بينما كان المشجعون الإنجليز والإسبان يتوافدون أمام بوابة براندنبورغ الشهيرة بعد ظهر يوم الأحد الماضي، كان هناك الكثير من مظاهر السعادة والبهجة على بُعد أمتار قليلة، حيث شهد فندق «أدلون كمبينسكي»، الذي يُعد أحد أشهر الأماكن في العاصمة الألمانية برلين، تجمعا لوفد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا)، إلى جانب كوكبة من الضيوف المميزين، قبل انطلاق المباراة النهائية لكأس الأمم الأوروبية 2024.
ووقف أرسين فينغر، الذي ترأس أعمال الاتحاد الدولي لكرة القدم في غياب الرئيس جياني إنفانتينو، في بهو الفندق لالتقاط الصور الفوتوغرافية، في حين كان رؤساء اتحادات الكرة المحلية التابعة لليويفا مجتمعين حول الطاولات يتحدثون مع الموظفين والمعارف.
وكان الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وألمانيا قد تعرضا لبعض الانتقادات، لكن بطولة اليورو كانت تقترب من نهايتها.
ونجحت إسبانيا، التي كانت في أحسن الأحوال اختياراً حذراً للفوز باللقب قبل انطلاق البطولة، في الصعود لمنصة التتويج في نهاية المطاف وأعلنت عن مولد نجمين شابين رائعين على المستوى الدولي، هما لامين يامال ونيكو ويليامز.
واستعادت معظم المنتخبات الكبرى عافيتها مرة أخرى بدءا من الدور ربع النهائي.
وسافر المشجعون بأعداد غير مسبوقة وحولوا كل مباراة إلى عالم خاص ينبض بالحياة، وإلى مهرجان صاخب مليء بالألوان والضوضاء.
فهل كان ذلك بمثابة نقطة لتصحيح المسار، أو إشارة دامغة على أن الجشع المادي للأندية وسعي عدد قليل من أندية النخبة للسيطرة على كل شيء لا يمكن أن يصمدا بهذا الشكل؟ وكانت المحادثات التي بدأت في فندق «أدلون كمبينسكي» قد تطرقت بالفعل إلى الصراعات التي تنتظرنا في كرة القدم الأوروبية والتي يمكن تحديد مسارها من خلال الأحداث التي ستقام على مدى الأشهر الـ 12 المقبلة.
فبعد أقل من عام، ستقام بطولة كأس العالم للأندية الموسعة، التي ستضم 32 فريقا. هذا على افتراض أن البطولة ستقام من الأساس: من المفهوم أنه سيتم الإعلان قريبا عن المدن المستضيفة للبطولة، لكن لا يزال هناك الكثير من الأمور الأخرى التي لم يتم حلها حتى الآن.
وقال خافيير تيباس، رئيس رابطة الدوري الإسباني، لصحيفة «الغارديان» في يناير (كانون الثاني) الماضي إنه «سيحاول» وقف المسابقة الجديدة، وانضم إليه الأعضاء الأوروبيون في النقابة الدولية للاعبي كرة القدم المحترفين (فيفبرو)، والذين اتخذوا بالفعل إجراءات قانونية ضد الفيفا في يونيو (حزيران).
وهناك مخاوف جدية بشأن تأثير هذه البطولة على رفاهية اللاعبين، الذين بدوا مرهقين بالفعل خلال كأس الأمم الأوروبية 2024، وقد يزداد الأمر سوءا إذا وصلت هذه القضية إلى أروقة المحاكم.
وتشير بعض الأسئلة التي طرحتها الاتحادات المحلية إلى الطريقة الأوسع التي تدار بها كرة القدم ككل، واحتمال اتخاذ قرارات أحادية بشأن جدول المباريات لانتهاك قانون المنافسة. في الحقيقة، يتجاوز الأمر مجرد نقاش حول جدول مواعيد المباريات!
وستراقب الأندية الوضع من كثب: خاصة تلك التي تشعر بالانزعاج من الجوائز المالية المعروضة، على الرغم من أنه من المقرر أن تشارك في البطولة خلال الصيف المقبل. وبينما تم انتقاد كارلو أنشيلوتي سريعاً بعد أن قال إن ريال مدريد لن يجد الفوائد الاقتصادية لهذه البطولة جديرة بالاهتمام، إلا أنه لم يكن يقول ببساطة ما بدر في ذهنه على الفور.
فريال مدريد ليس النادي الوحيد الذي يتساءل عما إذا كان الفيفا، الذي فشل حتى الآن في التوصل إلى اتفاق بشأن حقوق البث التليفزيوني للبطولة، بإمكانه أن يجد الحافز الكافي الذي يدفع الأندية للسفر عبر المحيط الأطلسي للمشاركة في هذه البطولة.
وهذا أمر مهم لأن - كما قال رئيس اتحاد كرة القدم في أحد البلدان في فندق أدلون كمبينسكي - أندية النخبة عازمة على الذهاب إلى أي مكان يوجد فيه المال! وكانت المحكمة التجارية في مدريد قد أصدرت حكما قالت فيه إن سلطات كرة القدم قد «أساءت استخدام مركزها المهيمن» عندما أطل مشروع دوري السوبر الأوروبي برأسه في عام 2021. والآن، يواجه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم انتقادات أيضا بسبب الشكل الجديد لدوري أبطال أوروبا.
ويقدم الشكل الجديد لدوري أبطال أوروبا، الذي سيبدأ في سبتمبر (أيلول) المقبل، وعودا بمنح الأندية بعض الأموال التي تريدها، ويزيد عدد المباريات بمقدار مباراتين إضافيتين على الأقل لكل فريق في دور المجموعات. يحتاج الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إلى أن ينجح هذا النظام، وهناك اعتراف واسع النطاق بأن عامة الناس، في هذه المرحلة على الأقل، ليس لديهم فكرة تذكر عن الكيفية التي ستقام بها هذه البطولة وفق ما يسمى «النظام السويسري».
وعلى الرغم من أن كثيرا من الشخصيات البارزة في كرة القدم الأوروبية سعداء بهذا الشكل الجديد، فإن آخرين يتساءلون بصوت عالٍ عما إذا كانت هذه نقطة انتقال إلى نظام مختلف بدءا من عام 2027. فهل من المعقول أن تقام بطولة من 32 فريقاً يتم تحديد مراكزها بناء على النتائج خلال دورة السنوات الثلاث السابقة؟
لا أحد يعرف من سيكون موجوداً للإشراف على هذه العملية. وأعلن ألكسندر تشيفيرين، رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، في فبراير (شباط) الماضي أنه لن يترشح لولاية أخرى عندما تجرى الانتخابات المقبلة بعد ثلاث سنوات. ويُعتقد أن تشيفيرين لا يزال مصمما على هذا الرأي، لكن عدداً من الحلفاء المقربين، الذين يمثلون الدول الصغيرة والمتوسطة الحجم على وجه الخصوص، يرغبون في أن يتراجع عن موقفه.
وإذا ترشح تشيفيرين مرة أخرى، فمن المرجح أن يفوز من دون منازع، لأنه نادرا ما يخسر الرئيس الموجود بالفعل أمام منافس جديد، وليس هناك بديل واضح له في الوقت الحالي. لكن لو التزم بكلمته وقرر عدم الترشح، فسيكون المجال مفتوحا، وربما يستطيع شخص يتمتع بخلفية كروية مثل أندريه شيفتشينكو، الذي ترك انطباعاً إيجابياً خلال الأشهر الأولى من رئاسته للاتحاد الأوكراني لكرة القدم، أن يلفت الأنظار إذا ما تم إقناعه بالترشح.
كل هذه الأمور تضيف مزيدا من الغموض إلى الوضع الحالي الذي يتسم بعدم الاستقرار والمصالح المتنافسة القوية، ويشير إلى أن الفترة المقبلة ستشهد الكثير من المطبات الصعبة!
* خدمة «الغارديان»