«كيفوتوس» أعلى نقطة في سانتوريني والمحطة الأخيرة للشمس قبل مغيبها

جزيرة تترجم معنى السفر الخيالي

غرف فندقية على شكل كهوف (الشرق الأوسط)
غرف فندقية على شكل كهوف (الشرق الأوسط)
TT

«كيفوتوس» أعلى نقطة في سانتوريني والمحطة الأخيرة للشمس قبل مغيبها

غرف فندقية على شكل كهوف (الشرق الأوسط)
غرف فندقية على شكل كهوف (الشرق الأوسط)

جزر اليونان عديدة، ولكن يبقى لسانتوريني سحرها الخاص، فصدَق من أطلق عليها اسم «كاليستي» وتعني هذه الكلمة «الأجمل» باللغة اليونانية القديمة.

من زار سانتوريني الواقعة في جنوب بجر إيجة، والتي تعدّ جزءاً من جزر سيكلاديس، يدرك مدى روعة هذا المكان الصامت والذي يهمس في الجدران الصخرية المحيطة ببحيرة «كالديرا» التي تشكلت بعد الانفجار البركاني الذي حدث قبل نحو 3600 عام.

بيوت وفنادق بيضاء بقبب زرقاء تترامى على قمم المنحدرات وكأنها ثلوج (شاترستوك)

الجزيرة معروفة بمناظرها الخلابة وفنادقها وبيوتها البيضاء ذات القبب الزرقاء المحفورة في الصخر، أشهر قراها «ثيرا» Thera وتلفظ «فيرا» و«Oia» وتلفظ «إيا»، بالإضافة إلى قرية «إميروغيغلي» Imerovigli التي تعدّ الأقدم والأقل زحمة والأعلى فوق سطح البحر في الجزيرة وتطل على صخرة «سكاروس» التي كانت بالماضي تضم في أعلاها قلعة بيزنطية كانت تستخدم لصد هجمات القراصنة.

يمكن الوصول إلى سانتوريني بحراً وجواً، فهي تبعد نحو 200كلم جنوب شرقي العاصمة اليونان، وتسيّر شركات عديدة من بينها «سي جيت» رحلات بحرية عديدة يومياً للوصل إليها والتنقل ما بين الجزر اليونانية.

روعة حقيقية في سانتوريني الحالمة والرومانسية (الشرق الأوسط)

بدأت الرحلة من لندن، هناك شركات طيران عدة تسيّر رحلات يومية مباشرة تصل إلى مطار «ثيرا» في سانتوريني، تستغرق الرحلة نحو 4 ساعات تنقلك إلى مناخ دافئ يزودك بجرعة كافية من الفيتامين «دال».

اخترنا الإقامة هذه المرة في قرية «إيميروفيغلي» الهادئة، والتي تبعد نحو 15 دقيقة بالسيارة من المطار، خيارات الإقامة عديدة جداً وكلها تندرج تحت نسق واحد من حيث إنها كلها محفورة في الجبال تصل إليها عبر مسارات خاصة وسلالم تتطلب بعض الجهد البدني، وأغلب الغرف والأجنحة الفندقية تضم برك سباحة خاصة لكل منها؛ وذلك لأن الشواطئ ليست هي الأجمل في هذه الجزيرة.

إطلالات رائعة تشتهر بها سانتوريني (الشرق الأوسط)

مغيب الشمس بالنسبة لي يبعث في نفسي شعوراً لا يمكن وصفه، فأردت أن أتنعم بمشهد الشمس وهي تغيب من أجمل وأعلى نقطة في الجزيرة فاخترت الإقامة في «كيفوتوس سانتوريني» Kivotos Santorini الذي يتميز بأشياء عدة ، على رأسها لونه الخارجي الداكن ليكون مكان الإقامة الوحيد بهذا اللون بين باقي الكهوف البيضاء، تم اختيار هذا اللون ليجسد لون البراكين، وتم وضع قطع زجاجية صغيرة على الجدران الخارجية تضاء ليلاً باللون الأحمر لكي تضيف سحراً يذكرك بأنك في ضيافة أرض البراكين. تم تصميم «كيفوتوس» وتعني التسمية «القوس» على شكل سفينة، وهذه خطوة جريئة جداً في جزيرة بيضاء، تكلل بيوتها وفنادقها المنحدرات البركانية وكأنها ثلوج بيضاء، ولكن هناك مغذى من هذا يدور حول فكرة التحكم بالإحساس من خلال اختيار الإضاءة التي تتناغم مع حواسك وشعورك.

عندما تجلس على شرفة مطعمه «مافرو» المطلة مباشرة على صخرة «سكاروس» التي يتسابق الزوار على الوصول إلى قمتها لوداع الشمس، تشعر يومياً بأن عقارب الساعة قد توقفت وساد الجزيرة السكون، وتوجهت كل الأنظار إلى الأفق البعيد لرؤية الشمس وهي تختفي وراءه على أنغام الموسيقى الهادئة.

فتح «كيفوتوس» أبوابه عام 2019 وتملكه عائلة ميكوبولوس اليونانية التي لها باع طويل في مجال الضيافة والفن والهندسة المعمارية، وهذا واضح من خلال تصميم ديكور الغرف والأجنحة المطلية بلون داكن جداً تتخلله إنارة خافتة منبعثة من الجدران، معظم الأجنحة تضم بركة سباحة خاصة بها أو جاكوزي داخلية، وبعضها يمتد على طابقين وكلها مطلة على الكالديرا وعلى قمة المنحدرات الصخرية بالجزيرة.

بِركة سباحة خاصة بكل غرفة وجناح (الشرق الأوسط)

أجمل ما في هذا المكان هو مفهمومه للضيافة غير التقليدية، حيث يأخذ الضيوف في رحلة تعيد اكتشاف أنفسهم وإعادة جدولة ما هو مهم في الحياة، فهو يجذب النزلاء والزوار من خارجه للتمتع بأجمل الإطلالات البانورامية روعة بحكم علوه الشاهق والتمتع ببركة السباحة الزجاجية وتناول ألذ الأطباق في مطعم «مافرو» الذي يقدّم المأكولات المتوسطية بلمسة عصرية جداً وبتصرف من الطاهي الرئيسي فيه الشيف ديميتريس كاتريفيسيس. ولا يقتصر هذا الشعور على فترة الغروب إنما أيضاً عندما تستيقظ باكراً، وتجلس على شرفتك الخاصة وتحتسي القهوة وتتناول الفطور اليوناني وتشاهد الجزيرة وهي تستيقظ بهدوء، ولا يتخلل هذا المشهد إلا همسات المارة على السلالم ورؤية من استيقظ باكراً مثلك لتنفس الهواء النقي وإلقاء همومه اليومية في ماء البحر واغتسال روحه في واحة من السلام والسكينة.

هل أعطيت سانتوريني تقديراً مبالغاً به؟

جناح رائع مطلّ على مناظر خلابة (الشرق الأوسط)

هذا السؤال يطرحه كل من لم يزر سانتوريني بعد، والسبب بديهي جداً، فهي جزيرة هادئة جداً، وتقتصر على الرومانسية، وتشتهر كونها من أكثر الجزر اليونانية التي يقضي فيها العرسان شهر العسل أو يقيمون فيها أعراسهم أو حتى يتقدمون لطلب الزواج فيها، تزخر بالكثير من الزيارات والنشاطات التي يمكن القيام بها، ولكن برأي أعتقد بأن الإقامة فيها تكفي لأربعة أو خمسة أيام فقط، ومن أهم ما يمكن أن تقوم به هو اكتشاف كالديرا سانتوريني التي تعدّ إحدى عجائب الدنيا الطبيعية في العالم وارتبطت بأسطورة مدينة أتلانتس. فهي مكونة من الصخور والمنحدرات والجزر البركانية التي تندمج برشاقة مع زرقة البحر والسماء.

غرف فندقية على شكل كهوف (الشرق الأوسط)

أفضل طريقة لاكتشافها عن طريق استئجار قارب في رحلة بحرية في أثينيو أو جيالوس أو أمودي والاستمتاع بجولة حولها واستكشاف «إيا» و«فيرا» النابضتين بالحياة، حيث تضم كل منهما العديد من المطاعم والمتاجر الصغيرة التي تبيع المنتجات المحلية.

غرفة تجعلك تشعر وكأنك تنام داخل البركان (الشرق الأوسط)

إليك أهم الأماكن التي تستحق الزيارة في سانتوريني:

زيارة الشواطئ:

شاطئ الأحمر: برماله الحمراء التي تجعله فريداً من نوعه.

شواطئ بيريسا وكماري: التي تتميز برمالها السوداء البركانية.

زيارة الأماكن الأثرية:

أكروتيري: المدينة الأثرية المدفونة تحت الرماد البركاني.

فيرا القديمة: الموقع الأثري الذي يعود إلى الفترة المينوية.

الينابيع الساخنة:

تقع بالقرب من جزيرة نيا كاميني البركانية، وتشتهر بمياهها الساخنة الغنية بالمعادن.

النشاطات البحرية:

الغوص، السنوركلينغ، ورحلات القوارب حول الكالديرا والينابيع الساخنة.

الهندسة المعمارية الفريدة:

المنازل التقليدية التي تشبه الكهوف والمعروفة باسم «هيبوسكاستا» (Hyposkasta )، والتي تبنى داخل الصخور البركانية لتوفير حماية من الحرارة والبرودة.

استكشاف «إيا»:

تُعَدُّ «إيا» واحدة من أكثر الأماكن جاذبية في سانتوريني، تشتهر بمنازلها البيضاء ذات القبب الزرقاء. يمكنك التنزه في شوارعها الضيقة المرصوفة بالحصى والاستمتاع بالمحال الصغيرة والمقاهي الرومانسية. لا تفوّت فرصة مشاهدة غروب الشمس الساحر، فهو يُعَدُّ من أجمل مشاهد الغروب في العالم.

زيارة فيرا:

فيرا هي العاصمة النابضة بالحياة لجزيرة سانتوريني. يمكنك زيارة المتاحف مثل متحف الآثار ومتحف ما قبل التاريخ، واستكشاف البازار المحلي، وتناول وجبة في أحد المطاعم التي تطل على البحر. كما يمكنك ركوب التلفريك أو النزول على الدرج الطويل الذي يصل إلى الميناء القديم.

زيارة مدينة أكروتيري الأثرية:

أكروتيري هي موقع أثري يعود إلى العصر البرونزي، وقد دُفنت تحت الرماد البركاني منذ أكثر من 3600 عام. يمكنك استكشاف بقايا المباني والمنازل والمتاجر التي تعود إلى تلك الفترة، والتعرف على الحياة القديمة في سانتوريني.

أفضل طرق التجول في الجزيرة؟

استئجار سيارة

المزايا: يمنحك حرية التنقل واستكشاف الجزيرة في وقتك الخاص. يمكنك زيارة الأماكن البعيدة عن المناطق السياحية الشهيرة.

المواقع: يمكنك استئجار السيارة من مطار سانتوريني أو من مراكز تأجير السيارات في فيرا وإيا.

النصائح: تأكد من الحجز مسبقاً خاصة خلال موسم الذروة، وكن حذراً عند القيادة على الطرق الضيقة والمتعرجة.

استئجار دراجة نارية أو ATV

المزايا: خيار شائع بين السياح ويمكنك استئجار دراجات نارية أو مركبات رباعية الدفع (ATV) لاستكشاف الجزيرة.

المرونة: مثالي للأزواج أو الأفراد الذين يرغبون في تجربة مغامرة أكثر حيوية.

النصائح: تأكد من ارتداء الخوذة واتباع قواعد السلامة المرورية.

استخدام الحافلات المحلية

المزايا: وسيلة اقتصادية ومريحة للتنقل بين المدن الرئيسية والقرى.

التغطية: الحافلات تربط معظم المناطق السياحية مثل فيرا وإويا وكماري وبيريسا.

النصائح: تحقّق من جداول الحافلات مسبقاً؛ لأنها قد تتغير حسب الموسم.

استئجار تاكسي

المزايا: مناسب للتنقلات القصيرة أو إذا كنت ترغب في راحة تامة.

التوافر: التاكسيات متوافرة في المدن الرئيسية.

النصائح: تأكد من الاتفاق على السعر مسبقاً أو استخدام التاكسيات ذات العداد.

جولات المنظمة

المزايا: تتيح لك فرصة استكشاف الجزيرة مع دليل محترف. تتوافر جولات برية وبحرية تشمل زيارة المواقع الرئيسية.

الأنواع: يمكنك اختيار جولات بالحافلة أو بالقوارب، حسب اهتماماتك.

النصائح: احجز الجولات مسبقاً خاصة في موسم السياحة العالية.

المشي

المزايا: طريقة رائعة لاستكشاف القرى الصغيرة والأزقة الضيقة خاصة في إيا وفيرا.

التجربة: ستستمتع بالمناظر الخلابة والتفاعل مع السكان المحليين.

النصائح: ارتدِ أحذية مريحة واحمل معك خريطة أو استخدم تطبيقات إلكترونية على هاتفك الذكي.

الدراجات الهوائية

المزايا: خيار بيئي وصحي، مناسب للتنقلات القصيرة.

التجربة: يمكنك استئجار دراجات هوائية واستكشاف المناطق القريبة.

النصائح: تأكد من استعدادك للطرق المتعرجة والمرتفعات.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.