أن السكان فقدوا الشعور بالأمان، على الأقل خلال هذا الأسبوع. يقول إبراهيم (52 عاماً) الذي يسكن منطقة الجاموس في الضاحية البعيدة نسبياً عن حارة حريك، إنه نقل أغراضه المهمة إلى سيارته، وطلب من عائلته الاستعداد للمغادرة في حال تطورت الأمور، بانتظار بيان «حزب الله» والرد المتوقع منه.

وكان الحزب أصدر بياناً أولياً، صباح الأربعاء، وصف فيه الانفجار بأنه «اعتداء آثم تعرضت له الضاحية الجنوبية لبيروت»، ولم يذكر فيه أي موقف بخصوص الرد، وأكَّد «حزب الله” أنَّه لا يزال «ينتظر حتّى الآن النتيجة التي سيصل إليها المعنيون في هذه العملية فيما ‏يتعلق بمصير القائد الكبير ومواطنين آخرين في هذا المكان، ليُبنى على الشيء مقتضاه».


مقالات ذات صلة

العثور على جثة فؤاد شكر بين الحطام في الضاحية الجنوبية لبيروت

المشرق العربي عناصر الدفاع المدني يتفقدون الدمار في المباني التي استهدفتها طائرة بدون طيار إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت (د.ب.أ)

العثور على جثة فؤاد شكر بين الحطام في الضاحية الجنوبية لبيروت

كشف مصدران أمنيان لـ«رويترز» اليوم (الأربعاء)، أنه تم العثور على جثة القيادي العسكري الكبير بـ«حزب الله» فؤاد شكر بين الحطام في الضاحية الجنوبية لبيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي سكان من الضاحية الجنوبية لبيروت يعبرون شارعاً في حارة حريك على مقربة من موقع استهداف القيادي بـ«حزب الله» فؤاد شكر (أ.ف.ب)

لبنان: قلق دبلوماسي غربي وحركة كثيفة لتجنب تداعيات ضربة الضاحية

كثّف دبلوماسيو الأمم المتحدة ودول غربية مؤثرة بالوضع اللبناني حركتهم الدبلوماسية باتجاه القيادات اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية صورة تجمع القائد العسكري الكبير في «حزب الله» فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية

«حريق إقليمي» و«الحرب للمجهول»... كيف علقت الصحف الإسرائيلية على اغتيال هنية وشكر؟

أثار اغتيال الشخصيتين البارزتين في «حزب الله» وحركة «حماس»، ردود فعل واسعة في الصحف العبرية، وسط توقعات بأن تؤدي عمليتا الاغتيال إلى مزيد من التصعيد.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي عمال الدفاع المدني وبلدية حزب الله يتفقدون مكان وقوع غارة جوية إسرائيلية ألحقت أضراراً بالعديد من المباني الثلاثاء (أ.ب)

إسرائيل: السبيل الوحيد لمنع حرب شاملة مع «حزب الله» هو تنفيذ القرار 1701

أشار وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الأربعاء، إلى أن السبيل الوحيد لمنع «حرب شاملة» مع «حزب الله» اللبناني هو التنفيذ الفوري للقرار 1701.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية جرار يزيل الحطام بعد يوم واحد من قصف الجيش الإسرائيلي لمبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

غالانت: إسرائيل لا تسعى للتصعيد لكنها مستعدة لجميع السيناريوهات

قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، اليوم (الأربعاء)، إن إسرائيل لا تسعى لتوسيع رقعة الحرب لكنها جاهزة للتعامل مع جميع السيناريوهات.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

دلالات اغتيال هنيّة وحسابات «الدولة العميقة»

دلالات اغتيال هنيّة وحسابات «الدولة العميقة»
TT

دلالات اغتيال هنيّة وحسابات «الدولة العميقة»

دلالات اغتيال هنيّة وحسابات «الدولة العميقة»

اغتيال رئيس حركة «حماس»، إسماعيل هنية، في قلب مجمع الحرس الثوري الإيراني، فجر اليوم (الأربعاء)، واغتيال قائد أركان «حزب الله»، فؤاد شكر، قبله بساعات قليلة في قلب ضاحية بيروت الجنوبية، يجعل التعبير «ضربات محسوبة ومحدودة» موضوع تهكُّم وسخرية كبيرين؛ فهذا الاغتيال يفتح الباب أمام تصعيد في الحرب، بأقل احتمال، وتصعيد كبير جداً قد يتحول إلى حرب إقليمية شاملة، ولا يقل خطورة عن ذلك، يعني اغتيال المحتجزين الإسرائيليين لدى «حماس».

وتشير التقديرات إلى أن المجتمعين توقعوا أسوأ ردّ من الأطراف الأخرى، بما في ذلك عودة «حماس» إلى تنفيذ عمليات انتقام مسلحة داخل إسرائيل وعبر «حزب الله» الذي يهدد بالانتقام الشديد، وحتى دخول إيران بشكل مباشر، لاعتبارها اغتيال هنية إهانة عسكرية استراتيجية.

كل هذه الحسابات طُرِحت في الاجتماع الذي تقرر فيه تنفيذ اغتيال هنية، الذي ضم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت، ووزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، ورئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي، ورئيس «الموساد»، الذي يترأَّس فريق التفاوض مع «حماس»، ديفيد برنياع، ورئيس المخابرات العامة (الشاباك)، رونين بار، الذي يشارك في هذه المفاوضات، وغيرهم من قادة الأجهزة. وقد بدأ الاجتماع في الثامنة من مساء الثلاثاء، واستمر بلا انقطاع. ودُرِست فيه كل السناريوهات ولم ينفضَّ إلا عندما «تأكدوا من إتمام العملية بنجاح»، فجر الأربعاء.

فماذا يعني ذلك؟

أولاً لافت للنظر تركيبة أصحاب القرار؛ فالاغتيال لم يكن قرار حكومة اليمين المتطرف، بل قرار الدولة العميقة في إسرائيل. فهذه المؤسسة تجري عادة حسابات واسعة وعميقة. فما الدافع لأن تتخذ قراراً مغامراً كهذا، تشترك فيه مع نتنياهو، الذي تتهمه بصراحة بالغة بأنه معنيّ بالاستمرار في الحرب لخدمة مصالحه الشخصية والحزبية؟ هل يوجد هنا التقاء مصالح مفاجئ؟

يبدو أن هذا هو السر. التقاء المصالح. وربما أكثر من ذلك؛ رضوخ المؤسسة العسكرية والدولة العميقة لإرادة نتنياهو. فما مصلحتها في هذا؟

هنا نأتي إلى بيت القصيد: الصرعات والصراعات الداخلية، التي لا تقل وزناً عن الحسابات الإقليمية والدولية. فالجيش الإسرائيلي وبقية الأجهزة الأمنية تعيش كارثة معنوية منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث وقعت في إخفاق يعتبره قادتها أكبر إخفاق في تاريخ الدولة العبرية. لقد حاولت التغلب على هذه الكارثة بحرب شعواء دمرت فيه قطاع غزة بشكل شبه كامل، فهم بوضوح على أنه ليس موجهاً ضد «حماس» لإبادتها بل ضد الشعب الفلسطيني كله. قتلوا نحو 40 ألفاً، ثلثاهم من النساء والأطفال والمسنين والعَجَزة. دمروا كل الجامعات والمستشفيات ومعظم المدارس والجوامع والكنائس. قتلوا علماء وصحافيين وأطباء ومعلمين وباحثين ومخترعين وفقهاء ورجال دين.

كان من أهداف هذه الشراسة ترك علامات تُحفَر في ذاكرة الشعب الفلسطيني كنكبة ثانية، مثلما حفرت أميركا في ذهن اليابانيين مجزرة هيروشيما، وفي ذاكرة الألمان مجزرة دريزدين. لكن هذا كله لم يحقق أياً من أهداف الحرب. وبقيت الصورة الختامية أن الجيش الإسرائيلي بعظمة قوته (ثلاثة أرباع المليون جندي ومئات الطائرات الحديثة والصواريخ الجبارة وآلاف الأطنان من المتفجرات) وبضخامة وحداثة أسلحته ودعم الولايات المتحدة وحكومات الغرب له، يدير حرباً تستغرق 10 أشهر ضد تنظيم مسلح محدود القوة (30 - 40 ألف عنصر) وفقير الأسلحة، ولم يستطع حسمها.

هذه المشكلة أثارت تساؤلات كثيرة لدى الحلفاء والأصدقاء، الذين كانوا يأتون لتعلم دروس الحرب من الجيش الإسرائيلي. ولكنها أثارت أسئلة أكثر لدى الجمهور الإسرائيلي. وبسبب الصراعات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، ومحاولات حكومة اليمين درء الاتهامات عنها بالمسؤولية عن الإخفاق، زاد اليمين على الوقود ناراً، فراح يحرض على قيادة الجيش ويتهمها بالفشل وبالجبن. ودلت الاستطلاعات على أن ثقة الجمهور الإسرائيل بالأجهزة الأمنية انخفضت بشكل حاد من 90 في المائة إلى 70 و60 في المائة.

وصار رئيس أركان الجيش وجنرالاته يتعرضون لإهانات حتى في جلسات الحكومة، من وزراء عديدين وليس فقط بن غفير وسموترتش. وكان نتنياهو يسمع ويسكت. ولكن ابنه لم يسكت فينشر في الشبكات الاجتماعية دعماً لحملة التحريض هذه.

ومن هنا كان الطريق قصيراً، لنرى المستوطنين يعتدون على جنود الجيش الإسرائيلي الذين يحمونهم في الضفة الغربية، وأكثر من ألفي عنصر من نشطاء الليكود والصهيونية الدينية يهاجمون ثلاث قواعد عسكرية، ويعتدون على الجنود برفقة وزراء ونواب، بحجة الدفاع عن جنود متهمين باغتصاب أسري فلسطينيين.

لقد قررت الأجهزة الأمنية استعادة هيبتها المهدورة، أياً كان الثمن، فانتهزت فرصة التراخي الأمني في الضاحية وفي طهران، ووجَّهت ضربتيها. ولديها قناعة بأن هناك مَن سيتدخل من وراء البحار لمنع توسع التوتر إلى حرب شاملة. فهل سيسعفها هذا الاستعراض للعضلات؟ أم أن الجشع لدى اليمين سيطالبها بالمزيد من هذه العضلات؟ هل سيكون الرد محسوباً ومحدوداً، ووفق أي حسابات؟

عاجل مصدران أمنيان لـ«رويترز»: العثور على جثة القائد العسكري بـ«حزب الله» فؤاد شكر بين الحطام في الضاحية الجنوبية لبيروت