بين الجبال التي اكتست باللون الأخضر، والأودية التي نبتت على امتدادها القرى الريفية التي لم يخالطها زحام المدينة ولا ضوضاؤها، يختار زوار مدن المرتفعات الباردة في السعودية أن يستقر بهم المقام بين أحضان الطبيعة لخوض تجربة سياحية ريفية بطابع تراثي فريد.
وأضحت مناطق الأرياف في المرتفعات السعودية، بما تحويه من آثار للحياة القديمة وطرازها وعمرانها التقليدي، خياراً مفضلاً لدى الكثير من السياح والمصطافين من داخل وخارج البلاد، إذ يجد فيها السائح فرصةً للعيش وسط طبيعة بِكر مجهزة بمشاريع نُزل مخصصة لعشاق السياحة الريفية، تشركهم في خوض تجارب الحياة الريفية بكل أشكالها، وتضيف إلى تجربتهم بُعداً آخر.
هذه الاتجاهات الجديدة سلطت الضوء على عدد من القرى التي كانت منطويةً في كنف الجبال ووسط الأودية الفسيحة، إلا أنها اليوم أضحت وجهةً لها شهرة واسعة وتشهد إقبالاً كثيفاً من السياح الراغبين في الغوص في الطبيعية الممزوجة بأدق التفاصيل العمرانية التي حافظت عليها مع مرور الزمن.
يقول عبد الله بن محمد، القادم من مكة المكرمة، عن زياراته المتكررة إلى قرى بني مازن في منطقة عسير: «لقد كانت حتى وقت قريب مكاناً غير مكتشف للكثير من المصطافين، لكنها اليوم أصبحت مكتظةً بالزوار الذين يفضلون رؤية الطبيعة البكر، ويستمتعون بأجواء المكان خلال فترة فصل الصيف، وتحت زخات المطر ونسيم المكان الذي حافظ على هيئته الأولى».
وتطلّ قرى بني مازن على مدينة أبها، وتبعد عنها حوالي 8 كيلومترات غرباً، وتتمتع ببساط أخضر يغطي مجمل مساحتها التي تقع على نحو 4500 كيلومتر، وتجمع المنطقة التي تمتد بمحاذاة قرى السودة أعلى نقطة في السعودية وجبل «تهلل» جنوباً، الطبيعة البكر والمدرجات الزراعية والأودية المشعة بالحياة والماء، كما أنها تعدّ نافذة تاريخية من خلال بيوتها التراثية التي احتفظت بطابعها العمراني التقليدي، وبعض الآثار العريقة مثل مسجد يزيد بن معاوية المبني من الحجر، الذي يرجح سكان المنطقة أن تاريخ بنائه يعود إلى عام 70 للهجرة النبوية.
ويتابع هاوي رحلات «الهايكنج» عبد الله محمد «أن هناك اتجاهاً للاصطياف في القرى الباردة في المرتفعات السعودية، فهي أكثر خضرةً وأقل ازدحاماً من المدن، وبدأت تشهد ازدياداً في عدد المشاريع العائلية من أهل القرى لاستقبال الناس في نُزل وأكواخ ومنازل محلية لها طابع تراثي ريفي، وأصبح هناك انتشار لمقاطع فيديو وصور جميلة لعدد من المواقع بقرى بني مازن في عسير وآل موسى في الباحة وغيرها من القرى والأرياف التي تقدم تجرية سياحية وتراثية ممتعة».
وشجعت الحركة السياحية الكبيرة والإقبال على الأرياف التي تشهدها عسير، أبناء المنطقة، على تطوير مشاريع سياحية متنوعة، وتحولت بعض القرى الأثرية والقلاع والمزارع الجبلية إلى علامات تجارية ونزل ريفية مخدومة، ووجهات سياحية استثنائية، تستثمر في روح المكان، ببعده التراثي وطابعه الريفي، خصوصاً في متنزهات السودة وجبل نهران وقرى بني مازن، وسط غابات العرعر والمدرجات الزراعية.
وافتتح بعض رواد الأعمال مقاهي ريفية عائلية، توفر خدمات سياحية مختلفة، مثل الجولات السياحية في أحضان الطبيعة للتعريف بأبرز المعالم التاريخية والأثرية في المنطقة تقدم أكلات شعبية تقليدية من منطقة عسير، وتفتح المجال لتدريب الأطفال على زراعة بعض المنتجات والمحاصيل المعروفة محلياً.
وتستهدف السعودية تطوير القطاع السياحي وتحقيق تنوع في الخيارات والوجهات، وتنمية سياحة المناطق الزراعية والريفية، كأحد تحولات السياحة السعودية للمساهمة في إثراء التجربة السياحية المحلية، وإيجاد عناصر للترفيه في المزارع، حيث أضحت السعودية واحدةً من أهم الوجهات السياحية الواعدة في المنطقة، وتصدرت نتيجة عدد من المبادرات والخطوات غير المسبوقة لدعم القطاع قائمة الأمم المتحدة للسياحة العالمية في نمو عدد السياح الدوليين عام 2023، وفقاً للموقع الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة.