تتواصل ضغوط الوسطاء للذهاب إلى اتفاق تهدئة في قطاع غزة، وسط جولات مكوكية تستضيفها القاهرة والدوحة، كان من بين نتائجها حديث إسرائيلي عن «مقترح» للانسحاب من معبر رفح الحدودي بين مصر والقطاع.
ويقول خبراء إن الوسطاء يقومون حالياً بمهمة لتقريب وجهات النظر للوصول إلى اتفاق عبر تفادي أي «عراقيل أو مناورات» تمنع الانتقال إلى وقف النار، متوقعين أن يشهد ملف معبر رفح «حلولاً» وفق رؤية القاهرة في أول مراحل تنفيذ صفقة الهدنة التي طرحها الرئيس الأميركي، جو بايدن، في نهاية مايو (أيار) وتشمل 3 مراحل.
والثلاثاء، كشف مصدر مصري رفيع المستوى لقناة «القاهرة الإخبارية»، استمرار مفاوضات الهدنة بالقاهرة مع «نشاط مكثف» للوفد الأمني المصري لـ«تقريب وجهات النظر» بين كل الأطراف، لافتاً إلى أن «هناك اتفاقاً» حول كثير من النقاط قبل استئناف المفاوضات في الدوحة، الأربعاء، ثم في القاهرة، الخميس.
ووفق إعلام إسرائيلي، فإن أبرز نقاط الخلاف بين الطرفين هي الضمانات والتعهدات بالالتزام بأي اتفاق، وأسماء الأسرى وعددهم، والانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وترتيبات اليوم التالي للحرب.
حلحلة الموقف
رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، علي الحفني، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك رغبة في المرحلة الحالية لحلحلة الموقف والذهاب لهدنة» في ضوء محاولات مصرية لتقريب وجهات النظر بين كل الأطراف، مستدركاً: «لكننا إزاء مسائل معقدة ومختلفة» عما سبق، لا سيما مع حرب مستمرة للشهر العاشر وسيطرة إسرائيلية شبه كاملة على القطاع، إلا أن «خبرة مصر التراكمية» مع مواجهات «حماس» وإسرائيل والضغوط الأميركية، ستكون عاملاً مهماً بهذه الجولة التفاوضية، وفق الأكاديمي المتخصص في الشأن الإسرائيلي، الدكتور أحمد فؤاد أنور الذي لم يستبعد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، استمرار «عراقيل بنيامين نتنياهو» التي تهدد الاتفاق.
ترتيبات جديدة
وفق «هيئة البث الإسرائيلية»، الثلاثاء، فإن وفد التفاوض الإسرائيلي ناقش في القاهرة مسألة «إنشاء حاجز تحت الأرض» على طول الحدود مع مصر لـ«منع تهريب الأسلحة»، وأيضاً «تسليم السيطرة المدنية على معبر رفح ومحور فيلادلفيا إلى للقاهرة» حال إتمام اتفاق بشأن غزة.
وتتحرك مصر بالجولة الجديدة على صعيدين متوازيين، وفق الدكتور فؤاد أنور، الأول وقف إطلاق النار، والثاني الترتيبات الأمنية المرتبطة بالاتفاق في ظل «عمليات ابتزاز» من قبل تل أبيب وحديث عن أنفاق، وبناء حاجز جديد بالحدود، لا تهدف إلا لـ«تحسين شروط التفاوض ونيل مكاسب أكبر»، إلا أن الغريب في الأمر كيف ستسلم تل أبيب للقاهرة إدارة المعبر من الجانب الفلسطيني إذا كانت تتهمها بـ«التهريب»، وفق الأكاديمي المصري الذي يرى أنه «لا بديل عن عودة السلطة الفلسطينية للإدارة كما كان اتفاق المعابر في 2005 برقابة أوروبية».
وستسعى إسرائيل لتحقيق أمرين، الأول: منطقة معقمة موازية للحدود المصرية داخل القطاع مع تركيب أجهزة استشعار لمتابعة حفر محتمل لأنفاق جديدة، أو بناء جدار تحت الأرض، والثاني نقل معبر رفح جنوباً، بشكل ملاصق للحدود بمشاركة أميركية، وكلا المطلبين لم يردا في مقترح بايدن، والقاهرة «لا تقبل الابتزاز والضغوط»، ومن ثم ستتمسك برؤيتها بشأن الإدارة الفلسطينية، وفق الدكتور أحمد فؤاد أنور.
زخم يتصاعد
وتشهد القاهرة زخماً واسعاً بشأن أزمة غزة مع وصول وفد أميركي برئاسة مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، وزيارة وفد إسرائيلي برئاسة رئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» رونين بار، بهدف مناقشة «النقاط العالقة» في اتفاق وقف إطلاق النار المحتمل في غزة.
والثلاثاء، بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في لقاء مع ويليام بيرنز بالقاهرة، «آخر مستجدات الجهود المشتركة للتوصل لاتفاق للتهدئة ووقف إطلاق النار بقطاع غزة»، حيث ثمّن الأخير «الجهود المصرية لوقف إطلاق النار»، وإدخال المساعدات الإنسانية، وفق بيان للرئاسة المصرية.
وقالت الرئاسة المصرية في بيان بعد اجتماع السيسي مع بيرنز: «أكد الرئيس في هذا الصدد الموقف المصري الرافض لاستمرار العمليات العسكرية في القطاع». وأضافت الرئاسة أن السيسي شدد أيضاً على ضرورة اتخاذ «خطوات جادة ومؤثرة» للحيلولة دون امتداد صراع غزة إلى المنطقة الأوسع.
هناك أمل
وعن نتائج المحادثات، يرى الدبلوماسي المصري، علي الحفني، أن الترتيبات التي تناقَش بالقاهرة قد تشهد ملفاتها، لا سيما المرتبطة بمعبر رفح، «انفراجة»، لكن وفق رؤية مصر بأن يكون الطرف الثاني من المعبر تحت إدارة فلسطينية التزاماً باتفاق المعابر الموقَّع في 2005.
وبطبيعة الحال، فالانتشار العسكري الإسرائيلي عقب الحرب، وفق الحفني، لن يكون كما هو، وبالتالي انسحاب تل أبيب من مناطق كمعبر رفح ومحور فيلادلفيا «وارد جداً تنفيذه».
ويأتي هذا الحراك بالقاهرة قبل يوم من توجّه رئيس «الموساد» دافيد برنياع إلى الدوحة، الأربعاء، لمواصلة بحث صفقة تبادل أسرى، ووقف إطلاق نار في غزة مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل، وفق «هيئة البث الإسرائيلية».
والجمعة الماضية، زار برنياع الدوحة لوضع الأسس لاستئناف المفاوضات غير المباشرة مع «حماس» بوساطة مصرية وقطرية، للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى، ووقف إطلاق نار في غزة.
والأحد، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، في بيان الشروط التي وضعها بنيامين نتنياهو للصفقة المنتظرة مع «حماس»، بينها إتاحة مواصلة القتال حتى تحقيق أهداف الحرب، و«منع تهريب الأسلحة إلى (حماس) عبر الحدود بين غزة ومصر»، تلاه الاثنين، تحذير «حماس» في بيان، من أن التصعيد العسكري الإسرائيلي يعيد المفاوضات إلى «المربع صفر».
وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، علي الحفني، إن مستقبل جهود الوسطاء التي تقابل بشروط إسرائيلية وتحذيرات «حماس»، يحمل سيناريوهات عديدة أولها إبرام الصفقة، والثاني العودة للجمود بسبب «عراقيل نتنياهو».
لكن الدكتور أحمد فؤاد أنور يقول إنه لا يزال «هناك أمل» في ظل ضغوط الوسطاء واقتراب الانتخابات الأميركية، غير أنه يرى أن حكومة جديدة لا يقودها نتنياهو وتكون «مؤمنة بحل الأزمة هي الخيار الأفضل».
3 مراحل
كان الرئيس بايدن قد أعلن في 31 مايو الماضي أن إسرائيل تقترح «خريطة طريق» من 3 مراحل لوقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن في قطاع غزة. ووفق الخطة، فإن المرحلة الأولى تستمر 6 أسابيع تتضمن وقفاً كاملاً ودائماً لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من جميع المناطق المأهولة بالسكان في غزة. كما تتضمن إطلاق سراح عدد من الرهائن بمن فيهم النساء والمسنون والجرحى مقابل «إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين» لدى إسرائيل، وفق ما قاله الرئيس الأميركي. أما المرحلة الثانية، فقال بايدن إنه في حال اتفق الجانبان فسيجري التفاوض على وقت دائم للأعمال العدائية، بالإضافة إلى إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء وانسحاب القوت الإسرائيلية من غزة. ووفق بايدن، يستمر العمل بوقف إطلاق النار ما دامت المفاوضات مستمرة. وقال مسؤولون إن الوسطاء القطريين ركزوا على الدفع بوقف دائم للأعمال العدائية، بينما شاركت مصر بشكل أكبر في ملف تبادل الرهائن، وإدخال المساعدات إلى غزة، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».
وفي المرحلة الثالثة، وعد بايدن بأن تكون هناك «خطة إعادة إعمار كبرى لغزة»، وإعادة رفات الرهائن القتلى.