تثبيت التعيينات في المناصب القيادية الثلاثة في الاتحاد الأوروبي... موسكو مستاءة وتنتقد

فون دير لاين لولاية ثانية على رأس المفوضية... ورئيس الوزراء البرتغالي السابق رئيساً للمجلس... ورئيسة وزراء إستونيا ممثلة عليا للسياسة الخارجية

القيادة الجديدة للاتحاد: أورسولا فون در لاين تتوسط أنطونيو كوستا وكايا كالاس (أ.ب)
القيادة الجديدة للاتحاد: أورسولا فون در لاين تتوسط أنطونيو كوستا وكايا كالاس (أ.ب)
TT

تثبيت التعيينات في المناصب القيادية الثلاثة في الاتحاد الأوروبي... موسكو مستاءة وتنتقد

القيادة الجديدة للاتحاد: أورسولا فون در لاين تتوسط أنطونيو كوستا وكايا كالاس (أ.ب)
القيادة الجديدة للاتحاد: أورسولا فون در لاين تتوسط أنطونيو كوستا وكايا كالاس (أ.ب)

بدأ اليوم الثاني الأخير من أعمال القمة الأوروبية، واعداً بعهد جديد ينزع نحو الاستقرار في عالم مضطرب، وموجهاً رسالة واضحة مفادها أن صعود الموجة اليمينية المتطرفة لا يرقى إلى مصاف التسونامي، ولا حتى العاصفة القادرة على جنح سفينة الاتحاد، التي ما زالت قيادتها بيد الكتل السياسية التقليدية.

قادة الاتحاد الأوروبي في صورة جماعية في بروكسل (ا.ب.أ)

أعلنت موسكو أن إبقاء الألمانية أورسولا فون دير لاين رئيسة للمفوضية، وتعيين الإستونية كايا كالاس مسؤولة السياسة الخارجية «سيئ» للعلاقات مع موسكو.

الدراما الإيطالية التي بدأت فصولها مطلع هذا الأسبوع بالانتقادات اللاذعة التي وجهتها جورجيا ميلوني ضد المؤسسات الأوروبية وأساليب عملها، لم تبلغ درجة المأساة؛ إذ تمكّنت الدول الأعضاء من تثبيت التعيينات في المناصب القيادية الثلاثة للمؤسسات الرئيسية: أورسولا فون در لاين لولاية ثانية على رأس المفوضية، ورئيس الوزراء البرتغالي السابق أنطونيو كوستا رئيساً للمجلس، ورئيسة الوزراء الإستونية كايا كالاس ممثلة عليا للسياسة الخارجية.

امتنعت ميلوني عن التصويت حول تعيين فون در لاين، واعترضت على تعيين كوستا وكالاس، في حين اعترض رئيس الوزراء المجري على التعيينات الثلاثة التي توافقت عليها الكتل الشعبية والاشتراكية الديمقراطية والليبرالية التي تملك أغلبية كافية داخل المجلس.

وإذا كان اعتراض ميلوني على كوستا وكالاس من باب الاحتجاج على عملية المفاوضات التي أقصت الكتلة اليمينية المتطرفة، التي تتزعمها في البرلمان الأوروبي (الإصلاحيون والمحافظون)، فإن امتناعها عن التصويت على تعيين فون در لاين، يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال دعمها في البرلمان الأوروبي، في انتظار معرفة الخطوط العريضة لبرنامجها، ومعرفة نتائج المفاوضات الجارية حول «الحصة الإيطالية» في المفوضية الجديدة.

زيلينسكي مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان المقرب من موسكو (أ.ف.ب)

استياء روسي

 

وكان دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، أعرب الجمعة عن توقع موسكو فترة صعبة من العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. وقال إن المهارات الدبلوماسية لكالاس، خليفة جوزيب بوريل، لمنصب الممثل الأعلى الجديد للسياسة الخارجية والأمنية للتكتل، لم تتكشف حتى الآن. ووصف كالاس بأنها معروفة جيداً لموسكو «لتصريحاتها غير المقبولة على الإطلاق، والمعادية بشدة لروسيا أحياناً». كما انتقد بالمثل، أورسولا فون دير لاين. ووصف «آفاق العلاقة بين موسكو وبروكسل» بأنها ضعيفة، مضيفاً أن تطبيع العلاقات بينهما، غير متوقع.

يشار إلى أن العلاقات بين موسكو وبروكسل تدهورت في أعقاب الاجتياح الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. ومرر الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة حزمة العقوبات الـ14 لاستهداف روسيا وزعمائها.

جورجيا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا توجه انتقادات ضد المؤسسات الأوروبية وأساليب عملها (أ.ب.أ)

فون در لاين

 

عندما انهارت المفاوضات التي كانت جارية منذ أسابيع لتوزيع المناصب القيادية في مؤسسات الاتحاد مطلع صيف العام 2019، ظهر اسم أورسولا فون در لاين فجأة لتولي رئاسة المفوضية، بعد أن كانت وزيرة للدفاع في حكومة المستشارة الألمانية آنغيلا ميركل. يومها كانت لا تزال شخصية مغمورة، حتى في ألمانيا، لتصبح اليوم الوجه الأبرز في المشهد السياسي الأوروبي.

خلال ولايتها الأولى، شهد الاتحاد الأوروبي سلسلة من الأزمات التي استدعى التصدي لها الخروج باستمرار عن القواعد الراسخة منذ عقود: الشراء المشترك للقاحات إبان جائحة «كوفيد-19»، وإنشاء صندوق النهوض من الأزمة، وحزمة غير مسبوقة من التدابير في قطاع الطاقة، ثم إنشاء صندوق مشترك لتمويل شراء الأسلحة وأجهزة الدفاع لأوكرانيا.

زيلينسكي مع أورسولا فون در لاين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال والمستشار الألماني أولاف شولتس في بروكسل (أ.ب)

هذه الأزمات المتعاقبة والمتسارعة، وسمت أسلوبها في إدارة المفوضية؛ حيث كانت غالباً تجنح إلى التفرد بالقرارات، متجاهلة آراء المفوضين، ومتجاوزة صلاحياتها، ومستأثرة بإنجازات فريقها ومساعديها. هذا على الأقل ما يكرره كثير من الذين يعملون ضمن دائرتها الضيّقة.

كما تعرّضت فون در لاين لانتقادات شديدة، عندما قامت بزيارتها إلى إسرائيل بعد اعتداءات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وإطلاق العمليات العسكرية الإسرائيلية، عندما اجتمعت برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من غير أن تشير إلى انتهاكات أحكام القانون الإنساني الدولي وضرورة حماية السكان المدنيين في قطاع غزة. وثمة من يقول إنها تصرفت يومها بوحي من عقليتها الألمانية المنحازة بلا شرط لإسرائيل، في حين أصرّت هي رداً على الانتقادات بأن تلك الزيارة عزّزت الدور الدبلوماسي الأوروبي في الأزمة.

بعد التأييد الذي حصلت عليها في القمة الأوروبية من قادة الاتحاد، يبقى تعيينها مرهوناً بموافقة أغلبية أعضاء البرلمان الجديد؛ إذ يكون الاقتراع سرياً، ولا يخلو من مفاجآت اللحظة الأخيرة، علماً بأن الكتل التي تؤيدها تجمع 399 صوتاً من أصل 720.

 

أنطونيو كوستا

 

أنطونيو كوستا من المخضرمين في المجلس الأوروبي الذي شارك في أعماله طوال 8 سنوات عندما كان رئيساً للحكومة البرتغالية حتى خريف العام الماضي، ويمتلك بالتالي خبرة طويلة تساعده لتولي هذا المنصب في ظروف سياسية مضطربة بسبب الحرب على حدود أوروبا، وصعود القوى اليمينية المتطرفة والشعبوية.

يضاف إلى ذلك أنه يتمتع بمهارة سياسية يعترف له بها خصومه قبل حلفائه، وبقدرة مميزة على الحوار والتوافق. ويشكّل تعيينه أيضاً عامل توازن سياسي في بروكسل، بعد أن رجحت كفة الشرق الأوروبي إثر التوسعة الأخيرة والحرب الدائرة في أوكرانيا. وكان كوستا قد أعرب مراراً في السابق عن قلقه من تراجع حضور الجبهة الأطلسية (إسبانيا والبرتغال) في الاتحاد.

ينتمي كوستا إلى الحزب الاشتراكي البرتغالي منذ شبابه، وهو مجاز في العلوم السياسية. في العام 2015، ورغم انتمائه إلى الجناح المعتدل في الحزب الاشتراكي، توصّل إلى اتفاق مع كتلة القوى اليسارية والحزب الشيوعي البرتغالي لسحب الثقة من الحكومة اليمينية التي كان يرأسها بيدرو كويو، الذي كان قد فاز في الانتخابات العامة، وتولّى هو رئاسة الحكومة. ونجح في إقامة علاقات جيدة مع رئيس الجمهورية المحافظ، مارسيلو روبليدو، وسهّل إعادة انتخابه لولاية ثانية على حساب مرشحة الحزب الاشتراكي.

أورسولا فون در لاين تتوسط رئيس الوزراء البرتغالي السابق رئيساً للمجلس ورئيسة الوزراء الإستونية ممثلة عليا للسياسة الخارجية (أ.ب)

خلال الولايتين الأوليين على رأس الحكومة، حقق نتائج باهرة سمحت له بالفوز في انتخابات العام 2022 بأغلبية مطلقة غير مسبوقة، لكن ظهور حالات فساد طالت بعض معاونيه دفعته إلى الاستقالة في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. وحظي ترشيحه لرئاسة المجلس الأوروبي بدعم قوي من رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، والمستشار الألماني أولاف شولز.

 

كايا كالاس

 

كايا كالاس (47 عاماً) رئيسة الوزراء الإستونية، هي التي اختارتها القمة الأوروبية لتكون الممثلة العليا للسياسة الخارجية، في انتظار حصولها على تأييد أغلبية أعضاء البرلمان الأوروبي.

ولدت في الاتحاد السوفياتي، وترعرعت في كنف عائلة معروفة بانتماءاتها القومية الإستونية تعرضت للملاحقة والتعذيب خلال الحقبة الستالينية، إذ إن والدتها وجدّتها وجدّة والدتها جرى نفيهن إلى سيبيريا؛ إذ نقلن في قطارات المواشي في أربعينات القرن الماضي. أحد أجدادها كان من مؤسسي جمهورية إستونيا عام 1918، وبعد سقوط الشيوعية تولّى والدها حاكمية المصرف المركزي الإستوني حلال مرحلة انتقال الاقتصاد السوفياتي إلى اقتصاد السوق الحرة، ثم تولّى رئاسة الحكومة، وقاد مرحلة انضمام بلاده إلى الحلف الأطلسي.

كالاس مجازة في الحقوق، ومتخصصة في قانون المنافسة الأوروبي، تنتمي إلى الحزب الليبرالي، الذي مثلته 4 سنوات في البرلمان الأوروبي، قبل أن تصبح في عام 2021 أول امرأة ترأس الحكومة الإستونية. معروفة بمواقفها المناهضة بشدة لروسيا، وبدأت ترتفع أسهمها في بروكسل مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، وهي تدعو إلى مضاعفة المساعدات العسكرية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لكييف، وتشديد العقوبات على روسيا.

تعدّ كالاس أن روسيا تشنّ «حرباً في الظل» ضد الغرب، كما قالت في مقابلات عدة، وترفض أي حل تفاوضي مع موسكو يقايض الأرض بالسلم. وكانت قد كررت أيضاً، في تصريحات لها، أنه في حال عدم تعرض روسيا لهزيمة واضحة في أوكرانيا، ستهاجم دولاً أخرى في الشرق الأوروبي خلال السنوات المقبلة. وكانت السلطات الروسية قد أصدرت مذكرة توقيف بحق كالاس في فبراير الماضي، بتهمة تدمير نصب تذكاري سوفياتي في إستونيا.

يأخذ عليها منتقدوها في بروكسل نزعتها «الحربية»، وقلة خبرتها في مجال العلاقات مع أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط. وكانت شعبيتها قد تراجعت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، بعد أن كشفت وسيلة إعلامية أن إحدى الشركات التي يملكها زوجها أبرمت صفقات تجارية في روسيا خلال الحرب.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أوروبا أورسولا فون دير لاين عملت طبيبة مساعدة لعدة أعوام (رويترز)

فون دير لاين تسعف راكباً على متن رحلة إلى زيوريخ

قدّمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خدماتها بصفتها طبيبة، عندما شعر أحد الركاب بتوعك على متن رحلة جوية من بروكسل إلى زيوريخ.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الولايات المتحدة​ سفينة شحن راسية مُحمَّلة بحاويات (أرشيفية - رويترز)

هل تؤدي رسوم ترمب الجمركية إلى إشعال حرب تجارية مع أوروبا؟

قد تكون الدول الأوروبية من بين الأكثر تضرراً إذا نفذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب التعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ذخيرة لمدفع هاوتزر أثناء تدريب في قاعدة للجيش الألماني في مونستر (رويترز)

الاتحاد الأوروبي يحقق هدفه بتزويد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية

أعلن الممثل الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، اليوم (الثلاثاء)، أن الاتحاد الأوروبي حقق هدفه المتمثل في تزويد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
شؤون إقليمية غروسي قال إن طريقة العمل القديمة مع إيران لم تعد ممكنة (أ.ف.ب)

طهران تعرض تجميد مخزون اليورانيوم عالي التخصيب

تتجه الأنظار إلى اجتماع فصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ من المنتظر أن تدرس قوى أوروبية استصدار قرار «حساس» يدين إيران.

«الشرق الأوسط» (لندن)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
TT

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم أمس (الجمعة)، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة في أعقاب الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

وقال زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو: «عندما يبدأ شخص ما في استخدام دول أخرى ليس فقط للإرهاب، ولكن أيضاً لاختبار صواريخهم الجديدة من خلال الإرهاب، فإن هذه بالتأكيد جريمة دولية».

وقال زيلينسكي إن سلوك روسيا «يسخر» من مواقف الصين ودول الجنوب العالمي الداعية إلى الاعتدال. داعياً مرة أخرى إلى رد فعل قوي من المجتمع الدولي.

كما وجه زيلينسكي نداء إلى مواطنيه والدبلوماسيين الأجانب العاملين في كييف. وقال إن أوكرانيا تعمل على تعزيز دفاعها الجوي. ومع ذلك، يجب أن يؤخذ كل إنذار بغارة جوية بشكل جدي، ويجب الاحتماء في حالة الخطر.

وفي الوقت نفسه، قال إنه لا ينبغي استخدام التهديد المحتمل من هجوم صاروخي روسي كذريعة للتوقف عن العمل، في إشارة إلى السفارات المغلقة جزئياً في البلاد.

وأضاف: «عندما تنطلق صفارة الإنذار، نذهب للاحتماء. وعندما لا تكون هناك صفارة إنذار، نعمل ونخدم»، مشيراً إلى أن بوتين سيواصل ترويع أوكرانيا «لقد بنى قوته الكاملة على هذا».