كيف تصبح الرغبة في الاسترخاء سبباً لمزيد من القلق والتوتر؟

عندما يجبر الناس أنفسهم على الاسترخاء يمكن أن يصبحوا أكثر قلقاً (أرشيفية- أ.ف.ب)
عندما يجبر الناس أنفسهم على الاسترخاء يمكن أن يصبحوا أكثر قلقاً (أرشيفية- أ.ف.ب)
TT

كيف تصبح الرغبة في الاسترخاء سبباً لمزيد من القلق والتوتر؟

عندما يجبر الناس أنفسهم على الاسترخاء يمكن أن يصبحوا أكثر قلقاً (أرشيفية- أ.ف.ب)
عندما يجبر الناس أنفسهم على الاسترخاء يمكن أن يصبحوا أكثر قلقاً (أرشيفية- أ.ف.ب)

يُعَدُّ إدراك أنك متوتر وبحاجة إلى الاسترخاء خطوة جيدة نحو مساعدة نفسك. ومع ذلك، عندما يؤدي العثور على طرق للتخلص من التوتر إلى إضافة مزيد من التوتر إلى حياتك، فقد ينتهي بك الأمر إلى نتائج عكسية.

ويقول الدكتور مايكل شيريبا (طبيب نفسي ومضيف «بودكاست» ومؤلف) إن ظاهرة أو تجربة الأشخاص الذين يعانون من حالة من القلق أو التوتر، ويحاولون التهدئة والشعور بمزيد من الاسترخاء، من خلال إجبار أنفسهم على أخذ قسط من الراحة أو الاسترخاء، يمكن أن يؤدي إلى حلقة مفرغة من القلق المتزايد.

وعدَّ الطبيب لموقع «هيلث لاين» أنه عندما يجبر الناس أنفسهم على الاسترخاء، يمكن أن يصبحوا أكثر قلقاً، وقد يقلقون أكثر بشأن مدى قدرتهم على الاسترخاء أو كفاءتهم.

وفي سياق متصل، تقول ديبورا سيراني، (دكتورة في الطب النفسي، وأستاذة في جامعة أديلفي، ومؤلفة الكتاب الحائز على جوائز: «العيش مع الاكتئاب») إن المصطلح السريري لـ«ستريسلاكسيد» هو «الإجهاد الناجم عن الاسترخاء»، مضيفة أن «الأبحاث تشير إلى أنه إذا كنتَ تعاني بالفعل من القلق العام أو الإفراط في التفكير، فقد تكون أكثر عرضة للإجهاد من التفكير في التخفيف من التوتر». وتشير أدلة أخرى إلى أن الأفراد الذين يعانون من صراعات تخفيف التوتر، قد يتعرضون أيضاً لنوبات الهلع، بالإضافة إلى التوتر والقلق. وتقول سيراني: «ثم هناك آخرون قد يصابون بالاكتئاب؛ لأنهم لا يستطيعون الاسترخاء بحرية».

هل يقاوم الدماغ الاسترخاء القسري؟

بطرق عديدة، يقاوم الدماغ الاسترخاء القسري، وخصوصاً جزء الدماغ الذي يسمى اللوزة الدماغية، والذي يبحث دائماً عن الخطر. وفي هذا السياق، يقول شيريبا: «علينا أن نتذكر أن أدمغتنا دائماً ما تكون في وضع التشغيل، وهي في الواقع مصممة للقلق. وبعد كل شيء، هذا القلق يمكن أن يبقينا على قيد الحياة؛ لأننا ندرك دائماً المخاطر المحتملة التي قد تهددنا».

وتقول سيراني إن الأشخاص الذين يعيشون في حالة من القلق والتأمل، يواجهون صعوبات في التحكم الإدراكي، ما يعني أنهم يجدون صعوبة في «تعليق» بعض الأفكار أو وقفها لفترة.

وأضافت: «على خط مختلف، هناك بعض الأشخاص الذين قد يحتاجون إلى البقاء مشغولين؛ لأنه -لا شعورياً- قد يؤدي الهدوء والحصول على مساحة والشعور بالراحة، إلى ظهور أفكار سلبية أو ذكريات تجارب مؤلمة».

لا حدود بين العمل والراحة

وقال شيريبا إن الناس يجدون صعوبة في الاسترخاء، بسبب الضغوط الخارجية والديناميكيات الداخلية؛ إذ إنه يمكن للضغوط الخارجية -مثل العمل والدراسة والأسرة وغيرها من الالتزامات- أن تجعل الناس يشعرون وكأنهم «منفتحون» باستمرار على العالم الخارجي، وأنهم تحت تصرف الآخرين. ويضيف شيريبا: «يمكنهم بعد ذلك أن يشعروا بأنهم مُلزَمون بتلبية متطلبات هذه التأثيرات الخارجية، وعلى هذا النحو، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تصور أنه لا يُسمح لهم بالحصول على أي وقت راحة أو مساحة للاسترخاء مخصصة لهم فقط».

وأشارت سيراني إلى أن وقت العمل ووقت الفراغ لم تعد لهما حدود محددة، مفسرة: «منذ فترة طويلة، كان يوم العمل ينتهي في الساعة الخامسة مساء، وكانت عطلات نهاية الأسبوع مخصصة للراحة والاسترخاء، وفي أيام الأحد، كانت المتاجر مغلقة، مما ساعد على تسهيل قضاء الوقت في المنزل والاسترخاء». وقالت: «هذه المبادئ التوجيهية التي يمكن التنبؤ بها لم تعد موجودة بعد الآن».

علاوة على ذلك، أدت التكنولوجيا وسهولة الوصول، وغير ذلك من وسائل الراحة الحديثة، إلى طمس الخطوط الفاصلة بين العمل والرفاهية، الأمر الذي أدى إلى ما أطلق عليه عالم الاجتماع دالتون كونلي من جامعة برينستون مصطلح «Weisure» (دمج أنشطة العمل والترفيه)، ويقول سيراني: «لذا، يصبح من الصعب للغاية تخصيص وقت للاسترخاء».

تشمل الديناميكيات الداخلية التي تؤثر على القدرة على الاسترخاء الشعور بالدافع للحفاظ على النشاط، وعدم إعطاء الإذن للإبطاء والاسترخاء.

ويردف شيريبا: «في بعض الأحيان، يشعر الناس بالقلق من أنهم إذا كانوا مسترخين فسوف يشعرون بالملل، أو بدلاً من ذلك، من خلال التباطؤ والاسترخاء يمكن أن يكون هناك خوف من أنهم سيحتاجون إلى التركيز أكثر من اللازم، على الأفكار أو المشاعر التي تدور بداخلهم».

هل هناك عواقب لعدم القدرة على الاسترخاء بشكل صحيح؟

وعدَّ تقرير «هيلث لاين» أنه تم ربط الإجهاد المزمن بارتفاع ضغط الدم، مما قد يؤدي إلى النوبات القلبية والسكتات الدماغية، والتعب، والقرحة، والصداع، وآلام الظهر، وصعوبة التركيز.

وتقول سيراني: «يمكن أن يزداد الاكتئاب والقلق، وكذلك الصعوبات الاجتماعية والعلاقاتية والشخصية، عندما لا تتوقف و(تشم الورود)».

وأضافت ناتالي كريستين داتيلو (حاصلة على درجة الدكتوراه، وعالمة النفس السريري، ومدربة في كلية الطب بجامعة هارفارد) أن عدم القدرة على التوقف عن العمل والاسترخاء بشكل صحيح، يمكن أن «يعيد ضبط» الجهاز العصبي ليعمل بمستوى مفرط التحفيز، وتتابع: «مع مرور الوقت، يمكن أن يزيد هذا من صعوبة الحصول على استجابة الاسترخاء».


مقالات ذات صلة

تجارب «مذهلة»... تركيبة دوائية توقف تطور سرطان الرئة لفترة أطول

صحتك الاختراق يأتي وسط «العصر الذهبي» لأبحاث السرطان (رويترز)

تجارب «مذهلة»... تركيبة دوائية توقف تطور سرطان الرئة لفترة أطول

أشاد الأطباء بنتائج التجارب «المذهلة» التي أظهرت أن تركيبة دوائية جديدة أوقفت تقدم سرطان الرئة لوقت أطول بـ40 في المائة من العلاج التقليدي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لا مانع من بعض العزلة للأطفال والحديث معهم عندما يكونون مستعدين لذلك (أرشيفية - وسائل إعلام أميركية)

طفلي لا يريد التحدث معي... ماذا أفعل؟

تنصح طبيبة نفسية بإعطاء الأطفال مساحتهم الخاصة عندما لا يريدون التحدث.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفريق أجرى جراحة كهربائية لعلاج انسداد القنوات الصفراوية بواسطة روبوتات مصغرة (المركز الألماني لأبحاث السرطان)

روبوتات بحجم المليمتر تنفذ عمليات جراحية دقيقة

حقّق باحثون في المركز الألماني لأبحاث السرطان إنجازاً جديداً في مجال الجراحة بالمنظار، حيث طوّروا روبوتات مصغرة بحجم المليمتر قادرة على تنفيذ جراحات دقيقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك إجراء بسيط ينقذ الأطفال الخدج من الشلل الدماغي

إجراء بسيط ينقذ الأطفال الخدج من الشلل الدماغي

تجدد النقاش الطبي في جامعة «بريستول» حول إمكانية حماية الأطفال الخدج (المبتسرين) من المضاعفات الخطيرة للولادة المبكرة، أهمها على الإطلاق الشلل الدماغي (CP)

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك 6 معلومات عن كيفية التعامل مع «ثبات منحنى» فقدان الوزن

6 معلومات عن كيفية التعامل مع «ثبات منحنى» فقدان الوزن

ها قد بذلتَ جهداً جادّاً وكبيراً في بدء ممارسة الرياضة بصورة يومية، ووضعتَ برنامجاً صارماً لكمية طعامك اليومي ومحتواه بصورة منخفضة جداً في السعرات الحرارية

د. عبير مبارك (الرياض)

طفلي لا يريد التحدث معي... ماذا أفعل؟

لا مانع من بعض العزلة للأطفال والحديث معهم عندما يكونون مستعدين لذلك (أرشيفية - وسائل إعلام أميركية)
لا مانع من بعض العزلة للأطفال والحديث معهم عندما يكونون مستعدين لذلك (أرشيفية - وسائل إعلام أميركية)
TT

طفلي لا يريد التحدث معي... ماذا أفعل؟

لا مانع من بعض العزلة للأطفال والحديث معهم عندما يكونون مستعدين لذلك (أرشيفية - وسائل إعلام أميركية)
لا مانع من بعض العزلة للأطفال والحديث معهم عندما يكونون مستعدين لذلك (أرشيفية - وسائل إعلام أميركية)

لم تتوقع الدكتورة ينغ وانغ، وهي طبيبة ومعالجة نفسية، والتي يعد جزءاً من عملها أن يشعر الناس بتحسن خلال المحادثة، أن طفلها البالغ عمره 10 سنوات لا يرغب في الحديث معها.

تقول وانغ في مقال نشرته في موقع «سيكولوجي توداي»: «في أحد الأيام بعد الظهيرة، عاد ابني إلى المنزل وقد بدا عليه الانزعاج الشديد؛ كانت طاقته متوترة، وصمته ثقيلاً. وفي محاولة للسيطرة على قلقي، قلت له بلطف: (عزيزي، تبدو منزعجاً)، لكنه قال: (أنا بخير يا أمي)، وعيناه تنظران لأسفل».

وتردف الطبيبة النفسية: «لكنه لم يكن مستعداً، وبدا أن كلماتي لم تفعل سوى زيادة مقاومته. وفي حين حافظت على هدوئي الخارجي، كان الإحباط يتصاعد في داخلي».

وتقول الطبيبة في مقالها، وهي أيضاً عضو هيئة تدريس متعاون في مركز مستشفى ماساتشوستس العام للصحة العاطفية، إنها «أدركت أن حاجتي إلى معرفة ما هو الخطأ كانت مجرد حاجتي. ما كان يحتاجه في تلك اللحظة هو المساحة والأمان العاطفي. كان سيتحدث عندما يكون مستعداً لذلك - أو ربما لا يكون مستعداً لذلك - وكان بحاجة إلى الشعور بأن علاقتنا ستظل سليمة على أي حال».

وتسرد الطبيبة أن على الآباء التفرقة في مشاعرهم بين «تعليم الوعي العاطفي وإشباع حاجتنا إلى السيطرة»، وتتابع: «نطرح الأسئلة ليس فقط لمساعدتهم، ولكن لتخفيف انزعاجنا من عدم معرفة ما هو الخطأ. بالنسبة للأطفال الحساسين، قد يكون هذا أمراً مرهقاً؛ فهم يحتاجون إلى الوقت لمعالجة مشاعرهم بطريقتهم الخاصة».

وتعتبر الطبيبة أنه من المهم إنشاء بيئات داعمة عاطفياً للأطفال، حيث يشعرون بالأمان في استكشاف مشاعرهم. ومع ذلك، حتى مع الطفل الحساس، يمكن أن تؤدي أفضل النيات إلى الإحباط إذا ضغطت بشدة من أجل إجبار الطفل على التحدث.

وتنصح وانغ بأن التخلي عن السيطرة في لحظات مثل هذه هو مفتاح تعزيز الذكاء العاطفي لدى الأطفال؛ إذ يتطور الذكاء العاطفي - أي القدرة على التعرف على المشاعر وفهمها وإدارتها - بشكل أفضل عندما يُمنح الأطفال المساحة اللازمة لمعالجة مشاعرهم دون ضغوط.

ومع تقدم الأطفال في السن، يسعون بشكل طبيعي إلى مزيد من الاستقلال، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع مشاعرهم. قد تبدو محاولاتنا لـ«التحدث عن الأمور» وكأنها لعبة شد وجذب؛ نريد منهم أن ينفتحوا، لكنهم يريدون إدارة الأمور بشروطهم الخاصة. ومن خلال التخلي عن حاجتنا للسيطرة والتركيز على التواصل، نمنحهم المساحة لتطوير الذكاء العاطفي بالسرعة التي تناسبهم.

وأفاد الموقع بأن عالم النفس دانييل جولمان، المعروف بعمله في مجال الذكاء العاطفي، يسلط الضوء على أهمية الانسجام العاطفي؛ أي بدلاً من الاستمرار في الضغط من أجل الحصول على إجابات، يمكن معانقة الطفل وإخباره أننا سنكون هنا عند الحاجة للتحدث.